أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - دراسات في تاريخية التغيير الجذري في 14 تموز 1-5















المزيد.....



دراسات في تاريخية التغيير الجذري في 14 تموز 1-5


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 1734 - 2006 / 11 / 14 - 12:11
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز (1-5)
- إنفراد عبد الكريم قاسم وكتلته (المنصورية) بالتنفيذ ومقدماته:
{ ليس ثمة طريق ملكي إلى العلم، ولبلوغ الذرى، لابد من اجتياز المسالك الوعرة}
ماركس


لأجل بلوغ الحقائق (النسبية) التي نحاول قدر الأمكان الكشف عن مضامينها، لابد لنا من البحث في طبيعة حركة الضباط الأحرار ودراسة ما امكن من الزوايا التي لم يلق الضوء عليها بكثافة، أو تم التعطيل المقصود لمضامينها وأحداثها، منها كان مسببات أنفراد كتلة عبد الكريم قاسم (المنصورية) في التنفيذ، ضمن تفاعلاتها الجدلية والمعرفية ببعديها التاريخي والمنطقي. وعليه يكشف تاريخ حركة الضباط الأحرار، أن محاولات إنفراد بعض الكتل أو الاشخاص المحوريين فيها، في الإطاحة بالسلطة كان نتيجة منطقية للتناقضات الداخلية في الحركة ذاتها. إذ أن العلاقات بين القادة المحوريين، وعلى الأخص الأساسيين منهم، كان يشوبها الكثير من الانوية والذاتوية والتكتلية، بل حتى المزاجية. كما كانت تحالفاتهم الفكرية والمهنية غير متينة، في بعض جوانبها، وخاصة ما يتعلق منها بكيفية وزمنية محاولات الإطاحة بالنظام الملكي، التي تراوح عددها بين 7 إلى 13 محاولة، حسب رأي البعض منهم[1]. وقد سبق لقاسم " وهو رجل مفكر متأني له هيئة الأساتذة بمثاليتهم [2] "، أن ساهم، بصورة مباشرة أو غير مباشرة في أغلبها، سواءً في تحقيقها المادي؛ أو/و المشاركة في التخطيط لها؛ أو الإكتفاء بالمسانده عند قيامها، بدأً من أول محاولة في العام 1952[3] (أثناء وثبة تشرين) ولغاية الأخيرة السابقة للثورة (محاولة 22 حزيران 1958).

في الوقت نفسه تدلل الوقائع التاريخية لصيرورة حركة الضباط الأحرار، على رفض قاسم المشاركة في البعض الآخر أو/و كان متحفظاً على تفاصيلها أو توجهاتها العامة، والأبرز منها: تحفظه على تنفيذ محاولة 1952 بسبب طبيعة الاوضاع السياسية الاستثنائية السائدة آنذاك؛ كما رفض المشاركة في محاولة 1954 أثناء الفيضان الكبير الذي هدد بغداد بالغرق ذلك العام؛ كذلك الحال بالنسبة لمحاولة 11مايس 1958 حيث إمتثل قاسم للإيعاز الصادر له من (قيادة) الكتلة التي قادت هذه المحاولة والبقاء في معسكره، رغم إعتراضه عليها، ريثما أُبلغ في ذات الليلة بالتأجيل. و كان سبب رفض قاسم يكمن في موقفه الفكري ومنطقه المنهجي المتمحور في: أن الفكرة النبيلة بالضرورة تستنبط وسائلها من ذات الهدف وتنبثق عنه ومن ماهياته النبيلة ضمن سياقات الشعور بالمسؤولية الاجتماعية العامة لذات التغيير الغائي المستهدف بأقل التكاليف الاجتماعية والخسائر البشرية .

هذه المحاولات المتعددة وما انتابها من تأجيلات ونجم عنها من إختلافات ومشاحنات سواءً بين أعضاء اللجنة العليا أو في علاقاتها بالكتل الأخرى المرتبطة بها أو القريبه منها، أدت إلى حالة من الإنقسام وإعادة التشكل، كما ساد التشنج والتوتر في بعض المواقف، وأثارت الحساسيات في العلاقات والتصارع حول تحديد زمن التحقيق المادي لفعل التغيير وعوامل نجاحه والتنافس الخفي فيما بينهم على من يتزعم الفعل المرتقب. ويؤكد ذلك محسن حسين الحبيب من: " إن الانحراف في الحقيقة قد بدأ قبل الثورة والانشقاق بدأ قبل الثورة ايضاً[4] "، بل بلغ الأمر ببعض الضباط الأحرار إلى القول أن اللجنة العليا لم تعد قائمة ولا تعمل[5].

