أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - فتحى سيد فرج - النانو تكنولوجيا .. علم وصناعة القرن الجديد















المزيد.....


النانو تكنولوجيا .. علم وصناعة القرن الجديد


فتحى سيد فرج

الحوار المتمدن-العدد: 3031 - 2010 / 6 / 11 - 15:08
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


في مساء ليلة باردة من ليالي شهر ديسمبر 1959 القي البروفيسور "ريتشارد فينمان Richard Feynman" عالم الفيزياء الأمريكي الشهير محاضرة في حضور كوكبة من علماء الفيزياء، تحدث فيها بشكل مثير، حيث أعطى تصورا ثاقبا خلاقا ينبئ عن إمكانية تغيير خواص أي مادة وتعظيم سماتها، وذلك عن طريق إعادة ترتيب ذراتها بالشكل الذي يتأتى معه الحصول على تلك الخواص المتميزة والمختلفة تماما عن سماتها الأصلية السابقة لإعادة هيكلتها، وقد أرجع إيمانه هذا إلى العلاقة المباشرة التي تربط بين بنية المادة وخواصها، وأماكن وجود ذراتها وعددها بشبكتها البلورية .
وعلى الرغم مما حملته هذه التنبؤات من إثارة، فإن ما أشار إليه فينمان لم يلق في حينه الترحيب المنتظر، حيث وصف منهاجه بأنه مجرد خيال علمي يتفوق فيه الجانب النظري على الواقع العملي، وقد استند العلماء آنذاك إلى ما انتهوا إليه من أن تحريك ذرات أي مادة والتي تتضاءل أطوال أقطارها إلى ما دون النانومتر الواحد، يعد أمرا مستحيلا، نظرا لعدم توافر الوسيلة أو الأداة بالغة الصغر التي تستطيع التقاط الذرات وتحريكها من مواضعها الأصلية إلى مواضع أخرى، أو دمجها مع ذرات أخرى لتكوين شبكات بلورية جديدة .
ولكن الأكثر أثارة أن البروفيسور فينمان نفسه لم يكن يتوقع أنه بمحاضرته تلك قد أطلق الشرارة الأولي لتفجر ثورة القرن الحادي والعشرين التي لقبها العالم الياباني "نوريو تانيغوتشي Norio Taniguchi" بتكنولوجيا القرن الجديد، فلم يمضي وقت طويل حتى تمكن العالمان "هنريتش روهر Heinrich Rohrer" و"جيرد بيننغ Gerd Binning" من التوصل إلى اختراع نوع جديد من الميكروسكوبات المعتمدةٍ على المسح البحثي لذرات المادة، وبهذا تمكنا من التعامل المباشر مع الذرات الأحادية للمواد وتحديد أبعادها الثلاثية، عن طريق إبرة دقيقة تستطيع من خلال شحنات إلكترونية التعامل مع الذرات على الأسطح الخارجية للعينة وإعادة ترتيبها .
لم يتمكن فينمان الذي توفى عام 1988 من رؤية التجربة المثيرة الأولي من نوعها التي قام بها فريق بحثي بشركة IBM حين وظفوا في عام 1989 إبرة الميكروسكوب الماسح لالتقاط ذرات عنصر "الزينون" الخامل وتحريكها بدقة متناهية لإعادة ترتيبها واحدة تلو الأخرى على سطح بارد من فلز النيكل، لعل نجاح هذه التجربة الرائدة، قد فتح الباب لدخول العالم إلى عصر تكنولوجيا النانو والبدء في تصنيع أجهزة وأدوات لا تتجاوز أحجامها بضعة نانومترات، ولتتحقق بذلك نبوءة فينمان وتتأكد نظريته
فما المقصود بالناتو؟، كلمة نانو في اللغة تعني "قزمNanos " وفي مجال العلم يعني النانو جزءا من مليار، فالنانو ثانية تعني واحد على مليار من الثانية، وبالمثل يستخدم النانومتر Nanometer الذي يختصر nm كوحدة لقياس أطوال الأشياء الصغيرة جدا التي لا ترى إلا تحت الميكروسكوب الإلكتروني، والنانومتر الواحد يساوي جزء من مليار جزء من المتر .
