!اختطاف التاريخ

علي شايع

الحوار المتمدن-العدد: 930 - 2004 / 8 / 19 - 11:19
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

ليست الأمة الحقيقة من تملك آثاراً، بل من تحافظ عليها..
ربما تكون الكلمات أعلاه لي!..
فأضيف عليها أيضا :الأثر الحقيقي يكون في مأثرة الفعل الإنساني وبقاءه،حتى يقترن بجدوى القول عن الاصالة والتأريخ،وهو ما أثبتته تجربة الباحث وعالم الآثار النرويجي تور هيردال الذي بنى سفينة القصب الشهيرة دجلة في جنوب العراق،في حديثه عن سكان الاهوار والمناطق القريبة منها، يوم قال: "عشت مع أناس بدائيين في بولينيزيا فى البحر الجنوبى و أمريكا و أفريقيا، لكن عرب الاهوار ما كانوا بدائيين بأي صورة من الصور. هم متحضرون و لكن بطريقة تختلف عنا. ليس لديهم تكنولوجيا التحكم عن بعد,ولكنهم اختاروا اقصر طرق المتعة ومن مصادرها مباشرة. وقد أثبتت حضارتهم إنها قابلة للحياة والاستمرار, فيما انهارت الحضارات الآشورية واليونانية والفارسية بعد أن وصلت إلى قمة ازدهارها".
تلك الحضارة التي لامس بقاءها تور هيردال،تجلت في نفوس شعب طالما تحدث عنه هذا الباحث الكبير وافرد الصفحات عن عيشه بينهم لسنوات،مضيفا بهذا كتابا قيما الى رصيد هائل لكتابات المستشرقين والرحّالة وعلماء الآثار عن تعاون سكان الجنوب الكبير مع بعثات التنقيب، ومثلما يصف المؤرخ العراقي علي الوردي في احد كتاباته.
هذا الشعب أساء الديكتاتور كثيرا الى جنوبيته تلك،بأبشع الصور، شتما وتجاوزا،بل ادعى انهم غير عراقيين وما كان حضورهم هنا الا استقداما من الهند من قبل القائد العربي! محمد القاسم..
أهلنا في الاهوار كانوا أكثر من تعرض لظلم النظام بسبب مواقفهم منه،حتى انه هاجم الطبيعة التي يعيش في عمقها الحضاري هؤلاء الناس منذ آلاف السنوات..
مرّت عشرات البعثات العلمية العالمية، وعَبَرَ مع مشاحيفهم مئات الصحفيين، قبل ان يجعل النظام من مناطقهم جبهات للقتال الدائم..
لم نسمع ان أحدا منهم او من سلالاتهم في مدن العراق الجنوبية قد تعرض لعالم آثار او صحفي في يوم ما..
حتى قرأت خبرا حزينا نشرته وكالة الأنباء الفرنسية عن اختطاف صحفي قدم الى العراق من اجل الإطلاع على حجم الكارثة والدمار التي حلّت بالآثار العراقية،وكان يعد لتقرير حول سوء حماية الآثار. هذا الصحفي السيئ الحظ اختطف في احد أسواق مدينة الناصرية ..
من اختطف هذا الصحفي الأعزل؟.
تساءلتُ مكلوما،وقلت جازما: لا اعتقد ان المختطفين ينتمون الى المنطقة او أي حركة او تنظيم عراقي،وان كانوا؛ فهم في ضلالة فكر عابر للحدود،لأن في هذه القضية من الأبعاد ما يذكر بهمجية طالبان في محاربة الآثار والساعين الى الحفاظ عليها.ولست أظن بأي جماعة عراقية مسلحة، اذ ان المسؤولية الوطنية تحتم على هذه المجاميع النظر لموضوعة الاختطاف باتجاهها العمودي لا أفقية الصراع مع الدولة او المحتل،واعني بالعمودي عمر إنسانها الحضاري العميق في هذه المنطقة ووعيه الممتد عن أجداد سعوا لتأسيس مفاهيم وقيم كبرى تحدث عنها هيردال بتجربة الباحث المتيقن.
قبل أيام من اختطافه، طرد هذا الصحفي من القاعدة الإيطالية بعد ان كان مقيما فيها، وتعرض لمضايقات جنودها بعد ان نشر صورا كان أرسلها أيضا الى الحكومة الإيطالية في روما متهما قواتها بقتل ثلاث نساء كنّ في سيارة إسعاف أثناء الاشتباكات مع جيش المهدي.
حتى ضاع دمه بين القبائل..
ان تلك الإساءات المسلحة لم تعد تؤثر في حاضر العراق ومستقبله فحسب، بل تجاوزته الى هدم الماضي الحضاري لهذا البلد،وهي خطوة في سياق العبث الديكتاتوري بالموروث الهائل الذي فرط به النظام وأهمله، وجاءت الحرب للقضاء على ما تبقى منه، في فجيعة إنسانية كبيرة تناساها العالم سريعا، ما خلا بعض الشرفاء. فهل يستحق الخطف والإرعاب من يذكر مظلومية التأريخ العراقي ويكتب عنها؟.
ومن أسس لسياسات الاختطاف، ومن أين جاءت؟.
وهل سنصمت ونحن نرى من يدفع ثمن إنسانيته الكبيرة في الدفاع عن آثارنا؟. الأمل غير هذا حتما..وأقول لمن يحاول وضع موبقات الخطف في أعناق عراقية او يخدع البعض بجدواها..اننا نعرفكم..
وأقول لمن يشك في هذه المعرفة:

ان الذي فيه تماريتما بُيّنَ للسامع والآثرِ

وان تمكنوا من اختطاف صحفي لا ذنب له سوى الدفاع عن العراق وحضارته،فلن يستطيعوا اختطاف التاريخ.

#علي_شايع (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل