أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عقيل الناصري - في رحاب التغيير الجذري وأفقه المستقبلي-حوار















المزيد.....



في رحاب التغيير الجذري وأفقه المستقبلي-حوار


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 3062 - 2010 / 7 / 13 - 15:33
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


حوار مع الباحث الاكاديمي عقيل الناصري

في رحاب التغيير الجذري وأفقه المستقبلي

أجراه سعدون هليل



تحل علينا الذكرى الثانية والخمسون للتغيير الجذري في (14 تموز1958) الذي شمل كل مساحات الحقول الاجتماعية و الاقتصادية، السياسية والفكرية التي اعقبت هذا المنعطف التاريخي الكبير.. مما نقله من فعل عسكري إلى صيرورة تغييرية بلغت مفهوم الثورة وبكل موضوعية.. حتى انه امسى اكبر مَعْلَم من معالم تاريخ العراق المعاصر.. كما تفرض هذه المناسبة نفسها على الفكر العراقي وقواه السياسية والعضوية منها خاصةً، إلى الإمعان في أهميتها ومغازيها، فيما انجزته وما لم تنجزه، في نجاحاتها واخفاقاتها، في قواها الاجتماعية التي استندت إليها وتلك التي طردتها من مسرح الحياة، في ماهية قياداتها وصراعهم السياسي في قمة السلطة والشارع السياسي، في الاشكاليات التي واجهتها.. بغية استنباط الدروس منها كي نلج الألفية الثالثة بكل ثقة ونحقق ما لم يتحقق من اسس البناء الاجتماعي المادي ونرسم ملامح الديمقراطية الاجتماعية بكل ابعادها، كي يعيش الفرد العراقي في وضعه الانساني باعتباره غاية الوجود.

إن فهم الظواهر التاريخية، كما عبر عنها شهيد الثقافة العراقية الراحل، كامل شياع لا ينفصل عن الإقامة في التاريخ وصنعه، الذي هو في نفس الوقت صنع الانسان لنفسه، بعبارة أخرى، إن صعوبة الفهم تبدأ من لا إمكانية النظر في التاريخ من زاوية متجردة كما هو الحال مع الطبيعة مثلاً. وبما أن التاريخ هو حصيلة التداخل الذاتي بالموضوعي؛ المرغوب بالمفروض؛ والخيالي بالواقعي.. فقد تعددت زوايا مقاربته. إنه كُلية تبحث عن كليتها... فالتاريخ محمول دائماً على صيغ الجمع، إنه تواريخ أو روايات تنتج من داخل السياق المؤرخين عن الموضوعية والحقيقة.

دعونا من هذا المنطلق قراءة تاريخنا من خلال فلسفة التاريخ وأن نحاور الدكتور عقيل الناصري، باعتباره واحدا من أهم من كتبوا عن هذا التغيير (الثورة)، لنحاوره ونتراشق وإياه بجملة من الاستفهامات والوقائع التي تتعلق بهذه الثورة العظيمة التي اطلق عليها بحق المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون بأنها الثورة الوحيدة في العالم العربي في القرن العشرين.



* د. عقيل الناصري في البدء نرحب بكم في جريدة "طريق الشعب" ونتمنى لكم طيب الاقامة بين الاصدقاء والرفاق ونود أن يبدأ حوارنا بالسؤال التالي:

كيف نقرأ المشهد السياسي الذي تشكل بعد الثورة بين القوى المتضررة داخلياً والمراكز الرأسمالية العالمية؟



- كما هو معلوم، لقد أحدث التغيير الجذري في 14 تموز 1958، والذي يمكن أن نطلق عليه، من منطلق الموضوعية العلمية والصيرورة التاريخية، مفهوم الثورة، تغيرات اساسية في مجمل العلاقات السياسية والاجتماعية ليس في رحم المجتمع العراقي حسب، بل في عموم دول المنطقة وكذلك في مجمل العلاقات الدولية. نظرا لما يتمتع به العراق من مكانة جيو سياسية ولما تلعبه جغرافية مكانه من أهمية في مجال الموارد الطبيعية (والنفط من أهمها) من جهة ولما يلعبه موقعه الاستراتيجي باعتباره في قلب العالم من جهة ثانية، ولما له من بعد تأريخي مؤثر على دول منطقة الشرق الاوسط عامة والمشرق العربي خاصة من جهة ثالثة. وهنا يمكن أن نقارن هذه الثورة وتأثيراتها النسبية بما أحدثته الثورة الفرنسية من تأثير على اوربا وعلى مجمل انهيار النظام الاقطاعي فيها.

