أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محسن ظافرغريب - رحيل بطل العقل والنقل















المزيد.....

رحيل بطل العقل والنقل


محسن ظافرغريب

الحوار المتمدن-العدد: 3054 - 2010 / 7 / 5 - 23:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المفكر المصري "بروف د. نصر حامد أبو زيد" (في موطنه مصر موصوف بمسلم مرتد!). أيضا إلى هولندا لجأ مثل "سبينوزا" ("سبينوزا" أيضا كان في موطنه موصوف بيهودي مرتد رفض يهود هولندا تدفينه في مقابرهم فدفنه المسيحيون في مقبرتهم بهولندا!!).

توفي صباح اليوم الإثنين 5 تموز 2010م في مستشفى الشيخ زايد التخصصي في القاهرة "نصر حامد أبو زيد"، الذي ولد في إحدى قرى طنطا المصرية في 10 تموز 1943 ونشأ في كنف أسرة ريفية بسيطة. وأنهى دراسته في قسم الإتصالات اللاسلكية عام 1960، وعمل بضع سنوات ليوفر فرصة الدراسة الجامعية. حصل أبو زيد على ليسانس قسم اللغة العربية وآدابها بكلية آداب جامعة القاهرة 1972 بتقدير ممتاز ثم على ماجستير دراسات إسلامية من نفس الكلية عام 1976 بتقدير ممتاز. عام 1979 حصل على شهادة دكتوراه الدراسات الإسلامية عن بعض تفاسير القرآن. وعمل أستاذاً في جامعة القاهرة. لدى تقديمه أبحاث الحصول على درجة "أستاذ"، أعضاء في لجنة علمية شكلتها جامعة القاهرة اتهموه "بالكفر" بناء على ما جاء في الأبحاث والكتب المقدمة للحصول على الدرجة. وبعد أن رُفعت ضده دعوى تفريق بينه وبين زوجته وصدر ضده الحكم عام 1996م بالتفريق. اضطر عام 1995 إلى ترك البلاد إلى "هولندا"، حيث عمل أستاذاً للدراسات الإسلامية في جامعة
"لايدن" العريقة.

أعلنت زوجته أستاذة الأدب الفرنسي في جامعة القاهرة "ابتهال يونس"، وفاته وقالت إن أبو زيد توفي اثر إصابته بفيروس مجهول خلال زيارة له إندونيسيا قبل بضعة أسابيع.

جعل العقل أداة فهم وتأويل التراث، وجعلته أطروحاته لفهم النص القرآني، هدفاً لانتقادات وصلت حد إقامة حد القتل عليه، إذ اتهم بالإلحاد والردة. في هولندا عمل أستاذاً للفكر الإسلامي. عبر موقعة قدم أبو زيد تقييماً نقدياً للمسار، الذي اتخذ ما سمي "بحوار الحضارات" في عالم ما بعد 11 أيلول 2001، عَد متابع لتناقضات، تؤسس وترافق العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي في كل تجلياتها وأخرها الجدل العالمي، الذي أثارته تصريحات البابا بنيدكتوس 16 حول الإسلام. حول هذا الموضوع الحور التالي مع الأستاذ أبو زيد:

