أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عقيل الناصري - مقابلة صحفية للدكتور عقيل الناصري















المزيد.....



مقابلة صحفية للدكتور عقيل الناصري


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 1743 - 2006 / 11 / 23 - 10:57
المحور: مقابلات و حوارات
    


دردشة ساخنة مع الدكتور عقيل الناصري:

أجرى الحوار : علاء مهدي صحيفة الفرات تحاور المؤرخ والمفكر العراقي الدكتور عقيل الناصري عن مؤلفاته ، الوضع الراهن في العراق وآفاقه المستقبلية. يزور استراليا حالياً الدكتور عقيل الناصري آتياً من السويد، والزائر الضيف كاتب ومؤرخ متخصص في شخصية الزعيم العراقي الفقيد عبد الكريم قاسم. عمل كأستاذ في جامعة وهران في الجزائر ثم كباحث متفرغ في معهد الاستشراق في الاتحاد السوفياتي السابق نشر اكثر من 55 دراسة ومقالاً والعديد من الكتب والكراسات جلها عن شخصية وحياة الشهيد عبد الكريم قاسم.
كان للدكتور الناصري مواقف معارضة للنظام السابق وله وجهة نظر معينة حول الإحتلال الأمريكي للعراق.
ألتقيناه في مكاتب الفرات وتوجهنا له بالعديد من الآسئلة في دردشة هادئة وساخنه بنفس الوقت بعيداً عن أنهار الدم العراقي المراق في مدن العراق فكان لقاءً عذباً ، ملؤه شجون عراقية حول ماضي العراق وآفاقه المستقبلية: * نرحب بكم في أستراليا ونتمنى أن تكونوا قد أستمتعتم بالأيام القليلة التي قضيتموها في أستراليا. نرجو مخلصين أن تقدموا للقارئ العراقي في أستراليا نبذة مختصرة عن بطاقتكم الشخصية؟

ولدت في ناصرية العراق في العام 1944، حيث كانت الحرب الثانية قد بدأت تحزم أمرها وآذنت بالرحيل لتكنس بعض المزابل الملوثة للانسانية ولتنظف الاجواء للقادم المرتجى من حرية الانسان وتطلعه إلى عالم بلا حروب .. ترعرعت في العاصمة العراقية وتبغددت في مناخاتها المتفتحة وتثقفت من مصادرها المتنوعة بعيدا عن الولاءات الدنيا والنظرات السكونية ، ضمن أجواء الشفافية الاجتماعية حيث عشت مع اناس طيبون من مختلف التركيبات الاثنية والدينية العراقية .. حيث الكردي وتطلعه المشروع وذلك المسيحي القادم من الموصل بما يحمل من انساق جمالية متفتحة،وذلك المسلم المتشبع بقيم التسامح والود ولم نكن نعير الاهتمام لطائفته، والمندائي الذي يسكنه الضوء والوضوء والتركماني المتوثب حتى على تطلعه وذاته.. ضمن هذه الاجواء التسامحية تفتح الذهن في البدء على التراث الاسلامي بنسخة المقهورين والمظلومين وقراءات زعيمهم ابا ذر الغفاري ومعلمه الفيلسوف علي ابن ابي طالب.. ومن ثم انكفأت على واقع العراق المعاصر وصراع القوى الاجتماعية ومحركاتها الخفية ضمن الرؤية الضيقة .. لكني تنبهت بفضل المرحوم الوالد، الى ان قراءة العراق يجب ان تكون بكليته وشموليته وليس بالمحدودية الاجتماعية او/ و الدينية أو / النظرات الضيقة.. لأن العراق اوسع من كل هذه التنظيرات المحدودة.. ثم جاء التغيير الجذري المنتظر في 14 تموز .... وكان عهدا تاريخيا جديدا لملمت على أثره طبقات اجتماعية مكوناتها ورحلت الى المتحف السياسي لتستقر هناك .. لتأتي طبقات حديثة تساهم في صنع العراق. ومن خلفيات ذلك بدأ الصراع بين هذه الطبقات وأشتدت المناورة وازدادت بوصلة التوجه والانحياز في اتون هذا المعركة الجديدة بين القوى القريبة اليسارية والقومية.. وتعمقت الهوية العراقية التي لم يستسيغ البعض القبول بها فتعاونوا على وأدها بالدم المسال وبتعاون زرق العيون.. فكان انقلاب 1963 وذبح قاسم أكراما لشركات النفط والافكار القومانية.. ورجع العراق الى بدايات تكوينه.
هنا تعمقتُ، كذات طالبة للعلم ولا أزال، في الغور في فهم مسوغات ذبح قاسم فكان المحور الأرأس المرافق لي طيلة اربعة عقود ولا أزال.. في البحث عنه وعن دور النفط في ذلك وأنوية الرئيس عبد الناصر وفترته المظلمة.. تعمق هذا الاهتمام بعد الدراسات العليا ونيل شهادة الدكتوراة في اقتصاديات العمل من معهد بليخانوف في موسكو.. حيث ازدادت الاستفهامات عن تموز وقاسم والطفرات الاجتصادية والصراع الاجتماعي والتكالب الخارجي والنفط وقانون رقم 80 وتأسيس منظمة اوبك وتأسيس جيش التحرير الفلسطيني والاعتراف الدستوري لأول مرة بالاكراد كشركاء في هذا الوطن...الخ.
بدأت بدراسة العراق أكثر فأكثر ونشرت جملة من الدراسات عنه ببعديها الاقتصادي والاجتاعي . وعدت لقاسم وتموز ثانية وبصورة مباشرة ونهائية بعد انقطاع دام عقد من الزمن لأحاول التخصص بهما.. فاصدرت 4 كتب وثلاثة دراسات موسعة وعشرات المقالات والدراسات يمكن الاطلاع على بعضها في موقعي الشخصي في الانترنيت ضمن موقع ( http://www.rezgar.com).
عملت في حقول وظيفية متعدة كان منها باحث علمي في حقل الاجور في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية, وكأستاذ مساعد في جامعة وهران، وباحث غير متفرغ في معهد الاستشراق في موسكو، والآن متفرغ للكتابة منذ عقد من الزمن بما يتعلق بالشأن العراقي وعلى وجه التخصص بقاسم وتموز .
* السؤال الذي يطرح نفسه دائماً ، لماذا عبد الكريم قاسم بالتحديد، هل لأنه رجل عراقي تاريخي ام لأنه يتمتع بإعجاب وأهتمام شخصي لديكم؟ لا بد من أن هنالك أسباب قد دفعتكم للتخصص في تدوين تأريخ هذه الشخصية العراقية؟ يا حبذا لو سلطتم الضوء على هذه النقطة بالذات؟

