أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم البوسعيدي - قصة قصيرة أضغاث أحلام














المزيد.....

قصة قصيرة أضغاث أحلام


هيثم البوسعيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3027 - 2010 / 6 / 7 - 00:49
المحور: الادب والفن
    


تنبعث من كهوف الأحلام صور مروعة تطبع على جدران غرفتي ألواناَ من القلق وفصولاَ من الأرق، لم تقترب من طفولة قلبي منذ زمن ولم تصل إلى عُذرية ذاكرتي منذ أمد.

أتعجب!! كأنها تستحضر زيارة الموت حينما قذف بجسد أمي الطاهر إلى عالم قصي، آنذاك خلف مروره جروحاَ غائرةَ، انشطرت معها أشلائي كشظايا عجلت عبر ليال ماضية وقوعي كفريسة بين أنياب " نوره ".

أجواء غرفتي الغارقة في خندق الأحلام تتناغم مع أفكار تائهة، تسبح الآن في فضاءات الأوهام التي لم تفارق جفوني منذ قرابة الشهر، فقد استباحت روحا وحيدة افتقرت إلى حضن دافئ، يا ليته يعود فيرتشف كل القلق المتجذر على حافة الروح بعدما أخفقت الريالات المنثورة على المنضدة في تكوين سعادة يتيمة وفرحة متشردة.

تحاصرني صورة نوره " زوجة أخي " بعينيها اللتين تشيان بذنباَ قديم لم اقترفه، دائماً ما تلوح ناقمة من بعيد كعادتها، أيام عصيبة تنثال على خاطري لكي اختلس مشاهد المعاناة المرسومة على أعمدة البيت التي لم تتطهر بعد من دناسة الزمن، ووقت وهبته بسخاء لأوامر " نوره " حينما كانت الأشياء تتقاسم وقتي: كي الملابس، روائح الطبخ، غسيل الصحون، ومذاكرة المقررات الدراسية.

يا لها من معجزة تلك التي قذفت برجلي إلى أبواب المدرسة، حينها استبدلت الماضي برائحة الطباشير وبياض الورق حتى غدت تربة المدرسة تربة مقدسة، مثلت لي طوق نجاة من النيران التي تصاعدت ألسنة لهيبها وأنا أقف ذليلة بين سطوة نورة وتخاذل أخي.

فجأة! تبخرت الأسئلة وتنافرت الأفكار أمام كلمات زميلتي " كوثر" التي انهالت على مسامعي كزخات المطر ..أيقضت ذوبان ذهني عميق، وكأنها تستنهض زوايا مدفونة بداخلي لتقول: ألهذه الدرجة تغتال الأحلام الغابرة لحظات فرحك؟ ألم يقذف القدر فتات السعادة في طريقك بعد سنوات الدراسة وعقود الإنزواء؟ سكتت دقيقة ثم أضافت: " أحلام" أنتي الآن تَلْبسين أثواب التدريس؟ لقد انطفأت محارق القيود، فلماذا استجلاب الوجع واستبقاء الألم؟

أدهشتني حروفها العابرة التي انطلقت من شفتيها الحمراوتين، مما حرك فيني رغبة ثائرة ما لبثت أن تصطدم بهمسات فارغة وتمتمتات مملة كأنها تصف ما يحدث بكلمتين: " أضغاث أحلام ".

تنغمس مرة آخرى جفوني في حمى خانقة، حتى تعود فتقرأ عيناي رماد الأحلام حيث تشتد دقائق الكوابيس ويقتحم الخيال سكون الظهيرة، قاذفاً صور متفرقة: تبختر الحواس على الجمر وسط صحراء قاحلة...تلذذ الروح بطقس آثم في سجن مظلم...انسياب زبد متدفق من جوف ذابل في لحظة قاهرة.

آنذاك يصرخ جسدي: هل قدرتي الخرافية أخذت بالنفاذ دون أن تتصدى للفوضى الأسطورية التي تستمتع الآن بإذلال الذاكرة؟ فجأة!! يتوقف سيلان الأحلام في داخلي بفعل نزغ تحملني ذروته إلى اليقظة الحاسمة، أكتشف ثمة عرق طافح ينمو بين قسمات جبهتي، يسمح بتأوه الأنفاس حتى أهرع في ثانية ساخنة إلى المرآة، أتساءل:أهي صدفة؟ فكلما تأملت شعري المتفرق وحمرة خداي وذبول وجهي الملائكي أدركت فضاعة ما يدور بداخلي من ألم، كأن الألم قرر أن يتشبث في الأوردة كي يداعب نبضات قلبي التي لم تشأ سلب البشاشة من وجوه الصغار، لينحسر الوجع قليلاً أمام أصوات الأطفال التي تعالت فرحاً وأنا أقتطع لهم من راتبي الأول أشهى الهدايا وألذ الألعاب، مما دفعني لاحتساء الصمت طويلاً أزاء ما يحدث دون أن أخدش طيبة " أخي " المصطنعة أو أنتزع الزيف الذي يلف وجه " نوره ".