ويمكننا تعريف "المواد النانوية Nanomaterials " بأنها الفئة المتميزة من المواد التي يمكن إنتاجها بحيث تتراوح مقاييس أبعادها بين 1 – 100 نانومتر، فقد أدى تصغير أحجام تلك المواد إلى أن تسلك سلوكا مغايرا للمادة في حجمها الطبيعي كبير الحجم، أي التي يزيد حجمها على 100 نانومتر، وتعد المواد النانوية هي مواد البناء للقرن الحادي والعشرين ( تكنولوجيا النانو، التكنولوجيا الحيوية، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات) والتي تعتبر معيارا لتقدم وحضارة الأمم ومؤشرا لنهضتها .
في الكتاب الذي نشره د . محمد شريف الاسكندراني بسلسلة "عالم المعرفة - أبريل 2010" تحت عنوان "تكنولوجيا النانو من أجل غد أفضل" نجد شرحا وافيا لنشأة وتطور هذا العلم الذي سريعا ما تحول إلى تكنولوجيا، أو بمعنى أدق في نفس الوقت الذي تم اكتشافه ويتم تطوره، تحول إلى تطبيقات ومواد صناعية، ويتألف هذا الكتاب من ثلاثة أبواب، يمثل الباب الأول مدخلا لعلم النانو، ويدور الباب الثاني حول الربط بين علم النانو، وتكنولوجيته، أما الباب الثالث فقد عرض التطبيقات المبنية على تكنولوجيا النانو في مجالات الطب، والزراعة والغذاء، وحماية البيئة والتصدي لملوثاتها، ويختتم الكتاب بتوضيح البعد الاجتماعي والمردود الاقتصادي لهذا العلم وهذه التكنولوجيا .
يختتم الباب الأول فصل عن تصنيف المواد وفقا لخصائصها إلى :
1. مواد تقليدية : وهي المواد التي عرفها الإنسان منذ فجر التاريخ، ويمكن تصنيفها إلى فئات فرعية وفقا لخواصها إلى، الفلزات التي يقصد بها الحالة العنصرية النقية لمجموعة المعادن كالنحاس والحديد والألمنيوم، والمواد السيراميكية كالأكاسيد والكربيدات وغيرها من المواد القابلة للقصف رديئة التوصيل الحراري والكهربي مثل الزجاج والفيبرجلاس والأنواع المختلفة من الطوب، البلمرات كالنايلون والبلاستيك والمطاط، والمواد المتراكبة المكونة من مواد مختلفة يتم خلطها بنسب معينة لتوفير صفات معينة مثل إضافة أسلاك الصلب لتدعيم المطاط عند صناعة إطار السيارات، وخلطة الخرسانة .
2 . المواد المتقدمة : وهي مواد متراكبة منتجة حديثا مثل الزجاج الفلزي، والمواد غير المتبلورة، وأهمها المواد النانوية التي سرعان ما بزغ نجمها لتحتل مكان الصدارة في قائمة المواد المتقدمة .

تصنيف وخصائص المواد النانوية وتطبيقاتها
تعد جميع المواد التقليدية بمثابة الخامات الأولية المستخدمة في تخليق المواد النانوية، ولكن تتميز المواد النانوية بخواص فيزيائية وكيمائية وميكانيكية فريدة عن المواد التقليدية، وذلك بسبب اتساع مساحة السطح الخارجي للمواد النانوية والتي تعد أهم خاصية لها، حيث توجد علاقة طردية بين تصغير الحجم وعدد الذرات على الأسطح الخارجية لأي جسم، وبسبب تكاثف الذرات على سطح الجسم تتضاعف شدة فاعليته ونشاطه، مما يؤدي لتغيير الخواص والصفات التقليدية لأي مادة عند وصولها إلى حجم النانومتر، وفيما يلي بعض خواص المواد النانوية :
• الخواص الميكانيكية : تأتي الخواص الميكانيكية على رأس الخواص المستفيدة من تصغير حجم حبيبات المادة ووجود أعداد ضخمة من الذرات على أوجه سطحها الخارجي، حيث ترتفع درجة صلادة المواد الفلزية وسبائكها، وتزيد مقاومتها لمواجهة الاجهادات والأحمال الواقعة عليها، كما يتم إكساب المواد السيراميكية قدر كبير من المتانة والقابلية للتشكيل وتحمل إجهادات لم تكن تتوفر بها، وهذا يعنى تخليق أنواع جديدة من تلك المواد .