في صيرورة الارتقاء الحضاري وفي زمن الانعطافات الاجتماعية الهامة .. يوجد دوما نوعان من القادة: الأول هم القادة الذين يحاولون تهيأت التربة الاجتماعية للتغيير الجذري من منطلق إحساسهم بالضرورة التاريخية للتغيير المنتظر ومن مشاركتهم الاجتماعية العضوية الفعالة ( بالمفهوم الغرامشي لها)، ومما يتلمسوه في افقه التاريخي. أما النوع الثاني فهم القادة الذين يساهمون في التحقيق المادي لفعل التغيير ذاته ويوقدون الصيرورة التاريخية نحو المرحلة النوعية الجديدة المستجيبة للواقع الاجتصادي ودرجة الوعي الاجتماعي في تجلياته الفلسفية والسياسية والجمالية والحقوقية والدينية.
ضمن هذين النوعين المحددين من القادة ومن تحقيقهم فعل التغيير ثمة تاريح جديد للمجتمع يمثل درجة نوعية قياسا بالسابق. ومن هنا إذا وضعنا قاسم في ميزان المعرفة التاريخية من خلال ما أنجزه في يوم التغيير الجذري الكبير في 14 تموز، بإعتباره ضرورة موضوعية واستجابة لمنطق التطور والارتقاء ببعديهما المتحقق والمرتجى، فإن قاسم يستحق ان نطلق عليه القائد المستجيب للضرورة الاجتماعية والباني لتاريخ العراق الجديد.. الذي امتلك مساره التاريخي . وكان قاسم بحق قد امتلك واقع هذا المسار وإن لم يمتلك لذاته شيء . لأنه من المعروف أن القادة العضويين لا يظهرون في التاريخ عفوياً بل طبقا للضرورة التاريخية ذاتها عندما تنضج الظروف الموضوعية والذاتية في فترة التغيير الثوري، أي في مراحل الانعطاف والحقبات المهمة.. علما بأن هذا القائد الموهوب لا يبرز إلا إذا كانت موهبته ضرورة للتاريخ . وإذا كانت قدراته وذكاؤه مطلوبة وضرورية ومتطابقة نسبيا للمجتمع ولمرحلة محددة.
هذا الفهم المجرد يمكن رصده في جملة واسعة من المنجز المتحقق على الاصعدة الاجتماعية والاقتصاية والثقافية ضمن أطر التفاعل الجدلي لجملة من العناصر منها ما يتعلق بعمق التغيير وكذلك مفردات برنامج البناء الاجتصادي ، وطبيعة إدارة قاسم للحكم وموقفه كوسيط في المجال الحيوي للعلاقات المتبادلة بين الطبقات، وايضا يمكننا ذكر عناصر اخرى منها شرعة قاسم السياسية المنبثقة من ميله الى الطبقات الفقيرة (مادة التاريخ الانساني)، ومن غائية قاسم لهذه الطبقات، ومنطلقه الفكري المرتكز على قاعدة الحداثة والتحضر...ألخ وتأسيسا على ذلك وكنتاج منطقي مستنبط من العناصر المذكورة وتأكيد لمكانة قاسم في تاريخ العراق المعاصر وفي الوعي الاجتماعي لكم هائل من الفئات الاجتماعية.. يمكنني القول إنه من صنف الرجال العظام صانعي التاريخ الذين ثبتوا مكانتهم بمقدار ما أثارت أعمالهم ومناهجهم في تغيير مصائر شعوبهم وبمقدار ما غييرت مُثلهم في مفاهيم الحياة الاجتماعية والثقافية بكل ابعادها.. هذا تاريح قاسم الذي هو ليس ظاهرة جمالية .. بل هو واقع لا يقف دون التمادي على الغايات التي كانت منتظرة منه أو تلك الرغبات المسقطة عليه التي تحاول إختزاله.هذا من الناحية الموضوعية المكثفة.
أما من الناحية الذاتية.. فقيادة قاسم لعملية التغيير من الناحية العسكرية وتهيأت ما امكن من الظروف لاجل تطوير حركة الضباط الاحرار وما كان يعتمده من سياسة عملية لادارة الصراع الاجتماعي المنطلق من ثلاثة مستويات هي: الهوية الوطنية العراقية ضمن جدلية الانتماء العربي؛ فكرة المساواتية الاجتماعية النسبية لكل الطبقات وبالاخص الفقيرة منها؛ والتعبير عن مطاليب الحركة الوطنية العراقية. ألم يقال أن القائد العظيم في زمانه ومكانه هو الذي يستطيع أن يعبر عن إرادة عصره في كلمات ويدل عصره على إرادته وينيرها. كما ينفرد قاسم مقارنة بكل الحكام السابقين له أو اللاحقين، بجملة من الخصائص النفسية والثقافية انعكست في إدائه الاجتصادي السياسي وتمثلت في كونه:
كان خالص النية ؛ ذا سيرة صادقة، إنسانيا بطبعه، حسن الطوية؛ عفيف اللسان واليد؛ الرأفة والنزاهة؛ ما استرخص الكلمة والوعد؛ كارها للعنف ولم يؤمن به كوسلة للعمل وحسم الأمور، رغم كونه ضابطاً( مختص بالعنف)؛ لم تخدعه السلطة ومغرياتها؛ لا يحب الخصومة لذات الخصومة؛ ومتسامحا حتى مع من حاول قتله أواغتياله؛ حليما لم يدع الانتقام والثأر مكاناً في ذاته؛ لم يحاول ردم الهوة السحيقة بين حقائق الواقع والغائيات المراد تحقيقها؛ ولم يلعب على خيبة الأمل الكاذب؛ المساواة امام القانون وهو الذي خط المقولة الانسانية ( الرحمة فوق القانون) ... الخ. هذه الصفات الاخلاقية وما انجزه للعراق جعلت العراقيين يتخذوه معيار مقارنة للحكام الذين خلفوه.