هذه الوقائع وتلك التي وردت على ألسنة بعض الضباط المحوريين على وجه الخصوص دللت على أنهم " لم يكونوا متفقين في ما بينهم، بل كان الأمر على نقيض هذا. وقد تركت المقابلات التي أجريتها مع الضباط الأحرار في نفسي إنطباعاً بأن الخلاف بينهم كان حاداً على بعض القضايا الجوهرية. وإن بعض القرارات التي أتخذت قبيل اندلاع الثورة لم تعرض على المنظمة المركزية، بل اتخذت من قبل بعض الأعضاء، والشاهد على ذلك التناقض الشديد في الأراء حول أهداف الثورة... " على سبيل المثال. و"... يتضح مما تقدم أن نشاط الضباط الأحرار كان يفتقر إلى التنسيق. وقد يكون السبب في هذا إنعدام قيادة موحدة منظمة. فعبد الكريم قاسم لم يعترف به إلا رئيساً للمنظمة المركزية في بغداد وليس زعيما لحركة الضباط الأحرار. لكن السبب الحقيقي يعود إلى التباين في وجهات النظر والتنافس بين زعماء الحركة من الضباط الذين كان لكل واحد منهم أتباعه ومناصروه من الضباط الأحرار فضلا عن محاولتهم إستمالة الضباط الأخرين وكسب تأيدهم. ففي سنة 1958 ظهرت المنافسة على أشدها بين زعماء الحركة الرئسيين ولا سيما في ما يختص بالخطة الواجب تنفيذها وتوقيتها ... [6] ".

لقد انعكست هذه الأجواء سلباً وبقوة كبيرة على حيوية وفعالية الحركة وتوجهاتها اللاحقة، وأدت بالعاقبة إلى شيوع حالة من عدم الانسجام فيها، إن لم نقل العداء الذي ظهر بزخم كبير بعد الثورة وكان عاملاً مهماً وأرأسياً في رحيلها القسري. لقد شعر أعضاء اللجنة العليا بضخامة التأثير السلبي لهذه الحالة على فعالية ومضامين التغيير المرتقب الذي يسعون إليه، حتى اقتنعوا في اجتماعهم الأخير السابق للثورة في بيت عبد الكريم قاسم يوم 4 تموز 1958، أنهم متفقون "...على تنفيذ الثورة عند مرور جحفل اللواء العشرين في بغداد، وإذا تعذر ذلك يعاد تشكيل اللجنة العليا من جديد للابقاء على المنسجمين، أما غير المنسجمين معهم فيخرجون...[7] ". أي بمعنى إعادة أنتاج قيادة الحركة بشكل أكثر إنسجاماً من حيث الأداء والإلتزام، وأكثر تقارباً من حيث التوجهات الفكرية بعد أن وصلت الحركة إلى طريق شبه مغلق. لكن هذه العملية لم تتم بسبب نجاح كتلة المنصورية في تحقيق التغيير المرتقب.

ومن الدلائل المادية المؤشرة على هذا الاختناق في الحركة هو ذلك الحراك الأفقي الذي شمل جملة من الشخصيات المحورية فيها الموزعة بين أكثر الكتل فعالية وتصميما في تحقيق رغبة التغيير وقد شملت كتل كل من: المنصورية؛ 11مايس (الشواف/سري/وصفي)؛ الوسطية؛ وإتحاد الجنود والضباط، عِبْرَ ضباطها الديمقراطيين. وكان من المفترض تشكيل كتلة جديدة تتكون قيادتها من 9 أعضاء من الكتل الثلاث المذكورة، على أن: "1- تتألف اللجنة الجديدة من: عبد الكريم قاسم، عبد السلام عارف، عبد الوهاب الشواف، رفعت الحاج سري، ثلاثة من الحلقة الوسطية، عضوين من كتلة11/5 (عدا الشواف ورفعت) 2- تثبت هذه اللجنة حال تشكيلها، الأهداف العامة للحركة،

3- تثبت خطة وموعد التنفيذ... [8] ".

إن هذا التشكيل، لم ير النور، بسبب أن الظروف الداخلية للنشاط العضوي لقاسم وكتلته و تصميمهما على الإستفادة القصوى من إرسال اللواء العشرين إلى الأردن، أجبرت قاسم و فرضت عليه التكييف معها ودراسة إمكانية تحقيق فعل التغيير بالمشاركة المعنوية فقط، مع اللجنة العليا، أما الجانب المادي الأراس فيناط بكتلة المنصورية، وهذا هو ميل قاسم ورغبته، نظراً لما عصف باللجنة وعموم الحركة من توتر وعدم إنسجام وصل حد النفور من جهة، ومن جهة أخرى دللت مبررات التشكيل الجديد المذكور أعلاه، بقوة على ما كان مخفياً من صراعات داخل عموم الحركة وتكتلاتها, وصلت حد التقاطع من اللجنة العليا التي شعرت هي بنفسها ضرورة إعادة تشكيل قوامها.

ويلاحظ الدراس لحركة الضباط الأحرار أن هذه الحالة برزت وإنعكست بوضوح أكثر فيما بعد، عندما حاول الضباط الأحرار تأرخة الحركة وشخوصها وأدوارهم الأراسية والرئيسية بل وحتى الثانوية منها، إذ أخذ التنابز يشتد بين رفاق الأمس وتصارعهم المادي يتجذر.. فالتهمة وتبني الموقف الأيديولوجي (بمفهومه السلبي) أخذ مكانته عند تثبيت وقائع وتاريخية الحركة حتى بلغ الإتهام درجة التجريم، وأفترن بإختلاق وقائع وفرض الأمنية على الواقع أو تزويرها أو على الأقل القراءة الآحادية والميتة لها، حتى وصلت برجب عبد المجيد إلى إنكار أي دور للزعيم وكأنه حرفاً صامتاً أو رقماً مهملاً في عملية التغيير صبيحة يوم 14 تموز عندما كتب قائلاً: " أما دور عبد الكريم قاسم فلم يكن شيئاً يذكر وعيب على من يدعي غير ذلك ". كذلك يردد ذات المعنى بالنسبة إلى مساهمة اللواء التاسع عشر الذي قال عنه: " كان بعيداً عن العاصمة في صباح يوم الثورة والذي لم يكن له أي دور في يوم الثورة [9] ".

وبقدر تعلق الأمر بالخلافات التي عصفت بالحركة، فقد ساهم البعض في اتهام قاسم، بعد غيابه الفيزيائي، وتحميله مسؤولية إثارة هذه الصراعات دون تحليل المسببات والعلل الكامنة في ظاهرة الضباط الأحرار منذ تأسيسها، وما الانشقاقات إلا تعبيراً عنها. لقد سار على هذا المنهج حتى بعض الباحثين الموضوعيين كليث الزبيدي الذي يقول: " فقد عمل عبد الكريم قاسم على تأجيل اجتماعات اللجنة العليا في الأيام القليلة السابقة ليوم 14 تموز، بل وإثارة بعض الخلافات بين أعضائها... [10] " وهذا إعتراف ضمني بوجود الخلافات مسبقاً وتحميل قاسم جزءً منها وهذا فيه شيء من الموضوعية.

تؤكد تاريخية الحركة أن الخلافات والانقسامات وعدم التوافق رافقتها منذ نشوئها بهذه الدرجة أو تلك، ضمن مختلف المجاميع من الضباط الذين كانوا يهيئون ظروف التوحيد قبل نشوء كتلة القادة (كتلة بغداد) والتي تطورت لاحقا، بعد إنضمام قاسم إليها، وتكوين اللجنة العليا التي استمر الخلاف فيما بين أعضاءها. كما شمل ذلك الكتل الأخرى القريبة منها أو تلك التي تدور في فلكها الغائي.. وقد تعمقت وإشتدت هذه الخلافات والصراعات في الفترة القريبة السابقة للثورة لأسباب عديدة، وما خرج به الاجتماع الأخير يوم 4 تموز1958، من ضرورة إعادة تشكيلها، جاء ضمن السياقات العامة لاجتماعاتها وما كان ينتابها من مشاحنات. إذ كانت علاقات القادة المحوريين قد اتسمت بطابع المبادرة الفردية أو التكتلية الثنائية إلى درجة كبيرة.

