أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - البيئة والمنطلقات الفكرية لعبد الكريم قاسم: (2-4)















المزيد.....

البيئة والمنطلقات الفكرية لعبد الكريم قاسم: (2-4)


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 2006 - 2007 / 8 / 13 - 11:04
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


محطاتها الأرأسية:
 
-   لقد نهل الشاب قاسم ومن ثم الطالب فالمعلم والضابط، وأغترف بحسن سياق ودقة من تلك الثقافات القادمة إلى المجتمع العراقي بعد تأسيس الدولة .. كما اهتَمَ في رصد الظواهر الاجتماعية التي كانت تفرزها المحلة البغدادية[1] في صراعها الحياتي والتقاط ما كان جديراً بالتأثر به. إذ ولد قاسم في المحلة البغدادية و مارس طفولته فيها، وتبلور شبابه هناك حيث التجارب الحياتية الأولى وتجلدت شخصيته في هموم محيطها وتعلم الحيطة منه. كما استلهم أحزانها وأفراحها، أحلامها وأساطيرها، وفهم تعدد أعراقها وثقافاتها.. مما ولدت لديه منظومة أفكار وقيم سلوكية ذات منطق بناء انفتاحي وليس انطوائي حسب فكر سلامة موسى، كان منها فكرة التسامح والرأفة، بغض النظر عن انتماءاتهم لأنهم جميعاً [ نظراء في الخلق]. لقد عاش صباه وفتوته بشقاء وحرمان ولازمت بيته وحياته الحاجة. لقد منحته هذه الحالة درساً عملياً بليغاً أثرت بإيجابية في تشكيل مضامين سلوكه الاجتماعي ومنطلقه الفكري وتركيبته النفسية فكانت العدالة واجتثاث الفقر عنوانها. لقد [فولذته] المحلة البغدادية ضمن ظروفها الزمكانية وأجواء علاقاتها وصراعاتها، الطبقية والدينية والأثنية والمذهبية، لذا تعمق منطلقه المتمحور في عراقيته وانعكس تراتيبة أولوياته السياسية من قبيل: أولوية الانتماء الوطني على الولاءات الدنيا؛ نبذ التعصب؛ اجتثاث مقومات القهر والاستلاب والتسلط [2]، حتى تشبع ب "... ميزة المساواة بين جميع قطاعات الشعب مع النتيجة بان الشيعة والمسيحيين واليهود وأفراد الاقليات الدينية المختلفة الأخرى في البلاد كانت تشعر بالارتياح خلال حكمه...[3]". وعليه يمكن اعتبار بيئته العائلية والمحلة البغدادية المحطة الأولى في صياغة منطلقاته الفكرية بشكلها العام.
-    أخذ الشاب عبد الكريم قاسم، من خلال المعايشة الاجتماعية وجماعة الصحبة والبيئة المدينية (الحضرية) يتقصى أثر مجموعة [حسين الرحال]، الذين كان يراهم يجتمعون في مقهى النقيب في محلة قنبر علي بالقرب من محل سكناه في أواخر العشرينيات، وكان صديقه المقرب رشيد مطلك من بين مريدي هذه المجموعة، ومن خلاله تعرف على بعض أعضائها وتلامذتهم الذين في عمره، من سكنة المحلة ذاتها أو كانوا طلاباً في الثانوية المركزية حيث كان يدرسون. وقد تقرب روحياً ونفسياً أكثر فأكثر حتى بدأت تملئ معالم روحه نحو الإصلاح في تلك المرحلة من عمره، وتبلورت نشأته السياسية وفكره الاجتماعي ببعده الإنساني. فكانت هذه محطة قاسم الثانية في منطلقاته الاجتصادية والفكرية.
-     أما المحطة الثالثة، الأكثر تأثيراً، حسب قراءتي لسيرته والمشتقة من السابقة، فقد كانت تتمثل بتأثره الروحي والمعنوي، بأحد الرواد الأوائل للفكر المساواتي والتقدمي (الاشتراكي) الذي أصبح بمثابة (معلمه الروحي)، وهو الأديب مصطفى علي (1900-1980)، الذي كانت تربطه علاقة صداقة قوية جداً بعائلة قاسم.. إذ كان والد عبد الكريم قد عمل في ذات الورشة التي يعمل فيها والد مصطفى، الحاج علي محمد القيسي. وبالإضافة إلى ذلك كانت لمصطفى علي علاقة صداقة حميمة بابن بنت عمة عبد الكريم قاسم، الضابط الطيار محمد علي جواد، أول قائد قوة جوية عراقية والمشارك الرئيسي لبكر صدقي في انقلابه عام 1936. إذ بعد عودة أسرة عبد الكريم من الصويرة لبغداد عام 1924، كما يقول مصطفى علي: " انتقلت إلى جوارهم في محلة قنبر علي وعبد الكريم صبي في عهد تكوينه النفسي. فكان الفتى يأتي يومياً إلى دارهم ويجلس عند قدمي مصطفى علي الذي يكبره نحوا من 14 عاماً ليستمع إلى أحاديثه وآرائه. وظل عبد الكريم ملازماً لصاحبه معجباً به، آخذاً عنه حتى أصبح معلماً[4] "، الكثير مما كان يبشر به مصطفى علي ومجموعته الفكرية ويدعون إليه من قبيل: الفكر المتحرر واستقلال في الرأي والصراحة في القول والجهر بالعقيدة، وما تفقه به من علوم اللغة والأدب والممارسة السياسية النظيفة...الخ.[5]