* اذاً، عاش الزعيم ، ثم قتله البعثيون، في أقل من أربع سنوات؟ ترى مالذي قدمه عبد الكريم قاسم للعراق والعراقيين خلال هذه الفترة القصيرة التي تولى فيها مسؤولية إدارة العراق؟

في الواقع كانت مدة حكم الزعيم قاسم هي أكثر من اربع سنوات بقليل وبالتحديد 1666 يوماً. وهي مدة لا تقاس بمعيار الزمن.. نظرا لقصرها الشديد.. ومن هنا فإن ما تم إنجازه في هذه الفترة القصيرة وضمن عملية الصراع العنفي بين القوى الاجتماعية العراقية من جهة وثقل الضغوطات الإقليمية وتداخلها السافر في الشأن العراقي من جهة ثانية، وما لعبته المراكز الرأسمالية العالمية آنذاك من تهديدات وصلت حد التلويح بالاحتلال وضرب العراق بالاسلحة النووية من جهة ثالثة، وبوصلة المسألة النفطية لتساهم في ان يجعلوه نقمة على العراق في الوقت الذي اراده قاسم أن يكون نعمة له من جهة رابعة. ضمن هذه الظروف وتعقيداتها في مجتمع متعدد التكوينات وفي زمنية الصراع العالمي بين المنظومتين آنذاك، أعتمد قاسم في سياسة داخلية عناوينها الأراسية تمثلت في: محاربة الفقر وإجتثاث ما امكن من مسبباته المادية والحد من قانون التفاوت الطبقي ؛ تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص لكل المكونات الاجتماعية (الدينية والاثنية واللغوية والطبقية)؛ الحد من نوازع الطائفية السياسية على وجه الخصوص وإبرام عقد اجتماعي جديد بين هذه المكونات على اساس المواطنة والهوية الوطنية العراقية الموحدة؛ تحقيق الاستقلالين السياسي والاقتصادي وتحرير الثروات الطبيعية من هيمنة المراكز الرأسمالية العالمية وبالأخص المسألة النفطية ؛ بناء وتعزيز المرتكزات الماية للوحة الوطنية العراقية في إمتدادها القومي.
أما سياسة قاسم الخارجية فقد أعتمد على خمسة مبادئ هي : الاستقلال الوطني وتعميق مكوناته؛ الحياد الايجابي؛ العلاقات المتكافئة بين الدول؛ ترسيخ التضامن العربي والتكامل الاقتصادي كخطوة ضرورية للوحدة العربية؛ دعم حركات التحرر العربية وفي العالم الثالث.
هذه السياسات ومنطلقاتها الاجتماعية وضعت العراق على طريق صيرورة الارتقاء الحقيقي وكانت كما عبر عن ذلك عالم الاجتماع الدكتور فالح عبد الجبار من كونها " استجابة أو تتويج لتطور عاصف ، فتح عهدا جديدا هو عهد الانتقال من مجتمع زراعي تقليدي إلى مجتمع حديث يتجاوز التفاوتات المستحكمة التي طبعت التطور السابق: تجاوز عوائق التطور الحضاري، تعديل النظام السياسي بإقصاء الطبقات التقليدية وتجاوز الثنوية الاجتماعية الزراعية ( الطابع الاقطاعي للريف وتضاد المدن والارياف- حقوقيا واجتماعيا) ودفع التطور الصناعي رافعة العهد الجديد ومواصلة بناء الأمة..." . هذه الظروف جعلت من العراق طيرا يغرد خارج سرب الدول الاقليمية وتجربة رائدة يختذى بها.. مما استوجب ذبحها على وفق المنطق الرأسمالي.

* نحن نعلم أنكم قد عارضتم نظام البعث طوال فتره سيطرته على مقدرات العراق لمدة خمسة وثلاثون عاماً. هل لكم أن تسلطوا الضوء على أسباب معارضتكم لسياسة البعث في العراق ؟

قبل الاجابة على هذا السؤال لابد من الاشارة الى ان الاحزاب السياسية في العالم الثالث عامة والشرق الاوسط خاصة ينتابها بسبب ولادتها المشوه، خلل بنيوي في طبيعة الاداء وفي علاقاتها الداخلية ونشاطها وتفاعلها مع المحيط الاجتماعي .. ناهيك عن مدى التحكم الفردي لرئيس الحزب.. إذ يُختزل التمثيل الاجتماعي في شخوص القيادة الحزبية العليا، التي هي الأخرى تختزل ذاتها في ذات الرئيس، وبالتالي ضياع المفهوم العلمي للحزب باعتباره ممثلا لمجموعة أو فئة أو طبقة اجتماعية ويعبر عن مصالحها وفلسفتها الحياتية. كما أن صفة الاستئثار الحزبي والتمثيل الأوحد، أدت الى كوارث سياسية واجتماعية كبيرتين على الحزب وآليته والمجتمع وتوجهاته المتوائمة مع سنن التطور.. طالما ان الحياة هي اكبر من كل حزب على انفراد وتعددية أطيافها لا يمكن التعبير عنها من خلال منطق واحد ولون واحد وقيادة واحدة وشعار واحد.. انها فلسفة الاستبداد التي تفرخ حتما العنف والعنف المضاد.
عند دراسة حزب البعث يجب علينا النظر إليه في كل مسيرته حتى تكتمل الصورة بما له وما عليه.. إن مبررات التأسيس كما عبرت عنها ادبيات الحزب تكمن في التصدي الى الاحزاب الاشتراكية وبالتحديد الشيوعية منها في الوطن العربي. لكن الحياة فرضت على المؤسسين الأوائل ضرورة التكيف مع الواقع السياسي في تعدديته وصراعاته . لذا كان البعث العراقي في العهد الملكي غير ما كان عليه في مطلع الحقبة التموزية/ القاسمية، وتحول ضمن منطق الصراع إلى أداة كبح لثورة تموز ونسق مع القوى الخارجية لوأدها واحدث المذابح في 8 شباط بشكل لم يألفه المجتمع العراقي .. وانت تعرف ايها الصديق العزيز – علاء، اني سردت كل ذلك في أحد كتبي بصورة مفصلة ؟-

