أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عقيل الناصري - 14 تموز_ العطاء الدائم، مقابلة















المزيد.....


14 تموز_ العطاء الدائم، مقابلة


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 1872 - 2007 / 4 / 1 - 10:45
المحور: مقابلات و حوارات
    


مقابلة مع الدكتور عقيل الناصري

بغداد ـ سعدون هليل:
تؤشر ثورة 14 تموز من العام 1958 نقطة انعطاف حقيقية في تاريخ العراق الحديث لقد وصل الصراع الذي اجتاح كل اوجه الحياة في العراق، الى ذروة انفجرت ثورة اجتماعية وسياسية وثقافية فهي بهذا ثورة اصيلة بحق ،فهذه القطيعة التي حدثت في نسيج المجتمع العراقي قد جرى الاعداد لها بالخميرة الثقافية وبعملية نقد ثقافي محتدم كما رمزت لذلك رائعة النحات جواد سليم التي وضعت” المفكر المحبوس “مباشرة قبل” الجندي“ في نصب الحرية لم يكن كل شيء في الجبهة الثقافية ينعم بالهدوء والاستقرار في عراق نوري سعيد. بل كان هناك صراع بالغ الشدة من اجل الهيمنة الثقافية تسلل الى المجالات الادبية والفنية وكذا الحال في ما يخص التعليم والصحافة، مهد الطريق امام افكار التغيير والتحول والثورة.
* ظهرت الكثير من الكتب عن ثورة 14 تموز 1958، وهذه حالة صحية تصب في صالح الكتابة التأريخية في العراق، ولكن القارئ في العراق لم يزل يحّن الى دراسة متكاملة محايدة لما جرى من احداث الثورة، ماهو رأي الاستاذ الناصري في تقييم ذلك؟
- في البدء شكرا لكم لاتحاتكم الفرصة لي للتكلم عن اهم حدث حضاري شهده عراق القرن العشرين.. وهو ثورة فرنسية كبرى في المنطقة بكل ابعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية.. ان حدثاً بهذا الحجم وبتلك السعة من التأثير سواء كان داخلياً او خارجياً (اقليمياً ودولياً) سوف يثير الكثير من الاشكاليات الفكرية وستختلف ازاء ه الرؤى الفلسفية خاصة اذا علمنا انه لايوجد تأريخ واحد.. بل تواريخ متعددة.. وهذا يتوقف على الفلسفة الحياتية لتلك الروئ وتقاربها من مصالحها (المادية وغير المادية).. ومدى التداخل بين العام والخاص. الموضوعي بالذاتي، الواقعي باللاواقعي..الخ، وتأسيساً على ذلك سنرى الرؤيا مختلفة والآراء عن ثورة 14 تموز متناقضة الى درجة بعيدة.. لذا سيطرح كل كاتب رؤيته من خلال التفاعل الجدي بين هذه المخارج الفكرية ووفقا لمنهجه في البحث.. بصورة اكيدة سوف لاتتطابق رؤية الفلاح المنتفع من الثورة مع رؤية الاقطاعي المتضرر منها.. وعلى هذا المنوال يمكن قياس الآراء الاخرى لمختلف الفئات والطبقات الاجتماعية. التكامل والحيادية صفات مثالية لايمكن توافرها في البحث العلمي وخاصة في القضايا الاجتماعية.. لانه مهما كان الفرد الباحث متجردا لابد لذاته المعرفية من ان تفرض نفسها وان اختلفت نسبة تحققها.. كما ان ادوات البحث المنهجي ومقولاته تختلف من باحث الى اخر..ومن ثم سنصل الى رؤى مختلفة وهذا جانب ايجابي في حد ذاته يخدم كشف الحقائق اكثر فأكثر.