وانطلاقا من هذه الحقائق فإن المراكز الرأسمالية العالمية وتلك المتضررة من ماهية الثورة ومضامين برمامجيتها حاولت، بصورة مستمرة، على الحد من هذا التأثير واعادة الحصان الجامح إلى الحظيرة حسب تعبير مجلة الاكونومست البريطانية. من هنا نشأت علاقة زبائنية نفعية بين أغلب قوى الداخل المتضررة ؛ وتلك التي في المنطقة و بالاخص دول حلف بغداد ؛ والمراكز الرأسمالية العالمية وقاعدتها في المنطقة (اسرائيل). هذا التحالف الثلاثي الابعاد بررته الخسارة التي مني بها من جراء ثورة 14 تموز ومن مسيرتها المتوقعة.. وأخذت قاعدة هذا الحلف اللا أخلاقي تتسع لتضم دولا كانت اقرب إلى الثورة، ومضمونها، لكن الاسباب الذاتوية قادتها والنظرة القصيرة التي تعاملوا بها مع الثورة دفعتهم إلى الانضمام إلى هذا الحلف بصورة مباشرة علموا بذلك أم لم يعلموا، بوعي أو دون وعي.. ومن هنا رصدنا من خلال البحث بروز ظاهرة لأول مرة في تاريخ العراق المعاصر، لم تتكرر تمثلت في كون كل دول الجوار الاقليمي (دون استثناء) قد عادت الثورة بهذه الدرجة أو تلك، وحاولت جميعها التأثير على مسيرتها كل حسب قدرتها ومدى تضرر مصالحها وما مسموح به ضمن علائق الحرب الباردة. وهذا التاثير تراوح بين الضغط والتآمر، بين تشويه الحقائق المادية والاساءة المعنوية اللا اخلاقية، بين تسفيه منهجيتها والتشكيك بقيادتها.



* يقال أن ثورة 14 تموز هي أبرز حدث في تاريخ العراق المعاصر، علماً إن هناك من يرى فيها انتكاسة للديمقراطية الليبرالية؟ما رأيك في ذلك؟



-قبل الاجابة علينا ان نقسم السؤال إلى شقين فالإجابة عن الشق الأول تتعلق بماهية المعايير المستخدمة لقياس تلك الأهمية، فهل ننطلق من صيرورة تغيير النظام السياسي؟ أم من إعادة انتاج أولويات الانماط الاقتصادية؟ أم ننطلق في فهم هذه الصيرورة الجذرية من عقابيلها الثقافية والروحية وتلك الابعاد الفكرية المستحدثة أم اننا ننظر لفعل التغيير هذا من ماهية الطبقة الاجتماعية (الطبقة الوسطى) التي قادت فعل التغيير ووسمته بخصائصها. أو من برنامجيتها وسياستها الاقتصادية وأفق مستقبلهما أم ننظر لهذا الفعل من خلال المنجز المادي والمعنوي الذي شمل حقولا معرفية واقتصادية وسياسية أو النظر إليها من خلال الفئات والطبقات الاجتماعية المستهدفة من قبل الثورة، الذين يمثلون مادة التاريخ الانساني (الطبقات الكادحة والفقيرة والمتوسطة) ؟؟ أم يُنظر للثورة من ماهية العقد الاجتماعي ومضامينه والذي أُعيد انتاجه، ومن المشاركة العادلة نسبياً في الحكم لأغلب المكونات الاجتماعية والاثنية والقضاء على احتكار السلطة السياسية؟؟ أم ننظر لهذا الفعل من خلال (الثورة) الثقافية التي تحققت، على الاقل من خلال منجزها الكمي؟؟ ربما يمكن النظر للثورة من خلال الماهية التقدمية للتنظيم الأسري وحقوق المرأة؟؟ وغير ذلك من المنطلقات ذات الطابع التغييري في صيرورته التقدمية.

ولو اخضعنا هذا التغيير لكل ما ذكر أعلاه، وغيره، والعواقب الاقتصاديـــــــــــة والسياسية والفكرية التي تمخضت عنها، لتوقفنا عند حالة لا يمكن أن تفسر إلا بكونها ثورة اجتماعية ونقلة نوعية لولوج عالم الحضارة.. وكما حددتها سابقا فإني اعتبرها أول مشروع حداثوي جدي في العراق المعاصر، وبالتالي اكتسبت مشروعيتها من ماهياتها ومما احدثته من تغييرات ومن شملتهم نتائج هذه التغييرات المادية.. عبر عنها قيام السلطة الجديدة بالاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الموعودة والمتوقعة ذات الاتجاهات المتعددة ومنها كان التغييرات في العلاقات الاقتصادية والحقوقية داخل الريف والتعليم بكل مستوياته وسياسة الاسكان والعلاقات الاقتصادية الدولية، وكذلك العلاقة مع شركات النفط (المعيار الوطني لأية حكومة(.. بمعنى آخر هي نقلة نوعية في ماهيات السلطة وواجباتها وفي نظرتها إلى الافراد باعتبارهم مواطنين لا رعايا وفي عمق التغيير الذي أصاب مؤسساتها والتنظيمات الاجتماعية المدنية وسعت العلاقات السلعية –النقدية للاقتصاد الوطني.. لكل ذلك برزت باعتبارها أبرز حدث في تاريخ العراق الحديث.

