شوقية عروق منصور
الحوار المتمدن-العدد: 3044 - 2010 / 6 / 25 - 13:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عادة الهدية قد تثير الإعجاب والاستحسان والانبهار ، لكن عندما أرى الرئيس الفلسطيني أو احد وزرائه أو سفرائه يهدي احد الضيوف العرب أو الأجانب صورة للمسجد الأقصى أو لقبة الصخرة أو الكوفية الفلسطينية اشعر بالاستفزاز والإحباط والهروب لان هذه الهدايا أصبحت جزءاً من كلاسيكيات القضية ونثر الوهم أكثر من عقيدة التمسك ولان القدس في واد والقادة والمسؤولين الفلسطينيين في واد آخر - فقد تحولت هذه الهدايا إلى المتاجرة بالعواطف الوطنية والأحاسيس الفلسطينية ، التي بنيت فوقها حمامات لغسل الخونة وتبيض وجوههم التي اسودت من كثرة نقل الحطب لوضعها تحت المواقد التي تسلق الجسد الفلسطيني ، إن هذه الهدايا تقدم لكل زائر حتى لو عرفنا الخلفية السياسية لهذا الزائر الذي لم يعمل للقضية الفلسطينية شيئاً يذكر ، والأدهى إن يكون جلاداً علينا .
بالمقابل فان الشعر والشعارات والأغنيات من أكثر المواد التي تحث على الصمود والمقاومة وقد أهديت للشعب الفلسطيني منذ بداية قضيته أطنان من الورق المسطر بالكلمات الحديدية ، وتناسلت الكلمات البراقة الغاضبة حول القضية الفلسطينية على الورق دون أن تتناسل الشوارع بالمظاهرات والاحتجاجات ، وظهر جلياً أثناء الأزمات من مذابح ومجازر وانتهاكات وصدامات .إلا أن الفجوات بين الشعارات والقصائد وبين المواقف الأخوية بحاجة إلى دراسات اجتماعية وسياسية ، إذ اعتاد الفلسطينيون على مر نكبتهم ومسيرتهم مع الاحتلال على هذا التفاوت اللفظي والعملي .
ونحن لا ننكر أن الشعر والنثر والشعارات والأغنيات ما زالت دعماً معنوياً جباراً للشعب الفلسطيني ، لأن كل الثورات ترافقها الأناشيد والشعارات والقصائد وأحياناً تخلد القصائد والأغنيات أسماء الثوار والمعارك وتفاصيل القتال ، و الذين ألهموا وضحوا والأبطال الذين واجهوا المحتل ، ونحن عرفنا عن طريق الأغنيات الشعبية الفلسطينية أسماء العديد من الثوار مثل محمد جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي إلى عز الدين القسام وغيرهم .
وكذلك أغاني فيروز الموجهة للشعب الفلسطيني ومارسيل خليفة وباقي الفنانين الصادقين - ليس راكبي الموجات المزاجية - ، فهم الأرشيف الغنائي الذي يغطي الوجع وصيرورة الأمل والبقاء على خط الحلم الباقي في الوجدان مهما ابتعدت السنوات .
أما ما يسمى باوبريت( الحلم العربي) و(الضمير العربي ) وغيرهما من الأغنيات التي تستغل الصور من مذابح وهدم ومصادرة وبكاء وصراخ فما هي إلا استثمار للصورة الحزينة مقابل مال سيدر في جيوب المنتجين للأغنية .
فالفلسطيني البسيط الذي يواجه الموت يومياً ويستشهد أولاده ويهدم بيته ويهان على الحواجز ويطرد من أرضه للمصادرة هو وحده من يملك حقوق الوجع والبكاء ، انه لا يريد قراءة القصائد العصماء بصموده ، انه متعب ، لا يملك له إلا الانتظار ومساعدة الأشقاء والقيادات التي اكتفى بعضها بوضع الكوفية على الأكتاف.
ثمة أطنان من الورق كتب فوقها عن النكبة والنكسة والانتفاضة وما بينهم من نار الاحتلال ،وانتهك بياض الورق كثيراً ودخل بقلمه الذي يسعى لرفع صوت القضية والمعاناة والذي يسعى لكسب المكاسب والمتاجرة والربح ، حتى أصبحنا من أكثر الشعوب التي كتب عن مآسيها ، وتحولت القصائد إلى منافذ ومنصات إما تضامناً أو اللحاق بموجات الموضة اللفظية والتي ترى بها بعض الأنظمة العربية نوعاً من رفع العتب .