• النشاط الكيمائي : يزداد النشاط الكيمائي للمواد النانوية لوجود أعداد ضخمة من ذرات المادة على أوجه أسطحها الخارجية، حيث تعمل كمحفزات تتفاعل بقوة مع الغازات السامة، مما يرشحها لأن تؤدي الدور الأهم في الحد من التلوث البيئي، كما تعد خلايا الوقود أحد التطبيقات قليلة التكلفة للمحفزات النانوية، ومن أهم مصادر الطاقة الجديدة والنظيفة .
• الخواص الفيزيائية : تتأثر قيم درجات انصهار المادة بتصغير أبعاد حبيباتها، فدرجة انصهار الذهب في حجمه الطبيعي التي تصل إلى 1064 درجة حرارة، تقل إلى 500 درجة بعد تصغير حبيباته إلى نحو 1.35 نانومتر .
• الخواص البصرية : من المدهش والمثير أن لون الذهب الطبيعي - الأصفر الذهبي – يتغير إلى لون شفاف عند تصغير حبيباته إلى أقل من 20 نانومتر، كما تتحول ألوانه من الأخضر إلى البرتقالي ثم الأحمر مع زيادة تصغير أحجامها، وهذه الخاصية تمكننا من صناعة شاشات عالية الدقة فائقة التباين ونقاء الألوان، مثل شاشات التلفاز والحاسبات والتليفون النقال الحديثة .
• الخواص المغناطيسية : كلما صغرت حبيبات المواد وتضاعف وجود الذرات على أسطحها الخارجية، كلما ازدادت قوة وفاعلية قدرتها المغنطيسية، مما يمكننا من استخدامها في المولدات الكهربية الضخمة، ومحركات السفن، وصناعة أجهزة التحليل فائقة الدقة، والتصوير بالرنين المغنطيسي .
• الخواص الكهربية : يؤدي تصغر أحجام حبيبات المواد إلى أقل من 100 نانومتر إلى تزايد قدرتها على توصيل التيار الكهربي، بما يمكننا من استخدام هذه المواد في صناعة أجهزة الحساسات الدقيقة والشرائح الإلكترونية .
• الخواص البيولوجية : زيادة قدرة المواد النانوية على النفاذ واختراق الموانع والحواجز البيولوجية، وتحسين التلاؤم والتوافق البيولوجي، مما يسهل وصول الأدوية والعقاقير العلاجية للجزء المصاب عبر الأغشية والأوعية الدموية .

الكربون : أمير المواد وعميدها
يدخل عنصر الكربون C في تكوين نحو 19% من أوزان أجسامنا، ويعد عنصرا أساسيا ترتبط به حياتنا على سطح كوكب الأرض، فهو يدخل في تركيب البروتينات، والكربوهيدرات، والدهون، والأحماض النووية، وتوجد مركبات الكربون في الصور الثلاث للمادة (الغازية مثل غاز البروبان، السائلة كالبنزين، الصلبة مثل الجرافيت والماس) وتتميز مركبات الكربون بتنوع خواصها وتباين سماتها ويرجع ذلك للعوامل الآتية :
- لذرة الكربون القدرة على الارتباط مع معظم ذرات المواد الأخرى بروابط تساهمية .
- تترابط ذرات الكربون بعضها ببعض في سلاسل فتكون شبكة لها بنية ماسية .
- لكل ذرة من سلاسل الكربون القدرة على الارتباط بأربع ذرات لمواد أخري، بما يؤدي لتكوين مركبات تحمل في خواصها صفات جامعة للمواد الداخلة فيها .
- تتنوع صور تراكيبه وفقا لترتيب ذراته، وتشكله في أبنية هيكلية متنوعة ومتباينة، بما يؤدي لاتساع استخداماته في تطبيقات صناعية مختلفة .
