أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - الشاردة- قصة قصيرة















المزيد.....

الشاردة- قصة قصيرة


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 3053 - 2010 / 7 / 4 - 21:20
المحور: الادب والفن
    


أفيق من النوم على رنين الساعة المزعج. أفتح عينيّ بمشقة, وأمدّ يدي لإسكات الساعة بحنق. أطلق زفرة طويلة من صدري. انه يوم آخر ينتظرني. علي الذهاب الى المدرسة. وما الجدوى؟ يا له من واجب ثقيل ومزعج!
لِم لا أدّعى المرض؟ أشعر بثقل رأسي. لم أنَم في الليل أكثر من ثلاث ساعات. أريد ان انام... ان أغيب... أهرب... لا أريد العودة الى أفكاري المثقلة على رأسي.
ولكنني تظاهرت بالمرض بالأمس فقط, ثم خرجت بعد الظهر مدّعية تحسّن حالي. لن تصدّق أمي كذبة أخرى.
حسن, اذن, لِم لا أهرب من المدرسة وأذهب الى سلمان؟ لم أرَه منذ أكثر من اسبوعين. حتى أنه لم يتّصل بي كل هذا الوقت. ترى, ما به؟ لِم لم يتّصل؟ أين هو؟ وماذا يفعل؟ أشعر فجأة برغبة في رؤيته. هل سيكون في شقته في هذا الوقت؟ ربما يكون في العمل, او في الكلية.
أخيرا, أنهض من الفراش. الساعة تشير الى السابعة والثلث. لم يعُد هناك الا القليل من الوقت. يجب ان أسرع.
ها انا الآن جاهزة للذهاب, والساعة ما تزال السابعة وأربعين دقيقة. ان مشوار المدرسة لا يستغرق أكثر من عشر دقائق. لن اتأخّر. أدخل المطبخ. أشعر بألم في بطني. يجب أن أتناول شيئا. ربما الأفضل أن أشرب كوبا من الحليب. أذهب الى البراد, ثم أجمد فجأة في مكاني ولا أفتح بابه. الأفضل أن أغادر الآن.
أتوجّه الى الباب للخروج. أسمع فجأة صوت أمي وهي تناديني: "هنادي!"
أتوقف وألتفت اليها.
أسمعها تسألني: "ألم تتناولي فطورك؟"
أنظر اليها وهي تخطو تجاهي لابسة بأناقة بالغة. أرد قائلة: "لست جائعة. يجب أن أسرع الى المدرسة. سأتناول شيئا خلال الإستراحة."
لا تردّ بشيء. فأسألها وأنا أرمقها بنظرة طويلة: "هل أنت خارجة في هذا الوقت؟"
تجيب: "نعم. لديّ موعد مهم وربما أتأخّر. تناولي شيئا من البراد عند عودتك, ايه؟ او اشتري ما تحبين من الخارج. سأراك في المساء."
وأخيرا, أغادر البيت وأبدأ بالسير.
تداهمني الأفكار. لا بد انها ذاهبة للقائه. ولكن, لماذا في هذا الوقت الباكر؟ هل ستقضي معه حتى المساء؟ ترى, ماذا يفعلان كل هذا الوقت؟
ما أوقحها! لا بد انها ستتزوّجه عن قريب. ولكن أبي لم يمُت منذ بعيد. لم يمُر على وفاته أكثر من شهرين. هل كانت على علاقة معه قبل وفاته؟
مسكين أبي! لم يحزن على موته أحد. حتى أمي بدأت تعيش حياتها بعد موته, وكأنها تريد ان تعوّض ما فاتها.
لماذا كان عليه أن يموت؟ كيف خطفه الموت, على حين غفلة, في عز صحّته وعنفوانه؟
أشعر فجأة بشيء من الخوف... الخوف الذي عرفته منذ أن مات.
أسير وقلبي يرتعش, ويثقل عليه حزن لا ادري كُنهه. أدري فقط بأنني أتألّم لفقدانه.
صور كثيرة تجول في خاطري وتختلط بعضها ببعض. تومض صورة سلمان في ذهني. أشعر برغبة قوية في الذهاب اليه, الى ملجئي الوحيد. أريده ان يحميني من كل شيء من حولي... ومن نفسي.
ولكن أبي كان يبغضه بغضا شديدا, ويبغضني بسببه.
لا! لا! لم يكن يبغضني. كيف يفعل ذلك؟! فأنا ابنته. كان خائفا علي. ولكني لم اكن افهمه, ولم أكن أرضيه بشيء.
آه, كم كنت قاسية! ترى, لو كنت أسمع كلامه, هل كان معنا الآن؟ أحسّ بألم متزايد في بطني وفي صدري.
أكمل سيري.
أسمع فجأة صوتا ينادي باسمي: "هنادي! انتظري!"
أتوقف عن السير, وأتّجه نحو مصدر الصوت الذي أعرفه. انها صديقتي شادية. تقترب مني بسرعة, لاهثة من تعب السير.
تنظر اليّ للحظة وتقول غامزة: "تبدين شاردة. لا بد أنك تخطّطين للهرب." وتكمل بعد لحظة تفكير: "ما رأيك أن نذهب الى السوق؟ لم نكن هناك منذ مدة طويلة."
أرد دون اكتراث شديد: "لا رغبة لي بذلك اليوم."
تنظر اليّ شادية بعجب, ثم تسأل: "ما بك؟ هل انت بخير؟"
