أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - أي حل لعقدتنا الغوردية؟















المزيد.....

أي حل لعقدتنا الغوردية؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2956 - 2010 / 3 / 26 - 14:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أوضاع المشرق العربي معقدة جدا. تعقيدها متولد من تفاعل قوى ثلاث. النظم الحاكمة الاستبدادية المعنية بتأبيد حكمها، "الإسلام" مفهوما كحركات اجتماعية وسياسية تشترك في تطلعاتها السلطوية ورفضها للحداثة، والغرب كحداثة وسلطة عالمية غير ودودة تجاه مجتمعاتنا وثقافتنا، وككتلة دولية مجمعة على رعاية متطرفة أو أشد تطرفا لإسرائيل. تواتر في التاريخ المعاصر أن تشكلت تحالفات أو تفاهمات ثنائية ضد طرف ثالث. في "الحرب ضد الإرهاب" قام تفاهم بين السلطات والغرب ضد الإسلاميين، وفي وقت سابق تفاهم الإسلاميون وقوى غربية ضد سلطات استقلالية أو مدعومة من المعسكر الشرقي، وتنبني فكرة الممانعة اليوم على ضرب من تحالف بين نظم حاكمة وحركات إسلامية مقاومة ضد الغرب.
وسمة التفاهمات أو التحالفات هذه أن أطرافها قلما تثق ببعضها، أو تحترم أو تود بعضها، وأنه لا أسس ثقافية لتفاهماتها المحتملة، وأن تآمرها على بعضها محقق، وانقلابها على بعضها محتمل دوما.
وعند الأطراف الثلاثة وأية ائتلافات تحققت بينها، يسجل حضور ضئيل، بل معدوم، لاعتبارات العدالة والحريات العامة واحترام عموم الناس، فضلا عن النهوض الثقافي. ضآلة البعد الأخلاقي والثقافي في هذه التشكلات يحد من فرص التماهي العام بأي منها. لا النظم الحاكمة سلطات وطنية استقلالية، قد تكون دكتاتورية، لكن سياستها منضبطة باستراتيجية للبناء الوطني، بل هي طغم فاسدة متدنية في مستواها السياسي والفكري والأخلاقي إلى أقصى حد؛ ولا الإسلاميون تعبير رائق منشرح الصدر عن دين أكثريات كبيرة في جميع بلداننا، بقدر ما هم تشكلات سلطوية قلقة ومقلقة ومفرطة في سياسيتها إلى درجة تبيح التساؤل عما إذا كان الإسلام دينا؛ ولا الغرب هو مركز التنوير والحداثة والديمقراطية، بقدر ما هو قوة أو مركب قوى مغرض وعدواني يمارس سياسات فقيرة جدا بمحتواها الأخلاقي في هذه المنطقة. وللقوى الثلاث طابع نخبوي أيضا، وإن حجبه الإسلاميون وراء مبدأ الدين الأكثري، ونخب السلطة وراء مبدأ الدولة العام، والغرب وراء مبادئ الحداثة والديمقراطية.
لا تقتصر اللوحة على هذه القوى الثلاث، ثمة بخاصة مثقفون وناشطون ينفلتون بهذا القدر أو ذاك من هذا المثلث، لكنهم ضعفاء ومنقسمون على أنفسهم، ويتواتر أن يضحوا باستقلالهم الهش لمصلحة واحدة من القوى الثلاثة. وهذا، معززا بافتقارنا إلى وضوح فكري في شأن العلاقة بين أطراف هذه المثلث، وبما يبدو من انغلاق المثلث وتمادي عسر الخروج منه عقودا، آل إلى استبطان الوضع المعقد وتحوله عقدة نفسية وثقافية، نلمس آثارها في انتشار مشاعر الإحباط والتشاؤم والقنوط، وانخفاض سقف التوقعات العام والاكتفاء غالبا بأن ننجو من الآتي، وتطلع نسبة عالية من الشباب (كل من تتاح له الفرصة) إلى الهجرة إلى حيث الأمان الاقتصادي أو السياسي أو كليهما. نتكلم على دينامية تعقد تاريخية، يطلقها تضافر جملة الاستعدادات النفسية والفكرية والأخلاقية السلبية المتولدة عن انغلاق الوضع المعقد مع الوضع المعقد نفسه. المشرق المعاصر، أو "الشرق الأوسط" العربي، وكل بلد من بلدانه في قلب عقدة تاريخية كبرى لا يبدو أن هناك قوى وطاقات تعمل على حلها.
لكن هل من سبيل إلى حل العقدة أصلا؟
نظريا، هناك واحد من مخارج ثلاث.
أولها الاجتهاد في صوغ فكري واضح لمعادلات التفاعل بين القوى الثلاث وتشابكاتها وتغذياتها الراجعة. قد يقال إن كل ما يكتبه عرب منذ نصف قرن، أو أكثر يحيل بصورة ما إلى هذا التفاعل. بلى، لكن دوما بالاستناد إلى إحدى قوى المثلث أو الالتحاق بواحدة أو اثنتين منها، أي بالتحول إلى عنصر تعقيد مضاف. قلما تحقق لنا قدر من الوضوح الفكري المطلوب للنظر في العقدة التي قد تسمى "الشرق الأوسط" أو "الاستبداد" وأحيانا "الإسلام" فحسب. يلزم لذلك جهد متواصل من قبل عدد كبير من أصحاب الضمائر المستقلة. وهو ضروري لأن جانبا أساسيا من تعقيد الوضع يتمثل في إبهامه وعجمته، ولأن فهما أوضح للواقع المعقد يعني، بالتعريف، نزع تعقيده أو تخفيفه. من هنا الصلة بين "التحليل" و"الحل". من شأن تحليل نافذ لمشكلة أن ييسر حل عقدها وردِّها إلى عناصرها الأبسط. هذا فوق أن من شأن معرفة متطورة، ترفدها مخيلة جسورة وحساسية أكثر شجاعة، أن تكون أوراق اعتماد قوة رابعة، حليفة للمعرفة والوضوح الفكري، وهي ما يعول عليها للانفلات من المثلث والعمل على كسره.