* ان اوسع الكتب ولكن ليس اهمها عن ثورة تموز وعهدها، كان كتاب المرحوم خليل ابراهيم حسين الموسوم (موسوعة 14 تموز) في اجزائها السبعة، ولكن الكثير من النقد وجه لهذا الكتاب، كيف تقيمون هذا الكتاب اليوم؟
ـ استكمالاً للسؤال السابق اود القول ان هنالك دراسات وكتابات عديدة عن ثورة 14 تموز وكذلك فقد نشرت العديد من المذكرات للضباط الاحرار.. كما رفع الحظر عن الكثير من الوثائق الرسمية وشبه الرسمية التي تتناول الثورة نفسها وقيادتها في تلك الحقبة الزمنية النيرة.. كما بدأت في السنتين الاخريتين تظهر آراء تكشف عن موقف الجماهير عن الاحداث ومكونات حركتها وقبل تقييم (الموسوعة) يجب الاخذ بنظر الاعتبار جملة من النقاط العامة منها:-
1- الموقف اللاموضوعي للمؤلف عن الزعيم قاسم نفسه وبعض القوى السياسية اليسارية عامة والحزب الشيوعي خاصة.. مما افقد هذه الموسوعة الكثير من عدم الصدق في الطرح.
2- ان الموسوعة وماتضمنته من معلومات واسعة كانت تعوزها الدقة من جانب والتسلسل المنطقي من جانب اخر.
3- كانت تستهدف بلورة رأي محجم المضمون غيرمتكامل الابعاد لأهم حدث سياسي وحضاري في عراق القرن العشرين ومن ثم فرض رؤية سياسية للتيار القومي، بل والاكثر لفصيل عن هذه الفصائل دون غيرها،.
4- كتبت (الموسوعة) وهي متأثرة بجغرافية القمع الفكري ذي اللون الواحد والوتر الواحد، مما افقدها صدق الوقائع التي لم تعكس موقف الالوان الاجتماعية التي اسهمت بالحديث من مختلف اطيافها الفلسفية والطبقية والاثنية.
5- يجب التفريق في (الموسوعة) بين مضامين الاحداث واشكال عرضها وبين تحليل المؤلف للحدث.. كما انها غالباً ماتكون مقطوعة عن سياقها الزمني او الحدثي ناهيك عن المصادر وغيابها وان وجدت فهي قليلة جدا، فاستخدامها كان ناقصا من حيث الشكل.
6- ينقص هذه (الموسوعة) تطابق الشكل والمضمون.. وهذا مايتضح في عنوان كل جزء، كما ان بعضها كتب ظرفياً حيث لاتناسق في تسلسل مواضيع الكثير منها وبرغم كل هذه الاعتراضات ذات الطابع الاكاديمي/ المعرفي.. فان (الموسوعة) تحمل في طياتها معطيات كثيرة جدا ومعلومات كشفت عن جوانب مهمة لثورة 14 تموز وقيادتها.. رغم عدائيتها لشخص قاسم.. كما انها، وبدون ان تعي، أسدت خدمة كبيرة لشخص قاسم وذلك عندما كانت تطرح وجهات نظر متناقضة عن الظاهرة القاسمية دون ان تشرح هذه الالتباسات.
* لاريب ان عهد قاسم كان عهدا مشرقاً مقارنة بما حدث بعده، ولكن يشعر القارئ بأن اخطاء جسيمة وقع فيها قاسم وعهده ادت الى الكارثة في 1963 هل لنا ان نعرف اهم هذه الاخطاء؟
ـ يجب الاقرار بأهمية دور الفرد القائد في التأريخ من دون عبادته، بقدر كونه نتاجا للضرورة التأريخية.. وأهميتها -فكرة- (الفرد/القائد) مستنبطة من قدرتها على فهم هذه الضرورات وتجسيدها مادياً.. ومن خلال هذا التجسيد المادي وصعوبة التحقيق.. تبرز بالضرورة، الحتمية جملة من الصعوبات والاشكاليات وحتى الاخطـاء يصل بعضـها حد”الجريمة “، وهذا يتوقف على طبيعة الصراع الاجتماعي وقواه ودرجة المرونة في فهم تشابكاته المتعددة الاوجه ومدى شموليته.