أولاً يعني رد فعل العالم العربي والإسلامي بشكل عام، ليس فقط رد فعل الشارع، إنما رد فعل المفكرين ورجال الدين والقادة السياسيين، رد فعل مفهوم في إطار المناخ الذي أصبح يسيطر على العلاقات بين العالمين الإسلامي و غير الإسلامي خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001. كل شهر تتوتَر هذه العلاقة، وهذا جو متوتر، وزاده توتراً في العام الماضي مسألة الرسوم الدنمركية. توتر زاد منه هذا العام وصول حماس إلى السلطة من خلال انتخابات ديمقراطية، بالمعنى العام لكلمة ديمقراطية، وما حدث من تدمير لبنان بسكوت العالم. وصمت العالم هذا يعني أن هناك مناخاً يساعد على ردَة الفعل العنيفة، تمت على أساس العبارة التي استشهد بها البابا من حوار قديم ينتمي إلى القرن 14، وبالتالي لانستطيع أن نقول ان العبارة انتزعت من سياقها، وإنما مجرد أن يذكر البابا الإسلام بطريقة سلبية في المناخ الذي شرحته، فهذا من شأنه أن يخلق رد فعل طبيعي. فلماذا حتى حين يتم تطبيق الديمقراطية فتأتي باختيارات سياسية لاتعجب الغرب، يحدث انقلاب على القيم الديمقراطية، ما يؤدي إلى الإحساس العام بما يسمي بالمعايير المزدوجة والعداء وهذا يتمثَل في أشكال كثيرة جدَا. أنا أعتقد أنَ هناك من سيزايد على هذا ولا يعتبر هذا اعتذاراً، ولكن أعتقد بالفعل أن هذا اعتذار، وأنا أتمنى أن هذا التوضيح أو الاعتذار سيخفف من ردود الفعل التي شاهدناها. لماذا؟ لأن اعتذاراً مماثلاً لم يحدث في الرسوم الدنمركية مثلا، فأنا أعتقد ان توضيح الفاتيكان هو اليوم تصريح مسؤول، وأتمنى ان يؤدي هذا إلى إخماد ثورة الغضب وردود الفعل في العالم. نحن نعرف كل المشكلات، التي يعيشها العالم الإسلامي والعربي. مشكلات غياب الحريات والديمقراطية والمشاكل الاقتصادية إلى آخرة. لكن في كل هذه المشكلات الغرب موجود دائماً. ووجود الغرب الدائم وتدخله يؤدي إلى نتائج سلبية بعكس النتائج المعلنة عند الغرب. فحتى حركة الإصلاح في الفكر الديني الإسلامي التي بدأت في بداية القرن 20م، ما الذي يجعلها في مراوحة خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف؟ هذا التدخل الذي يفرض أجندة الإصلاح بل ويجعل من الإصلاح شيئاً مرفوضاً من الجماهير .هذا يجعل الفكر الإصلاحي في أزمة مع الجماهير، لأن هذه الجماهير قد تصنف الفكر الإصلاحي في خانة الفكر الإستغرابي. أعني أن هناك أخطاء في سياسات الغرب لا يستطيع الإنسان ان يقَلل من شأنها. إذا كنا نتحدث عن الفكر الإسلامي، كنت أتمنى لو غطى البابا في محاضرته تاريخ الإيمان المسيحي ومشكلته مع العقل، وأظهر هذه المشكلة. اي حدود استقرار العلاقة بين الإيمان والعقل، علاقة استقرت من خلال تجديدات في العلم اللاهوتي المسيحي نفسه. بمعنى التفكير العقلي الفلسفي اليوناني الذي مثل تحدياً بالنسبة للمسيحية وهذا أنتج ما يسمى بالهيلينية. نفس الأمر حدث في تاريخ الإسلام، بل بالعكس، العقلانية في تاريخ الإسلام نشأت في القرون الأولى من تاريخ الإسلام. ونحن نعرف أنه في القرن 2 و 3 الهجري كان هناك المعتزلة، الذين يقولون بشكل واضح أنه لا تناقض بين الإيمان والعقل، وأنه لا يمكن ان يقوم الإيمان إلا على أساس العقل. هذه مقولة المعتزلة في القرن 2 الهجري. أنا أعتقد انه في طرح تاريخ الأفكار، لابد أن نكشف هذا التطور والتدهور، الذي حدث هو أن الفكر العربي الإسلامي العقلاني من المعتزلة وابن رشد كان فكراً موجوداً. لكن في محاضرة البابا هو يستشهد بشخصين من القرن 14. انتبه القرن 14. حين انتهى ابن رشد وابن عربي وكان العالم الإسلامي قد دخل في حالة ركود فكري. لكن لانستطيع أن نقول أن الإسلام هكذا. الخطورة في كلام أي شخص حين يصنع صفة ويقول هذه صفة الإسلام أو المسيحية. الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية والزرداشتية كلها ديانات ديناميكية، تمر بمراحل من التفاعل مع الفكر والفلسفة وتمر بمراحل انحطاط. المشكلة في محاضرة البابا وفي الكثير ممن يتحدثون عن الإسلام بوصفه ظاهرة استاتيكية جامدة، أنهم ينظرون إلى تاريخ الدين ليس باعتباره صيرورة و تطور ولكن لحظة جامدة. لقد مرت المسيحية بتوتر في علاقة الإيمان بالعقل وما تزال تمر بهذا التوتر هم يدخلون الإيمان في الروح، يعني قضية الإيمان في النهاية مازالت شائكة في الفكر المسيحي ولم تحل. المشكلة انه أطلق على الإسلام صفة نهائية وكاملة وهذه الصفة في الواقع لا يجوز ان تصدر عن شخصية أكاديمية ومعرفية مثل البابا. لا يمكن ان نقبل مثل هذا الكلام من علماء الدين مثل البابا. هذه مشكلة داخل العالم الإسلامي، لماذا نتصور أنها مشكلة العالم الإسلامي مع العالم الغربي هي مشكلتنا داخل العالم الإسلامي، الفكر العربي يعاني من الاضطهاد بسبب هذا الربط بين السياسي والديني. وفي الواقع ومع الأسف الغرب ينظر للفكر الإسلامي من خلال مقولات القاعدة. هل تتخيل هذا؟ كما لو أنك تقول إننا نحكم على المسيحية من خلال الحرب الصليبية التي أقامها أحد البابوات في القرن 11 داخل العالم الإسلامي. في إيران و إندونسيا والشرق الأوسط وفي العالم العربي بشكل عام، الفكر يتصدى لهذا الربط بين الدين والسياسة. نحن أيضا نعاني من هذا، ونحن نحاول تغييره. لكن هل هذا هو الإسلام؟ بالطبع هناك مشكلات في الفكر الإسلامي وهي مشكلات عويصة وليست بالسهلة، والفكر الإسلامي متجمد منذ عهد ابن رشد، والعقلانية تطاردها السلطة في كل مكان. السلطة سواء كانت سياسية أو دينية. والمطلوب من الباحثين الغربيين أن يدركوا هذا الأمر. وأنا نشرت بحثاً في هولندا بهذا الصدد، وكان مفاجأة بالنسبة للسياسيين، إنني أطرح الفكر الإسلامي كفكر ديناميكي، وباعتبار ان ما يظهر على الصورة كالتطرف أو الإرهاب، هو أحد أوجه الصورة فقط وليس بالصورة الكاملة. يعني ذلك أن العنف كله أو الذين يقومون به لهم شواهد من القرآن وحتى الآن لم أجد في الفكر الإسلامي الحديث من يتعرض بشجاعة لهذه الآيات في القرآن، التي يبدو انها تحتّ على العنف ويضعها في سياقها التاريخي. المشكلة أننا لنربط النص القرآني بالتاريخ كما تعرف، وهذه مشكلة كبيرة. وبهذا الصدد يبدو الفكر الإسلامي أكثر تقدما في إيران منه في العالم العربي. قبل أكثر من نصف قرن تقريباً دخل الفاتيكان في حوار مع مفكرين مسلمين عبر ندوات ولقاءات دورية، وتم التوصل في هذا الحوار إلى استيعاب ان الإسلام المتطرف العابس الوجه هذا الذي يعبر عنه الإرهابيون ليس هو الإسلام الذي يعيشه الناس كل يوم. التمييز بين توظيف الإسلام سياسياً بل وتوظيفه إرهابياً، وبين الملايين من المسلمين غير الإرهابيين تمييز ضروري. المفارقة أن تصريحات البابا لا تعكس هذه الحقيقة وهذا أمر مؤسف. يعني أنا شخصياً أحس بالأسف عندما يتعرض البابا لتاريخ العلاقة بين الوحي والعقل في المسيحية أن يعتبر أن الإسلام هو خارج هذا الموضوع. كان بإمكاني أن أقوم بمحاضرة وأرد على هذا الكلام، لكن النيران اشتعلت في العالم العربي كله وفي العالم الإسلامي، ومن المؤسف ان يكون هذا التصريح صادر عن شخصية لها سلطة دينية كالبابا.

