مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 918 - 2004 / 8 / 7 - 10:50
المحور:
أوراق كتبت في وعن السجن
كان ذاك اليوم 23 نيسان – 74 – الذي بدأت فيه الإمتحان الأكبر والأطول في حياتي , حيث بقيت أكافح من
هذا اليوم حتى يوم إطلاق سراحه .
وبعد أكثر من ستة أشهر من البحث هنا وهناك .. > وتخويف كل من يسأل عنه أذونات في البرامكة بجانب جامعة دمشق – مركز شرطة القابون العسكرية – المحكمة
العسكرية – في حي المالكي الروضة – ثم محكمة أمن الدولة – في السبع بحرات .
كل هذه المراكز والمعتقلات والسجون والمحاكم قمنا بزيارتها مئات وعشرات المرات أنا وعائلتي .
وفي كل مرة كان يحصل صدام ومعارك كلامية , وعذاب , وخسائر , مع الشرطة والحرس وعناصر ..
الإستخبارات بسبب أساليبهم ومعاملاتهم الوحشية المقصودة لتعذيب وعذاب وخسارة السجين وعائلته وأهله
ماديا ومعنويا .. ونفسيا .
وكان علي في الشهور الأولى لتوقيف زوجي , إتمام امتحان –دبلوم التربية – دورة 1973 – 1974 –
حيث كانت الإمتحانات على الأبواب .
كابرت وصبرت وتمالكت أعصابي .. حتى أتممت وأنهيت الإمتحان بنجاح في ذلك العام , متجاوزة كل
الظروف والعقبات , هذا طبعا الى جانب القيام بوظيفتي الأساسية في > وزارة التربية < الأبنية المدرسية
وحرماني من التدريس في ثانويات دمشق .
كنت أداوم حينها دوامين .. دوام صباحي , والاّخر مسائي بسبب كثرة اللأعمال , ولكي أحصل على راتب
إضافي مساعد لظروفي المادية المرهقة .. نظرا لمتطلبات السجن المكلفة جدا جدا جدا .
حملت كل هذه المسؤوليات بعقلي وقلبي وجسمي .. وفكري . بالشجاعة والثقة بالنفس والإرادة الصلبة ,
والتحدي , بالتنظيم الدقيق , وتوزيع المسؤوليات بيني وبين أفراد أسرتي الأحباء , بمزيد من الوعي ...
والهدوء , وبابتسامة ودمعة يومية , وبشرف وثبات المناضلة النابع من الإيمان بالكفاح والعلم والعمل ..
الشريف ... استطعت أن أجتاز كل هذه المرحلة ( العقابية ) للمواطن المخلص لأمته وأرضه , الذي يعمل
في الحقل السيلسي عندنا في > الوطن العربي < متحديا كل جسور التجربة .. ورافضا كل إشتراك في ..
نعيم السلطة الفاسدة المستبدة ورواتبها .. وقصورها – لتبقى قضية الإنسان العادلة وديمقراطية النهج وحرية
الأوطان .. هي علم النضال وراية الابطال والمناضلين الحقيقيين .. ونشيد الشعوب التي تتوق للتحرر ..
والعدالة والسلام الحقيقي وليس الإستسلام - واحترام الذات الإنسانية بكل معانيها الأخلاقية والسياسية .
بالعرق والكدح , بالعمل والعلم والسهر صعدت درجة درجة في معركة السجن الطويلة الطويلة .. ,
ولكن لا شك فيه .. بأنني كنت أحيانا أتعثر , وأحيانا أقف لأستعيد أنفاسي , وأضمد جراحي من ثم أستمر
في السير وسط غابات الشوك .. وأمواج النيران .. وبحار الأعداء المنظورين وغير المنظورين , ورماح
الإنتهازيين , ولسعات الحشرات السامة من كل حدب وصوب , وسط الترغيب والترهيب وكل وسائل ..
القمع المبرمجة النفسية والمادية لي ولأفراد عائلتي .
رفضت وقاومت وفندت كل أساليب السلطة الوضيعة والفاشلة بثنينا عن مواقفنا الوطنية والثورية الصادقة
بحق مبادئنا وشعبنا ومصالحه .
