خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3057 - 2010 / 7 / 8 - 20:56
المحور:
القضية الفلسطينية
تحمل لغة التفاوض التي يستخدمها الجانب الاسرائيلي, لهجة المنتصر الذي يسعى الى فرض املاءاته على الطرف الفلسطيني المهزوم. ولا تحمل اللغة التي يستخدمها طرفنا الفلسطيني المفاوض لهجة الذي يرفض الاعتراف انتهاء الصراع وحصول الهزيمة. فلغة المفاوض الفلسطيني تتمحور حول حجم ضريبة الانهزام الواجب دفعها للمنتصر الاسرائيلي من الثابت الوطني الفلسطيني.
لقد انتهى عهد مطلب التقسيم والتقاسم الذي كانت تحمله اللهجة الاسرائيلية والذي استمر الى عشية خروج قوات الثورة الفلسطينية من لبنان. فهي الان تطلب موافقة سياسية رسمية واجتماعية فلسطينية على التخلي عن مقولة الحقوق الوطنية الثابته للقومية الفلسطينية في وطنها. انها لا تقدم عروضا للسلام لكنها تقدم لائحة مطالب ضريبة متنامية لمنتصر, اطارها الاعتراف بحق استبدال الوجود القومي الصهيوني محل الوجود القومي الفلسطيني.
ففي تمسك القيادة الفلسطينية بتشكيلها النظري السياسي الاثني الثقافي ( العروبي الاسلامي) الذي تسترشد به الى الان, رغم انه اثبت عدم اهليته كمرشد لعملية تحرر وطني فلسطينية, وفي ظل اصرار هذه القيادة على عدم القاء نظرة تاريخ مجتمعها الخاص والتعرف على مسار تطوره الحضاري, ورفض الاستقلالية التي ترشد اليها دلالته الثقافية الخاصة, وفي ظل فقدان هذه القيادة لاداتها الرئيسية في الصراع ( الثورة الفلسطينية الشاملة), كان لا بد لها ان تفقد الايمان والقناعة بامكانية هزيمة دولة اسرائيل, وتفكيكها كمؤسسة رسمية, وان تتموضع في كرسي المهزوم حول طاولة تفاوض ترفض اسرائيل ان تكون خارج ميدان عنف العمل العسكري الذي تتفوق فيه وتسيطر تماما عليه.
لذلك ان شد الانتباه الان الى الخلاف بين الطرفين حول ان يكون التفاوض مباشر او غير مباشر لا يشكل سوى عملية تضليل للرؤية الشعبية الفلسطينية, مهمتها تقديم تغطية شعبية لانتقال المفاوض الفلسطيني الى مرحلة تقديم تنازلات عن الحجم الديموغرافي الفلسطيني المؤطر بمقولة الاراضي المحتلة عام 1967م.
ان دولة اسرائيل المنتصرة, تثبت حقوق انتصارها بقوة السلاح وبصورة عملية في الواقع, ولا تعني لها عملية التفاوض اي شيء مهم بهذا الصدد. في اللحين الذي يدفعها الروح العدواني الاستعماري الصهيوني الاوروبي الى اسقاط اعتبار العامل الانساني الفلسطيني تماما من حساباتها, الا بمقدار اعتبار المفترس اللاحم لفريسته في الانتهاء من تناولها كوجبة.
ان الصورة السابقة تضعنا فورا امام السؤال التالي: مالذي يستطيع الفلسطينيون فعله في المقابل؟؟؟
ان الفلسطينيون مجتمع قومي له يعيقه ظرفه الخاص عن الانتصار في الصراع, وليس الفلسطينيون جثة هامدة اصبحت خارج اطار الاستجابة للتحديات, ولم يزل لهم امكانية هزيمة الكيان الصهيوني وتفكيك مؤسسته الرسمية دولة اسرائيل, وهزيمة فكرة الوطن القومي اليهودي وشطبها والغائها؟ فكيف لهم ذلكك
1) مقاومة الروح الانهزامي المسيطر مجتمعنا الفلسطيني:
ان المدى الذي بلغه تفشي الروح والنهج الانهزامي في المجتمع الفلسطيني تجاوز التنظيرالسياسي التفاوضي والتهادني الذي يعبر عنه نهج التفاوض والمهادنة المهزومين, ووصل الى مستوى التنظير الاجتماعي المباشر الذي بات يرى ان ( الحل فردي).