فمثلاً سبق لرفعت الحاج سري أن إتجه نحو التكتل الغائي المنفرد المعترف بزعامته مع الفئة الوسطى من الضباط الأمرين والأعوان وليس مع كتلة القادة، ولهذا السبب لم يعترف باللجنة العليا ولم يحضر إجتماعاتها مطلقاً. وحتى عند بداية عمله مع رجب عبد المجيد فقد " إتفق الإثنان كذلك، بناءً على إصرار سري، وعلى الرغم من احتجاجات عبد المجيد على أن تبقى المجموعة الي يكون سري مركزها منفصلة وغير معروفة للمجموعة التي سيشكلها عبد المجيد...[11] ". بل والأكثر من ذلك شكل سري قبل الثورة بأشهر، مع عبد الوهاب الشواف ووصفي طاهر وماهر نعمان الكنعاني كتلة خاصة بهم فيها الكثير من الضباط الديمقراطيين واليساريين، بعيدة عن اللجنة العليا، لكن لها صلة بقاسم، كما مر بنا.

في الوقت نفسه يشير أحد قيادي الكتلة الوسطية إلى ذلك الانشقاق الذي تعرضوا له " أدى تشكيل هذه الكتلة إلى انفصال بعض أعضاء تنظيمنا، إذ إلتحق هؤلاء بالتكتل الجديد، منهم طه الدوري وحسن النقيب وخليته المتكونة من خزعل السعدي وخليل إبراهيم العلي وأكرم محمود وعبد الستار الجنابي... حدثت هذه التكتلات والانشقاقات وأخذت صيغتها النهائية في أواخر شهر نيسان عام 1958... ". ويشير هذا القيادي عند تحليله لشهادات بعض الضباط الأحرار اثناء محاكمة عارف " إن قليلاً من إمعان النظر في تلك الشهادات يظهر لنا مدى التفاوت الموجود في عقول وأخلاقيات البعض منهم، ويدلنا على مدى الاختلاف في الرأي الذي كان سائدا عليهم، أو حتى إنتماءهم الفكري. وربما كان هذا أحد الأسباب التي جعلت عبد السلام عارف وعبد الكريم قاسم يقاومان تشكيل مجلس قيادة الثورة، إذ كان لابد أن يشكل المجلس من نفس أعضاء اللجنة العليا للضباط الأحرار التي مزقتها الاختلافات وكثرت فيها الانسحابات بسبب المناقشات الحادة...التي كانت تظهر مرة وتختفي مرات في كل اجتماع تعقده اللجنة العليا. أخر تلك الاختلافات كان التصادم الذي أدى إلى انسحاب رجب عبد المجيد ... ويضاف إلى ذلك انسحاب عبد الوهاب الأمين ومحي عبد الحميد ووصفي طاهر وعبد السلام عارف مرات عديدة [12] ".(التوكيدات منا – ع.ن)

كما ويشير عضو أخر إلى حالة مماثلة أخرى في اللجنة الوسطية بالقول: " أن أحدهم بالأصل كان من ضباط الحلقة الوسطية فاستغفلنا وعمل تنظيماً من وراء ظهرنا مع خزعل السعدي وخليل العلي وشكل تنظيماً فقررنا تجميده وبخاصة بعد الجلسة الصاخبة مع الأخ رجب...[13]" عندما بدأ جاسم العزاوي " يتهجم على شخص عبد الكريم قاسم بكلام لا يليق به ولا يليق بالحاضرين ولا يليق بأي واحد من الثوار ولا يليق أساساً بمبادئ الثورة، فاستنكرت قوله بشكل فيه عتاب... إذ لم يمضي على عتبي عليه نصف ساعة وإذا به يتهجم على عضو آخر في اللجنة العليا فانزعجت جداً وغادرت مكان الاجتماع على عجل[14] ".