ثاني المخارج المحتملة هو تحلل العقدة التي يتعذر علينا حلها. هذا ما يجري فعلا بمقادير متفاوتة منذ الآن. الاهتراء والتفسخ يتوليان حل مشكلات من أخص خصائصها أنها شكلت أذهاننا وطاقاتنا في صورٍ تضمن المزيد من تعقدها، أو لنقل إن استجاباتنا الشائعة لها تخدم دوامها وتجددها، فكأنما نعمل وكلاء للعقدة، ولسنا عاملين من أجل حلها. وقد نرى في الفساد والتشاؤم والسخط الاستعراضي والانفعال الهائج وإدمان التذمر والشكوى والعجز عن التعلم من التجارب، وبخاصة ذم العرب وتسفيههم والطعن فيهم بحدة وتشف، حلولا انحلالية أو تفسخية لمشكلات تجاوز تعقيدها طاقتنا على معالجتها وحلها.
والمخرج المحتمل الأخير هو قطع العقدة بالقوة، بدل انحلال لا يحل مشكلاتنا إلا بحلنا نحن، وحدّاً لمداولات لا تتمخض بذاتها عن ثمار عملية. تروي الأسطورة أن الاسكندر المقدوني قطع بسيفه العقدة الغوردية التي كان ملك فريجيا في آسيا الصغرى عقدها، وكان فتح آسيا مرهونا بحلها. القطع بالقوة هو الحل الشجاع والراديكالي لعقدة مستحكمة حلها عسير جدا. وهو تمرد على منطق الانحلال القدري.
ننحاز إلى مزيج من الحل والقطع، من المعرفة والحل الاسكندري، الكتب والسيف. المعرفة لا تحل بذاتها المشكلات، لكنها تكوِّن العارفين وصانعي الحلول، وتُرقّيهم وتغني عوالمهم. تجعلهم هم أكثر تعقيدا، وتبسِّط الواقع أمامهم. لها تاليا مفعول حال للعقد، ومضاد للانحلال. ونفهم الحل الاسكندري كتسلم لزمام المبادرة العملية، جسور ونيّر. ما نرفضه هو الانحلال، حيث زمام المبادرة بيد المقادير والقوى غير الواعية فينا وحولنا.
والمأمول أن تلتقى طاقات المعرفة والثقافة بطاقات العمل والمبادرة لتقطع عقدتنا الغوردية و"تفتح آسيا". وربما تصنع عالما هلنستيا جديدا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كل الطيبات للطيبين، وكل الأشياء الأخرى أيضا
- الطائفي هو من يؤمن بوجود الطوائف
- وراء ثلاثة جدران فولاذية أو أربعة
- هل سورية معرضة للزوال ما لم يكن حكمها استبداديا؟ نقاش مع حاز ...
- الظاهرة الإسلامية.. صحوة أم رِدَّة، أم ربما فرصة؟
- الإصلاح الإسلامي وإيديولوجية الإصلاح الديني
- العدل... ولو انهار العالم
- لماذا نتخلف؟ ولم لا يكف تخلفنا وحده عن التقدم؟
- في تفقد الواقع وأشياء أخرى
- فكأنك في -مثل غابة للحيوانات-..بعد 41 عاما موصولة!
- العلمانية كسردية صغرى..
- وعي الحاضر وتأهيل الذات (كلماتٌ لمجلة -الحوار- في ذكرى انطلا ...
- التطور بالتذكِّر: -جملكية- أم سلطانية محدثة؟
- أسئلة وردود حول قوانين الأحوال الشخصية
- في نقد النظرة التجزيئية ومنطق الاستبدال الإيديولوجي
- وضع -الدين العام-.. مناقشة في الشأن الديني السياسي العربي
- في الفتوى و-التفاتي- وصناعة التقليد
- الشعبوية إذا تنتحل.. قناع الكونية
- بصدد أزمة الفكرة الديموقراطية في التفكير السياسي العربي
- في نقد السياسوية: -إعلان دمشق- والطريق المسدود


المزيد.....




- مصر.. الدولار يعاود الصعود أمام الجنيه وخبراء: بسبب التوترات ...
- من الخليج الى باكستان وأفغانستان.. مشاهد مروعة للدمار الذي أ ...
- هل أغلقت الجزائر -مطعم كنتاكي-؟
- دون معرفة متى وأين وكيف.. رد إسرائيلي مرتقب على الاستهداف ال ...
- إغلاق مطعم الشيف يوسف ابن الرقة بعد -فاحت ريحة البارود-
- -آلاف الأرواح فقدت في قذيفة واحدة-
- هل يمكن أن يؤدي الصراع بين إسرائيل وإيران إلى حرب عالمية ثال ...
- العام العالمي للإبل - مسيرة للجمال قرب برج إيفل تثير جدلا في ...
- واشنطن ولندن تفرضان عقوبات على إيران تطال مصنعي مسيرات
- الفصل السابع والخمسون - د?يد


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - أي حل لعقدتنا الغوردية؟