لو عدنا الى جوهر السؤال لنقيم الحقبة النيرة- الجمهورية الاولى (تموز 1958-شباط 1963) لرأينا ان القوى السياسية، على تعدد مسمياتها، والقيادة السياسية للثورة نفسها، قد أخطأت في فهم آلية الصراع وأبعاده، وفي فهم قوى الصراع وتقارباتها الفكرية/ الفلسفية، كما اسهمت بوعي او بدونه في صراع مادي/ سياسي ذي طابع عنفي، لم يكن اغلبه مبررا علميا وعمليا، في الوقت نفسه لم يكن الزعيم قاسم ملاكاً او قديساً وهو يتحمل، كغيره من القوى السياسية، جزءا من المسؤولية في ضياع الثورة، التي يمكن ان نرجعها حسب اجتهادنا الى الظروف والعوامل الاتية:-
1- بعضها له علاقة بمنظومة مكوناته الفكرية التي استمدت مضامينها من الثقافة التقليدية وثقافة المؤسسة العسكرية.
2- ومن قلة تجاربه السياسية وكذلك حياته المبكرة وافتقاده للرؤية النظرية لفلسفة الحياة وصراعاتها الاجتماعية وتناقضاتها.
3- ومن ردود افعال صراع القوى الاجتماعية ومواقفها السياسية ازاء كيفية حل التناقضات وتقنينها عملياً وسنها تشريعياً بما يتواءم مع تصوراته.
4- من طبيعة نظرته الوسطية التي تتصف بها الفئات الوسطى (الانتلجنسيا).
5- مما اجبرته الظروف الواقعية لادارة البلد الصعب في الزمن الاصعب رغم تعارضها مع منظومة ماهية افكاره.
6- من واقع العراق السيسيولوجي والموروث الثقافي المتمحور حول (الزعامة الملهمة) و(عبادة الابطال) و (الزعيم المنقذ).
7- من عمق المهمات التي أخذت الثورة على عاتقها حلها.
هذه الاخطاء التي أشرت اليها والنواقص التي اقترفها الزعيم الراحل يجب النظر اليها على ضوء الانهماك الكبير في الصراع السياسي الداخلي والخارجي، فالمؤامرات مستمرة (39 مؤامرة) وسيل الدعاية المعادية من الاذاعة الخارجية تعكس تيارات عقائدية متضادة ومن جهات مختلفة وتخلف جوا من عدم الثقة وعدم الاطمئنان.
كان الزعيم قاسم يسلك طرقاً ويتبنى حلولاً مجبراً عليها في زمن لاتكون فيها الظروف قد افرزت عللها ومسبباتها او قد يدخل معارك لم يسمح له الوقت بمواجهتها.. كما كانت تخلق له مشاكل مصطنعة ومبوصلة بغية كبح جماح مسيرة الثورة وعقر مستلزمات صيرورتها.
من الاخطاء التي اقترفها الزعيم قاسم: (1) انه كان يرى في ذاته تمثيل الكل.. وهذه احدى دعائم طوباويته الثورية. ان (الأنا) الذاتية هي سمة الكثير من الزعماء السياسيين. لكنها كانت كبيرة لدى قاسم وهذا بسبب كبر المهام التي أخذ على عاتقه مواجهتها.
(2) اعتمد قاسم في تحقيق اهدافه على الكثير من ادوات السلطة القديمة.
(3) لم يستوعب قاسم شمولية وعمق التغيير الاجتماعي وعواقبه داخليا واقليميا ودوليا.
(4) ابطأ الزعيم في استكمال اعادة بناء مؤسسات المجتمع المدني التي تتلاءم وطبيعة المرحلة ومضامينها الفكرية.
(5) لم يكمل المشروع القاسمي مشواره بصدد حل المشكلة القومية للاكراد.. رغم تحمل قادة حركة التحرر الكردي المسؤولية الكبرى في ذلك.
(6) مثل الفقراء والجماهير الكادحة، العصب المركزي في مشروعه، الا انه لم يحكم بهؤلاء وانما حكم لهؤلاء.