وتأسيساً على ذلك يمكن التأكيد على أن الاختلافات والانشطارات قد لازمت الحركة منذ بدء تأسيسها الجنيني، وهي، كما نعتقد، حالة طبيعية تلازم مثل هذه الحركات في بلدان عالم الأطراف، بغض النظر عن طبيعة توجهاتها ورؤيتها الفكرية وهذه اللزومية مستمدة من طبيعة الظروف العامة لهذه البلدان وتعددية أنماطها الاقتصادية وتخلفها العام من جهة ومن طبيعة المؤسسة العسكرية ذاتها وتاريخية العلاقة بينها كذات إجتماعية والدور المناط بها وما تمتلكه من أدوات التغيير العنفي، كذلك لواقع العلاقات التي تسودها داخلياً. ويكشف تاريخ حركة الضباط الأحرار في العراق أن هذه الإنشطارات والخلافات بدأت منذ الإخفاق الأول في عدم الحفاظ على ديمومة ذاتها وإستمرارية عملها منذ نضوجها الذاتي أثناء الحرب الفلسطينية الأولى عام 1948، ثم تعثر تكوين مركز قيادي موحد لغاية نهاية 1956، ثم ما أصابها من إحباط ووهن معنوي بعد إنكشاف اجتماع مشتمل الكاظمية، وأعتقال ماهر الكنعاني وشكيب الفضلي في نيسان 1957[15].

وإشتدت وتائر التشتت بصورة أكبر، منذ مطلع عام 1958، إذ " كان التوتر قد أخذ بالتراكم منذ مدة داخل اللجنة. وكان هذا التوتر ناجماً إلى حد غير قليل عن فقدان الشريحة الأصغر سناً من الضباط الأحرار للصبر. وكان كثيرون منهم تواقين كما هم للعمل وضجرين من النصائح بالصبر، قد هددوا قبل ثلاثة اسابيع أو أربعة بالإنفصال عن اللجنة العليا ومتابعة السير بأنفسهم...". وإزدادت هذه التوترات بعد اجتماع العاشر من حزيران، حيث تسببت "... غرابة أطوارعارف بتقديم الزعيم الركن محي الدين عبد الحميد النائب الأول للرئيس و الزعيم الركن ناجي طالب النائب الثاني والعقيد الركن عبد الوهاب الأمين العضو البارز في اللجنة، استقالاتهم ولكنهم اقنعوا في الاجتماع التالي بسحبها[16] ". ويشار هنا خاصةً إلى ذلك الصدام الذي حدث بين قاسم ورجب عبد المجيد في أحدى اجتماعات اللجنة العليا أواخر حزيران/يونيو، حيث أشتد التوتر بينهما إلى درجة أضطر الجميع إلى إنهاء الاجتماع المنعقد في تلك الليلة وانقطاع رجب عبد المجيد عن حضور اجتماعات اللجنة لاحقاً [17].

كما أن العلاقات الثنائية بين أعضاء اللجنة العليا كانت في بعض أوجهها سلبية إن لم تكن عدائية وإن الفردية وحب الزعامةكانت تسيطران على تفكير وتصرفات بعض الضباط وكذلك علاقاتهما الثنائية، فمثلا العلاقة بين عبد الوهاب الأمين وعبد السلام عارف " والذي يلفت النظر في العلاقة بين الضابطين المذكورين أنهما كانا متنافرين متخاصمين لا يكادان يلتقيان على صعيد واحد قبل الثورة وبعدها.. قبل الثورة كانا لا يلتقيان في اجتماع من اجتماعات اللجنة العليا للضباط الأحرار إلا على زعيقهما الواحد بوجه الآخر حتى ينفض الاجتماع قبل آوان انفضاضه... وآخر ملاحاة بينهما جرت في اجتماع اللجنة العليا للضباط الأحرار في منتصف حزيران 1958... بحضور كافة أعضاء اللجنة[18]". كما أن اللجنة العليا عند مناقشتها فشل محاولة 11مايس، التي تمت دون موافقتها رغم اشتراك قسم من أعضائها، وقيل أنه "...اتخذت عدة قرارات كان منها تجميد بعض الضباط وفصل البعض الآخر من هؤلاء المنشقين والمتمردين على القيادة وكان من جملة الذين حققت اللجنة معهم العقيد عبد الوهاب الشواف ومحمد سبع ووصفي طاهر وبعد إنتهاء التحقيق تقرر تجميد وصفي طاهر وإنذار الآخرين بالفصل إذا ما كرروا العملية مرة أخرى...[19]".