بسبب تلك الخواص الفريدة يستأثر هذا العنصر باهتمام علماء تكنولوجيا الناتو، خاصة بعد ما تحقق من إنجازات تكنولوجية في مجال تخليق مواد جديدة سواء من سلاسل الكربون أو من مركباته مع مواد أخرى والتي تجمع في خواصها ما بين الصلادة والقوة والمتانة، بجانب تمتعها بالمرونة والقابلية للتشكل، وفيما يلي بعض صور تشكل الكربون .
• الجرافيت : الذي يصنف إلى نوعين جرافيت طبيعي موجد أصلا في القشرة الأرضية، وجرافيت مصنع يخلق من فحم الكوك، وهو يحظى باهتمام علماء الناتو لما يتمتع به من خاصيتين هما القوة، وجودة التوصيل الكهربائي .
• الماس : يعد الماس اصلب مادة عرفها الإنسان، حيث يعزى تمتعه بهذه الصفة إلى الترتيب الذري الفريد لذرات الكربون داخل هيكله، والتي خلعت عليه صفات باهرة أخرى مثل، انخفاض قيمة التمدد الحراري ومعامل الاحتكاك، وارتفاع قيم المقاومة الكهربية والتوصيل الحراري، وفي نفس الوقت يتميز عن الجرافيت بعدم التوصيل الحراري .
• الفولورين : الذي يعد واحدا من أهم المواد الجديدة التي غيرت حياة الإنسان، وسببا في تفجير ثورات تكنولوجية عملاقة، وهو يعرف باسم "الكربون الستيني" نظرا إلى أن جزيئه يتكون من ستين ذرة، ترتبط كل واحدة منها بثلاث ذرات أخرى، لذا فإن الفولورين Fullerene يمثل نموذجا لتلك المواد الفريدة شديدة التميز، حيث أن له خاصية غير مسبوقة هي أن ذرات الكربون المؤلفة لجزيئه تشكل هيكلا هندسيا كرويا يبلغ قطره نحو نانومترا واحدا، تتساهم لتكون 32 وجها، منها 20 وجها سداسيا و12 خماسيا، لتشبه في مظهرها وتعدد أوجهها كرة القدم، لذا أطلق عليها "كرات بكي" أو "بكي بول" كاسم تدليل متداول وبسيط .
وقد تم اكتشاف الفولورين عام 1985 وعلقت عليه آمال عريضة، وأحلام تطبيقية كثيرة، كما أدي اكتشافه إلى ترسيخ قواعد تكنولوجيا الناتو، وتأكيد قدرتها على تخليق مواد غير مسبوقة، حيث أكدت الاختبارات التي أجريت عليها، تمتع تلك المواد الكربونية بقائمة طويلة من الخواص التي ترشحها لعديد من المجالات التطبيقية خاصة صناعات الحواسب، والأجهزة الإلكترونية، وخلايا الوقود، كما تعد كريات البكي مادة واعدة في قطاع الطب والدواء وخاصة استخدمها في إنتاج عقاقير السيطرة على الآثار التدميرية لأمراض المخ مثل الزهايمر، واعتلال الأعصاب الحركية، كما أظهرت فاعليتها كمضادات أكسدة قوية، وخلال السنوات العشر الماضية، تتواصل الجهود البحثية التي ساهمت على اكتشاف صور جديدة من الكربون الستيني، بزيادة عدد الذرات الموجودة بها من 60Cإلى 70 Cو76C و84C، مما أدي لزيادة نشاط وشراهة تلك الكريات، وفتح آفاق لتطبيقات تكنولوجية فريدة ومتقدمة في المستقبل القريب .