(7) لقد أبطأت ظروف الصراع الاجتماعي من عملية التحول البرلماني، رغم قصر التجربة والمرحلة الانتقالية.. ورغم ان المعطيات المادية كانت توضح توجهه لها وهذا ما دلل عليه في اخر مقابلة صحفية له عندما قال: {في كل الاحوال انني اتعهد علناً أمام الشعب بأن يكون عام 1963 هذا، عام ولادة الجمعية الوطنية العراقية}.
مع كل ذلك فأني هنا لا أتكلم عن حدث/ شخصية جرت في الماضي، بل عنهما بما لهما من حضور دائم فزمنهما ماثل ابداً ولايتحول الى ماضٍ.. انهما التجدد المحسوس في حياة المجتمع العراقي المعاصر.
* نشرت الكثير من وثائق عن انقلاب 8 شباط 1963 الكارثية، وصلتها بالجهات الاجنبية وأصبح الامر معروفا للجميع، هل من جديد في هذا الامر؟
ـ في الحقيقة لم تنشر الكثير من وثائق خفايا الانقلاب والقوى التي كانت تخطط له وتلك التي كانت تسانده على جميع المستويات بصورة مباشرة او غير مباشرة داخليا وخارجيا وحتى تباطؤ الزعيم في عزل الضباط المتآمرين وخضوع مثل هذه العملية الخطرة الى الاجراءات الروتينية وليس الاجراء الاستثنائي.
والجديد في الامر يتمثل باعترافات بعض اقطاب النظام بشأن ما اطلقوا عليه”التدخلات “ التي انصبت على العلاقات الدولية في الانقلاب، وأعني بهم طالب شبيب وهاني الفكيكي وكذلك الخط الثاني من قادة الانقلاب وكتابه..
في الوقت نفسه اعترافات الكثير من مسؤولي المخابرات المركزية الاميركية وتبنيهم للانقلاب واعترافهم بالتخطيط له.. وقد نشرت هذه الاعترافات وترجمت الى اللغة العربية.. ومنها ماترجمه (د. حامد البياتي) عن الانقلاب في الوثائق البريطانية.. وقد سبق لقوى المعارضة اعادة نشر مثل هذه الوثائق في الخارج، وبرهنت فيما حوته على صلة الانقلاب بالقوى الدولية، وبدوري نشرت فصلاً كاملاً عن هذا الموضوع في كتابي الموسوم (عبدالكريم قاسم في يومه الاخير)..
والانقلاب التاسع والثلاثون المنشور في بيروت عام 2003، قبيل سقوط النظام السابق، كما يمكن الاشارة الى كتاب حسن السعيد (نواطير الغرب).
وما تطرق اليه حسن العلوي بشأن هذا الموضوع.. هذه الكتب وغيرها اكدت على هذا الارتباط بالقوى الخارجية حتىامست ، وفق مؤشراتها، حقيقة معترفاً بها.
* أسماء كانت ملء العين والسمع في العهد القاسمي.. وهي: كامل الجادرجي-سلام عادل-الجواهري-حسين جميل-ناجي طالب-.. ما الذي يمكن ان نقوله عنها بعد ان تجردت الاحداث من حساسيات السياسة ونحو ذلك؟
ـ الجادرجي: واحد من اهم الشخصيات السياسية في عراق القرن العشرين ومن اكثرهم مطالبة بالديمقراطية البرلمانية والدعوة للاصلاح الاجتماعي التدريجي. وقد مهد للتغيرات الجذرية من واقع فلسفته الحياتية، أظهر موقفاً سلبياً من الثورة وقيادتها.. من منطلقات انوية ذاتوية، اكثر من كونها ذات ابعاد فكرية.. وما اشيع عنه من عدم تعاونه مع الضباط الاحرار تدحضه وقائع عديدة حيث ساند حركة الضباط الاحرار اثناء مرحلة الملكية وأيد (الثورة) المصرية ووافق على استيزار بعض من زعماء الحزب الوطني الديمقراطي وغيرها من الادلة..
