أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - ياسين الحاج صالح - -المسألة النِّقابية- وعبء المرأة المسلمة















المزيد.....

-المسألة النِّقابية- وعبء المرأة المسلمة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3087 - 2010 / 8 / 7 - 19:17
المحور: العلاقات الجنسية والاسرية
    


نستخدم تعبير "المسألة النقابية" لتمثيل ظاهرة ارتداء النقاب المتوسعة، والقرارات التقييدية التي اتخذتها مؤخرا السلطات السورية حيال النساء المنقبات في التعليم، وكذلك جملة المواقف المتضادة التي تطورت حول الأمرين.
من أجل نقاش مثمر حول المسألة، ربما يتعين الفصل بين آليات اتخاذ السلطات قرارا بتحويل 1200 معلمة منقبة إلى دوائر أخرى، البلديات بخاصة، وبين مضمون القرار المناهض لظاهرة النقاب في التعليم. فليس للاعتراض الوجيه على آليات القرار، وهي "انقلابية" (مفاجئة وسرية) ومتمركزة أمنيا، أن يضفي النسبية على الاعتراض على النقاب عموما، وفي المدرسة بخاصة. وبالمثل، ليس للاعتراض السليم على النقاب أن يسوغ بحال آليات تقرير في شؤون عامة لا تبالي بالرأي العام، وليس من مألوفها أن تأخذ في الاعتبار "العمل العلماني الممنهج" الذي انتحله وزير التربية تسويغا لقرار نقل المعلمات المنقبات، ولا "طلبات الأهالي" التي سُوِّغ بها قرار آخر صدر عن وزارة التعليم العالي حظر دخول المنقبات إلى الحرم الجامعي. يتعين أيضا التمييز بين القرارين. من شأن الأخير منهما أن يحرم طالبات لا يستطعن التخلي عن النقاب سواء لاقتناعهن بضرورته الدينية، أو لتسليمهن بسلطة أسرية فرضته عليهن، يحرمهن من فرص تعلم تتيح لهن دخلا وفرص استقلالية أكبر، فيما القرار الأول مسوغ بسلامة وتكامل العلمية التعليمية التي تتعارض بالفعل مع النقاب. والحال، إن قرار وزارة التعليم العالي العقابي يرجح أن دوافع القرارين لا تتصل بتطور التعليم أو استقلالية النساء أو ضمان فرص ترق وتحرر أوسع لهن.
نميز بين القرارين، ونميز بين آليات اتخاذهما ومضمونهما المناهض للنقاب، لأننا لا نستطيع أن ندين صنفا من التقييد، النقاب، استنادا إلى صنف آخر من التقييد (قرارات ملزمة، تمس حياة "مواطنين" كثيرين، دون سابق نقاش أو مداولة اجتماعية)، علما أنه على أرضية مقاومة التقييد فقط، أي أرضية التحرر العام، يمكن الحيلولة دون أن ينقلب نقد النقاب ونقد نقده ممارسة فئوية أو كيدية، تتسبب في إفساد النقاش، على ما هو ظاهر فعلا اليوم.
النقاب محو متطرف للشخصية، لا يختزل المرأة إلى جسد فقط، وإنما يبدو هذا حائزا على خصيصة شيطانية اسمها "الفتنة". وهذه انجذاب آسر ومبعث نزاع. الفاتنة امرأة تسحر الألباب، ومخيفة لكونها تتسبب في شقاق وعنف وفوضى. وهو ما يوجب وأد ذلك الجسد الشيطاني المخيف بإهالة كثير من الأغطية عليه، وجعل صاحبته كائنا لا شكل له. إنه أقرب إلى سجن متنقل، تحمله المرأة المنقبة معها حيثما ذهبت. وفي سجنها، لا تفقد حريتها وحدها، بل وهويتها وفرديتها، فلا تمايز بين منقبة وأخرى، أو حتى بينها وبين رجل يلتحف غلافا أسود لأغراض تخصه، على ما أمكن لكثيرين الإشارة. وإذ يحرم النقاب المرأة من حقها في شكلها الخاص، يفرض عليها أيضا غفلية تجردها من فرصة الاعتراف بها وتقديرها والتفاعل الإنساني معها. وفي غيهب النقاب الطامس للفروق تشكل المنقبات جنسا عاما اسمه "المرأة المسلمة". ويقع على الجسد الجمعي لهذا الجنس عبء خاص: الحشمة والانضباط الجنسي، وصون شرف الذكور. من جهتهم، هؤلاء يحرسون قيامها بهذا العبء، فيما هم معفيون منه.