ان اسقاط كل ما هو قومي فلسطيني والتراجع المستمر الى ما هو عرقي عربي اسلامي مسيحي, هو سبب الانهزام الفلسطيني, فتعبير (الحل فردي) لا يحمل عمليا سوى معنى قبول التوطين, والانغماس في تأمين مستقبل الاسرة وقبول اسقاط هويتها القومية الفلسطينية. بعد اسقاط دورها في المهمة الوطنية.لذلك نجد شعارات ( انسانية) ترفع الان حول اوضاع المخيمات الفلسطينية في المهجر تتجه بها مباشرة الى نهج التوطين لا نهج استعادة شرعية العمل الوطني الفلسطيني
لكن الشكل الارقى لتحدي هذا الروح الانهزامي والانتصار عليه, يبدا من استعادة القومية الفلسطينية احياء خياراتها الكفاحية المتعددة, واحياء المهمة الوطنية, وتعبئة وتنظيم القومية الفلسطينية بصورة شاملة من اجل اداء هذه المهمة الوطنية
2) التعرف الى القدرات القومية الفلسطينية الممكن توظيفها في الصراع و في مقدمتها قيمة الجيوسياسية الفلسطينية في الصراع العالمي و الاقليمي, وقدرتها على التاثير على موازين القوى بين مراكز القوة العالمية واطراف الصراع الاقليمية, حيث علينا اللعب بها عوضا عن كوننا الان ( العوبتها) في ظل هذه القيادة البائسة, فهذه تمثل القوة القومية الحقيقية التي سمحنا للعدو الصهيوني ان يسلبنا اياها ويجيرها لصالحه, ويستفيد من مردودها في الموقف السياسي العالمي,
ان الاستمرار بجعل القومية الفلسطينية جثة تتلقى الرصاص الصهيوني عوضا عن الاطراف الاخرى, رغم ان هذه الاطراف هي ( الخيارات) المطروحة لينتقي منها مستقبلا الكيان الصهيوني وجبته التالية, يدلل على مدى تهافت المناورة القيادية الفلسطينية و ( هبلها) اذا كانت المسالة مسالة ذكاء فعلا؟ فهي قطعا ليست مسالة قدرات تقنية واساليب تكنيكية, بمقدار ما هي اصرار على انجاز مهمة.
قابلية هزيمة وتفكيك اسرائيل:
لا تمثل اسرائيل في كامل تكوينها اكثر من مؤسسة عسكرية مبرمجة سياسيا ذات قاعدة اجتماعية غير متجانسة
يمكن تحييد جانبها العسكري وشل برنامجيته السياسية والضغط من اجل تفعيل عدم تجانس قاعدته الاجتماعية, ولا يحتاج ذلك الا الى تفعيل المضاد الحيوي القادر على شله والقضاء عليه وهي المناورة القومية الفلسطينية المستقلة, التي يشلها الخط القيادي الفلسطيني الاثني العربي الاسلامي المسيحي لذلك لم تكن هذه الاهداف في وارد المناورة الفلسطينية ولا في منظورها القيادي, وهنا تكمن المشكلة الفلسطينية. فقد اعتبرت المناورة الفلسطينية نفسها طليعة مناورة قومية عربية اسلامية مسيحية كبرى, لذلك لم تاخذ في اعتبار تعبئتها وتنظيمها تحقيق شرط الاستقلال اللازم لنجاحها واستمراريتها في الصراع , كما انها تقبلت شرعية الاتفاقيات الاسرائيلية العربية في تنازل واضح عن الحقوق الوطنية الفلسطينية وقد تم ذلك قبل عقدها اتفاقياتها الخاصة مع اسرائيل, الامر الذي اصابها هي بالشلل وزاد من مساحة حرية حركة المناورة الاسرائيلية, ولو ان القيادة الفلسطينية منذ البدء رفضت الاتفاقيات العربية الاسرائيلية وخرقت شرعياتها ونظمت القومية الفلسطينية وعبئتها على اساس اعتبار الاتفاق السياسي العربي الاسرائيلي اتفاق معادي للمصلحة السياسية الفلسطينية وعملت على اسقاطها لما ساء وضعنا الى هذا الحال.
ان تجسيد الهدف النظري السياسي الفلسطيني في صورة نهج عسكري قادر على تفكيك مفاصل وحدة وترابط المؤسسة الصهيونية العسكرية والاجتماعية امر قابل للتحقيق فور اطلاق روح المبادرة الوطنية الفلسطينية, والنظر الى هذا العدو كمؤسسة قابلة للتفكيك, وفي تاريخ الكفاح الفلسطيني بعض الخبرة في هذا المجال. ضربها وقضى عليها ومنع نموها النظرة القيادية الفلسطينية الاثنية العربية
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