* اي كتاب منهم؟

- في كتابي الموسوم [ عبد الكريم قاسم في يومه الأخير – الانقلاب التاسع والثلاثون]
ويكمن الخلل الوظيفي الأرأس في ممارسة حزب البعث العراقي مسألة غاية في الاهمية تتمثل في تبنيه الانقلابية العسكرية واستخدام العنف المادي ضد خصومه تصل حد إعدام الحياة لهم.. إذ يوضح التاريح السياسي لعراق المرحلة القاسمية، خاصةً بعد عام 1959، أن حزب البعث العراقي كان النواة المركزية لكل القوى التي تضررت من ثورة 14 تموز وتلك التي خافت من تعمق مسيرتها. لذا اسس بعد الثورة على وجه التحديد المكنب العسكري الذي خطط لاحداث جملة من الانقلابات الفاشلة مع القوى الخارجية بما فيها الامريكية ضد حكم الزعيم قاسم ونظم العصابات لاغتيال مناوئيه السياسيين. وآليته تداخلت فيها الطائفية والقبلية.
ثم جاء ثانية الى السلطة، في صفقة سياسية مريبة، شهَّر بها الكثير من البعثيين السابقين، وغيرهم من القادة القوميين وبدأ (حمام الدم العراقي) ينزف من جديد لكن بصورة غير مرئية لوسائل الاعلام إذ أخذ الحكم بالقول العربي المأثور {الأمير سيف ومنسف} هذا الجمع لمصادر القوة القاهرة بالسخاء المتتوءم مع الزعامة التقليدية ذات البعد القبلي ونفسية المتريفيين. وهكذا نرى الشعارات الكبرى تتحول لدى البعث العراقي الى مقتبسات من قاموس العشائرية لتختزل في العائلة الواحدة( عائلة الرئيس) والصوت الواحد والرأي الواحد ويصبح الرئيس هو كل شيء.
إن تاريخ حزب البعث العراقي هو التمزيق المنظم للنسيج الاجتماعي العراقي وتفاعلاته الثقافية والسياسية، منذ استلامهم للسلطة عام 1963.. مع الاخذ بالاعتبار طبيعة القيادة فيه وطائفيتها رغم اللثغة العلمانية في خطابه السياسي.. صحيح كان هنالك على الصعيد المادي تحقيق شيء من التقدم العمراني، لكن تم تدميره من خلال السياسات والحروب اللاعقلانية الداخلية والاقليمية والدولية.. حتى بات العراق كما لو أنه في القرون الوسطى. كما حطم نفسية الفرد التي اصبحت هامشية تنتابها العبثية والتشويه وتعيش في عالم الاغتراب ومسلوبة الارادة.. بمعنى أن الحكم قد فقد أهم مبررات وجوده في السلطة.. مما أدى الى عاقبة نفور الفرد حتى من ذاته ناهيك عن المجتمع ومفاهيم الوطن وقيم الانتماء.. مما سهل عملية الاحتلال وهيأة التربة الملائمة له.. إن عملية التدمير المنظم التي مورست بالعراق منذ استلام البعث العراقي للحكم عام 1963 والحروب الداخلية العبثية الماجنة وتلك الخارجية المدمرة هي تعبيير عن الشيزوفرينا السياسية للقيادة العراقية، كما انه كان في ماهيته عقبة في وجه الحضارة والانسان، بما قام به من ترييف للمدن وتسليع للعلاقات الاسرية والاجتماعية ولعسكرة مناحي الحياة.. وكانت العاقبة هو تدمير المواطن وتغذيته بنفسية وروحية الرق والعبودية ، حتى تسهل قيادته. وهكذا خلا الحكم السابق من كل مقومات المنطق السليم لإدارة الحكم وتنمية الانسان وتعزيز مكانته،مما افقده مبررات وجوده. كما انه لم يعيد إنتاج السلطة بما يلائم ويزامن العصر ومتطلباته ولا المشاركة والتداول السلمي بين الفرقاء والمكونات الاجتماعية. هذه العقلية الأحادية المنطق والتصور بعيدة جدا عن مقومات الاستمرار في ادارة الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية وإلغاء الطائفية السياسية ومشاركة الغير بالحكم من القوى الأخرى، بل سرت حتى على حزب البعث نفسه.. إذ تحكمت بالقرار الأرأس عائلة (الرئيس) ومن ثم عشيرته وبدرجة ثالثة مدينته ومن ثم في الأحير حزبه، في كل شؤون المجتمع. إنها كانت مسرحية تراجيدية حافزها المكوث في الحكم والرعب و الموت وسيلتها. هذه السياسة ترجمها البعث العراقي الى جملة من الالتزامات، ما على الفرد سوى السير بمقتضاها وإلا العاقبة: الاجتثاث من الحياة..هذه العقوبة قد تسري لحد أقرباء الدرجة الرابعة من الاسرة؟. اي رعب عاشه الفرد العراقي.. صحيح ما اطلق عليها [جمهورية الرعب].

