أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في نقد النظرة التجزيئية ومنطق الاستبدال الإيديولوجي















المزيد.....

في نقد النظرة التجزيئية ومنطق الاستبدال الإيديولوجي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2892 - 2010 / 1 / 18 - 11:26
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


طوال نحو عقدين، بين أواسط خمسينات القرن العشرين وأواسط سبعيناته، تحققت هيمنة "تقدمية" واسعة في بلدان المشرق العربي، وصعدت إلى السلطة مجموعات "قومية اشتراكية"، ترابط في تفكيرها "النضال القومي" ضد الامبريالية بصفتها فاعل تجزئة في "الوطن العربي" وراعية دولة الاحتلال الإسرائيلي مع "النضال الاشتراكي" الموجه بدوره ضد الامبريالية بوصفها علاقة تبعية. وبعد صياغة العلاقة بين النضالين بلغة التلازم على يد ياسين الحافظ في مطالع ستينات القرن، قرر مهدي عامل في أواخر سبعيناته وحدتهما أو تماهيهما. النضال الوطني، بلغته، هو هو النضال الطبقي.
يغيب عن أفق هذه الإشكالية مفهوم الدولة. ينظر إليها عموما نظرة أداتية، تضعها في خدمة تحقيق الأهداف القومية الاشتراكية التي لا تتحقق عمليا دون السيطرة على الدولة أو الاستيلاء عليها. يحصل أن توصف أن الدولة المرغوبة اشتراكية أو وطنية، لكن المقصود هو أن النخب القائدة لها تحمل إيديولوجية اشتراكية ووطنية. يحصل أيضا أن توصف دول قائمة بأنها رأسمالية تابعة أو رجعية، لكن لا شيء يقال عن بنية الدولة وهياكلها وعلاقتها بمجتمع المحكومين وآليات صنع القرار فيها ومدى انضباطها بقوانين مرعية وضمانها المساواة الحقوقية والسياسية بين سكانها.
وبدءا من النصف الثاني من سبعينات القرن نفسه، أخذت تدين الهيمنة للفكرة الديمقراطية التي تنشغل أولا وأساسا بالدولة. وخلال الثمانينات ألفت بالعربية وترجمت من لغات أوربية أدبيات متنوعة عن الدولة وعمليات صنع القرار فيها وعن العلاقة بين الدولة والمجتمع وآليات انتقال السلطة، وبرزت قضايا الحريات العامة وحقوق الإنسان المنتهكة أساسا، بل حصرا، من قبل الدولة الاستبدادية. وعلى نحو ما عرّفت "التقدمية" نفسها بالتقابل مع "الرجعية"، الموصوفة بالعمالة للاستعمار والمحافظة الاجتماعية والثقافية، عرّفت الديمقراطية نفسها بالتقابل مع الاستبداد الذي (التقابل) يقلل من قيمة التمايز السابق، وتكاد تتلخص "نظريته" في أنه ليس فوق رجعية الاستبداد رجعية، على نحو ما عبر المرحوم جمال الأتاسي قبل وفاته (عام 2000) بسنوات. وكان ياسين الحافظ نفسه ثمن الديمقراطية اللبنانية على علات لها لم تكن خافية عنه، فيما قلل من شأن الفرق بين "تأخرالية" (تأخر رأسمالي) وتأخراكية (تأخر اشتراكي). في أساس هذا الموقف، تحوّلٌ من التمركز حول الامبريالية الذي ميز الإشكالية التقدمية إلى تفكير متوجه نحو بنى الداخل الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية.