وبما هو "استراتيجية" وقائية أو سادة لذرائع الفتنة على ما يقول "العلماء"، فإن رمز عبء المرأة المسلمة هذا يحول دون تطوير استراتيجيات أخرى، توظف في الضمير الشخصي واستقلال الذات وتحمل المسؤولية ومشاركة آخرين في عمل عام، القيم التي يفترض أن تتأسس عليها المواطنة ومجتمع المواطنين. لا ينال من ذلك فرض السلطات منذ عقود نقابا سياسيا شاملا على رعاياها، وتكريسها تجانسا سياسيا شاملا بينهم، يمحو شخصياتهم وفراداتهم، ويحملهم وحدهم عبء "وطنية" تبدو واهية أمام فتنة "خيانة" كلية القوة، ما لم يتنقبوا. فليس لأن السلطات مثابرة على فرض الحجر السياسي على السكان، وتقوم بدور طليعي في تدهور قيم المسؤولية والضمير والاستقلالية والتعاون والمواطنة في أطرنا الاجتماعية المعاصرة، تغدو هذه القيم لا شأن لها. وليس لأنه يجري التلاعب بأسس المواطنة من جهة، يمسي التلاعب بها مباحا من جهة أخرى.
ولا يفوت القائمين على استراتيجية النقاب، وهم يدركون أكثر من غيرهم أهمية قطاعات التعليم والتربية، أن النقاب بحد ذاته دعوة واقتراح لمعيار ومثال سلوكي وأخلاقي، حتى لو امتنعت المعلمة المنقبة عن "تبليغ" تلاميذها عقائدها الخاصة. والحال، لقد تواردت في السنوات الأخيرة غير قصة عن مبادرة معلمات منقبات إلى محاولة تعميم تفضيلاتهن وانحيازاتهن العقدية والسلوكية إلى ما يعلمن من أطفال. في الحالين، النقاب غير متوافق مع فكرة المؤسسة العامة التي يفترض أن تكون تجسيدا للمواطنة وتفاعل المواطنين وتعاونهم بروح إيجابية وودودة، بصرف النظر عن أصولهم وعقائدهم الذاتية. من المؤسف أننا لا نستطيع هنا أيضا تجنب استدراك بشأن الحال المزري للمؤسسات العامة وخلوها من قيم المواطنة والإخاء العام. مؤسف لأنه يترتب عليه حتما درجة من "نسبنة" الاعتراض على النقاب. لكن هذه النسبنة هي الضرر الأخف ندفع بها ضررا أكبر: التعامي عن أوضاع فاسدة وتمييزية لا تنضبط بأية قواعد أو قيم عامة، ويبدو أن فوضويتها وانحلالها يوفران شروطا لانتشار النقاب والتمسك به.
ويبدو أنه في مثل شروطنا هذه، لا يتخلص المرء من استدراكات تنال من وضوح موقفه وطاقته التحريضية والتعبوية، إلا بموقف أحادي الجانب لا يمكنه أن يكون مقنعا. والسمة العامة للمواقف أحادية الجانب أنها تستجيب لتوقعات جاهزة وتسهِّل تماهيات مبذولة، بدل ما ينتظر من النقاش في شؤون عامة من كسر التماهيات ومقاومة الاندراج في استقطابات قائمة، لا يفوت أحدا أنها متزايدة الحدة. ما يلزم لكسر التماهيات السهلة والانفلات من استقطابات متفاقمة هو ذاته ما يلزم من أجل معرفة أغنى: مقاربات أكثر تركيبا، وتحرص على الوضوح الفكري والأخلاقي. التحليل المركب هو الترياق الضروري ضد التماهي الجاهز.