تسلم أبو زيد في "برلين" (تتخذ من برلين مقرا لها)، جائزة (مؤسسة ابن رشد للفكر الحر) لجهوده في إصلاح الفكر الديني. أبو زيد أكد على الحاجة إلى لديموقراطية الحقة وجوهرها حرية الفرد، وتبرع بقيمة الجائزة للمؤسسة.

فيلسوف العقل الإسلامي ابن رشد الذي عاش في الأندلس منذ عشرة قرون، اضطهده الفقهاء المتحالفون مع السلطة السياسية، وانتهي أمره بمنشور أصدره الخليفة المنصور يحرم الفلسفة، ويأمر بحرق كتبه، وطرده من الأندلس.

مؤسسة ابن رشد مستقلة أنشأها ليبراليون عرب عام 1998 بمناسبة مرور 800 عام على وفاة الفيلسوف ابن رشد، والمؤسسة لا تقع تحت تأثير أيّة حكومة أو سُلطة دينية كما يقول بيانها، وتهدف إلى الارتقاء بالفكر العربي وتحقيق مبادئ الحرية والعدل الإجتماعي. تمنح المؤسسة التي تمول عن طريق تبرعات الأعضاء والأصدقاء جائزة سنوية رمزية قيمتها 2500 يورو (3$ آلاف دولار) تقدم لأحد الأفراد أو الهيئات التي يسهم عملها في تعزيز حرية الفكر. منحت الجائزة في الأعوام الماضية إلى الروائي "صنع لله إبراهيم" والمفكر "محمد أركون" والسياسي "عزمي بشارة" وقناة الجزيرة الفضائية.