أما بصدد الشق الثاني من السؤال والمتمحور حول حالة البرلمانية الليبرالية لعراق المرحلة الملكية، فإن هذه الحالة تتصف بالاحتمالية.. وأستطيع القول بصورة مكثفة أن الحالة الليبرالية وتلك البرلمانية وحتى المضمون الديمقراطي للنظام بوصفه نظام حكم للشعب ولدت وهي مشوهة ومصابة بالكساح المزمن.. وهذا ليس اتهاما عاطفياً للتجربة، قدر كونه نتاجاً للولادة القسرية للدولة العراقية من جهة، ولكون الذين اسسوا لها وللقاعدة الاجتماعية للحكم لم يكونوا ديمقراطيين حقيقيين ولا تتمتع فلسفتهم بصلة بالديمقراطية الليبرالية من جهة ثانية.. إذ ان النظام الليبرالي ومضمونه الديمقراطي، وخاصةً ذا الصيغة الاجتماعية منه، لم ينشأ في العراق من خلال عملية الصراع الاجتماعي للواقع العراقي ومكوناته.. قدر كونه فُرض من أعلى على وفق متطلبات دولة الاحتلال الأول (بريطانيا) وكان استجابة لمستلزمات فعل الانتداب في عشرينيات القرن المنصرم، هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن القاعدة الاجتماعية لنظام الحكم الملكي لم تستطع استيعاب مضامين التجربة البرلمانية إلا بقدر ما تخدم ديمومتها في السلطة والحفاظ على مصالحها.. لذا لم يتم تداول السلطة فعليا بين الطبقات الاجتماعية المتعددة وممثليها، بل كانت محصورة بين نخبة الحكم وقاعدته الاجتماعية الضيقة جداً. كما ان اللبرالية كانت تتقلص مع سير الزمن.. حيث انعدمت الحياة الحزبية الحقيقية وكثرت الاحزاب السرية، واجهضت الكثير من محاولات تأسيس منظمات المجتمع المدني وتقلصت المساحة الفكرية للطبقات الجديدة التي اخذت تتسع باضطراد (وخاصة الطبقتين الوسطى والعاملة). وتم محاربة القوى الديمقراطية وحتى تلك القلة منهم ضمن نخبة الحكم.

ومن الناحية النظرية توجد ثلاث وسائل تجعل من النظام الديمقراطي لبنة اساسية نحو الحرية والمجتمع الحر وهي:

- ما تتطلبه العملية البرلمانية من حقوق سياسية كحرية التعبير والتنظيم والمعارضة؛

- أن النظام الديمقراطي يرتقي بالذات الفردية والجمعية ضمن قوانين اختيارها؛

- ان الديمقراطية تنمي قابلية المواطن على صنع الاختيارات الواقعية.

كما أن مفهوم الليبرالية يؤكد على حق الشعب في تقرير نمط حكوماته. ومن خلال الترابط الجدلي بين الحرية والديمقراطية وواقع التجربة الملكية نتوصل إلى أن هذه العلاقة منعدمة ولا تعطينا الحق في ان نسمها كتجربة ليبرالية ديمقراطية. ومما يعمق هذا الاستنتاج أن الإداء السياسي للسلطة هو مؤشر مهم لماهيتها من حيث تحقيق السلم الاجتماعي والمساواة والعدالة النسبية وشمولية الدستور..باعتبارها عتلات للأداء الديمقراطي السليم.. وهذا يتناقض مع طبيعة السلطة الملكية ذات النهج التسلطي من جهة.. وكون النظام شبه الاقطاعي لا يستطيع بناء تجربة ديمقراطية ليبرالية سليمة.. إلا من حيث الشكل لا المضمون.. وهذا ما كان بالفعل.

أما إذا اخذنا مفهوم القطع الذي قامت به الثورة لمثل هذه الديمقراطية فهذا صحيح، لان هذه الأخيرة خلت من مضمونها الحقيقي من جهة.. ومن جهة ثانية لان قوى الثورة اخذت ترسم لذاتها والواقع الجديدة ملامح فلسفة جديدة للنظام الديمقراطي الذي لم يحقق ذاته الحقيقية بسبب الصراع السياسي بين القوى والأحزاب السياسية بعد الثورة من جهة وعمق التدخل الخارجي لتغيير الحكم من جهة ثانية. لقد كان من المؤمل ان تصدر مسودة الدستور الدائم يوم 24آذار 1963، وهو يوم الحرية (الانسحاب من حلف بغداد) لمناقشته، وتجرى الانتخابات في تموز من ذات العام ليقر الدستور من قبل البرلمان الجديد في 14 تموز. وأعتقد جازما أن هذا الموضوع كان يمثل أحد أهم العوامل الخفية لانقلاب شباط المشؤوم حيث أُستهدف قطع مثل هذه الصيرورة الدستورية كي لا تكون نموذجا يحتذى به من جهة، ولمعرفتهم أنهم لا يستطيعون الوصول إلى السلطة إلا من خلال الانقلابية العسكرية من جهة ثانية.



* تشير الوقائع التاريخية إلى ان جبهة الاتحاد الوطني، وبشكل خاص الحزب الشيوعي العراقي، كانت تترقب الوقوع الوشيك للثورة وأصدر الحزب تعميما داخليا في 12 تموز 1958 حول الامر، كيف تفسرون ذلك؟؟



- تمخض عن الازمة البنيوية لنظام الحكم الملكي منذ منتصف الخمسينيات، حالة من استكمال ونضج للظروف الذاتية لقوى الثورة تمثلت، حسب رأيي القابل للخطأ والصواب، على مستويين هما:

- الاول : تمثل في تكوين جبهة الاتحاد الوطني عام 1957 والتي ضمت الاحزاب الأرأسية في ذلك الوقت وهي: الحزب الوطني الديمقراطي والاستقلال والبعث العربي والحزب الشيوعي العراقي وبعض الشخصيات الوطنية والديمقراطية المستقلة.. واستبعد الحزبين القوميين الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي ارتبط بالجبهة من خلال العلاقة الثنائية بالحزب الشيوعي؛

- الثاني : استكملت حركة الضباط الأحرار ذاتها من خلال توحيد اكثر الكتل فعالية في اللجنة العليا للضباط الأحرار، حيث تمركزت قيادة الحركة باللجنة ونسقت عملها باتفاق جنتلمان مع تلك الكتل التي لم تنضم الى اللجنة العليا.