لكن على نحو ما جعلت الإشكالية التقدمية الدولة غير مرئية، جعلت الإشكالية الديمقراطية الدين غير مرئي. طوال عقدين أو أكثر من هيمنته قلما انشغل التفكير الديمقراطي بالمسألة الدينية، هذا حين لم ير في الإسلاميين سندا لتطلعاته التغييرية المضادة لـ"الدولة الاستبدادية". الواقع أن سنوات الهيمنة الديمقراطية في أوساط "الانتلجنسيا" العربية (لم يحكم الديمقراطيون أي بلد، خلافا للتقدميين) هي ذاتها سنوات صعود الحركات الإسلامية، أو ما يسميه الإيديولوجيون الإسلاميون "الصحوة الإسلامية". لكن السؤال الذي طرحه الديمقراطيون وعموم المثقفين على أنفسهم بخصوص الظاهرة الإسلامية كان منصبا أساسا على "أسبابها". وعلى تنوع في إجابات السؤال، كان المشترك بينها يحيل إلى قصور متعدد الوجوه للدولة: اقتصادي واجتماعي وديمغرافي، فوق استبداديتها التي بلغت بالفعل في عقدي القرن العشرين الأخيرين مرتبة الطغيان الأهوج.
بالمقابل قلما طرح حينها سؤال حول الصفة الإسلامية لتلك الحركات، أعني تعاليمها وعقائدها، أو التعاليم والعقائد الإسلامية التي تصدر عنها. لكن شيئا فشيئا منذ تسعينات القرن تحولت بؤرة التركيز من أسباب ظهور تلك الحركات، إلى تفكيرها وعقلها ومرجعيتها، "الإسلام". أما بعد 11 أيلول 2001، فقد انتقل "الإسلام" إلى لب النقاش السياسي والفكري، لدينا كما في الغرب.
وبموازاة ذلك صعدت إشكالية جديدة متمركزة حول الدين، بينما تشغل الدولة حيزا هامشيا فيها، هذا حين لا تعتبر سندا محتملا: إشكالية العلمانية. ومثل الدولة توارت عن الأنظار تقريبا قضايا السيطرة الدولية التي كانت تنشغل بها الإشكالية التقدمية.
والواقع أنه لا صعود الفكرة الديمقراطية عنى زوال تيار إيديولوجي وسياسي قومي اشتراكي، ولا آذن صعود إشكالية العلمانية بزوال التيار الديمقراطي. لكن من منظور أي من هذه التيارات الثلاث لا تكاد القضايا التي يطرحها التيارات الآخران تكون مفهومة أو قابلة للشرح. ولا يندر أن يجري تبادل الاتهامات بين من يعتبرون أنفسهم ممثلين لهذه التيارات، كل وفق معجمه وحساسياته. كأننا نناضل من أجل دوام النظرة التجزيئية.
على أن عالم ما بعد 11 أيلول الذي أعطى دفعة للانشغال بقضايا الدين والعلمانية هو نفسه العالم الموسوم بشكل متجدد من السيطرة الاستعمارية، وهو نفسه أيضا العالم الذي تبدو فيه بلداننا متوزعة بين استبداد خانق وبين تفكك داهم. لا يبدو، والحال كذلك، أنه يمكن القفز على أي من الإشكاليات الثلاث، ولا الاكتفاء بأي منها.
التفكير السياسي العربي يبدو مشلولا أمام هذا الواقع، لا يكاد يحرك ساكنا حياله.
وفيما نرى لا يجدي استنفار المقاربات القومية والديمقراطية التقليدية، أما المقاربة العلمانية الرائجة فلا تصلح لشيء. الانطلاق من أي منها يعطي صورة مجزأة عن واقع مركب، يتعذر شرحه أو العمل فيه دون رؤيته ككل. بالمقابل لا يبدو أن هناك جهودا تبذل لتجديد التفكير في كل منها وفيها معا. المزاج المهيمن في أوساطنا لا يبدو متعبا مستسلما فقط، بل يكاد يكون متشككا وساخرا إزاء إعادة النظر بجدية في إشكاليات الماضي القريب. هناك مسائل كثيرة، كل المسائل، لا تناقش اليوم ولا يستأنف التفكير فيها. تترك للإهمال والسخرية.
وعلى هذا النحو ترتسم لوحة يتقابل فيها إيديولوجيون ثقلاء متعنتون مقابل نافضي أيدي مستخفون وخفيفون.