أقيم حفل توزيع الجائزة في مبنى معهد جوته في برلين، وحضره السفير المصري ولفيف من الإعلاميين والصحافيين. بدأ الحفل بكلمة ممثل مؤسسة ابن رشد رحب فيها بالحضور، تلتها كلمة د. روتراود فيلاند بروفيسورة في جامعة "بامبرج"، تتبعت فيها رحلة ابو زيد الفكرية العصامية منذ بداياته كعامل لاسلكي حتى اعتلائه اليوم كرسي "ابن رشد" في جامعة الإنسانيات بمدينة "أوترخت" الهولندية. واقتربت د. فيلاند في كلمتها من المحور الأساسي في فكر ابو زيد وهو موضوع العلاقة بين النص القرآني والمتلقي، محور تفرع عنه العديد من الاهتمامات البحثية. وأشادت فيلاند بالتلاقح الفكري الذي يميز أعمال ابو زيد، فبجانب تمكنه الكامل من مناهج التفكير الإسلامي يتعامل أبو زيد برحابة صدر مع النظريات الغربية. وأوضحت فيلاند أن مفهوم أبو زيد للنص، المبني على إنجازات يوري لوتمان الأدبية وكلود شانون العلمية، ينطلق من أن القرآن علميا نص في الدرجة الأولى، لهذا تنطبق عليه حسب رأيه نفس القوانين التي تنطبق على أي نص آخر. وحسب هذا النموذج يجب أن نفهم النص قياسا إلى استقبال مرسلات إذاعية مكتوبة بالشفرة: لكي يفهم المتلقي النص القادم إليه، يجب على المرسل أن يرسل النص بشفرة يعرفها المتلقي. والنص القرآني المنزل بالوحي هو بمثابة إرسال لغوي من الله إلى البشر. ولكن اللغة تستخلص معانيها الدقيقة أساسا من الأعراف والتقاليد البشرية التي تعكس الأفق الحضاري والتاريخي لمحيط الناطقين بها. بهذا يتضح أن حتى الله كان لا بد أن يستخدم شفرة اللغة والحضارة الخاصة بالمتلقين الأوائل لرسالة النبي. وبما أن لغة وتصورات الناس في أواخر القرن العشرين تختلف جذريا عن لغة وتصورات المسلمين الأوائل فإن من واجب المفسريين الحاليين ترجمة ما يريد الله أن يعبر عنه في القرآن وذلك من شفرة لغة وحضارة تلك الفترة الماضية إلى لغة ومستوى فكر قارئي القرآن ومستمعيه اليوم.

القرآن الكريم: فهم كلام الخالق عز وجل يتطلب تفعبل العقل، واعمال الفكر النقدي مثل ابن رشد مد ابو زيد جسرا بين الحضارة العربية والأوروبية لكن وفق متطلبات زمن آخر، فالآخر الأوروبي ظهر في أفق الوعي العربي منذ القرن التاسع عشر مسلحا بكل أنماط القوة، قوة السلاح وإرادة السيطرة من جهة، وقوة العلم والعقلانية وقيم التطور والحداثة من جهة أخرى. هذا السياق الملتبس الذي يمثل فيه الآخر مصدرا للتحدي ومصدرا للإلهام في الوقت ذاته فرض على الخطاب الإصلاحي الإسلامي أن يكون سجاليا حينا واعتذاريا في أغلب الأحوال. وللدفاع عن الإسلام ضد منتقديه ميز الإصلاحيون الأوائل، خاصة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، بين الإسلام بقيمه السامية وبين المسلمين المتخلفين. وهو ما خلق مرجعية للماضي العقلاني الحضاري بوصفه يوتوبيا يمكن العودة إليها وتحقيقها في الحاضر. اما مشروع ابو زيد الإصلاحي فيقوم على معالجة الاسئلة المكبوتة في الماضي وتحرير طاقتها لينفتح الحاضر على آفاق واسعة جديدة.