وتأسيساً على ذلك، وبغض النظر عن مدى دقة تفاصيل هذه المعلومات وموضوعيتها، فقد دللت هذه التوترات والتناقضات من جهة، على حيوية وعضوية هدف التغيير وواقعية العلاقة بين الأعضاء المحوريين ذوي التوجهات المتباينة فلسفياً وفكرياً؛ وفي الرؤى الحياتية و منطلقاتها؛ وفي حدود عملية التغيير ذاتها ومضامينها؛ وسعة مساراتها المرتقبة وآفقها التاريخي. كما يمكن، من جهة أخرى، القول موضوعياً أن [بعض] مفاصل هذه التناقضات كانت غير مبررة علمياً وعمليا بين المحوريين في الحركة، قدر كونها تنطلق من مواقف ذاتوية أنوية نرجسية تغذيها طبيعة العلاقات الخاصة في المؤسسة العسكرية ومن تركيبتهم الفكرية والنفسية وأصولهم الطبقية وأبعادها المصلحية.

وأؤكد على أولوية العوامل الذاتية/الأنوية، بالإضافة إلى الخلافات الفكرية والرؤى الفلسفية، في كونها لعبت الدور الأرأس في صيرورة تعزيز نزعة التشتت لدى قيادات الضباط الأحرار المحوريين، سواءً قبل الثورة أو بعدها حيث تألبت كوامن التباينات السابقة بينهم وفجروها لاحقاً في شكل محاولات انقلابية عسكرية بلغت أكثر من ثلاثين محاولة[20]. إذ كان استبعاد الأغلبية المطلقة من أعضاء اللجنة العليا من تولي مناصب مهمة في مراكز الدولة الحساسة وبالتالي فقدانهم المكانة الاجتماعية المؤثرة و(الكرازمية) المتوقعة، لهم كذات أو لرؤيتهم السياسية, من العوامل الرئيسية لنقمتهم وتكتلهم ضد نظام (رئيسهم) الزعيم قاسم.

هذه الظروف جميعها، وغيرها من التفاصيل المشتقة من الطبيعة السرية للحركة وتلك المستنبطة من التركيبة النفسية/المعرفية لقادتها وخاصةً المحوريين منهم، كلها عوامل وفرت ظروف حيوية ذاتية ونفسية أجبرت قاسم (كما سبقه غيره ممن توفرت لهم ذات الظروف ولكنهم ترددوا)، على حسم موضوع التنفيذ وحصره بنفسه وكتلة المنصورية التي يقودها وبالتعاون الجزئي (كأدلاء أو لهم واجبات محددة) مع الكتلة الوسطية (البديلة) وبعض الضباط اليساريين والتقدمين منهم: وصفي طاهر وحامد مقصود وسعيد مطر وعادل جلال وإبراهيم عباس اللامي وعبد الفتاح الشالي وغيرهم من الضباط الشيوعيين الذين تم إخبارهم من قبل خلاياهم الحزبية، المتواجدين في بغداد ممن أشرت لهم في الكتاب الأول لهذه الثلاثية[21].

































--------------------------------------------------------------------------------

[1] - راجع كتابنا الأول من هذه الثلاثية، عبد الكريم قاسم من ماهيات السيرة، ص. 479، مصدر سابق.

[2] - كاراكتاكوس، ثورة 14 تموز، ص. 113، مصدر سابق.

[3] - لابد التأكيد أنه لا يمكن إعتبار اظهار التذمر من النظام الملكي أو التفكير بسقوطه كما لو أنه محاولة لتفجير الثورة. لهذا اختلف المهتمون في احتساب عدد محاولات الإطاحة بالنظام ومتى كانت أولها، فخليل إبراهيم حسين يقول أن " أول هذه المحاولات كانت عام 1952 في انتفاضة تشرين الثاني وكان لولب الحركة في هذه المحاولة الاستاذ محي الدين عبد الحميد" الذاكرة التاريخية لثورة 14 تموز، ص.25، آفاق عربية، بغداد 1987. في حين يشير ليث الزبيدي إلى أن اول محاولة كانت في تشرين الثاني عام 1956. ص. 161، مصدر سابق. اما د. محمد حسين الزبيدي فيعتبر اول محاولة هي عام 1954، راجع ثورة 14 تموز في العراق، ص.379 وما بعدها، دائرة الشؤون الثقافية 1983 بغداد، وهذا الخلاف في الرؤية يسري حتى على الضباط الأحرار، المنطلقين من تجاربهم الشخصية وارتباطهم بالحركة. راجع مذكرات: صبيح علي غالب؛ عبد الكريم فرحان؛ إسماعيل العارف؛ محسن حسين الحبيب؛ صبحي عبد الحميد؛ جاسم العزاوي.