وأثناء الاعداد لتغيير النظام الملكي انتشرت بين الاشخاص المحوريين لحركة الضباط الأحرار حالة من تشتت القيادة واخلال بوحدة العمل المركزي.. وهذا ما عكسته ماهيات المحاولات الانقلابية لتغيير الحكم التي سبقت قيام الثورة. وفي الوقت نفسه فقد تم تنسيق العمل بين قيادة اللجنة العليا وجبهة الاتحاد الوطني.. لكن هذا التنسيق لم يكن جمعيا ولا مركزيا.. فالشخصيات المحورية ذات التوجه القومي في اللجنة العليا نسقت عملها مع الاحزاب القومية في جبهة الاتحاد الوطني. في حين نسقت الكتلة ذات المنطلق العراقي وخاصة كتلة المنصورية (كتلة قاسم) عملها ليس مع احزاب الجبهة ككل، بل اقتصر التنسيق تحديدا على كل من الحزبين الوطني الديمقراطي والشيوعي العراقي.. إذ كلف قاسم الحزب الشيوعي في عام 1957 بحمل رسالته إلى قادة كل من الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية، وقام بهذا العمل في البدء كل من عامر عبد الله وجمال الحيدري، ومن ثم سلام عادل وعامر عبد الله. وفي الوقت نفسه كلف قاسم قادة الحزب الوطني الديمقراطي بحمل رسالته الاستفسارية إلى رئيس الجمهورية العربية المتحدة ناصر، عندما كان في أوج قممه النيرة.. وقد حمل الرسالة في المرة الأولى حسين جميل وفي الثاني محمد حديد. والأكثر من ذلك فقد ارسل عبد الكريم قاسم رسوله (الراحل رشيد مطلك) إلى كلا الحزبين في يوم 10 تموز 1958 تحديدا يخبرهما بموعد الثورة القادمة، ويطالبهما بتحشيد القوى الشعبية المساندة لها.

وتأسيسا على ذلك فقد اصدر الحزب الشيوعي تعميمه المشار إليه في 12 تموز للكادر الحزبي المدني وانذر حتى بعض منظماته العسكرية بصورة محدودة بسبب اعتقال مسؤول التنظيم الشهيد فاضل البياتي يوم 12تموز.. وقد صمد في التعذيب لعلمه بما سوف يحدث.. في حين اكتفت قيادة الوطني الديمقراطي باخبار بعض من قيادييهم بصورة مبهمة. علما أن قاسم كانت له علاقة ببعض الضباط الشيوعيين منذ اواسط الاربعينيات.. اتصور انها علاقة مهنية وليست حزبية ومنهم سليم الفخري وغضبان السعد وغيرهم ممن كان ضمن تنظيمات داود الصائغ.. كما نسج قاسم علاقة، أكثر نضجا وغائيةً، بالحزب الشيوعي في مطلع الخمسينيات من خلال كل من كمال عمر نظمي وعامر عبد الله واستمرت هذه العلاقة ذات البعد السياسي منذ ذلك الوقت.

اما بالنسبة للحزب الوطني الديمقراطي فقد كان قاسم يُعتبر احد اعضائه غير المسجلين، حيث كان يتبرع للحزب، وقيل كان يدفع اشتراكا شهريا. كما نسج قاسم مع مجموعة من الشخصيات اليسارية والتقدمية من امثال مصطفى علي , وناظم الزهاوي، وجواد علي وحسين جميل وعبد الفتاح إبراهيم وغيرهم من ذلك الرهط المعرفي التقدمي في الساحة السياسية والفكرية العراقية.. كما يجب ان نذكر أن قاسم قد سبق وان فاتح كامل الجادرجي، عندما كان في السجن، حول مشاركته والحزب الوطني الديمقراطي في السلطة القادمة وتولي منصب هام فيها! من هنا يمكننا القول عن مدى المشاركة الفعالة لهذين الحزبين في ثورة 14 تموز، دون غيرهما، حتى أن اغلب اعضاء اللجنة العليا للضباط الأحرار لم تكن تعرف بموعد الثورة بالضبط.