وضع أبو زيد أعماله الفكرية في سياقها التاريخي الواسع، فهي محاولة للاقتراب من تخوم السؤال المحبط والمكبوت مذ القرن 3 هجري(9م)، حيث قامت السلطة السياسية ممثلة بالخليفة العباسي المتوكل بحسم نقاش فكري هام حول "خلق القرآن” بالقوة، فقمعت رأي المعتزلة واضطهدت شيوخهم، وانتصرت لرأي الشاعرة وصارت عقيدة "القرآن الأزلي القديم” هي العقيدة الوحيدة المقبولة. ومن يومها وباب النقاش الفكري في شئون الدين مغلق. لذلك يرى ابو زيد ان تجديد الخطاب الديني لا يمكن أن يكون ناجزا إذا ظل التعامل مع النصوص التأسيسية، القرآن والسنة، ينطلق من نفس الأسس اللاهوتية التي استقرت منذ القرن الثالث الهجري، فبدون استعادة السؤال المكبوت حول طبيعة كلام الله سيظل التأويل أداة لقراءة الحداثة في النصوص لا لفهم النصوص في ذاتها. ووفقا لأبي زيد فإن التمييز بين التاريخي والأزلي في النص سيجعلنا ندرك فحوى كلام الله ودلالاته. فعندها سنكتشف مثلا ان الحدود العقابية من قطع يد السارق وجلد الزاني...الخ هي قيم سابقة على القرآن، فالأزلي في القرآن هو تحقيق العدل بالعقاب، أما شكل العقاب فهو التاريخي، وسندرك اننا لا يصح ان ننحاز للتاريخي على حساب الأزلي.

أكد أبو زيد على حاجة مجتمعاتنا للديموقراطية، وجوهرها الحرية الفردية. ففي مناخ ديموقراطي يحمي حرية الفرد وحقه في الاختيار يمكن الحديث عن حرية البحث العلمي والدرس الأكاديمي. عندها يمكن أن تظهر مدارس تبحث في الأديان وتاريخها ولاهوتها ومناهج تفسيرها، وهو أمر يختلف جوهريا عن مؤسسات تعليم الأديان وكيفية ممارسة شعائرها. ثم دعا إلى قبول تحدي الحداثة، المتمثل في مواجهة ومحاورة نظريات علمية غربية او اكتشافات حديثة تحمل أفكارا تصطدم مع أفكارنا، بدلا من سلوك النعامة الذي نصر عليه دوما. وضرب مثلا بكتاب المستشرق الألماني نولدكه "تاريخ القرآن" الذي منع في لبنان مؤخرا رغم كتابته في القرن التاسع عشر. وأضاف عندما نفهم تراثنا فهما نقديا سنستطيع ان نمتلكه ونبني عليه الجديد، بدل ان يكون تراثنا عبئا علينا كما هو الحال الآن.

الإسلام دين حدي وليس حدودي وفي نهاية كلمته أعلن ابو زيد تبرعه بالقيمة المادية للجائزة إلى مؤسسة ابن رشد، كتحية لها على الدور الذي اخذته على عاتقها. وتمنى لها دوام التوفيق والنجاح في دعم حرية التفكير في العالم العربي. وقال في جملة مؤثرة إن مؤسسة كهذه نحلم بها منذ سنين، يجب أن نضحي حتى بحياتنا من أجل أن تستمر مؤسسات كهذه. وانتهت مراسم توزيع الجائزة في جو مشبوب بالعواطف حتى ان بعض الحضور طفرت الدموع من أعينهم، وظلت دعوة أبو زيد لقبول تحدي الحداثة تتردد في فضاء القاعة. فهل ستجد طريقها من برلين إلي العالم العربي؟.

ترك "أبو زيد" عديد المؤلفات، أهمها: "الإتجاه العقلي في التفسير، دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة" و "نقد الخطاب الديني" و"النص، السلطة، الحقيقة: الفكر الديني بين إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة" و"مفهوم النص دراسة في علوم القران".



#محسن_ظافرغريب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نادِمونَ
- بغداد مازلت ولندن وبرلين إنتخبتا
- بغداد والترجمة والشعر
- دعوة لتمثيل الدعوة
- جواد خاسر ونجمة العراقية
- سوق لَبَن أربيل - تَمْر بصرة
- إمتحان الميلشيات في الثورة
- مهرجان الأفلام العربية في Rotterdam
- ثورة الكبرياء والحرية وحقوق الإنسان
- حاسوب بيدرالكرد وحساب أرباح كل عراقي
- صدى وادي الحضارات
- شغب الشعب ثورة
- لي فيها مآرب أخرى !
- المالكي شاهد زور؛ أعزلوه !
- إرث البعث الرث
- الدعاة استهانوا بالشعب وأهانوا الدين
- لا لكتابة البطر
- شرارة بصرة - بغداد انطلقت
- بغداد ألف ليلة
- جئتُ صيفاً ولونُ الثلج يغمرُني


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محسن ظافرغريب - رحيل بطل العقل والنقل