[4] - الذاكرة التاريخية، ص. 220، مصدر سابق. كما أكد الكثير من الضباط الأحرار هذا الاستنتاج و اعترفوا به في صلب مذكراتهم وأحاديثهم بهذه الظاهرة.

[5] - يقول د. فاضل حسين :" أخبر عبد السلام الحلقة الوسطية بأن اللجنة العليا قررت حل نفسها وأنه متفق مع عبد الكريم قاسم على تأليف لجنة جديدة يشترك فيها أعضاء من الحلقة الوسطية...أرسلت الحلقة الوسطية عيسى الشاوي للإتصال برجب والاستفسار عنه عن خبر حل اللجنة العليا فنفى رجب الخبر "، سقوط النظام الملكي في العراق، ص.72، مكتبة آفاق عربية، بغداد 1986. في وقت يقول فيه صبحي عبد الحميد الذي إستند إليه د. فاضل حسين في هذا، أن اللجنة الوسطية أتفقت مع عارف؟؟ وليس العكس

[6] - د. مجيد خدوري، العراق الجمهوري، ص. 41، 51مصدر سابق.

[7] - الذاكرة التاريخية، ص. 155-156،. ويقول ناجي طالب كان " من الاوفق بل من الضروري عندئذ إعادة النظر في تنظيم اللجنة العليا..وقد بيتنا الأمر بيننا على هذا النحو. وكان هذا الاتفاق بسيطاً ومنطقياً ايضاً ولم يخالفه أحد من المجتمعين...". الموسوعة، ج.4، ص. 311، مصادر سابقة.

[8] - صبحي عبد الحميد، أسرار ثورة 14 تموز ، ص. 226و227، مصدر سابق.

[9] - صبحي عبد الحميد، ص.82، مصدر سابق .ويمكن تلمس هذه النقطة في مذكرات الضباط الأحرار وفي تصريحاتهم المتضاربه والمتأثرة بالظرف السياسي والمنطلق الفلسفي المتلحف بالأنوية العالية. لكن عبد الرحمن عارف ينفي وجهة نظر رجب حول دور قاسم واللواء 19، ويؤكد على ضرورتهما التي كانت السبب المباشر في نجاح الثورة ووقف جماح قوى الردة المناهضة لها عسكرية كانت أم مدنية. راجع الحوار المنشور معه في جريدة القمة، العدد 5 في 20/11/ 2001 بغداد.

[10] - ليث الزبيدي، ثورة 14 تموز، ص. 178، مصدر سابق. ومن النص يبدو مدى تأثر الباحث، بالجو العام المناهض لقاسم أثناء كتابته لاطروحته العلمية الثمينة.

[11] - بطاطو، ج.3، ص. 82، مصدر سابق. للمزيد راجع كتابنا الأول، صص,286-522، مصدر سابق.

[12] - جاسم كاظم العزاوي، ثورة 14 تموز ،ص. 97 و 189، مصدر سابق.

[13] - حسب قول محمد مجيد، الذاكرة التاريخية، ص. 239، مصدر سابق.

[14] - مستل من صبحي عبد الحميد، ص. 218، مصدر سابق. أما مضمون كلام العزاوي فقد أورده رجب ونصه:[ قال أن عبد الكريم قاسم هذا المخبل شنو انتم معتمدين عليه..تره هذا جندي واحد ما وياه.. ولا جندي يمشي وراه]، الذاكرة التاريخية، ص. 145، مصدر سابق. في حين أحجم العزاوي على ذكر هذه الواقعة في مذكراته المذكورة سابقاً.

[15] - راجع ليث الزبيدي، ثورة 14 تموز،صص.413-433، مصدر سابق، جعفر عباس حميدي، التطورات والاتجاهات السياسية الداخلية في العراق 1953-1958، ص.299 وما بعدها، دار النشر بلا بغداد1980.

[16] - بطاطو، ج. 3, ص. 108. وفي الحقيقة كان هذا رأي رجب عبد المجيد الذي أستله بطاطو من مخطوطة مذكراته. لكن رجب ذكر أسم الأمين فقط لاحقاً، الذاكرة التاريخية، ص, 154، مصدران سابقان.