* عشية إعداد الثورة كان نفوذ الحزب في المؤسسة العسكرية قد بلغ أعلى مستوى له، وكانت قيادة الحزب على علم بجميع المحاولات التي سبقت الثورة وأهمها محاولة 11 مايس بزعامة العقيد عبد الوهاب الشواف. ما رأيك بذلك؟؟



- في البدء علينا تصحيح السؤال..لم يكن نفوذ الحزب قد بلغ ذروته آنذاك.... هذه الذروة قد تم بلوغها عام 1959 وليس قبل ذلك، ومن ثم فقدت هذه الذروة منزلتها الكمية بعد ذلك لاسباب عديدة، لا مجال لذكرها هنا. وعليه لم يكن نفوذ الحزب كما ذكرتم في صلب السؤال. نعم لقد كان للحزب حضور وامتداد تاريخي يعود لعام 1935 . كما كان له مستويان من التنظيم منذ توسع نشاطه في المؤسسة العسكرية: الأول للضباط؛ والثاني للمراتب (ضباط الصف والجنود). هذان المستويان فرضتهما الطبيعة الخاصة للعلاقة داخل المؤسسة العسكرية. وفي العهد الملكي كانت قوة الحزب تحتل المركز الثالث، كما اعتقد، إذ كان التوجه الاسلامي ومن ثم القومي لهما الصدارة العددية في المؤسسة العسكرية وتحديدا ضمن الضباط. لقد كان للضباط التقدميين والديمقراطيين كمٌ ضعيف نسبياً وهذا له دلالته منذ تأسيس الجيش العراقي.. حيث أن أغلب الضباط ينتمون طبقيا إلى العوائل المتوسطة وما فوق المتوسطة وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية. وهؤلاء بطبيعتهم الطبقية لا ينتمون للأحزاب الراديكالية، خاصة بعد ترقيهم في سلم المؤسسة، ما بالك بالسرية وتلك المحظورة التي تصل عقوبات المنتمين إليها حد إعدام الحياة لهم حسب قانون العقوبات العسكري. لكن هذا لم يمنع من أن تشكل المنظمات الديمقراطية ذات النزوع التقدمي، وهي من أوائل كتل الضباط الأحرار، حيث تأسست في ذات العام الذي اسس فيه قاسم كتلته الخاصة (كتلة المنصورية) عام 1950 . كما أن الحزب الشيوعي قد بلور كتلته الخاصة عام 1954 وأسس (اللجنة الوطنية لاتحاد الجنود وضباط الصف والضباط)، واصدر عددين من جريدة الوطن. وكانت هذه اللجنة في بعض الفرق قد اتحدت، أو بالأحرى، قد نسقت العمل مع كتلة المنصورية، كما حدث ذلك في اللواء التاسع عشر حسب ما جاء في كتاب (الاخوة الاعداء) للضابط الشيوعي حامد مصطفى مقصود، و كما جاء في مذكرات القائد الشيوعي حسين سلطان عن العمل المشترك في الفرقة الأولى قبيل الثورة.

إن محاولة 11 مايس 1958 التي قادها الثلاثي عبد الوهاب الشواف، رفعت الحاج سري ووصفي طاهر قد مثلت مدى تبلور فكرة التغيير التي يقودها التنظيم الديمقراطي في حركة الضباط الأحرار.. لقد توقفت كثيرا على هذه الحالة في كتابي من ماهيات سيرة عبد الكريم قاسم / الكتاب الأول وخصصت دراسة موسعة عن التوجهات الديمقراطية في حركة الضباط الأحرار وتوقفت مليا عند حركة 11 مايس حيث شارك أكثر من 90 ضابطا تقدمياً في هذه المحاولة التي افشلها عبد الغني الراوي، كما اعتقد، بعد أن رأى بحسه الطبقي ماهية توجهات هؤلاء الضباط المشاركين في المحاولة. وتدلل الوقائع والمصادر التاريخية، على ندرتها، من أن مسؤولية تنظيم الضباط الشيوعيين وعلاقتهم باللجنة العليا كانت مرتبطة بكل من سلام عادل وعامر عبد الله آنذاك.. وكانا ينسقان العمل مع قاسم من خلال الوسيطين رشيد مطلك أو القيادي الشيوعي كمال عمر نظمي.. ويعرفان بأغلب المحاولات الانقلابية , خاصة بعدما وحد الحزب ذاته وأسس قيادته المركزية الموحدة عام 1955 .



* د. عقيل الناصري بصفتكم مؤرخا لثورة 14 تموز، هل ممكن ان تحدثنا عن ماهية العلاقة بين الحزب الشيوعي العراقي والثورة وقيادة قاسم.. ولماذا كانت هذه العلاقة متذبذبة؟؟ وهل حاول الشيوعيون فعلا قلب نظام حكم قاسم ؟ وهل حقا أن الشهيد الاوقاتي وضع خطة للإطاحة بحكم قاسم ؟ وأن الشهيد عطشان الايزرجاوي وغيره من مسؤولي الخط العسكري شاركه الرأي؟؟ وهل أن شعار (اشراك الحزب الشيوعي بالحكم) كان عفويا؟ وأن السوفيت لمصالح ضيقة طالبوا برفعه؟



- في البدء أيها الرفيق، قلت لك أكثر من مرة أني لست مؤرخا للثورة قدر كوني باحثا اكاديميا فيها.. وهنالك اختلاف كبير جدا بين مهمات الباحث والمؤرخ. نعم هذه العلاقة بين قاسم والحزب اقسمها، من حيث المبدأ، إلى مرحلتين: الأولى.. هي العلاقة المستقرة.. وهي تلك التي بـُنيت على الرؤية المشتركة للحدث المستقبلي المتمثل بالتحقيق المادي لفعل التغيير الجذري. وحقل هذه العلاقة زمنيا يمتد منذ أن بدء قاسم بالتحول من عسكري (اخصائي بالعنف) إلى سياسي بلباس عسكري.. وتحديدا منذ حركة مايس التحررية 1941 ومساهمته الجادة فيها وما بعدها لغاية 14 تموز..حيث نسج علائق مهنية وفكرية واضحة البعد والمقصد مع القوى الوطنية التقدمية التي انطلقت في رؤياها من أولوية عراقية العراق وكانت متمثلة بالحزبين الديمقراطي والشيوعي.. وتعمقت هذه العلاقة بعد أن قرر قاسم الانفراد بالتحرك العملي لتنفيذ الثورة والانطلاق في تغيير الشأن العراقي من تلك الرؤيا الوطنية التي لم يتخندق فيها في علاقته مع العالم العربي.