كانت السلطة وأساليبها القمعية المعروفة لا تتوانى من تخويف كل من كان يزورنا ويتصل بنا للإطمئنان
عن زوجي من الأهل والأقرباء والأصدقاء – أو ترسل لنا أشخاصا ليعلمونا بموت زوجي تحت التعذيب!؟
وأحيانا أخرى ترسل الكثير من المقربين لنا أو من أصحاب المحلات التي نشتري منها في حينا – لتنصحنا
بالإشتراك في جريدة البعث , أو الذهاب لزيارة الأسد ( السجان الكبير ) لشرح له حالتي , لأنه لا يعلم
بسجن زوجي لكي يطلق سراحه .. > شئ مضحك تماما ..!!< - وكان الجواب دائما ومباشرا ( لو أنني
أكلت التراب واشتغلت بالحجارة لا أذهب للإستعطاف .. بل هو الذي يجب أن يعتذر عن جرائم نظامه
بحق أحرار الأمة ) – وكان اّخر المساومات معي هو قبولنا بالإشتراك بالسلطة – يوم اعتقلوني مع ..
مناضلات ومناضلين من إحدى التنظيمات الفلسطينية الثورية في مكتب ناجي جميل – فرع فلسطين –
والمشادة بيني وبينهم وحفلة الإستجواب ..؟! ومن ثم الإعتذار مني في نهاية التحقيق ..وإنني قد كسرت
يد الجلادين الصغار الذين يدخلون كالضباع الكاسرة .. لكي يجدو أمامهم انسانة من نوع اّخر ... :
لماذا لا تشتركوا معنا في السلطة فكل الأحزاب دخلت معنا في الجبهة .. حتى حزب الشيوعي
(بكداش ) مشترك أيضا معنا ..؟ وفي الوزارة أيضا , ضعوا الراتب الذى تريدونه مع سيارة وفيلا ..
لماذا أنتم لا ..؟ وكان دائما الرفض .. وهذه قناعة وموقف .
لكن والحمد لله أقولها بصراحة .. لقد اجتزت هذه المسيرة الطويلة الإمتحانية بسلام , بالكلمة , والموقف
والصبر , والحكمة – ولم أتوقف .
مشيت خلالها منعطفات لا عد لها خطيرة .. وعادية , ودخلت امتحانات .. يومية سهلة وصعبة وكنت
دائما أخرج منها مرفوعة الرأس والهامة , بالرغم من أن بصماتها واّثارها وحروقها وندباتها محفورة
إلى الاّن كالوشم .. شاهدة على ذلك الصلب اليومي لي ولعائلتي –
حيث بعض شرارات اللهب في المعارك المستمرة اليومية كان قد اخترق ووصل بشكل أو باّخر إلى
أجساد وأجسام فلذات أكبادي .. زهرات الكباد والليمون .. واللوز .. والحب .
أجل كانت هذه هي باختصار .. لوحة أنسانية في خارطة النضال الوطني في بلد من بلدان العالم الثالث
بتسميته , لكنه العاشر في سلطويته وتخلفه , وحقده , وفاشيته العسكرية – نظرا لاستراتيجية منطقتنا
وبلدنا , وحدودها .. مع العدو الصهيوني , وشارعها السياسي الوطني التاريخي - ..!!
هذه السلطة التي لا تعرف من الحياة , والتي لم تتعلم في مدارسها , وفي أحضان أمهاتها .. سوى الشر
والحقد , واللؤم , وكره الاّخر , والدماء , والمشانق , والسجون , والظلم , واللصوصية , والفساد ..,
والقتل وإلغاء الرأي الاّخر وإحتقاره , والتجسس على الناس وشراء النفوس الوضيعة والمريضة ,
وتحجيم وإجهاض الحركات السياسية , والتيارات الوطنية والديمقراطية التي لا تصب في قناتها والتي
لا تشرف عليها وتتحكم في مسارها أو تمولها هي بنفسها .
نعم .. هذه هي صورة لواحدة من عائلات المعتقلين في سورية .. بلدي الحبيب – التي رزحت وعاشت
أبعاد .. ومعاناة كلمة ( السجن ) و ( السجين ) .. عشرات بل عقود من السنين .
يتبع ...
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