وقد تطورت هذه العلاقة بأستاذه مع مرور الزمن، وتعمقت أكثر عندما عمل كليهما في مدينة البصرة في مطلع أربعينيات القرن المنصرم كلُ في مجاله.. إذ كانا يتناقشان بالمستجدات الحياتية على الساحتين الفكرية والسياسية، إذ ولع قاسم بالرصافي وأدبه وهذا بتشجيع من أستاذه. وازدادت الثقة بينهما ضمن ظرفها الحسي حتى بلغت مرحلة كان يستشيره في كثير من الأمور، حتى تم إشراكه في الوزارة الأولى للثورة. هذه المحطة الفكرية في سياق تحقق صيرورتها في نفسية قاسم، قد أنضجت الجوانب المعرفية لديه واختيار التوجه السياسي وتبني النظرة الاجتماعية للحياة وفلسفة الوجود.. حتى أصبحت تشكل الهاجس الأرأس لعبد الكريم قاسم وسياسته وموقعه الشخصي على رأس السلطة الجديدة، في تركيبتها ومضامينها، وكانت بمثابة الصيرورة الدرامية لفكر قاسم العملي. إذ " أهتم المرحوم عبد الكريم قاسم... بشعارات الحركة الوطنية كما هدتهم إليها ثقافتهم وايديولوجيتهم وأوضاعهم الطبقية وموقعهم في السلطة وكان عملهم في تحقيق هذه الشعارات والمطاليب وقيامهم بالنضال في سبيل تنفيذها وأسلوبهم الذي اختاروه ذلك مما ميز الثورة في العراق وصبغها بلونها الخاص... [6]".
-   لقد تعمقت هذه النظرة وذلك الأسلوب من خلال مدى تأثره بجماعة الأهالي التي مثلت المحطة الرابعة في منطلقات قاسم الفكرية .إذ تدلل الوقائع التاريخية أن قاسم قد تأثر بدرجة كبيرة بهذه المدرسة الفكرية منذ ظهورها في الثلاثينيات، وبالاطروحات الفلسفية التي كانت تدعو إليها حتى قيل أنه كان يتبرع للحزب الوطني الديمقراطي من خلال رشيد مطلك الذي كان عضواً في الحزب في الخمسينيات[7]. اشتد نزعة قاسم بالتأثر بالأهالي بعد تكوين الحزب الوطني الديمقراطي عام 1946 وكان مواظباً على تتبع أفكار الحزب وتوجهاته العامة والأقرب إليه وإلى عراقيته وإلى أفكاره الطبقية. والموقف من الإستعمار؛ التحرر الاجتماعي ؛ ماهيات العقد الاجتماعي؛ دمقرطة الثقافة؛ الموقف من الطبقات المنتجة للقيم المادية؛ وغيرها من المعالجات الفكرية والسياسية وتجلياتها العملية. ولهذا السبب.. كان قاسم يتصل بالحزب الوطني من خلال (رسول الثورة) رشيد مطلك، ويخبره بموعد الثورة بل يكلف أهم عضويين في قيادة الحزب للإتصال بعبد الناصر والقوى التقدمية في سوريا.. وهذا ما سنتطرق إليه لاحقاً. كما أن برنامج الثورة كاد يتطابق وما يدعو إليه الحزب، في المجالات الاجتصادية والسياسية. لهذا يمطنني القول أن ثورة 14 تموز كانت ثورة البرجوازية الوطنية والحزب الوطني الديمقراطي.
-   أما المحطة الخامسة في المنطلقات الفكرية لقاسم فقد تمثلت سواءً في تجربته الحياتية الاجتماعية وجماعة الصحبة (المهنيون منهم والمثقفون) أو دراسته النظرية العليا (الأركان) في بغداد، ودورة القادة الأقدمين في لندن وقد تعمقت لديه فهم أواليات مهنته العسكرية.. التي قرنها بالممارسة العملية لتطبيق هذه الأبعاد النظرية.. فكانت ممارساته في الحرب البرزانية الثانية، والفلسطينية الأولى حقل تجريب لهذه المعارف، والتي خرج منها كمَعْلَمْ في المؤسسة العسكرية العراقية. ومن الملاحظ في حياة قاسم العسكرية أنه كان لا يود الخدمة في المدن الكبيرة.. مما اكسبه فهم الحياة في واقعها المادي وصراعها الاجتماعي. كما أن سفراته إلى خارج العراق.. كانت محل دراسة له ولواقع تطور هذه البلدان.. ولمعرفة كيفية حل إشكاليات الخروج من التخلف المزمن والقضاء على الفقر.
 