عند ذلك وبخبث فائق تتلصص " نوره " النظر قبالة الباب، ثم تفتحه، كي تتفوه ببرودها القاتل: أخاك يود الحديث معك، جسدي يستجيب ثم يتخطى الأشياء الصامتة حتى يستقر على الطاولة المستديرة في الشرفة المفتوحة.

على الطاولة الخشبية يفتتح " أخي " سرده بإبتسامة عاجلة قلما رُسمت على ملامح وجهه، تتشظى دهشتي أمام غموض كلماته وهو يتحدث عن قائمة رغبات يُمني نفسه بها، سحبت نفساً عميقاً من رئتاي وأنا أتأمل وجه " نوره "، عند ذلك يلسع أخي مفاصلي الغضة بعبارة صادمة ونظرة مستفزة قائلاً: أسألك اقتراض مبلغ مقداره عشرون ألف ريال من بنك....؟
أحتاج اقتناء سيارة......و.......و......و........

شرارة عبارته كذبت القدر الذي أوهمني يوما بالخلاص من قيود المعاناة، ينتابني بعدما انفكت شفرة أحلامي مزيج من الخوف والذهول والغثيان، تنطلق مقاومة ذاتية داخل أنسجة الروح كون الصدمة أذابت عظامي على الكرسي الخشبي، حاولت أن انتهز عتمة اللحظة حتى أتأمل لوحة عتيقة معلقة فوق رأسيهما حيث طفلة جميلة تتشبث ببراءة والدتها.

تنسلخ يرقات السكون لكي تهذي أعماقي بصرخة مدوية: أيكون هذا العذاب مُبرراً لأحلامك وأمنيات " نوره " ؟ وهل يُجيز العرف الخنوع لأوامرك القاسية؟

يغتال غضبي أبواب هدوءه لكي تطفو خشونة صوته وغلضة قلبه على جسر العبارات، ثم تلوح يداه بإشارة مستنفرة قاصداً بها إنهاء الحوار فارضاً بذلك استبداده، في غمرة التضاد ينتفض جسدي من عبأ الكرسي وكأنني انتشلت كياني من القاع، أخطو نحو الغرفة بعدما إنبعثت روائح الوجع من كل الزوايا وكلمتي " كوثر" " أضغاث أحلام " تفرضان وجودهما بقوة فهٌما تنهشان أوعية ذاكرتي.

قتامة اللحظة تدفعني للجلوس على حافة السرير كأنني أسترخي على أطراف القدر لكي انحت على ذاكرة الجدران قرار صعب ..باذخ الألم، فإما إشعال النار في دفاتر " الثقافة الإسلامية " وتمزيق ما تضمنته من دروس وعظية، أو استقبال حرائق هائلة وانتعال قيود ثقيلة ربما ستنال الكثير من ذاتي في قادم الأيام.

قـصــة قــصــيــرة
عنوانها : أضغاث أحلام
سلسلة: *عزف على أوتار الوجع*
بقلم هيثم البوسعيدي



#هيثم_البوسعيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة المندوس
- ترميم الذات
- قلم ذهبي
- مفهوم الثقافة
- بسام الطعان..وتجربته القصصية الرائدة
- *جميلة بوحيرد.. وأمة الأصنام*
- *هل هناك معارضة مجانية؟*
- حزب الشيطان
- التمييز بين البشر
- * القصة القصيرة، ومهارات القاص المميز*
- إعلان هام: سأكتب باللغة الانجليزية
- مشروع النهضة العربية الكبرى
- جذور الإصلاح
- أهلا بالأزمات
- قصة قصيرة: يوم بكى أبي
- الصحافة المحلية واهمال الاقلام المميزة
- رحلة الوجود
- شكرا للآلام
- مأساة العقل العربي
- القراءة ....أقوى الأسلحة


المزيد.....




- شعوذة.. طموح.. حب.. موسيقى وإثارة.. 9 أفلام تعرض في سبتمبر
- قصة ملك ليبيا محمد إدريس السنوسي الذي أطاح به القذافي
- كيف أصبح مشروب شوكولاتة للأطفال رمزا للاستعمار الفرنسي؟
- المخرج الأميركي جارموش مستاء من تمويل صندوق على صلة بإسرائيل ...
- قطر تعزز حماية الملكية الفكرية لجذب الاستثمارات النوعية
- فيلم -ساحر الكرملين-.. الممثل البريطاني جود تدرّب على رياضة ...
- إبراهيم زولي يقدّم -ما وراء الأغلفة-: ثلاثون عملاً خالداً يع ...
- النسخة الروسية من رواية -الشوك والقرنفل- تصف السنوار بـ-جنرا ...
- حين استمعت إلى همهمات الصخور
- تكريم انتشال التميمي بمنحه جائزة - لاهاي- للسينما


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم البوسعيدي - قصة قصيرة أضغاث أحلام