• أنابيب الكربون النانوية : لم يكد الوسط العلمي يفيق من دهشة اكتشاف الفولورين، حتى فاجأنا البروفيسور الياباني الشهير "إيجيما S.Iijima " في العام 1991 باكتشافه "أنابيب الكربون النانوية Carbon Nanotubes " التي بهرت وما تزال العالم كله، بوصفها أهم التكنولوجيات التي عرفها القرن الماضي، لتنفرد هذه الأنابيب بصفات وخواص مدهشة لم يعرفها الإنسان من قبل، فهي عبارة عن أنابيب طولية مجوفة ذات أقطار متناهية في الصغر تصل إلى نحو 1.4 نانومتر، حيث تترابط ذرات الكربون بعضها ببعض في سلاسل طولية ممتدة تتميز بارتفاع قوة المقاومة والشد لتصل إلى 100 ضعف مقاومة أقصى أنواع الصلب المعروفة، وعلى الرغم من تساوى قيمة صلادة هذه الأنابيب مع الماس، فإنها تتمتع بمرونة متفوقة على جميع المواد المرنة، إضافة إلى عدد ضخم من الخواص الفيزيائية والكيميائية الفريدة، فهي تتمتع بقوة توصيل الكهرباء بقيمة تصل لنحو 1000 ضعف فلز النحاس، والتوصيل الحراري بنحو عشرة أضعاف فلز الفضة . وكل هذا يجعلها مادة لا يمكن حصر التطبيقات الخاصة بها فهي تتدخل في صناعات تخزين الطاقة، وخلايا الوقود، والمكثفات الكهروكيمائية، وأجهزة الانبعاث الحقلي، والمجسات النانوية، والحساسات الكيمائية، وشاشات العرض المسطحة، كما يمكن توظيفها في دعم وتقوية المواد المتراكبة، والأغشية والفلاتر المستخدمة في تنقية المياه، ولم يكن من الغريب أن تعمد وكالة ناسا إلى تنفيذ مشروع برنامج بحثي ضخم، بهدف دراسة مدى إمكانية استخدام أنابيب الكربون النانوية في صناعة كابلات قوية لمصاعد فضائية، تكون قادرة على الربط بين المحطات الأرضية ومحطات الفضاء الخارجي .

التطبيقات الحالية والمستقبلية لتكنولوجيا النانو
• الطب النانوي : لقد أدي التحكم في هيكلة المواد المستخدمة كعقاقير وتصغير حبيباتها إلى زيادة في قدرات وخواص تلك المواد، مما سمح لها بالتفاعل مع محتويات خلايا الأعضاء الحية، وهناك تأكيد على أن الصفات الفريدة للمواد النانوية قد أدت إلى تقديم حلول ابتكاريه في مجالات التشخيص المبكر وطفرات في طرق العلاج، فبعد إنتاج المختبر المحمول على شريحة منذ عام 2006 أمكن للمرضى غير المتخصصين إجراء التحاليل الطبية الدقيقة، مثل متابعة التغير في نسب الجلوكوز والكولسترول في الدم، ومتابعة التقدم في العلاج الدوائي، كما أتاحت تكنولوجيا الناتو آفاقا جديدة للتشخيص المبكر للسرطان من خلال البلورات النانوية التي تتراوح أقطارها بين 2 و10 نانومتر، وتعد العقاقير المؤثرة على الحالة النفسية للإنسان كمضادات الاكتئاب مثالا جيدا لشرح ميكانيكية عمل تلك الحبيبات تحت مختلف الظروف ومتناقضات الحالة المزاجية للإنسان، فمن المعروف أن الاكتئاب ينتج عن تغير في تركيزات جزيئات ناقلات الإرسال العصبية بشكل مفاجئ لتصبح عالية التركيز، وتعمل الحبيبات النانوية المكونة لمضادات الاكتئاب على رصد هذه التغيرات والهيمنة على جزيئات الإرسال العصبية المتجهة من وإلى المخ، وتقوم بإتلاف الزائد منها، وبذلك يقل تركيزها لتصبح دائما عند مستوى التركيز الطبيعي، بما يتحقق معه ثبات الحالة النفسية للإنسان، كما يعرض الكتاب شروح مفصلة لقهر السرطان عن طريق قذائف الذهب النانوية، وعلاجات الداء السكري، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والوقاية من البكتريا والجراثيم، إلى غير ذلك من التطبيقات الطبية .