 


[1] - عاش قاسم في طفولته بعد عودة الأسرة من الصويرة في محلة قنبر علي التي يصورها الباحث جلال الحنفي بكونها " كانت يوماً مضرب المثل، محلة مأهولة بالسكان وفيها طبقات منهم متقدمة وميسورة، وفيها مصانع لأصحاب بعض الصناعات وفيها عدة مقاهي، وفيها مساجد وأسواق وسابلة لا تنتهي أقدامها من الذهاب والإياب. فإن محلة قنبر علي تقع بين جهات الفضل وباب الشيخ ، فهي محل حاجات الناس من غرباء ومقيمين على اختلاف حاجاتهم...: مستل من جريد المشرق في 24تموز 2007،ط. الالكترونية. 
[2] - للمزيد عن طفولة قاسم وصباه وانتماءه العائلي، راجع كتابنا الأول، من ماهيات السيرة. مصدر سابق.
[3] - ماريون فاروق وبيتر سلوغليت، من الثورة ، ص.115 ، مصدر سابق.
[4] - مير بصري، اعلام السياسة في العراق الحديث.ص.246، دار الريس، لندن 1987.
[5] - حول هذه المواضيع راجع: عبد الحميد الرشدوي، مصطفى علي حياته وأدبه، الشؤون الثقافية، بغداد 1987، كذلك د. عامر حسن فياض، جذور الفكر الإشتراكي والتقدمي، في العراق، كذلك لذات المؤلف، جذور الفكر الديمقراطي اللبرالي، مصدران سابقان.
[6] -  عبد اللطيف الشواف،عبد الكريم قاسم، ص. 33، مصدر سابق.
[7] - مقابلة مع الاستاذ عبد الوهاب محمد الخزرجي في 17/11/2004، في مقر الحزب الوطني الديمقراطي  في كرادة مريم. وهو يعتمد في قوله هذا إلى ما أخبره به عبد الله عباس عضو اللجنة المركزية للحزب، الذي كان له صلة حزبية برشيد مطلك. ويضيف الخزرجي " أن هنالك رأي مفاده أن قاسم كان منتمياً للوطني الديمقراطي بصورة سرية". لا اميل إلى هذا الرأي قدر كون قاسم كان متعاطف إلى درجة جداً كبيرة مع فكر الأهالي والحزب الوطني الديمقراطي. وهذا ما سنتطرق إليه بتفصيل أكثر لاحقاً.



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - - البيئة والمنطلق الفكري لعبد الكريم قاسم: (1-4)
- من تاريخية الجمهورية الأولى: ثورة 14 تموز وردود الفعل الإقلي ...
- من تاريخية الجمهورية الأولى: ثورة 14 تموز وردود الفعل الإقلي ...
- من تاريخية الجمهورية الأولى: ثورة 14 تموز وردود الفعل الإقلي ...
- من تاريخية الجمهورية الأولى: - ثورة 14 تموز وردود الفعل الإق ...
- من تاريخية الجمهورية الأولى: واقعة قصر الرحاب ومقتل العائلة ...
- من تاريخية الجمهورية الأولى: واقعة قصر الرحاب ومقتل العائلة ...
- من تاريخية الجمهورية الأولى:واقعة قصر الرحاب ومقتل العائلة ا ...
- مرثية الروح.. في وداع الدكتور عطا الخطيب
- 14 تموز_ العطاء الدائم، مقابلة
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري : ثورة 14 تموز وا ...
- من وثائق الجمهورية الأولى النيرة، تموز 1958- شباط 1963 ، 2-
- من رسائل عبد السلام عارف الى عبد الكريم قاسم
- وثيقة تاريخية: وصايا عبد الكريم قاسم أثناء الحرب الفلسطينية ...
- قراءة في: ثورة 14 تموز وإخراجها القسري من الحياة:
- مقابلة صحفية للدكتور عقيل الناصري
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز(5-5) - ...
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز 4-5
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز 3-5
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز 2-5


المزيد.....




- غيتار بطول 8 أقدام في موقف للمركبات الآلية يلاقي شهرة.. لماذ ...
- ساعة ذهبية ارتداها أغنى راكب على متن -تيتانيك-.. تُباع في مز ...
- اغتيال -بلوغر- عراقية وسط بغداد.. ووزارة الداخلية تفتح تحقيق ...
- ثوران بركان إيبيكو في جزر الكوريل
- -إل نينو- و-لا نينا- تغيران الطقس في أنحاء العالم
- مكسيكي يقول إنه فاز بشراء أقراط بـ28 دولارا بدل 28 ألف دولار ...
- سيناتور روسي يقيم جدوى نشر أسلحة نووية أمريكية في بولندا
- هذا هو رد بوتين على المساعدات لأوكرانيا من وجهة نظر غربية (ص ...
- الولايات المتحدة تطور طائرة -يوم القيامة- الجديدة
- الجيش الروسي يستعرض غنائمه من المعدات العسكرية الغربية


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - البيئة والمنطلقات الفكرية لعبد الكريم قاسم: (2-4)