كلها شواهد تدحض هذه الفكرة. وقد ناولت هذا الموقف في دراسة نشرت في جريدة الوفاق في لندن قبل نحو 10 سنوات. وبقدر ماهو ديمقراطي، داعية للاصلاح لكنه مهد السبيل لوأد الثورة قبل استكمال مهماتها.
سلام عادل: شخصية سياسية ناضجة، برزت في عنفوان النضال السياسي الذي خاضته الحركة الوطنية العراقية.. ومنها الحزب الشيوعي.. وقد لعب دوراً ايجابياً في وحدة الحزب ورسم سياسته بعيداً عن المغامرة السياسية المتطرفة كما كان منظماً ذا اهمية بحيث استطاع استقطاب المتنافسين وتجميد صراعاتهم الذاتوية.
وعلى النطاق الحزبي لعب دورا مهماً في تحشيد قطاعات واسعة من الجماهير الشعبية.. لكنه لم يتمكن من التغلب على كبح اندفاعاتها العفوية اللا مسؤولة.. كما انه لم يستطع رسم وتحديد العلاقة الواضحة بينه وبين قائد الثورة، ولا مع القوى القريبة منه.. امتاز بالشجاعة واستشهد مدافعا عن مبدئيته وعن قناعاته الشيوعية..
ناجي طالب: واحد من اعضاء الهيئة العليا للضباط الاحرار ذو اتجاه قومي مشوب بالنزعة الدينية المحافظة لم يترك اثراً واضحاً على الحركة السياسية وحركة الضباط الاحرار ولم يكن منافساً لقطبيها الكبيرين قاسم ورفعت الحاج سري.. كما انه لم تشهد له مواقف، خاصة في العهد الجمهوري الاول.. وكان شخصية غير مؤثرة.. كما انه لم يكن له لون حزبي معين .
محمد مهدي الجواهري: شاعر العرب الاكبر .. كان معتداً بنفسه الى درجة النرجسية الجميلة العالية، يتصادم شعراً مع الاكابر.. عفوياً في ردود افعاله.. يتبنى التناقضات ويتنافر مع تشعباتها.. دافع عن المضطهدين ومدح بعض المضطهدين..
رحل وفي نفسه غضاضة من الزعيم قاسم.. وهو غير محق حسب قراءتي لمواقفه.. وكانت مذكراته تطفح باللامنطقي واللامعقول.
لقد حقد على الزعيم حقداً يثير التساؤلات.. حتى انه ذم الثورة وانضم الى الجوقة المعادية لها.. من منطلقات ذاتوية بحتة.
انه اسطورة العراق الحديث ويجب التمييز بين الجوانب الادبية والسياسية، الواقعية والمثالية.
حسين جميل: احد المناضلين السياسيين في عراق القرن العشرين، وأحد رجالات القانون الذين ناضلوا من اجل تغيير المجتمع العراقي.. وهو احد ابرز قادة الحزب الوطني الديمقراطي الذين لعبوا دوراً سياسياً في الخمسينيات ومطلع الستينيات.. كان رجلا اصلاحيا في خط تفكيره وغالبا ماكان يصطدم بمؤسس حزبه. صمت قبل رحيله..
* في خضم غياب مدرسة لكتابة تأريخنا المعاصر، هل يود الباحث الناصري بيان المنهج الذي اختطه في كتابته لتأريخنا الحديث، يرون فيها ابتعادا عن الحيادية في تقييم قاسم وعهده ماهو رأيك في ذلك؟
ـ ان هذا الرأي صحيح جدا وأؤيده ومنطلقي في ذلك ان الباحث مهما كان حياديا لابد ان تفرض ذاته البحثية على المواضيع التي يتناولها بالدراسة، مؤيدا ومعارضاً، لانه لايوجد باحث مجرد وموضوعي بالتمام.. فان وجد مثل هذا الباحث فهو بالتأكيد ليس منا نحن معشر البشر.. لكن الاختلاف يكمن في نسبة او محدودية فرض الذات (الذاتية) على موضوع البحث من جهة وآراء الباحث الفلسفية من جهة ثانية..