• تكنولوجيا الناتو والأمن الغذائي : تعد تطبيقات تكنولوجيا الناتو المتمثلة في تغير وتطوير التكنولوجيات المستخدمة في قطاع الزراعة، مثل تحسين خصوبة التربة الزراعية، ورفع قدرتها على إنتاج محاصيل عالية الجودة، مقاومة للأمراض والآفات، ويمكن زراعتها في أي وقت، وكذلك تحسين وحماية المنتجات الغذائية والحفاظ عليها من التلف، أحد التطبيقات الحديثة لهذه التكنولوجيا المتقدمة، وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن استخدام مصطلح جديد هو "الغذاء النانوي Nonofood" الذي أصبح يمثل الآمل لفئات عريضة من البشر تعاني من الحرمان في مجال تناول الغذاء الصحي الذي يجمع بين صفات مرغوب فيها، كالمذاق الجيد واكتمال العناصر الغذائية فيه، وانخفاض سعراته الحرارية، ويعرض الكتاب أمثلة عديدة لكيفية التحكم في بنية الغذاء وإعادة صياغته، عن طريق ترتيب ذرات المواد الداخلة في تركيب جزيئات المواد الغذائية، وإضافة عناصر مفيدة لرفع قيمة وجودة هذه المواد، فمع بزوغ فجر تكنولوجيا الناتو والتحامها مع التكنولوجيا الحيوية أمكن التعامل مع الجينات النباتية والحيوانية بما يتيح إضافة خواص متعددة إليها من خلال توظيف الحبيبات والألياف النانوية في نقل الجينات المراد توصيلها إلى داخل الخلايا الحية .
• تكنولوجيا الناتو لحماية البيئة وإزالة الملوثات : من المرجح أن استخدام التقنيات الحديثة سوف ترفع من قدرة الإنسان على حماية البيئة، والتخلص من تراكمات الملوثات بالمياه والهواء، وابتكار أنظمة تنبؤ حديثة بهدف الحماية المستقبلية من أي مشاكل بيئية، فقد أمكن إنتاج مواد نانوية متقدمة وتقديم طرق فعالة ورخيصة للحصول على الطاقة المتجددة والرخيصة، وكذلك تنقية المياه، حيث أن المحاولات التقليدية خاصة لتنقية المياه الجوفية تعد عملية معقدة باهظة التكاليف، وتحتاج لفترات زمنية طويلة، ولكن حبيبات بعض العناصر ذات التكافؤ الصفري، وعلى الأخص فلز الحديد صفري التكافؤ Fe0 عند تدني أقطارها إلى أقل من 10 نانومترات فإن ذراتها تتكاثف على سطح هذه الحبيبات، مما يعظم من نشاطها في تخليص المياه من مركبات الهالوجينات السامة لمركبات الكلور، كما تقوم حبيبات الحديد النانوية بانتزاع عنصر الأكسجين من جميع أكاسيد النتروجين السامة، ويمتد دور هذه الحبيبات إلى تنقية المياه من عناصر الفلزات الثقيلة مثل الخارصين والزرنيخ بأكسدته وتحويله إلى صور كيميائية غير ضارة، إضافة إلى أن هذه الحبيبات لها قدرة كبير كمحفزات كيميائية نشطة إذا ما تم ضخها إلى مكامن المياه الجوفية، وتجدر الإشارة هنا إلى أن صفة الحجم المتناهي في الصغر لحبيبات الحديد قد أتاح لها القدرة على النفاذ بسهولة من خلال المسام الدقيقة لطبقات التربة التي تعلو المياه الجوفية .
• تحلية مياه البحار : وقد أعطت تكنولوجيا الناتو الآمل في تطوير تقنيات تحليه المياه، فقد أكدت التجارب أن استخدام أنابيب الكربون النانوية في صناعة الأغشية المستخدمة لهذا الغرض قد خفضت تكاليف عمليات التحلية بنسبة 75%، وتمثل أنابيب الكربون مصادر فريدة ومتميزة لعمليات الترشيح والفلترة، حيث تصمم فتحاتها لتسمح لجزيئات الماء النقي من العبور، بينما تحجب مرور جزيئات الأملاح، وتزداد فاعلية عملية ترشيح وفلترة المياه مع استخدام حبيبات أول أسيد الماغنسيوم النانوية، وكذلك حبيبات فلز الماغنسيوم الحر، وتبدي هذه المواد فاعلية شديدة في القضاء على البكتريا، وإبادة الجراثيم التي قد توجد في مياه الشرب .