المرحلة الثانية.. العلاقة القلقة.. وتمتد هذه العلاقة من بدايات 1959 ولحين الابعاد القسري الخارجي للثورة في شباط 1963. هذه العلاقة تراوحت بين صعود وهبوط وكانت متعرجة وخاضعة ليس للأفعال قدر خضوعها لردود الافعال ولماهية الصراع الاجتماعي الذي غطى كل ابعاد المجتمع العراقي، كلٌ من موقع مسؤوليته قاسم قاداً للسلطة , والحزب باعتباره أحد أهم قادة الشارع السياسي. وبصورة مكثفة وخير من يترجم هذه العلاقة هو الشعاران اللذان سبق للحزب ان رفعهما في اوقات مختلفة ضمن زمنية العلاقة وهما: تضامن –كفاح- تضامن ؛ و كفاح- تضامن- كفاح. وفي الوقت نفسه عكس هذان الشعاران تكتيك الحزب آنذاك من جهة، والموقف داخل قيادة الحزب من قاسم من جهة ثانية.. حيث تبلورت، حسب قناعتي المحتملة للخطأ والصواب، اتجاهات متعددة داخل قيادة الحزب بصدد الموقف من قاسم ومدى التعاون معه.. فهناك الخط المتياسر الذي كان يرمي إلى الاستيلاء على السلطة بغض النظر عن مدى تطابق وتوافق ذلك مع الظروف الموضوعية والذاتية، الداخلية والخارجية (الاقليمية والدولية) للبلد والصراع الاجتماعي بين المكونات. كما كان هناك خط عقلاني فيه الكثير من الموضوعية حيث رفض فكرة الوثوب على السلطة انطلاقاً من رؤيته لفلسفة الثورة وماهية الواقع المادي ومن حساسية الوضع الداخلي وعدم استكمال الشروط الموضوعية لقانونيات وسنن الثورة الوطنية الديمقراطية في أفقها الاشتراكي. بمعنى آخر انطلق هذا الاتجاه من تحليل لماهية الثورة وقواها الطبقية القائدة والمرحلة والمهمات الملقاة على عاتقها.. لذا رفض هذا الاتجاه هذه العملية وركز على تطوير مسارات الثورة لتحقيق ابعادها الوطنية.. لانها ثورة الطبقة الوسطى كما كان يراها.. وهي فعلا لم تكن غير ذلك.

أما بصدد محاولات الحزب في الاستيلاء على سلطة قاسم فقد أوضحت ذلك بجلاء في كتابي عبد الكريم قاسم في يومه الأخير- الانقلاب التاسع والثلاثون، الكتاب الثالث، اقول لقد اوضحتُ وأحصيت أن 95% من المحاولات الانقلابية التي شهدتها الجمهورية الأولى (تموز 1958-شباط 1963) قادها التياريان القومي والاسلامي بالتحالف وبالمساندة مع قوى الداخل المتضررة من الثورة ورؤيتها والقوى الخارجية اقليمية كانت أم دولية.. وأن 5% هي محاولات قادها اليسار آنذاك ليس للإنقلاب على الحكم قدر كونها عملية الضغط عليه خاصة بعد عمليات قمع اليسار العراقي منذ تموز 1959.. وكانت، كما ازعم، محاولة من بعض العسكريين والبعض المتياسرين من القيادة المدنية للضغط على قاسم لتصحيح المسار أكثر من كونها محاولات لاسقاطه.. اما ما قيل ونقل من كلام عن هذا القائد العسكري أو ذاك فقد بقى في حدود التحليل النظري المجرد والتفسير المستقبلي ولم يقترن بالفعل العملي الجاد، لأن اغلب قيادة الحزب لم تكن مع هذا التوجه (المغامر) وغير المستند للموضوعية والتاريخية، وهو الموقف الصائب حسب قناعتي العلمية.. سواءً أقال ذلك الشهيد الاوقاتي أم الشهيد الايزيرجاوي أم بعض اعضاء التنظيم العسكري الذين هم من الشباب المتحمس.. علما بان تنظيم المراتب للحزب الشيوعي آنذاك قد رفض رفضا قاطعا عملية تغيير قاسم.. كما ذهب إليها القيادي الشيوعي الراحل ثابت حبيب العاني، وهو على حق. لكن علينا التوكيد أن الحزب الشيوعي العراقي هو الحزب الوحيد الذي بقى يدافع عن نظام الجمهورية الأولى، بالرغم مما حدث من تصادم بينه وبين قاسم، حيث رمى بكل ثقله وراء قاسم والثورة.. وما نسمعه من نقد لقاسم من بعض الشيوعيين إن هو إلا الشعور النبيل لفقدان الثورة وعدم تحقيق ذاتها وبرامجها التي تصب في صالح القوى الاجتماعية التي يمثلها الحزب الشيوعي واليسار بصورة عامة.

