أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - نعمة النسيان














المزيد.....

نعمة النسيان


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3029 - 2010 / 6 / 9 - 22:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يقال بأن أجمل مشهد سينمائي عربي هو محمود ياسين وناديا الجندي وهي جالسة كمُعلمة قهوة وتحت أرجل المقعد الذي تجلس عليه محمود ياسين واضعاً يده على الأرجيلة(النرجيله) ممسكاً بها وهو يضع الجمرات على رأس النرجيله , وأنا أقول بأن أجمل مشهد تلفزيوني عربي مصري أو أجمل جملة هي تلك التي قالتها فردوس عبد الحميد في مسلسل (ليلة القبض على فاطمه) من اخراج هنري بركات سنة 1984م والجملة هي (أنتوا دايمن بتنسوا ولمّا جيت أنا على شان أفكركوا طلعت مجنونه) .
وغالبية الناس تكره من يحاول تنشيط ذاكرتهم ليعيدهم إلى وعودهم القديمة والندم من المُحفزات على ارتكاب جريمة النسيان إذا كان النسيان مفتعلاً أو مرضاً أو عادة اعتاد عليها الناس كما اعتادوا على ارتكاب جريمة أو عادة الكذب والغالبية يقولون عنه بأنه ليس مرضاً ولا وراثة ولكنّه سلاح أو شعار الكذابين والدجالين وأنا لا أتمنى بأن أكون فشاراً أو دجالاً كبيراً ولكنني أتمنى أن أرتاح من الوعود التي قطعتها على نفسي وما أتمناه في الواقع والحقيقة هو أن أصاب بمرض النسيان فأنا لا أستطيع النسيان على الإطلاق ولا يوجد في ذاكرتي مادة اسمها الناسخ والمنسوخ ولم أكتب مقالاً ينسخ المقال الذي قبله وأتمنى النسيان لكي أدمل الجروح التي في قلبي وذاكرتي فالنسيان هو الداء الوحيد لذكرياتنا المريرة وهو كما سنرى الخلاص الوحيد للسياسيين وللوزراء ولأعضاء مجالس النوّاب فمن النعم الكبيرة التي أنعم اللهُ بها على غيري من الناس هي نعمة النسيان وهذه النعمة أنا محروم منها على الإطلاق, ومن الجدير بالذكر أن هذه النعمة يتمتع بها الموقعون على اتفاقيات السلام الدولية بالأحبار الذهبية وكبرى البروتوكولات الدولية فكل هؤلاء ينسون اتفاقياتهم بأسرع مما وقعوها أو اتفقوا عليها أو يتبعونها باتفاقية جديدة تُلغي كافة الاتفاقيات القديمة ,وتقول الكُتب الدينية بأن آدم أعطى لداوود من عمره أربعون عاماً وحين جاء ملك الموت لأخذ روحه حيث كان آدم الشخص الوحيد الذي يعرف عمره فقال لملك الموت ما زال من عُمري أربعون عاماً فقال له ملك الموت : انك أعطيتهن للملك داوود , فأعطى آدم ونسي وأعطى آدم وندم ومن بعده أعطت ذريته ونسيت وندمت وما زال البشر يعطون الوعود وينسونها ويندمون عليها كما ندم أبونا آدم.

وأعتقدُ أنني شاذ جينيا عن أبناء آدم ,وهنالك رأي لغالبية الفقهاء مفاده أن نسيان الأنبياء مجازي بمعنى أن ترك الشيء مثل نسيانه, وقصة موسى والخضر في مدينة البخلاء أشهر من أن نتحدث عنها وكذلك نسيان موسى لطعامه ونسيانه للوعد الذي قطعه على نفسه بأن لا يسأل الخضر عن شيء يفعله , وبالنسبة لنسيان الطعام فغالبية الناس لا يتذكرون ما يأكلونه أو يتعشونه فكل الناس لديها هذه الجملة (والله ما بعرف شو اتعشيت إمبارح) .

