أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم البوسعيدي - قصة قصيرة المندوس














المزيد.....

قصة قصيرة المندوس


هيثم البوسعيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2976 - 2010 / 4 / 15 - 20:39
المحور: الادب والفن
    


الــمـنــدوس

*عـزف عـلـى أوتـار الـوجـع*

كثافة المطر ورهبة الفاجعة تُبعد الناس من حافة القبر، أحسست عند ذلك بتجمع سحب السواد بداخلي، شعرت بخيالات الموت تطوف بي، وتطوف بجسد جدي الملفوف في قماش رث.

تنسكب الدموع بحرقة فتُبلل جسده الذي يتأهب للرحيل نحو عالم آخر، يقتطع المشهد جزءاً من جسدي التائه وسط زحمة الأشياء، لأشعر بروحي تحتضن بقاياه بشده.

تقتحم أسوار قلبي إشارته الشهيرة في آخر اللحظات، وكأنه أراد أن يظل ذاك الوجع القصي محفورا في ذاكرتي للأبد...قائلا: "صخر" " المندوس المندوس".

آنذاك كنت أسبح في بركة من الدموع والعرق، كانت عيونه تصارع آخر الزفرات، تأمرني بوجعه المنسي بعدما اسكتت حراب "السرطان" نبرات صوته ومزقت تضاريس وجهه، كلماته أثارت شرايين قلبي، أردت قمع صوته الخفي بل الصراخ في وجه المبعثر:
"أصمت فقد القمتني ظُلما لا قبل لي به "

أشارات مشتتة أطاحت بأنفاسه الواهنة، لتُوقد مأتم أبدياً في داخلي، فيما بعد تنصلت دمعة غالية في عيني، أغلقت عليها جفوني لئلا تراه، وكأن قطعة باذخة من روحي احترقت..شممت روائح الموت بعد ذلك تنبعث من صفائح وجهه .. أنصت جيدا لأنين النساء وهي تطرق أبواب روحي بعدما ثلمت بمصيبة غيابه.

حاولت في ثانية خاطفة دس ذاكرتي في دفاتره القديمة، لأتساءل: من سيحاكي بعده حقد الذات الذي لم تشبعه رواياته عن مرارة ظلماً بات يستوطن الأعماق، دون أن استرشد شخص من ظلمه، وهو من سقاني قطرات من دماءاً زكية، غَرست في داخلي حكاية قديمة منذ عشرين عاما.
****************
ينتصر الليل فجأة، فيسدل ضفافه على المكان، يوقضني من سكرة عميقة بعدما نشر ذاك المندوس فوضى الأفكار في خلايا ذاكرتي، انتبهت أنني في زوايا القبر حيث لم يسمع شهقات بكائي عدا رجلان يلتصقان بجانبي، لم استطع في الظلمة المعتمة تحديد ملامحهما.

استفقت من حلم قصير، لأجد روحي تُذبح..تُقتل..تُنتهك فها هم يهيلون عليه التراب، عندئذاً اعتراني شوقاً عجيباً إليه ، وسرت رجفة في كامل أوصال جسدي...أجبرتني على البحث عن تفاصيل جسده الغائب بين التراب، لكن وميض " المندوس" يلمع في مخيلتي لتحترق معه أصعب الدقائق وأدق الثواني، فتستعجل فراق الوجوه والأجساد.

يقذف بي الوجع نحو سيل من الأفكار، اصطدم بأنفاس مشتتة..نظرات زائغة ..وجوه شاحبة، عند ذلك تخترق جسدي حكاوي وأسئلة واحداث غائرة في صميم الذاكرة: طرزت ثياب السواد، حاكت مرارة اليتم، وصاغت قصص الشقاء.

استوقفتني حروفه الوجلة حينما كنت أداعبه يوما، وأنا اخطو نحو الثانية عشر من العمر: "يا بني صورة الظالم أكبر مما ترسمه حنايا قلبك البريء"، زادت تلك العبارة تعلقي بثرى قبره رغم أن روحي وأرواح الآخريين سافرت بعيداً عن طهر مقامه، إنما ثورة عارمة دفعت بي للخروج من عالم الموتى، لكي أفوز بالسر القابع في المندوس، فتغافلت أنني أودعت قطعة غالية من جسدي هناك بين التراب.

فانوس وجعي يشق الطرق الوعرة، يُقلب صفير الرياح عشرات الصور في داخلي، تتوحد في لون القتامة، فأرى صدى حزني العميق ماثلاً بين الأزقة والشوارع، يتراءى لي وجه جدي فجأة، هو أشبه بوجه الملائكة، تَبزغ فكرة عابرة عند ذلك: لن تُشعل شموع المآسي في بيتنا مثلما كانت تُوقد كل يوم: ألم يحن وقت القصاص؟ ألم اتهيأ لحمل بيارق الثأر؟

تسافر بي الهواجس بسرعة خاطفة إلى البيت، اتوارى بعيداً عن المعزين، صرخات الأطفال وأصوات النساء تضاعف جروحي، تتسمر خطواتي أمام غرفته القابعة في احدى زوايا البيت، أدلف إلى الغرفة فلا أجد غير الصمت المبعثر في ارجائها، تلامس حواسي روائح المرض وما بقي من آثاره على شقوق الجدران، تتكسر نوافذ قلبي أمام اختفاء محراب الصلاة وغياب الأيادي الممدوة إلى السماء التي لم تتعب يوماً من الشكوى.

اقترب من المندوس الذي تحمل ألوانه عبق الماضي، يلمع سيفاً عتيقاً بجانبه ، يكتسح السواد أركان الغرفة، بينما تهبط قناديل السماء وأنوار الحقيقة لتضيء ظلمة المكان.

احتضن المندوس، أتصفح الأوارق بدقة، أدفن أفكاري عميقاً بين الحروف، تمر اللحظات القاسية، في تلك الغمرة يغتالني الصمت بعدما ينكشف السر وتصدمني المفاجأة.

تحتشد أحاسيس القهر وتتهشم رغبة الانتقام، تنطلق صرخة من أعماق الروح، ترتعش جفوني بالدموع ويقذف صوتي المتعب جملته البائسة: سامحني يا جدي لن أقوى على حمل رايات الظلم بعد اليوم.


ملاحظة

** المندوس : صندوق خشبي يحفظ فيه الآباء والاجداد حاجاتهم الشخصية**



#هيثم_البوسعيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ترميم الذات
- قلم ذهبي
- مفهوم الثقافة
- بسام الطعان..وتجربته القصصية الرائدة
- *جميلة بوحيرد.. وأمة الأصنام*
- *هل هناك معارضة مجانية؟*
- حزب الشيطان
- التمييز بين البشر
- * القصة القصيرة، ومهارات القاص المميز*
- إعلان هام: سأكتب باللغة الانجليزية
- مشروع النهضة العربية الكبرى
- جذور الإصلاح
- أهلا بالأزمات
- قصة قصيرة: يوم بكى أبي
- الصحافة المحلية واهمال الاقلام المميزة
- رحلة الوجود
- شكرا للآلام
- مأساة العقل العربي
- القراءة ....أقوى الأسلحة
- دقائق التأمل


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم البوسعيدي - قصة قصيرة المندوس