* أرجو أن تسمح لنا بطرح السؤال التالي رغم قناعتنا بأن المقارنه غير واردة لكن السؤال يطرح نفسه بسبب من أن الجيل الحالي لم تسنح له الفرصة لمعايشة أنجازات الزعيم عبد الكريم قاسم خلال مدة حكمه. السؤال: كيف تقيمون الإنجازات القاسمية – أن صح التعبير – مقابل ما قدمه البعث خلال فترة قاربت الأربعة قرون؟

المقاربة لا يمكن ان تصح مثل ما انت تفضلت .. لانه هناك اختلافات في :
الولاء والانتماء؛ الخلفيات الفكرية والمعرفية؛ من حيث الغاية المستهدفة وسعتها المستوعبة للتلاوين الاجتماعية المتعدة؛ من حيث الجامع الوطني دون الولاءات الضيقة من طائفية وإثنية ورابطة الدم؛ من حيث درجة الثقافة ونوعية التنوير؛ من أولوية العراق دون التخندق فيه، من مسارات التصور اللاحق له ولمكانته ولعلاقاته العضوية العربية؛ من المضامين السياسية الاجتصادية ومساراتها؛ المجتمع المدني وضرورته؛ ومن حيث دلالة فعل التغيير التاريخي المتحقق .. وأخيرا وليس آخر من الانسان العراقي وطموحه والقيادة السياسية ونزاهتها.
اربعة سنوات ونيف للفترة القاسمية النيرة مقابل اربعة عقود لحكم البعث .. الأولى خطت للعراق تاريخا من البناء والثانية رسمت وخططت للدمار؛ كانت الاولى في عاقبتها قد أثمرت الاستقلال والثانية مهدت الى الاحتلال؛ كانت الأولى وسائلها مستنبطة من غائيتها النبيلة والثانية كانت ميكيافلية في كل سياستها؛ كانت القيادة السياسية عراقية المنطلق والمضمون لمرحلة قاسم النيرة، في حين كانت حزبية منغلقة ذو افق عشائري بالنسبة للمرحلة البعثية ؛ كانت الأولى قد رسمت البعد اللاحق لعراق الحضارة في حين كانت الثانية قد خططت بوعي للتفتت والتهميش.

* لا زلت أتذكر تعقيبكم عن سؤال وجه لكم في مقابلة صحفية خلال زيارتكم السابقة لأستراليا ، حيث أشرت إلى انكم من -الكتلة الثالثة- ضد النظام وضد الحرب على العراق. الآن وقد حدثت الحرب – الإحتلال - ، ماهي وجهة نظر الكتلة الثالثة بالوضع الحالي ؟

في الواقع لا وجود متجسد موحد لهذه الكتلة .. أنها خليط من العناصر السياسية العضوية الفعالة، المنتشرة بين قوى اجتماعية متعددة. وهي في الوقت نفسه تعبر عن الموقف الفلسفي والعملي للكثير من مثقفي البلد وقواه المستقبلية. هذه الكتلة اطلقتُ عليها في بعض الاحيان ( الكتلة التاريخية) وهي تنطلق من جملة من المبادئ الوطنية العامة المتناغمة مع الظرف التاريخي الحالي، و يتطلب منها بصورة أرأسية التوحد على قاعدة وحدة العراق في اطاره الفيدرالي وتطويره، ضمن السيادة الوطنية والاستقلال الناجز والهوية الوطنية الموحدة في إطارها الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة ونبذ العنف كوسيلة لحل اشكاليات الحياة. بمعنى انها النفي الموضوعي للنظرات الضيقة والولاءات الطائفية والمناطقية. أنها ثانية تصب في العودة الى الفئات المدينية ( نسبة الى المدينة) لان القوى المحورية في الحكم وتلك السابقة.. أدارة السلطة وتديرها من المنطلقات الضيقة بل وربما الضيقة جداً.
وجهة نظر هذه الكتلة التاريخية كانت في البدء ضد الحرب والاحتلال كوسيلة لتغيير النظام الدكتاتوري السابق لانها مهمة القوى الداخلية.. والآن يحصد المجتمع سلبيات ذلك. فإذا كانت الصدفة التاريخية لمصالح الشعب العراقي قد تلاقت مع مصالح الاحتلال في نقطة واحدة تمثلت في ضرورة رحيل الدكتاتور .. فقد اختلفت هذه المصالح وتعارضت بل تناقضت بعد سقوط النظام السابق ورحيله إلى مزباة التاريخ. وعليه فإن مصلحة الشعب وتطوره اللاحق تمثله حراكية (الكتلة الثالثة) وذلك في انطلاقها نحو عراق دولة القانون والمواطنة والمستقل من كل انواع التبعية السياسية والعسكرية والاقتصادية. هذه الكتلة تضم شرائح واسعة جدا من الاطياف الاجتماعية التي تريد ايضاً بقوة: فصل الدين عن الدولة وحل اشكاليات المجتمع العراقي بعيدا عن المحاصصة الطائفية او/و الحزبية الضيقة أو/و المناطقية الجغرافية. كما تؤكد على رحيل القوات الاجنبية وتقنين العلاقة مع دول الجوار بعيدا عن التدخل في الشأن الداخلي. هذه الافكار النبيلة لا زالت قواها الاساسية غير متحدة . وهنا يكمن احد اسباب الخلل في السلطة الحالية.