تنتابني فجأة أفكار مشتّتة. لِم لا أخبرها بما في صدري؟ انها صديقتي المقرّبة, صديقتي الوحيدة, منذ وقت طويل. ربما ينجلي الهمّ عن قلبي ان أفضت لها عما في صدري. ولكني أجد نفسي عاجزة عن النطق. أحسّ انها لن تفهمني, او لن تسمعني, او لن تهتمّ لكلامي.
أقول لها بلهجة طبيعية: "لا شيء. أنا بخير." ولا نضيف شيئا آخر بعد ذلك.
نمشي بصمت, وكأن شيئا ما قد تمزّق بيننا, حتى نصل الى غايتنا.
يمرّ الوقت بطيئا... ثقيلا. وأنا جالسة في مقعدي ساكنة... صامتة... شاردة... ذاهلة. يخنقني الضجر, يعتصرني الألم. أنازع أفكاري. أحسّ برغبة شديدة بأن أقوم, أقفز, أركض, أفعل أي شيء... الا البقاء في جلوسي.
أهرب خلال الإستراحة, دون علم احد, حتى شادية. أذهب الى سلمان. أطرق باب شقته.
لا رد.
أطرق مرة ثانية... وثالثة... ورابعة... ولكن... لا جدوى.
أعود ادراجي خائبة... يائسة...بائسة. أخرج الى الشارع. لا أدري الى أين أذهب.
أجوب الشوارع. أمشي حاملة أعماقي المعذّبة. أمشي لساعات دون هدف. أشرد, أسرح, أروح وأغدو... حتى ينهكني التعب, ويهبط المساء, وينتشر الظلام.
وفجأة... أصطدم بشخص!
أرفع بصري اليه... فاذا بسلمان واقفا امام وجهي.
"هنادي, الى أين انت ذاهبة؟" يسألني مستغربا.
أنظر اليه. أتأمّل وجهه بعينيّ المتعبتين, وجهه الذي يبثّ في نفسي راحة عجيبة, لا أعرفها الا معه, وأشعر بالأمان.
يأخذني الى شقته. يجلسني على الأريكة التي في غرفة الجلوس ويفتح لي التلفاز. يتركني وحيدة.
أنظر الى الساعة. انها تشير الى التاسعة مساءً, وتأخيري على البيت يهدّد كياني. ولكني لا أعبأ بذلك كثيرا. كل شيء سيسير كما هو معهود عليه ويعود ليسكن.
أسند ظهري الى مقعدي مستسلمة. أحسّ بالتعب الذي يقبض على كل جزء من أجزاء جسدي ويرهق أعصابي.
ينتهي سلمان أخيرا من تحضير القهوة ويعود اليّ. يقترب ويجلس بجانبي. يلتفت اليّ بنظرة مستعطفة, ويبعث بابتسامة صغيرة وهو يقدّم لي فنجان القهوة. "إشربيها," يقول لي وهو يخرج سيجارة من علبته, ثم يضيف: "فهي الوحيدة التي تنسيك هموم الدنيا قليلا. سيجارة؟"
آخذها منه ونجلس ندخّن بصمت ونشرب القهوة.
لحظات صمت طويلة تخيّم علينا, تشحن الجو حزنا وأسى. ثم يقول دون ان يعيرني بنظرة: "هناك شيء غريب فيك هذا المساء. أنت بخير؟"
أبتسم لنفسي ساخرة... ولا أرد.
يتأملني مستغربا, لحظات طويلة, ثم يسألني: "قولي لي, ماذا سيكون رد فعل أهلك حين تعودين الى بيتك في هذا الوقت؟"
"وما الأسوء الذي يمكن أن يحدث؟"
"انا لا ادري."
"ان يضربني أخي."
"وهل هذا قليل؟"
"إن أخي يضربني منذ كنت في الخامسة. لقد تعوّد جسدي على ضرباته."
"يا لك من امرأة! أحيانا افكّر... ليتني كنت بقوتك!"
"ومن قال انني قوية؟"
"هذا واضح!"
يستولي علينا الصمت من جديد, فيشعل سيجارة أخرى, وينفث فيها, ويملأ الغرفة بدخانها المتموّج.
يتركني مرة أخرى وحيدة, معلّقة الى أفكاري المتلاطمة. أحسّ فجأة برغبة شديدة في الذهاب. أهبّ من مكاني وأترك شقته وأركض كالمجنونة.
أعود الى البيت.
ويسير كل شيء كما هو معهود عليه... وأعود الى غرفتي, أحتجز فيها... أحتمي فيها... أرتعب فيها... أثور وأتألم وأبكي وأضحك... ويأخذني النوم الى ذلك العالم المجهول, فتستلمني كوابيسي وتلتهمني بنَهم, في عتمة ليليَ المرعب الطويل... حتى ينبلج الفجر, ويفيقني ذلك الرنين المزعج, كي يسلّمني الى يوم آخر ينتظرني بلا رحمة.



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حب خلال الهاتف- قصة قصيرة
- أحلام كبيرة- الحلقة الحادية عشر والأخيرة
- أحلام كبيرة- الحلقة العاشرة
- أحلام كبيرة- الحلقة التاسعة
- أحلام كبيرة- الحلقة الثامنة
- أحلام كبيرة- الحلقة السابعة
- أحلام كبيرة- الحلقة السادسة
- أحلام كبيرة- الحلقة الخامسة
- أحلام كبيرة- الحلقة الرابعة
- أحلام كبيرة- الحلقة الثالثة
- أحلام كبيرة- الحلقة الثانية
- أحلام كبيرة- الحلقة الأولى
- المقهى 2 - قصة قصيرة
- المقهى 1 - قصة قصيرة
- الرجل الآخر- قصة قصيرة
- لن أعود - قصة قصيرة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - الشاردة- قصة قصيرة