ففي تناولي حدثا مهم مثل ثورة 14 تموز.. لم اتناولها بذاتها فحسب، بل بالمواضيع الاجتماعية/ السياسية/ الفكرية.. التي انتجتها ودرجة قربها من مصالحي الفردية والجمعية. من ثم فأنا منحاز لها مسبقا.. لكن هذا الانحياز يجب ان لايفقد بوصلة البحث ومعرفة السلبيات وهذا ينطبق على ما قمت به عند دراسة شخصية قاسم.. وغيرها من المواضيع ذات الابعاد الانسانية.. انا بطبعي منحاز لها.. ومنهجي مستقى من اهداف هذه الابعاد، مستخدما ما امكن من ادوات البحث ومقولاته وقوانينه مستهدفة ليس تغيير هذه الظواهر، بل العمل على تغييرها ما امكن كل من موقعه في عملية الانتاج الاجتماعي والمعرفي. كما ان منطلقي في الدراسة هو الدراسة التأريخية والمنطقية في آن واحد.. اذ انطلق من العلاقة الجدلية لدراسة الظواهر في سياق سيرورتها التأريخية المقترنة بالمنظومة المنطقية وهناك أدوات مساعدة في فهم هذه السيرورات.. في اطار علاقاتها الجدلية بين: العام والخاص، الموضوعي والذاتي، التأريخي واللاتأريخي، الضرورة والصدفة، المطلق والنسبي وغيرها.
أنطلق من هذه المنظومة من المقولات الفلسفية وقوانينها العامة ضمن الرؤيا الطبقية وعلاقاتها المتشابكة والمعقدة في حراكها العام المطلق او النسبي لبعض مكوناتها.
في الوقت نفسه اني استعين بالمناهج الاخرى من البحث باعتبارها ادوات تساعد في تفهم ماهيات الظواهر. من هذه المناهج.. المنهج الاحصائي، والوصفي، التحليلي وغيرها.
* بعد زوال الحكم الشمولي وانبثاق عهد الحرية، هل ان كتابة التأريخ في العراق مقبلة على تطورات كبيرة تناسب التطورات السياسية الجديدة بعد انهيار الخطوط الحمر التي وضعها النظام المقبور على كتابة التأريخ الحديث، وماهي المشاريع الجديدة التي يقوم بها الاستاذ الناصري بعد النجاح الذي شهدته مؤلفاته السابقة؟
ـ في كل مرحلة او حقبة من الزمن ستنبثق بالضرورة قوى اجتماعية تختلف عن سابقاتها اذ لها تصوراتها ورؤيتها وكذلك اهدافها المستنبطة من ماهيات هذه المرحلة او الحقبة.. خاصة اذا اقترن هذا التحول بالحرية النسبية للباحث في التعبير عن قراءته للواقع الجديد. من هذا المنطلق فان المرحلة الحالية وماتتضمنه من مهام جديدة ومن صراعات بين قوى اجتماعية مختلفة، ومافرضه الاحتلال من اجندات ومصالح وغيرها من الظروف، ستتيح للباحث التفكير بحرية نسبية وهذا لايشمل الكتابات التأريخية وحدها بل جميع مجالات المعرفة خاصة الاجتماعية منها.. وسينقسم الباحثون فيما بينهم في قراءاتهم ودراساتهم بعيدا عن المنهج الشمولي الواحد.. وهذه حالة صحية جدا فان لم تبرز بحدة فيجب اشعال جذوتها حتى تتكامل الرؤى في نسبيتها. اما بصدد المشاريع الجديدة.. فهي سوف تتمحور في الاتجاه نفسه الذي احاول التخصص فيه.. وهو ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم.. ودراستهما ضمن تكاملها الجدلي باعتبارهما صيرورة حضارية تعبر عن مرحلة نوعية سواء في العلاقات الاجتماعية وتطورها او القيادة السياسية وواقعيتها.