[17] - المصدر السابق، ص. 109، كذلك راجع: الذاكرة التاريخية، وموسوعة 14 تموز، كلها مصادر سابقة. ويقول د. فاضل حسين، إستناداً لمخطوطة مذكرات رجب :" ولكن عبد الكريم قاسم أنفجر غاضباً وإتهم رجباً بإتهامات باطلة وهي 1- كان رجب سبباً في مقاطعة عبد السلام حضور اجتماعات اللجنة العليا، 2- أنه أبعد وصفي طاهر عن اللجنة العليا،3- حاول إبعاد محمد سبع وبعض الضباط الأخرين، 4- فرق وحدة صف الضباط الأحرار... إستنكر جميع الأعضاء الحاضرين إتهامات عبد الكريم وأثبتوا بطلانها". سقوط النظام الملكي ص. 73، مصدر سابق. لكننا لم نعثر على مصدر محايد يؤيد ما ذهب إليه رجب من كون الحاضرين أستنكروا رأي قاسم به، سوى أنهم بذلوا " كل محاولات التهدئة والتوفيق " ولم يفلحوا بذلك، حسب شهادة ناجي طالب، في الموسوعة، ج. 6، ص. 311، مصدر سابق.

[18] - عبد الجبار العمر، الثلاثةالكبار، ص. 66،67، مصدر سابق.

[19] - حسب قول رجب عبد المجيد الذي ينفرد في ذكر ذلك، مستل من صبحي عبد الحميد، ص, 211-212 مصدر سابق. في الوقت ذاته يستخف محمد سبع وينفي معاقبته من قبل اللجنة العليا يقول: " الغريب في الأمر يقول تجميد بعض الضباط وفصل الآخر وهذا لم يحدث نهائياً ولم يعرض إسم أي ضابط من الضباط الأحرار على اللجنة العليا بقصد الفصل أو التجميد." الذاكرة التاريخية، ص. 235، مصدر سابق. وأميل إلى الرأي الأخير، لأنه تم تعين الشواف عضوا أصيلاً في للجنة العليا بعد ذلك مباشرةً. أما بصدد وصفي طاهر فيشير صبحي عبد الحميد في مذكراته إلى أن وصفي طاهر أعلن إنسحابه من اللجنة العليا بعد إخفاق المحاولة. ص. 91, ويبدو أن وصفي طاهر كان معنياً آنذاك بتشكيل الكتلة الجديدة التي كان يجري التفاوض بشأنها والتي ضمت كتلة المنصورية والشواف/سري والكتلة الوسطية، كما مر بنا.

[20] - عن الانقلابية العسكرية في العراق، راجع كتابنا الثالث، عبد الكريم في يومه الأخير.

[21] - راجع كتابنا الأول، عبد الكريم قاسم، من ماهيات السيرة، ص. 483، مصدر سابق.



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاولة تقديرية لجرد أسماء الضباط الأحرار في العراق
- عبد الكريم قاسم... رؤية ما بعد الثامنة والأربعون
- عرض مكثف لمحاضرة المرأة – الرجل.. السلطة كحق تاريخي مخوّل
- تموز14: الضرورة والماهية 4-4
- 14 تموز : الضرورة والماهية 3-4
- 14 تموز.. الضرورة والماهية 2-4
- 14 تموز.. الضرورة والماهية
- الزعيم قاسم و الجواهري ولقائهما الأول:
- دراسة عن حركة الضباط الأحرار 6-6
- دراسة عن حركة الضباطالأحرا ر 5-6
- دراسة في حركة الضباط الأحرار4-6
- دراسة عن حركة الضباط الأحرار 3-6
- دراسة عن حركة الضباط الأحرا ر2-6
- دراسة في حركة الضباط الاحرار في العراق
- النضوج والتكتل الغائي 1948-1958
- حركة الضباط الأحرار- التكوين والتكتل الغائي
- النواتات الأولى لحركة الضباط الأحرار
- 14 تموز.. ضرورات الواقع وتناقضاته
- 1- عبد الكريم قاسم في عوالم الحياة العسكرية:
- مــن ماهيــات سيرة عيد الكريم قاسم


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - دراسات في تاريخية التغيير الجذري في 14 تموز 1-5