• الكشف عن الألغام والمتفجرات : انتشرت منذ ثمانينيات القرن الماضي العمليات الإرهابية باستخدام أشكال من المتفجرات تتسم بصغر حجمها وارتفاع قدرتها التدميرية، في الغالب تكون مجهولة الهوية والتركيب، إضافة إلى وجود ملايين الألغام من بقايا الحروب والمنازعات منتشرة في مناطق عديدة من دول العالم، وأضحت طرق الكشف عن هذه المتفجرات بالغة التكاليف، وعلى الرغم من وجود أنواع من الحساسات التي توضع في أماكن متعددة، فإن كبر أحجامها وانخفاض حساسيتها علاوة على طول الفترة التي تتطلبها لأداء مهمتها، كل ذلك يجعلها قاصرة عن تحقيق أهدافها، ولم تبخل تكنولوجيا الناتو في توفير الحلول الخاصة بتقديم أجهزة استشعار عن بعد، خفيفة الوزن، صغيرة الحجم، تنفرد بحساسيتها الفائقة في التمييز بين المواد المتفجرة، وتصنيفها بدقة، كما تتميز بانخفاض تكلفتها، وترتكز فكرة عملها على تصيد جزيئات المواد العضوية المستخدمة في المفرقعات وتحليلها وإرسال إشارات لاسلكية لشبكة نظم المعلومات، ومن ثم يمكن تحديد موقع اللغم أو الشرك بسهولة ودقة والتدخل الفوري لإبطاله .

اقتصاديات الناتو : من المرجح أن تهيمن تكنولوجيا الناتو بتطبيقاتها المتعددة على الاقتصاد العالمي خلال السنوات العشر القادمة، فإنه من المنتظر أن يمثل اقتصاد هذه التكنولوجيا قوة هائلة تفوق في حجم استثماراتها مجموع الاستثمارات العالمية في كل الصناعات الأخرى مجتمعة ، فوفقا للدراسات التي أجرتها المؤسسة الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن حجم الاستثمار الذي سيقوم على تكنولوجيا الناتو خلال الخمس سنوات القادمة سيصل إلى تريليون دولار أمريكي، هذا بينما تتوقع الدراسات اليابانية أنه سوف يتخطى هذا الرقم بكثير ليصل إلى نحو 3.5 تريليون دولار .
هذا وقد حرص زعماء دول العالم على توفير مخصصات مالية كبيرة لتعزيز البرامج البحثية النانوية، حيث يرون أن تلك التكنولوجيا تمثل الملاذ الأخير للبشرية في الخلاص من همومها ومشاكلها التي عجزت التكنولوجيات الأخرى عن إيجاد حلول عملية لها، لذا، فقد كان لزاما عليها أن تنفق بسخاء على برامج ومراكز التميز لعلم وتكنولوجيا الناتو، فقد وصل الإنفاق العالمي خلال الفترة من 2000 - 2008 لنحو 35 مليار دولار .
كما تتربع تكنولوجيات الناتو على قائمة الاهتمامات العلمية والبحثية في جميع دول العالم، حيث قامت 52 دولة خلال الفترة من 2000 – 2009 بتأسيس وحدات علمية ومعاهد بحثية وصل عددها إلى 24468، وشارك 156 دولة في نشر بحوث علمية، وإصدار دوريات متخصصة، هذا بالإضافة إلى ما يشهده العالم اليوم من سباق بشان تنظيم مؤتمرات دولية، وندوات وورش عمل عن تكنولوجيا الناتو، فلا يخلو يوم من عقد ندوة أو تنظيم مؤتمر .
