أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شوقية عروق منصور - ام الشهيد كعامود النار














المزيد.....

ام الشهيد كعامود النار


شوقية عروق منصور

الحوار المتمدن-العدد: 2996 - 2010 / 5 / 5 - 19:24
المحور: الادب والفن
    



عندما التقي بأم الشهيد اشعر ان قلبي يطل على مساحات جافة تحولت الى تابوت ، الى قبر يتدثر بازهار وينام على مرمى دمعة وصرخة ، شاهد القبر والعبارات المحفورة تشهد ان العمر قد سرق في لحظة وان مقصلة الكراهية كانت بالمرصاد للعنق الذي حمل الامنيات والمستقبل الموعود .
ضعيفة انا امام ام الشهيد ، اشعر بالخجل ، لان الرصاصات التي اخترقت جسد ابنها وحولته الى ذكرى في خيال مسجون بالانتظار اصبحت رصاصات اصدقاء وعناق وضحكات ، وتحول الابن الى مجرد رقم في سجل مهترىء ، يغيب تحت الغبار الذي يتراكم ليصنعوا منه كرسياً للقائد الذي اصيب بلعنة النسيان والغفران .
الدموع تنتظم انفاسها في كل لحظة فوق الخدود التي تدلت من الهموم وحفرت في القلب غياباً، الام تشتاق الى ضحكة الابن ، قهقهته ، غضبه ، غسل ملابسه ، كي قمصانه ، تنظيف غرفته ، تشميس فرشته ، حتى بقايا سجائره التي كانت تثيرها اصبحت تستحضر دخانها ، والطبخات التي كان يحبها استقرت في برودة الذكرى لاتتسلل الى مجال التسخين لان طعم الحياة مات .
عندما التقي بام الشهيد اشعر انني اغرق في زمن يهطل دماً ويرقص باطراف اصطناعية ، لا احد يستطيع الاقتراب من حجم اشتياقها ، انها مشتاقة للاحتضان الغائب رغم انفه ، للمس شعره ، لدس راسه في ثنايا صدرها ، تريده الآن ان يسمع دقات قلبها ، ان يسمع نبضاتها المليئة بالغصات والتنهدات الحارة المحترقة .
لا احد يسمع ، لا احد يشعر ، هي وحدها المرمية على بلاط الحلم ، تنتظره كل ليلة ، لعله يمر ويطرح عليها السلام او يخبرها شيئاً عن اخباره ، عن بعاده .
في العيون سواد ، قهر ، ليل ، عذاب طويل بدون حدود ، في حدقات عينيها كرات نارية ملتهبة ، بقايا شموع ما زالت مضيئة ، القدر ينفذ من بين الشمع ليسجل انتصاره مصحوباً بالكبرياء الذي يضيء قارات الروح .
الوطن شرفة ، من اعلى يراقب ارتطام الاجساد بالارض وربيع التراب يزدهر ويلتحم بالاجساد التي يطويها ، ودروب الدم ثملة تتعمد بالارقام التي تزداد ايقاعاً وشراسة ، تضاف الى الارقام التي تتناسل يومياً وتلقي على النوافذ ستائر المهرجانات والشعارات التي تمجد الدم والبقاء والتصدي والعنفوان وتتعهد بمواصلة الكفاح البركاني الذي يتسع ويضيق حسب الحاجة والمواقف الاستغلالية وعدد الميكروفونات والفضائيات والثمن الذي يقبضه الكبار .
كلما تناسلت الخطابات وتكاثرت اعداد المنصات كلما ازداد عدد اسماك الزينة في حوض الانانية الضيقة ، وفي مواسم الذكرى تتسلق اسماك الزينة اشجار الميكروفونات لتتحول الى اسماك قرش تنتفخ بجثث الكلام ، وهناك في مكان ما ، في الظل او بين الناس هي وحدها الام تبكي بصمت دون انتظار المناسبات .
اخجل من دموع الامهات ، هن وحدهن اللواتي يعشن على عتبات القلق والاشتياق ، هن وحدهن يسافرن يومياً فوق نسمات الوجوه والصور التي غابت ومازالت بقاياها فوق الجدران تاكلها الرطوبة والسنوات اليابسة .
هن وحدهن من يتاملن ثياب الذين غابوا لكن رائحة عرقهم لاتغيب ، هن وحدهن من يقطفن عناقيد الذكريات ويعصرن الدموع ، عبق وعرق الابناء رحلة لا تنتهي ، واسطورة الامومة تنطلق وتمد اصابعها الى فراغ ، الى الفضاء لعلها تصطدم بوجه الابن ، لكن لا احد .



#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القضاء المصري يغازل العيون الاسرائيلية
- يا اهلاً بالمسخن
- كلب السفير سفير
- توأم سيامي هدية لضمير الملك
- خافوا على العار ان يُمحى
- علشان لحية ابو مازن
- بين عيسى العوام وانورالسادات شعرة من الكرامة
- من وين الملايين إلى كلب شعبولا
- حين يستكثر علينا الصراخ
- عندما ينهض الموتى
- امرأه من تمر هندي
- ثمن المطلقة الف دولار والزوجة الثالثة والرابعة خمسة الآف
- على كل عربي ان يحافظ على مؤخرته


المزيد.....




- -الموارنة والشيعة في لبنان: التلاقي والتصادم-
- -حادث بسيط- لجعفر بناهي في صالات السينما الفرنسية
- صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
- كلاكيت: جعفر علي.. أربعة أفلام لا غير
- أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
- السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي ...
- فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
- -تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط ...
- -لا بغداد قرب حياتي-.. علي حبش يكتب خرائط المنفى
- فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون ...


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شوقية عروق منصور - ام الشهيد كعامود النار