لقد شوه عبدالكريم قاسم بوضعه قائدا للثورة وغيب دوره، وحتى انصاره لم يفهموه الا كونه عنصرا وطنيا نظيفا وهنا لايكفي ولم يستوعبوا الابعاد الحقيقية لقاسم وتاسيسا على ذلك فاني بصدد انجاز دراسة موسعةلجزءين عن (ماهيات سيرة قاسم) اتناوله ضمن صيرورات التطور التي حدثت في العراق سواءً من خلال الافكار المساواتية التي تأثر بها او من خلال المؤسسات العسكرية ودورها او من خلال حركة الضباط الاحرار.. في الوقت نفسه سيكون هنالك فصل عن (دور الفرد في التأريخ - قاسم نموذجا)..
ضمن هذه التفاعلات حاولت ان اتتبع المسارات (الأ رآسية) في حياته حتى نستطيع فهم التأريخ العراقي، لانه لايمكننا فهم التأريخ الا من خلال افراده او لاعبيه الاساسيين.
* كما هو معلوم، ان نظرة المؤرخ لما يحدث في عراق اليوم، هي-بلاشك- غير نظرة السياسة التقليدية لها،فما هو استشرافك لعراق المستقبل بعد التداعيات الخطيرة التي المت بعراقنا الحبيب؟
ـ ارجو منك ايها العزيز ان تصحح هذه النظرة الخاطئة.. اني لست مؤرخا بل باحث وكما لايخفى عليك فالفرق بينهما كبير. المنطقة برمتها.. والعراق قلبها، مقبلة على تغييرات جذرية جديدة، ستنهار ضمنها مفاهيم وأساطير، قوى اجتماعية ورؤى فلسفية.. في تصوري ان البلد سيمر بمرحلة صراعات، آمُل أن لاتكون عنيفة، بين اكثر من تيار، وستكون هنالك تحالفات تتغير بأستمرار وهذا ناجم عن عدم التبلور الطبقي. وفي كوننا نمر بمرحلة انتقالية غير مستتبة ابعادها الاقتصادية وطبيعة توجهات السياسة في ظروف صراع المصالح الدولية ضمن اطر القطب الواحد وتناقضاته. اللااستقرار الامني ستخف حدته لكن المعاضل الاقتصادية والاجتماعية وتحديد العلاقات بين المركز والاطراف ستزداد قوة.. حلها مرهون (بالوئام الطبقي) بين القوى الاجتماعية لفترة زمنية معينة، لحين الخروج من الازمة الراهنة..
{نشر في مجلة فكر حر التي يصدرها التجمع الثقافي في شارع المتنبي}..



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري : ثورة 14 تموز وا ...
- من وثائق الجمهورية الأولى النيرة، تموز 1958- شباط 1963 ، 2-
- من رسائل عبد السلام عارف الى عبد الكريم قاسم
- وثيقة تاريخية: وصايا عبد الكريم قاسم أثناء الحرب الفلسطينية ...
- قراءة في: ثورة 14 تموز وإخراجها القسري من الحياة:
- مقابلة صحفية للدكتور عقيل الناصري
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز(5-5) - ...
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز 4-5
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز 3-5
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز 2-5
- دراسات في تاريخية التغيير الجذري في 14 تموز 1-5
- محاولة تقديرية لجرد أسماء الضباط الأحرار في العراق
- عبد الكريم قاسم... رؤية ما بعد الثامنة والأربعون
- عرض مكثف لمحاضرة المرأة – الرجل.. السلطة كحق تاريخي مخوّل
- تموز14: الضرورة والماهية 4-4
- 14 تموز : الضرورة والماهية 3-4
- 14 تموز.. الضرورة والماهية 2-4
- 14 تموز.. الضرورة والماهية
- الزعيم قاسم و الجواهري ولقائهما الأول:
- دراسة عن حركة الضباط الأحرار 6-6


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عقيل الناصري - 14 تموز_ العطاء الدائم، مقابلة