أما بصدد شعار المشاركة بالحكم.. وهل كان عفوياً؟ فانا لا اميل لكونه كان عفويا، إذ سبق وأن طرحت آنذاك جريدة الحزب المركزية (اتحاد الشعب) ثلاثة مقالات كتبها عامر عبد الله حول هذا الموضوع في مطلع عام 1959، كما سبق لقيادة الحزب في ايلول 1958 وأن طالبت قاسم بضرورة تعديل بنية السلطة وذلك بمشاركة الحزب فيها. بمعنى إن رؤية أغلب قيادة الحزب آنذاك كانت إلى جانب هذا الموضوع البالغ الحساسية ليس للوضع الداخلي فحسب بل الإقليمي والدولي.. حيث تعرضت قيادة الحزب لضغطين، الأول كان من القاعدة والشارع السياسي لتسريع فعل الثورة (رغبويا) وليس بالتناغم مع الضرورة الموضوعية وظروفها وقوانين الارتقاء وسننها. والثاني كان هذا الشعار يتناغم مع توجهات جزء من القيادة العليا المتنفذة داخل الحزب آنذاك، والتي، أعتقد، أنها غير مدركة لسنن تطور الثورة وقوانينها والعواقب الناجمة عن ذلك.. وهي حالة معظم قيادات الاحزاب السياسية في العالم الثالث.

لو أخذنا الظروف آنذاك وحللنا فكرة استيلاء حزب شيوعي على اخطر بقعة في العالم، كما وصفتها الدوائر الامبريالية آنذاك، لأدركنا عمق هذه الماهية ومصاعبها اللاحقة إذ كان من السهل الاستيلاء على السلطة لكن الصعوبة تكمن في الحفاظ عليها. لقد رفضت المراكز الرأسمالية الدولية حكم قاسم الوطني، حكم الطبقة الوسطى ذات التوجه الوطني والرأسمالية الموجه.. ما بالك بحكم لحزب شيوعي ذي نظرة راديكالية ينطلق في رؤيته من الاشتراكية العلمية كمنهج للحكم، وفي زمن الحرب الباردة آنذاك ؟؟!! نعم لقد حلل السوفيت هذه الموضوعة الخطرة، ليس من موقف نفعي قدر ماهو يعبر عن مسؤولية الحفاظ على السلم العالمي، وما تأثير ذلك على كافة العلاقات الدولية في العالم عامة والمنطقة بصورة خاصة، وقد ادركوا عمق تأثيراتها السلبية على مسيرة 14 تموز في العراق، خاصة إذا تذكرنا أن المعسكر الاشتراكي (السابق) كان محور نضاله الدولي ودوره الرئيسي ينحصر في تجنب الاصطدام النووي والحفاظ على السلم العالمي بعد بدء ظهور فكرة ضرورة الانتقال من الصراع إلى فكرة التعايش على المستوى الدولي.

كما رصدتُ من خلال تتبعي لحدث التغيير بعد ثورة 14 تموز إن سفارات المراكز الرأسمالية الغربية (وخاصة البريطانية) كانت تتساءل باستمرار في اليومين الأولين للثورة عن وجود شخصية شيوعية في الحكم الجديد.. ليأخذوا منها ذريعة للتدخل المباشر.. فما بالك من وجود حزب شيوعي على رأس السلطة ؟؟ وفي الوقت نفسه سبق للقوى الداخلية أن رفضت قاسم وتوجهاته الديمقراطية العامة وبذلت ما بوسعها لاسقاطه.. ما بالك لوجود حزب شيوعي على رأس السلطة أو ضمنها.. لكانت لنا حرب اهلية اكثر قساوة من افغانستان.. اني كباحث اميل إلى هذه الرؤيا.. كان بالاحرى بنا كتقدميين ان نطور المؤسسات الدستورية ونعمق الديمقراطية الاجتماعية وتساهم كل القوى الاجتماعية العضوية في السلطة لتحقيق مضامين الثورة الوطنية الديمقراطية، لا الاشتراك بالسلطة أو الاستيلاء عليها ونحن نملك قوة تأثيرية كبيرة في الساحة السياسية الداخلية.



* بمناسبة مرور أكثر من نصف قرن على الثورة.. ماهي رؤيتكم لها في الوقت الحاضر ؟؟ وماذا بقى من القاسمية وهل ممكن أن تكون دليلا نضاليا للتغيير وملهما في بناء مجتمع جديد؟؟



- الرؤية الموضوعية تتطلب منا أن لا نركن هذا الحدث في رحاب النسيان ومتحف التاريخ.. نظرا لماهياته العضوية من جهة ؛ ولبقاء أغلب غائياته الاقتصادية والسياسية والفكرية في مركزية الوعي الاجتماعي وتجلياته الفلسفية والجمالية والطبقية من جهة ثانية ؛ كما أن هذه الغائيات لا تزال غير منجزة في أغلب مفاصلها سواءً استكمال السيادة والتحرر أو في المنجز الاقتصادي وضرورة انطلاقه في رحاب التنمية العامة أو في السياسة الاجتماعية وعدالة التوزيع بين الطبقات للثروة الوطنية وكذلك - وهذا الاهم - في تحرر الانسان من وهم المطلق والاسطورة واعتباره غاية رئيسية لكل السياسات من جهة ثالثة، ثم تعميق الديمقراطية الاجتماعية ومكوناتها الطبقية والديمقراطية السياسية البرلمانية والتداول السلمي للسلطة بين المكونات الاجتماعية وكذلك تحقيق حقولها المعرفية وحرية الرأي والتنظيم من جهة رابعة.