وهكذا فرضت تكنولوجيا الناتو نفسها وبقوة على المجتمع العلمي لأنها التكنولوجيا الوحيدة القادرة على دمج العلوم الأساسية، وكثير من التقنيات المتقدمة وصهرها في بوتقة واحدة، وقد أدي تطبيق تقنيات تكنولوجيا الناتو بالقطاعات الصناعية إلى تطوير في مفهوم وفلسفة الإنتاج والتصنيع، مما انعكس بالإيجاب على خواص وصفات وأسعار هذه المنتجات والسلع، وقد كان لذلك ابلغ الأثر في أن ترتبط هذه المنتجات بمعاني الإبداع والانفراد، وأن تحمل في طياتها صفات الجودة والتميز، وكلنا نلحظ هذا الرواج التجاري المتزايد في مبيعات الأجهزة المحمولة من الهواتف والحواسب، وأجهزة تسجيل وتشغيل الموسيقي والأفلام، القادرة على تخزين كم هائل من تلك الملفات في أحجام صغير جدا من الأجهزة، التي أصبحت في متناول عدد كبير من الناس لما تتمتع به من رخص ثمنها .
وقد أدت النتائج الواعدة والمشجعة لتطبيقات الناتو، إلى أن يضعها البرنامج الإنمائي للألفية الثالثة التابع للأمم المتحدة في تقريره لعام 2005 كتقنية أولى، ومعول رئيسي لتحقيق أهداف التنمية والتعمير والتخفيف من حدة المشاكل الناتجة عن الفقر والمرض، ولم يقتصر "المد النانوي" على الدول المتقدمة، بل امتد ليصل إلى العالم كله، خاصة الدول النامية التي وجدت في هذه التكنولوجيا السبيل من أجل حل كثير من مشاكلها التي عجزت عن إيجاد حلول لها بالتكنولوجيات التقليدية، فمن المؤكد أن تؤدي تطبيقات الناتو في المساهمة الفعالة في تخفيف حدة الفقر والبطالة، بتوفير فرص عمل لعدد كبير من شباب الخريجين، حيث يمكن توظيف منتج واحد في أكثر من تطبيق، وبتكلفة منخفضة لتصنيع سلع عالية القيمة، منخفضة السعر، لا يتخلف عنها إلا قدر قليل من الملوثات البيئية .
وعلى الرغم من أننا نشهد اهتمام العديد من الدول النامية بأبحاث وتطبيقات تكنولوجيا الناتو، فقد ارتفع مؤشر النشر العلمي للدول الصاعدة من قارة أسيا إلى نحو ثلث المنشور على مستوى العالم خلال الفترة من 2000 - 2008 ، نجد تدني الدول العربية عن ساحة النشر العلمي المكثف في هذا المجال، حيث بلغت مساهمتها في الإنتاج البحثي العالمي نحو 0.65%، وهو لا يعادل ما نشرته إيران، وأقل من ثلث الأوراق العلمية التي نشرتها إسرائيل خلال نفس الفترة، وسيطل الخطر الحقيقي الذي يمكن تداركه، هو أن استمرار تخلفنا عن الدخول في هذه التكنولوجيا الجديدة، قد يضاعف تخلفنا ويجعلنا خارج مسار التاريخ الإنساني بعد أن تخلفنا عن الدخول في التكنولوجيات الأخرى التي لم نلحق بها .



#فتحى_سيد_فرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداعا محمد عابد الجابري
- رأس المال الاجتماعي مدخل حديث للتنمية
- المواطنة ممارسة
- العلم وشروط النهضة
- هدم العقارت كارثة للملاك الفقراء وإهدار للثروة القومية في مص ...
- العالم بدون كلود ليفي شتراوس
- الطرق إلى الحداثة
- لماذا لم يكتمل تشكل الدولة الحديثة في مصر ؟ 2 من 3
- لماذا لم يكتمل تشكل الدولة الحديثة في مصر ؟ 1 من 3
- تقارير التنمية الإنسانية تثير الجدل حول تردي الاوضاع العربية
- زمن ال -مابعد - 2 - 2
- زمن ال - ما بعد - 1 من 2
- زمن ال - ما بعد -
- دفاعا عن المنظمة التي تدافع عن حقوق الإنسان
- على طريق الهند
- بدر الدين أبو غازي ... الناقد والرسالة
- نظرية اللعب في دراما الأطفال
- الحكومات العسكرية في العالم العربي
- ثقافة النخبة المصرية ودورها في التنمية (كامل)
- ثقافة النخبة المصرية ودورها في التنمية 3 من 3


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - فتحى سيد فرج - النانو تكنولوجيا .. علم وصناعة القرن الجديد