كذلك لا يفي بالحاجة نقد الإيديولوجيات المألوف. إن مشكلة جميع الإيديولوجيات لا يمكن أن تكون مشكلة إيديولوجية، تحل بالاستبدال الإيديولوجي أو اعتناق إيديولوجية جديدة. لدينا واقع مركب، تتداخل فيه مشكلات الدولة والدين والعلاقات الدولية، فلا يسع أية تمثيلات مبسطة أن تحيط به. لكن يمكن لتكشف مشكلة الإيديولوجيات ولنقدها أن يكونا فرصة سانحة لتعرف أوثق على هذا الواقع المركب. من شأن نقد العلمانية أن يكون مدخلا إلى دراسة الشأن الديني، ويسع نقد الديمقراطية أن يكون فرصة لدراسة الدولة والمجتمع، وينفتح نقد التقدمية على دراسة التاريخ، فيما يصلح نقد القومية بابا إلى تحليل العلاقات الدولية والعالم المعاصر. على هذه الصورة ينفتح نقد أيديولوجياتنا على العلوم الاجتماعية، أو بعبارة أبسط على معارف أكثر انضباطا وأقل انفعالا. الأمر الذي نرجح أنه يسهل أمر العلمانية والديمقراطية والتقدمية أيضا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وضع -الدين العام-.. مناقشة في الشأن الديني السياسي العربي
- في الفتوى و-التفاتي- وصناعة التقليد
- الشعبوية إذا تنتحل.. قناع الكونية
- بصدد أزمة الفكرة الديموقراطية في التفكير السياسي العربي
- في نقد السياسوية: -إعلان دمشق- والطريق المسدود
- في شأن ما يطرحه علينا الاستفتاء السويسري من أسئلة أخلاقية وس ...
- -العلمانية الأمية-: في المحصلات المحتملة للفصل بين العلمانية ...
- الدولة السلطانية المحدثة وسيف الحروب الأهلية
- الثقافوية العربية المعاصرة، خصائص منهجية ومحددات أساسية
- من -الخيار الثالث- إلى -وضعية يسارية- جديدة
- الواقع سيئ، اماذا ينبغي أن نكون سيئين؟!
- طوباوياتنا المعاصرة... جامدة متناقضة وغير تحررية
- في اقتران التفكير التسليمي بالعلاقات الولائية، والعكس
- استئناف نقاش غائب في شأن مفهوم الإيديولوجية وإحالاته
- عبيد السلطة وعبيدهم وما إلى ذلك
- ما هي الرقابة؟ وماذا تراقب؟
- في أبنية الدولة السلطانية المحدثة: ليبرالية اجتماعية وطغيان ...
- من الطاعة المفروضة إلى التطوع الذاتي
- في الوقائع نصف الغريبة لاختفاء الشعب
- في شأن إيران والغرب و..العرب!


المزيد.....




- تورطت بعدة حوادث مرورية ودهس قدم عامل.. شاهد مصير سائقة رفضت ...
- مؤثرة لياقة بدنية في دبي تكشف كيف يبدو يوم في حياتها
- مصر.. اكتشاف أطلال استراحة ملكية محصّنة تعود لعهد الملك تحتم ...
- شي جين بينغ يصل إلى صربيا في زيارة دولة تزامنا مع ذكرى قصف ا ...
- مقاتلة سوفيتية -خشبية- من زمن الحرب الوطنية العظمى تحلق في ع ...
- سلالة -كوفيد- جديدة -يصعب إيقافها- تثير المخاوف
- الناخبون في مقدونيا الشمالية يصوتون في الانتخابات البرلمانية ...
- قوات مشتركة في الفلبين تغرق سفينة خلال تدريبات عسكرية في بحر ...
- مسؤول: واشنطن تعلق إرسال شحنة قنابل إلى إسرائيل بسبب رفح
- وسائل إعلام: الاتحاد الأوروبي قد يفرض عقوبات على ممثل أمريكي ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في نقد النظرة التجزيئية ومنطق الاستبدال الإيديولوجي