ومن جهة خامسة أرى أن الماهية الطبقية وضرورة تشكيل الكتلة التاريخية في هذا الظرف الانتقالي لتأخذ على عاتقها تحقيق ذات المهام الأرأسية التي تصدت لها ثورة 14 والانتقال بالمجتمع العراقي نحو التحرر والانطلاق في رحاب الحداثة والحضارة في هذا المنعطف التاريخي. وهذه الكتلة تتضمن القوى السياسية والاجتماعية التي تتزامن وتتواءم نظرتها الفلسفية مع مهام مرحلة التحرر الوطني والمنطلقة نحو المستقبل ومن واقع عراقية العراق الديمقراطي الفيدرالي في علاقته مع الأرحب العربي.

كل هذه المكونات والصيرورات تتطلب منا التمعن في هذا الغيير من كل جوانبه وهي تمثل الماهية الأرأسية في ما تبقى من القاسمية، كظاهرة، التي هي كما اعتقد تمثل ظاهرة عراقية تربط هوية الانسان ببيئته ومحيطه الاجتماعي والثقافي وانتمائه القومي، متضمنة ابعاده التحررية متخذةً من الديمقراطية الاجتماعية مضمونا أرأسياً تعكسه سمتا الهوية الوطنية العراقية و العدالة الاجتماعية والمساواتية النسبية. ومن منطلق التغيير في بعض مفاصل الظاهرة العراقية لا نرى من ضرورة لاعادة انتاج القاسمية بكل أبعادها القيادية والسياسية، أنه الاغتراب الزماني. طالما بقيت القاسمية كمنهج لمجتمع انتقالي ضمن ظروفه الزمكانية المحددة.. بمعنى انها تتملك محدوديتها الفكرية والمكانية. لكننا نستطيع الاسترشاد بما كانت تنوي تحقيقه؛ ومن ماهية قيادتها الانتقالية (الطبقة الوسطى) ؛ ومن مضامين ما رسمته لعراق المستقبل. هذه السمات الثلاث هي ما نحتاج إليه في العراق الراهن وإنهاء الاحتلال وتحقيق ما امكن من الاستقلال الاقتصادي وتحقيق الديمقراطية الاجتماعية والسياسية.. هذه الموضوعات تمثل القاسم المشترك لكل عناصرالكتلة التاريخية التي نطمح كذوات طبقية، فردية وجمعية، متحررة.. الى السعي لترجمتها على الواقع العراقي ذي الصيغة الانتقالية. وهذا ما يؤكد عليه التيار الديمقراطي الاجتماعي. وهي تمثل في الوقت نفسه شيئاً من القاسمية السياسية. وعليه فإن هذه الحقائق، في نسبيتها، تفرض علينا الرؤية الموضوعية لأهم حدث في تاريخ العراق المعاصر بما يحمل في طياته من أرأسيات مهام المرحلة الانتقالية..طالما أن الحقائق التي نسكت عنها تغدو سامة وخاصة في هذه المرحلة التاريخية الحساسة

**********



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار هادئ مع الباحث عقيل الناصري 2-2
- حوار هادئ مع الباحث عقيل الناصري 1-2
- الفلكلور والنهوض به
- ذكرى رحيل الروح المتصوفة
- عن البناء الديمقراطي في العراق
- سياحة فكرية مع الباحث في القاسمية
- دردشة على ضفاف تموز
- حوار عن تموز وقاسم
- حقائق واسرار الصراع السياسي العراقي في حقبة الخمسينيات
- ما يزال العراق يدفع ثمن إغتيال ثورة 14 تموز
- الانتفاضات الشعبية.. إرهاصات مهدت للثورة الثرية:
- مرثية الرحيل القسري- كامل شياع
- من تاريخية مناهضة الأحلاف العسكرية:حلف بغداد- في ذكرى إنهيار ...
- شخصية عبد الكريم قاسم تمثل شموخ الثقافة الشعبية
- القاعدة الاجتماعية لثورة 14 تموز
- - البيئة والمنطلقات الفكرية لعبد الكريم قاسم: (4-4)
- البيئة والمنطلقات الفكرية لعبد الكريم قاسم: (3-4)
- البيئة والمنطلقات الفكرية لعبد الكريم قاسم: (2-4)
- - - البيئة والمنطلق الفكري لعبد الكريم قاسم: (1-4)
- من تاريخية الجمهورية الأولى: ثورة 14 تموز وردود الفعل الإقلي ...


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عقيل الناصري - في رحاب التغيير الجذري وأفقه المستقبلي-حوار