ويحضرني هنا مقولة إن (الطائرات أقوى من مليون قصيدة ) كما اعترف يوماً محمود درويش في إحدى رسائله بعد حصار بيروت ، و(الدبابة أقوى من مليون خطبة ) ، وبعد التجارب الموجعة فهناك قطاع كبير من الشعب الفلسطيني لم يعد يصدق الخطب والكلمات التي لم تعد تثيره ،فهو يعرف إن الكلام عابر في موقف عابر ، وبعد كل مجزرة وهدم واغتصاب يرحل بهم الشعراء والكتاب العرب إلى غابات من الكلمات ، وكل شاعر وكاتب وخطيب يحمل بلطته ويبدأ في قطع الألفاظ . والمضحك إن أكثرهم لا يجرؤ على المشاركة في مظاهرة أو احتجاج .
وحادثة (أسطول الحرية ) أعادت حصار غزة إلى واجهة الغضب الشعبي، أما الغضب الرئاسي العربي فبقي في طي الكلمات المدهونة بالتردد والارتعاش والتنديد الجاف كأوراق الشجر التي تتكسر تحت أول خطوة .
في ظل السفن التي تجهز لاختراق الحصار من سفن نسائية تحمل اسم (مريم ) إلى سفينة ( ناجي العلي ) والتي تهددهما إسرائيل وتغمز إلى باقي السفن إنها لن ترحم وستضرب بيد من حديد . فان الدول العربية مازالت ملتزمة بسياسة الحصار الإسرائيلي وتفكر الآن باختراق بري عن طريق تنظيم القوافل ولا نعرف مدى مصداقية هذه المبادرات .
وفي نفس الوقت هناك من يهدي أهالي غزة قصيدة ، الشيخ محمد بن راشد أل مكتوم نائب رئيس الإمارات وحاكم دبي الملقب (بحارث البحر) فقد كتب قصيدة ( إلياذة غزة ) تشبيهاً بالشاعر هوميروس كاتب الإلياذة والأوديسة ( ملحمتين شعريتان ترويان قصة حصار طروادة سنة 1200 قبل الميلاد )
وأمام إلياذة التي تحكي أحداثها قصة الأيام الواحد والخمسين الأخيرة من السنة العاشرة لحصار الإغريق لطروادة.
فان (حارث البحر) يحرث بالكلمات قصيدة عصماء مطلعها :
كيف بالله تكتب الأقدار
ولمن تكشف الهموم الكبار
ولماذا الصمت الرهيب يدوي
وعلام الإغضاء والإنكار
غزة اليوم في امتحان رهيب
أين منهم معد أين نزار
والحصار الطويل لا ينهار
بل يزيدونه وبالا وفتكا
بجدار يتلو مداه جدار
مجلس الأمن ما بربك يجري
ولماذا السكوت والانكسار
قصيدة طويلة تتلوى ألماً ، تنتفض وتلطم وتذرف الدموع وتندهش من صمت العالم،
ويبدو أن الشاعر محمد أل مكتوم كأنه لا يعرف ماذا يدور في أروقة السياسة السياسيين ، يتكلم بلسان شاعر عاشق ينتمي لفرقة المحبة والإنسانية ، لكنه هو بعيد عن كل الأجواء التي تعكر صفو الحياة ، لا يعرف إن أمريكا التي زرعت قواعدها العسكرية قرب بيته لها يد في هذا الحصار ، ثم يسال عن السكوت والانكسار ؟؟.
حين تصدر القصيدة عن شاعر له موقف في الحياة والسياسة نحضن قصيدته وإذا صدرت عن شاعر لمجرد الشعر نغفر له هذا الحب والتفريغ ، ولكن عندما تأتي من سياسي ، عالم وعارف ببواطن الأمور ولم يهتز له جفن من الحصار خلال هذه السنوات ، وتذكره الآن ، فهذا هو العجب أو العهر السياسي .
لقد وصلت القصيدة يا أهالي غزة ، أشعلوا النيران وأقيموا الأفراح وليال الملاح .
#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