وإنما نتكلم على المسألة النقابية للقول إن النقاب عنصر في شيء أوسع، ولتجنب المواقف الحربية أحادية الجانب.
ويستجيب التحليل المركب لمسألة مركبة لمقتضيات وضع سياسات عملية تدرج الاعتراض على النقاب في سياق أوسع، يتصل بدواعي هذا الاعتراض أصلا، أي مزيدا من المساواة للنساء ومزيدا من فرص انخراطهن في الحياة العامة، وتوفير فرص تعليم عام أرقى دون تمييز حزبي أو سياسي، فضلا عن حريات عامة أكبر لعموم السكان.
على أرضية الحريات والمساواة فقط، أي الخروج من الحجر أو النقاب السياسي العام، يمكن للاعتراض على النقاب أن يكون تحرريا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في تاريخية الإسلام المعاصر وحداثته - إلى روح نصر حامد أبو زي ...
- هوامش مناورة.. الولاء كنظام وكعلاقة سياسي
- في الواقع لا في النص: أيّ يسار، أين، وأية سياسات يسارية؟
- أربع صيغ للنزعة المحافظة... ثلاث منها عالمة
- من نقد الثقافوية إلى نقد الثقافة.. والدين
- هل أوضاعنا جامدة بالفعل، لا تغيير فيها؟
- في معنى أزمة الثقافة ووجوهها وحصائلها
- محمد عابد الجابري ونهاية الموجة التراثية
- هل من الممتنع تصور إيران نووية متفاهمة مع الغرب؟
- في تقدم التجزؤ وشغور موقع العام في مجتمعاتنا المعاصرة
- صراع على الألم بين أبناء الجواري، تعقيب على منهل السراج
- ثلاث استقلالات.. مستقلة عن بعضها
- من أجل نقد جمهوري وديمقراطي للقومية
- ما الذي يكفل صحة كلامنا؟
- العراق بعد سبع سنوات... مضطرب، متقلقل، لكنه حي ومتجدد!
- لا شعب ولا شعبوية.. خطط نخبوية فقط
- أي حل لعقدتنا الغوردية؟
- كل الطيبات للطيبين، وكل الأشياء الأخرى أيضا
- الطائفي هو من يؤمن بوجود الطوائف
- وراء ثلاثة جدران فولاذية أو أربعة


المزيد.....




- محكمة في نيويورك تسقط حكما يدين المنتج السينمائي هارفي واينس ...
- محكمة أميركية تلغي حكما يدين -المنتج المتحرش- في قضايا اغتصا ...
- بي بي سي عربي تزور عائلة الطفلة السودانية التي اغتصبت في مصر ...
- هذه الدول العربية تتصدر نسبة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوي ...
- “لولو العيوطة” تردد قناة وناسة نايل سات الجديد 2024 للاستماع ...
- شرطة الكويت تضبط امرأة هندية بعد سنوات من التخفي
- “800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم ...
- البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
- مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة ...
- “سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف ...


المزيد.....

- الجندر والجنسانية - جوديث بتلر / حسين القطان
- بول ريكور: الجنس والمقدّس / فتحي المسكيني
- المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم / رشيد جرموني
- الحب والزواج.. / ايما جولدمان
- جدلية الجنس - (الفصل الأوّل) / شولاميث فايرستون
- حول الاجهاض / منصور حكمت
- حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية / صفاء طميش
- ملوك الدعارة / إدريس ولد القابلة
- الجنس الحضاري / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - ياسين الحاج صالح - -المسألة النِّقابية- وعبء المرأة المسلمة