* من خلال تخصصكم بتأرخة شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم ، وهي شخصية عسكرية متميزة عراقياً وعربياً وعالمياً ، ودون الدخول في مسببات تلك الحروب التي أصبحت الآن معلومة وواضحة لدى المواطن العراقي. هل لكم أن توضحوا للقارئ الكريم رأيكم بالحروب التي شنها العراق خلال فترة سيطرة البعث على الغير من قبل نظام قائده ليس بالشخص العسكري؟

أن الاعلام الديماغوغي للنظام السابق ومنطلقاته (النظرية)، سوق لنا واقع العراق طيلة الحقبة البعثية الثانية (1968-003 2) من خلال العزف المنفرد على عسكرة مناحي الحياة باعتبر أن هذا الطريق هو الذي سيؤدي الى تحرر الانسان وانعتاقه والارتقاء به لإعادة (المجد التليد) للامة العربية، وأن العراق هو بمثابة بسمارك العرب وقائد التوحيد العربي.. هذا الخطاب الاجوف لم ينتج عنه سوى تعبيد الطريق نحو الاستبداد والدكتاتورية من جهة واغتراب الفرد العراقي عن واقعه وتخلفه وتمزقه وتحويله الى عطاء سلبي يردد ما يقال وينفذ ما يطلب منه من جهة ثانية ونمو القطرية إن لم نقل الولائية الضيقة القائمة على اسا الحزب والعشيرة من جهة ثالثة.. وكانت الحروب المصطنعة الداخلية منهاأو الخارجية ضد إيران والكويت.. الحقائق الجغرافية والتاريخية الطويلة تفرض نفسها على العقول السياسية السليمة عند إدارة السلطة في علاقاتها مع دول الجوار. إن قرارات الحرب ودوافعها التي اقرها رأس النظام كانت بمثابة جريمة سياسية واخلاقية وتبذير للمال العام بحق المجتمع العراقي بالاساس ومجتمعات تلك الدول ايضاً. وكانت عاقبتها الدمار والتشويه وتمزيق النسيج الاجتماعي العراقي و القفز علىلتلك العلاقات التاريخية الطويلة والحقائق الجغرافية التي لا مناص منها.. ولم تستفد شعوب المنطقة من هذه الحروب الماجنة. كما ان المبالغ الفلكية الطائلة التي انفقت عليها وتلك القوى البشرية التي ازهقت الحياة فيها.. لو تم استثمارها على تطوير البلد لاصبح العراق شيء آخر.. لكن هذا الهدف النبيل يراد له عقلية سليمة ونفسية بناءة لم تكن متوفرة في القيادة العراقية السابقة سواءً في شخص الدكتاتور أو آلية حكمه ووسائله.. والدليل الآخر على ذلك هو ما يقوم به اتباع النظام السابق من تدمير منظم يطيل الناس البسطاء والمؤسسات الخدمية التي يستفيد منها المجتمع.. هؤلاء يعبرون عن الفكر الاجتثاثي عمليا.. مكيافليون حتى النخاع..هذه الحرب ضد المجتمع العراقي هي استمرار لحروبهم السابقة. أنهم لا يحاربون قوى الاحتلال قدر محاربتهم للمجتمع العراقي والانتقام منه.

* أذكر أنني قد شاهدت من على شاشة تلفزة بغداد في شباط الأسود عام 1963 ، تصريحاً لعلي صالح السعدي وهو أحد اركان البعث في حينه ، قال فيه : أننا – البعث – قد جئنا للحكم بقطار أمريكي. هذه المقولة التي أشار إليها العديد من أقطاب البعث – المرتدين عن البعث – لاحقاً في مؤلفاتهم من أمثال هاني الفكيكي وحازم جواد وطالب شبيب وغيرهم. العراق اليوم محتل أمريكياً وهم الذين جاؤوا بالبعث للعراق بقطارهم الأسود ، ما تفسيركم لهذه الحالة الغير توافقية؟

منذ نهاية الاربعينيات بدأت امريكا بالدخول المكثف الى منطقة الشرق الاوسط.. ووراء ذلك اكثر من سبب. وقد حاولت في الخمسينيات القيام بانقلاب عسكري في العراق ضد النخبة السياسية ذات التوجه البريطاني وإستبدالها بموالين لها. وعندما جاءت ثورة تموز وقلبت موازين القوى .. سارت المراكز الرأسمالية بطريقن أما الاحتلال المباشر للعراق وهذا لم يتحقق أو بالاحتواء للنظام القاسمي وهذا لم يتم ايضا، فكان خيارهم في النهاية ذبح الثورة وقائدها وقاعدته الاجتماعية المتمثلة بالقوى الديمقراطية واليسارية العراقية التوجه .. ولاجل تحقيق ذلك لابد من منفذين لهذه العملية فكان البعث العراقي هو اداة التنفيذ.. وأتم ما أُريد له. وبعد صراعهم الكلبي على السلطة وخروج بعضهم من فكر ميشيل عفلق.. تيقنوا انهم كانوا بقطار امريكي.
ومجيئهم الثاني كما قلت ، كان بصفقة امريكية عام 1968 ايضاً . وكان الهدف الخفي هو ضرب قوى اليسار مرة والى الابد.. لكنهم يبدو تصرفوا خارج الخطوط المسموح لهم.. ولامريكا كما هو معروف مصالح دائمة وليس لها اصدقاء دائمون.. واشتد التناقض بينهم على هذا المنوال .. كانوا اصدقاء عندما بدأ النظام يبيد الشيوعيين ويشن حربا على ايران .. لكنه تجاوز المسموح عندما تم احتلال الكويت من قبل النظام السابق وهو بمثابة الخط الاحمر الذي لا يسكت عنه. بالاضافة الى ان النظام السابق كان يرى قوته ليس في رفاهية شعبه وتنمية قواه البشرية معرفيا.. بل بوجود القوة الرادعة ( وخاصةً الداخلية) حتى لو على جوع أهله.. هذه السياسية البدوية، كانت تتعارض مع مخططات امريكا الاستراتيجية في المنطقة.. يزيدها تصادما الخطاب السياسي للنظام السابق المتناقض ليس مع الواقع وتفاعلاته حسب وانما مع ذاته ما بالك مع ولي نعمته؟

* سؤال يتكرر يومياً. هل سيعدم صدام؟ وان أعدم ، هل سيعني ذلك تغييراً للعراق ومستقبله؟
وما هو تقييمكم العام باختصار عن التهم التي وجهت للطاغية وعن سير محاكمته؟