وكافة رجال السياسة وخصوصا الصاعدون للحكم بإرادة جماهيرية مثل الرؤساء وأعضاء مجالس البرلمانات في العالم فهؤلاء ينسون وعودهم للناس ولا يتذكرونها على الإطلاق ولو أنهم ينسون ما أكلوه ليلة الأمس أو طعامهم وشرابهم لكان أمراً سهلاً لا ينعكس بشكلٍ سلبي على أداء وظائفهم ولكن نسيانهم للعهود وللوعود فهذا موضوع خطير أو نعمة أنعم بها الله عليهم ولم ينعم بتا على غالبية البشر العاديين , وأهم ما يُميّز النائب الأردني أنه ينسى أرقام تلفونات الذين يُعدهم بتطبيق شعاراته , أو المسألة أبسط من ذلك فبإمكان النائب الأردني أن يقول للناس بأنه نسيّ (موبايله) في إحدى الجلسات أو أنه فقده للأبد لأنه وضعه في مكان لا يستطيع أن يتذكره لذلك لا يستطيع الاتصال بالمواطنين لأن أرقامهم مخزنة على الموبايل والخط الذي نسيه أو أضاعه .
وكل الناس تتمتع بهذه النعمة حتى أن الغالبية يدعونها ادعاء إذا كانت ذاكرتهم قوية جدا مثل ذاكرتي , فكل الناس تحب هذه النعمة وكلهم يسألون الله أن يديمها عليهم للأبد أكثر مما يدعونه لإدامة نعمة الخبز.

وبالنسبة لي شخصياً فإنني من الممكن أن أنسى أخذ باقي أجرة السر فيس من الكنترول أو أن أنسى أخذ باقي ثمن الخبز من المخبز الذي أشتري منه يوميا أي أنني أنسى حقوقي ولا أنسى حقوق الناس إن كانت بذمّتي فلا أستطيع أن أنسى دفع ثمن أي بضاعة أشتريها وهذه هي حدودي القصوى في عملية النسيان .

رُزقتُ بحاسة سمع شديدة يحسدني عليها كل الناس ورُزقت بقوة ذاكرة أكثر قوة من حاسة السمع ممتلئة بالأخطاء والحوادث والروايات , ولم يرزقني الله بنعمة النسيان التي مَنّ بها على كثير من البشر , فأنا لا أستطيع أن أنسى وعدا قطعته على نفسي أو وعدا وعدته لأحد وألتزم بأي موعد أضربه لأحد ولا أنسى ما أنادي به من أفكار وتطلعات , ومشكلتي الكبيرة أنني لا أنسى شيئا حتى أنني أستطيع أن أتذكر أدق تفاصيل الطفولة الحالمة , ولا أستطيع أن أنسى أي يد تمتدُ فوق رأسي لضربه أو للمسح عليه أو الكف التي تلمس خدي لكي تكفكف دموعي وانفعالاتي ليس سهلاً أن أنسى وليس من السهل أن أنسى مقالاً كتبته أو قصيدة خرجت من مُخي أو احترقت بوقود دمائي.

ولكنني سأنسى وسأصاب بداء النسيان إذا أصبحت نائباً في البرلمان أو رئيساً لجماعة أو وزيراً أو رأسمالياً كبيرا.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا رجل على البَرَكه
- الازدواجية أو تجزئة الاسلام
- اللمسة الذهبية
- ازدواجية الفكر الاسلامي1
- الاسلام ضدنا جميعاً
- فيلسوف من الشرق
- النزعة المسيحية
- من المسجد إلى الكنيسة
- لم أفكر بذلك
- العنف ضد الآخر
- أعياد ميلاد الزعماء العرب
- أنا على دين المحبة والمساواة
- الحرية الجنسية تنمية مستدامة
- المرأة المُستعمَلة
- لماذا أحب وفاء سلطان وتحبني
- المرأة هدف الرجل المسلم
- أنا رجل مشبوه
- النهضة العربية هي نهضة مسيحية
- هكذا يجب أن تكون الخُطب
- إلى من يهمه الأمر


المزيد.....




- علقوا في مستنقع مليء بالتماسيح.. لن تصدق سبب نجاة ركاب طائرة ...
- حماس تعلق على صاروخ الحوثي وأمور تتكشف بفشل إسرائيل باعتراضه ...
- مصر.. اندلاع حريق في كنيسة بمحافظة قنا والداخلية تكشف السبب ...
- بوتين يؤكد أنه يفكر باستمرار بخصوص خليفته المقبل
- وكالة PTI: الهند تقطع عن باكستان مياه نهر تشيناب
- السيسي يتلقى دعوة من بوتين للمشاركة في احتفالات عيد النصر 
- شركات طيران أوروبية تعلق رحلاتها إلى إسرائيل بعد استهداف مطا ...
- بوتين: عدم اعتراف الغرب باستقلالية روسيا لسنوات تسبب بالعملي ...
- فصائل فلسطينية تعلق على استهداف الحوثيين مطار بن غوريون
- بوتين: الغرب يتحدث بشكل ويتصرف بشكل مغاير تماما


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - نعمة النسيان