شخصيا لم اعد أكترث لمآل هذا القميء ولم يعد يهمني ان يعدم الحياة.. لقد انقضى زمانه وولت مضامين مرحلته بكل آلامها وسوداويتها التي جثمت على روح المجتمع العراقي اكثر من 4 عقود من الزمن. أنت تعرف ان قاسم هو من رسم فكرة ( الرحمة فوق القانون) وقد خطها بدم حياته ليضمن مسار العراق وهويته الموحدة.. إن اعدام الدكتاتور أو عدم ذلك سوف لا تضفي على تاريخ العراق القادم اية منزلة.. لقد ذهب الى مزابل التاريخ .. حيث يتساوى الحي والميت في جوفها. هناك من يطلب الثأر وآخرون يريدون من اعدامه أن يكون درساً للدكتاتوريين المحتملين، ورأي ثالث يطالب بالتنفيذ لاجل لجم العنف ووقف ( حمام الدم العراقي ) وهناك غيرهم لديهم مبرراتهم.
انا اضم صوتي الى مقاله الدكتور وعالم الاجتماع فالح عبد لجبار [ لم اعد أشتهي على غرار بابلو نيرودا أن أنهش أحشاء الديكتاتور (فرانكو أو صدام) الذي قضى على أقراني . ما عدت اتمنى تمزيق أحد أو حتى ورقة. دورة العنف هذه يجب ان تصل خاتمتها . أنا المواطن ،الفرد يحق لي هذا الخيار ليقبل من يقبل وليرفض من يرفض.] وأزيد.. كفى حمام الدم العراقي ..آن الآوان لغلق منافذه. هذه التهم الموجه له اقل بقليل مما قام به.. ولا تتساوى مع ذرة من العمل المشين الذي ارتكبه.. انه كتلة من الخبث والجريمة وضحاياه أكبر مما وجه إليه.. وأثاره السلبية الماجنة ستلاحق العراقيين لاجيال عدة.. وهنا الفرق الكبير بينه وبين عبد الكريم قاسم حيث لا زال العراقيون يذكرون مناقبه.. لآنه عقل سوي منطقي وبناء.

* هل من مقارنه مقبولة عن المحكمة الجنائية الخاصة التي تتولى محامكمة الطاغية وبين محمكة الثورة التي ترأسها الشهيد فاضل عباس المهداوي؟

تأسست المحكمة العسكرية العليا الخاصة، والتي اطلق عليها محبيها محكمة الشعب والكارهين لها محكمة المهداوي ..لمحاكمة رموز النظام الملكي وفق سسن قانونية وظروف زمكانية مختلفة عن محاكمة الطاغية.. المقارنة تصعب في نقاط الالتقاء والاختلاف .. اهمها أن الأولى من اسمها كانت عسكرية في حين الثانية جنائية، كليهما سليم الى حد كبير في مراعاته للقواعد القانونية والاجراءات الرسمية.. في حين كانت الأولى مشبعة في كثير من الاحيان بالروح (السياسية) إن جاز التعبير بل وحتى تدخل المستمعين من خلال الهتاف السياسي داخل القاعة. وقد لعبت شخصية رئيس المحكمة في الأولى دورا اكبر من كونه رئيسا وكانت منبرا اعلامياً.. لكن طيلة المرحلة التي اعقبت (الذبح) القسري لثورة تموز ولغاية سقوط النظام السابق.. فقد كانت المحاكم الاستثنائية غير مستجيبة لأبسط المعايير القانونية كما في محكمة الشعب او محكمة الجنايات.

* لماذا لا تتوفر مؤلفاتكم القيمة في السوق الإسترالية رغم أن هنالك طلب مستمر عليها فالمواطن العراقي – الأسترالي قارئ جيد، كذلك فإن مقتنوا كتبكم ومؤلفاتكم يعيبون عليها خلوها من الصور الخاصة بالزعيم عبد الكريم قاسم خاصة وأنني لا أشك في أنكم تحتفظون بصور نادرة له؟

كتاباتي عن شخصية الزعيم قاسم وثورة 14 تموز هي ذات طابع اكاديمي، وهي تريد أن تخاطب عقل القارئ قبل لقلبه.. كما تريد ان تشاركه في التصور ورسم علائم الاستفهام على كل عبارة قيلت بغية الكشف موضوعيا عن الحقيقة النسبية لمرحلة قاسم وما كانت عليه بصدق عالٍ . أما موضوع الصور فهناك مشروع لاصدار البوم كبير لقاسم بعض منها نادر .. مؤجل هذا المشروع لحين استتباب الامن في العراق .. اما توفر كتبي في السوق الاسترالية فهذا مناط بدار النشر .. علما أن كلفة النقل إليها توازي نسبيا كلفة الكتاب تصور هذا الامر . لكنك توافقني الرأي يا صديقي ان واقع الكتاب في العالم العربي في أدنى مستوياته.. هل فاتك في السنوات السابقة أنه في معرض الكتاب العربي في بيروت وضعوا تابوتاً يرمز للكتاب في باب المعرض؟.

* تحدثت بعض المواقع الإلكترونية بعد الإحتلال أن قبر الشهيد قد تم العثور عليه وقد نشرت تلك المواقع بعض الصور ؟ كما تحدثوا عن أن عض العراقيين قد أقاموا مجالس فاتحة على روح الشهيد الزعيم؟ هل من تأكيد لذلك؟

مسألة القبر لا تزال لحد الآن موضع نقاش وتحليل للحامض النووي لجثمان قاسم ورفاقه.. والوضع الامني لا يساعد على المضي في هذا الموضوع.. كما أن بعض القوى في سلطة الحكم الحالي لها موقفا مناهضا لقاسم .. وإن لم تعلن ذلك رسميا لكنها عمليا تقوم بذلك.. واسوق لك مثالا على عقم التفكير الحالي .. لحد هذه الساعة لم يطلق اسم قاسم على اية مؤسسة او شارع او ساحة عامة.. في حين ترك الأمر لقوى المليشيات اطلاق التسمية التي ترغب بها.. خذ مثلا مدينة الثورة التي اسسها قاسم.. استبدلت بقرار من السلطة السابقة وسميت مدينة صدام .. والمليشيات اعادة تسميتها بمدينة الصدر ..غدا ماذا سيطلق عليها؟؟
اما بصدد مجالس الفاتحة .. نعم فقد عمت الكثير منها مختلف المدن العراقية.. وللمرة الرابعة على التوالي تقيم قوى الكتلة التالثة وبعض الانصار والمؤيدين لقاسم احتفالا تأبينيا في 9 شباط من كل عام .. وتقيم عائلته هي ايضا في نفس اليوم مساء مأتما تأبينياً.

* هي زيارتكم الثانية لأستراليا ، فهل من مقارنه بين النشاطات الثقافية والإجتماعية بين أستراليا والسويد موطنكم الثاني بعد العراق؟ سمعت أن بعض العراقيين سمحوا لأنفسهم بتغيير أسمكم من عقيل الناصري إلى عقيل القاسمي؟ ما تعليقكم على ذلك؟ أية مشاريع شخصية عن اصدار المزيد من الكتب أو البحوث عن شخصية الزعيم خاصة وأنني أعلم أنكم قد حصلتم على بعض الوثائق والمستندات الشخصية خلال زياراتكم المتكررة للعراق بعد الإحتلال؟

صحيح جدا ان بعض الاصدقاء عادة ما يقرنون صفة القاسمي بيَّ.. وهذا اعتبره وسام شرف لي.. وقد سبق للبيت العراقي في لاهاي ان كرمني على هذا الدراسات والبحوث .. واني استلم بصورة مستمرة الكثير من الرسائل والايميلات التي تشجعني وتحثني على المضي في هذا المشروع.. حتى أخذ بعضهم يزودني بل ويقوّم ويصحح ما اكتبه.. وبدوري اعتبرت هؤلاء بمثابة ( اللسان الاجتماعي) للقاسمية.. وهم الحاملين للكثير من المعلومات الشفوية غير المدونة.
اما مشروعي القادم .. فأنت ايها الصديق ورفيق الدرب والكلمة قد حدثتك عن ثلاثيتي الخاصة بقاسم . هذه الثلاثية تضم ثلاثة كتب هي :

- عبد الكريم قاسم – من ماهيات السيرة الذاتية 1914-1958، صر عام 2006 عن دار الحصاد في دمشق ، 579 صفحة قطع كبير.
- عبد الكريم قاسم – من ماهيات إدارته للحكم 1958-1963، قيد العمل ومخطط لانجازه بعد 3 سنوات.
- عبد الكريم قاسم في يومه الأخير – الانقلاب التاسع والثلاثون، دار الحصاد دمشق 2003/ 40 صفحة قطع كبير.
وهكذا ترى أني اعمل في الكتاب الثاني وذهابي للعراق سينصب على جمع اكر ما يمكن من معلومة رسمية او غير سمية .

ومن المشاريع الاخرى هو التعاون مع بعض الكتاب والباحثين مما له علاقة بهذه المرحلة النيرة _ مرحلة الجمهورية الاولى 1958-1963. وبالمناسبة في هذا الاسبوع جاءني عرض من احد كتاب السيناريو في العراق يطلب التعاون معه في إخراج عمله المبدع وتقويم بعض من اتجاهاته العامة ومشرفا ..لانه سبق وأن سمعت خبرا عن النية في اخراج فلم سينمائي او وثائقي بروحية جديدة.. كالتي اخرجها أحمد المهنا ( عبد الكريم قاسم بين زمنين).. الذي كان محكوما بالظروف العيانية لزمن الاخراج، وبالجهة الممولة للفلم- قناة دبي .
اشكركم على اتاحة هذه الفرصة الجميلة لي وآمل ان نلتقي ثانية ربما هنا في جلسة مناضرة اكثر من محاورة أو في المزمع اقامته لي بمحاضرة عن واقع العراق الحالي. اما النشاطات في السويد مقارنة بما عندكم.. فأقول ان الجالية العراقية في السويد واسعة جدا من حيث الكم وهي متعددة من حيث الانتماء والتوجه.. لذا فهناك كثرة من النشاطات ذات الطابع الخاص ، وأعني بها مثلا الاحزاب العلمانية لها مجالاتها والديمقراطية لها جمهورها والاسلامية لها دعاتها.. فالجامع للجالية ليس العراق بل الولاءات الادنى..الدينية او/و الحزبيةأو/و الالثنية وغيرها في المدن المتعددة. وهذه حالة اعتبرها جيدة.



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز(5-5) - ...
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز 4-5
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز 3-5
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز 2-5
- دراسات في تاريخية التغيير الجذري في 14 تموز 1-5
- محاولة تقديرية لجرد أسماء الضباط الأحرار في العراق
- عبد الكريم قاسم... رؤية ما بعد الثامنة والأربعون
- عرض مكثف لمحاضرة المرأة – الرجل.. السلطة كحق تاريخي مخوّل
- تموز14: الضرورة والماهية 4-4
- 14 تموز : الضرورة والماهية 3-4
- 14 تموز.. الضرورة والماهية 2-4
- 14 تموز.. الضرورة والماهية
- الزعيم قاسم و الجواهري ولقائهما الأول:
- دراسة عن حركة الضباط الأحرار 6-6
- دراسة عن حركة الضباطالأحرا ر 5-6
- دراسة في حركة الضباط الأحرار4-6
- دراسة عن حركة الضباط الأحرار 3-6
- دراسة عن حركة الضباط الأحرا ر2-6
- دراسة في حركة الضباط الاحرار في العراق
- النضوج والتكتل الغائي 1948-1958


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عقيل الناصري - مقابلة صحفية للدكتور عقيل الناصري