أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - ما هو موقفي إزاء المسألة القومية ومنها المسألة الكردية ومن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية ؟















المزيد.....



ما هو موقفي إزاء المسألة القومية ومنها المسألة الكردية ومن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية ؟


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 916 - 2004 / 8 / 5 - 11:14
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


ما هو موقفي إزاء المسألة القومية ومنها المسألة الكردية ومن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية ؟ 1-2
ترددت في أحاديث بعض السيدات والسادة من العراقيين العرب وبعض العرب من خارج العراق ممن يعيش في ألمانيا حول مواقفي السياسية إزاء مسألتين تحتاجان إلى توضيح, وهما:
الأولى تشير إلى أن كاظم حبيب أصبح كردياً أكثر من الكرد على طريقة ملكي أكثر من الملك, وقال البعض الآخر بأنه كردي فيلي.
والثانية تقول بأن كاظم حبيب تحول إلى أمريكي النزعة.
في هذه المقالة ذات الحلقتين سأحاول الحوار مع هاتين الموضوعتين. وقبل الخوض بهما سأحاول تبيان وجهة نظري المبدئية بالمسألة القومية عموماً والكردية خصوصاً من جهة, وموقفي من الولايات المتحدة والسياسات الأمريكية من جهة ثانية. وهي ليست رداً على هذا البعض أو ذاك, بل حواراً يستهدف إيصال هذه الأفكار إلى أكبر عدد ممكن من العراقيين والعرب وإلى من يهمّه أمري كمواطن عراقي يهتم بحقوق الإنسان ويعمل بالسياسة كأغلب العراقيين, وأقل العراقيات, سواء أكانوا من الحزبيين أم من غير الحزبيين, إذ ربما فيه فائدة لمن سيقرأ هاتين الحلقتين.
الحلقة الأولى 1 من 2
ما هو موقفي من المسألة القومية عموماً ومن المسالة الكردية على وجه الخصوص؟
اتخذت حتى الآن مواقف سياسية تستند إلى نهجي الفكري وتقديراتي ليس إزاء الموقف من المسائل القومية فحسب, بل إزاء كل القضايا السياسية الأخرى التي اقتنع بصوابها, بغض النظر عن مدى صواب أو خطاً تلك المواقف المرتبطة بقدراتي الذاتية على فهم واستيعاب المنهج المادي الديالكتيكي والمادي التاريخي وسب التعامل الواعي مع هذا المنهج. ويمكن لمن تابعوا كتاباتي على مدى 48 عاماً, أي منذ أول مقال نشرته في مجلة المبعدين في بدرة (الكوت) في عام 1956 حتى الوقت الحاصر. وكان المقال الأول مطالعة نقدية لكتاب "أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث" لمؤلفه البريطاني أمير اللواء ستيفن هيمسلي لون?ر?, الذي عمل في العراق مع القوات البريطانية المحتلة سنوات طويلة.
وخلال الفترات المنصرمة تسنى لي المشاركة في عدد من المؤتمرات والنقاشات ونشر الدراسات حول بعض القضايا القومية التي تمس العديد من القوميات المختلفة في البلدان النامية بشكل خاص. فعلى سبيل المثال لا الحصر أشير إلى ما يلي:
1. شاركت في عام 1964 في المحكمة الدولية الشعبية لمحاكمة رئيس وزراء روديسيا العنصرية, أيان دوغلاس سميث (1964-1980), حيث عقدت المحكمة جلساتها في موسكو, واستمعنا إلى شهادات حية لمناضلين أفارقة سود تعرضوا لكل أنواع الفصل العنصري والتمييز والتعذيب والسجن والمطاردة, كما تحدثوا عن القتل الواسع النطاق للسود والاستغلال البشع للشعب الأفريقي وثروات البلاد. وقد قررت المحكمة الشعبية, التي كنت عضواً فيها باسم "سامي السامي", إحالة القضية إلى محكمة دولية شرعية تشكل لهذا الغرض من جانب الأمم المتحدة لمحاكمته, وكانت فكرة تشكيل محكمة حقوق الإنسان الدولية قد برزت لأول مرة في هذه المحكمة والتي لم ترى النور إلا في السنوات الأخيرة, والتي لم تعترف الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن خشية تقديم مجرمي الحرب والمتجاوزين على حقوق الإنسان من المدنيين والعسكريين الأمريكيين إلى هذه المحاكمة الدولية التابعة للأمم المتحدة لمحاكمتهم. وروديسيا أصبحت جمهورية زيمبابوي, بغض النظر عن النظام الدكتاتوري السائد فيها الذي يترأسه مو?ابه منذ تحرير البلاد من هيمنة السكان البيض في عام 1979. وقد حضر المحاكمة كجمهور مستمع ومشارك في النقاش كل من الدكتورة نزيهة الدليمي والأستاذ الدكتور مصطفى رسول إسماعيل والدكتور صاحب مهدي وكاظم الصفار وآخرين من العراق.
2. أجريت لقاء صحفياً وحوارياً مع رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان الدكتور جون غرنغ في عام 1985 في العاصمة هافانا (كوبا) حول قضية الجنوب وحق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره بنفسه والنضال الذي تخوضه الحركة مع بقية القوى حول مسألة الديمقراطية والحقوق القومية وضد فرض الدين الإسلامي على كل البلاد ..الخ وقد التزمت قضية جنوب السودان, وفيما بعد دار فور حيث نشرت أخيراً مقالاً حول هذا الموضوع وخطايا وتجاوزات وجرائم النخبة العربية الحاكمة الشوفينية في السودان.
3. كتبت دراسة واسعة عن القضية الأمازيغية في الدول المغاربية وخاصة في المغرب والجزائر. وقد أقمت في الجزائر ثلاث سنوات درست فيها في كلية الاقتصاد في جامعة الجزائر العاصمة. ويجد المتتبع هذه الدراسة على موقع الحوار المتمدن في الإنترنيت.
4. نشرت أكثر من مقال حول القضايا العنصرية في الولايات المتحدة والتقيت مع ناشطي الدفاع عن حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية وضد التمييز العنصري, والتقيت في هافانا بهذا الصدد وفي عام 1971 مع السيدة أنجيلا ديفيس ومع المرشح لنائب رئيس الجمهورية الأمريكية, وكلاهما من الأفارقة الأمريكيين في الولايات المتحدة الأمريكية.
5. شاركت في المؤتمر الأكاديمي الأول الذي عقد في أربيل في ربيع عام 2002 حول مجازر الأنفال وحلب?ة. وقد قدمت دراسة موسعة حول مجازر الأنفال وعنصرية البعث الصدّامي.
6. نشرت كتاباً تحت عنوان "الإيزيدية ديانة قديمة قاومت نوائب الزمان" وقد تعرفت على هذه الديانة عن قرب في كردستان العراق في فترة حركة الأنصار وجمعت عنها المعلومات. ونشر الكتاب في دار الحكمة في لندن ودار ئاراس في أربيل, كما حضرت مؤتمراً علمياً للجالية الإيزيدية عقد في هانوفر(ألمانيا) في عام 2000.
7. كتبت دراسة موسعة عن المظالم التي لحقت بأبناء الشعب الكردي من الكرد الفيلية خلال فترة حكم البعث الأول والثاني. ونشرت الكثير من المقالات حول القضية الكردية في العراق.
8. تحت الطبع حالياً كتاب لي تحت عنوان "لمحات من نضال حركة التحرر الوطني للشعب الكردي في كردستان العراق. وهو كتاب يقع في أكثر من 500 صفحة من القطع الكبير, ويبحث في تاريخ الكرد وعلاقتهم بالعراق ودورهم في نضال الشعب العراقي وحقوقهم المشروعة والمغتصبة. ويبحث الكتاب بعض القضايا التي وقعت خلال الفترة الأخيرة أيضاً في ما يخص موضوع الكرد والقوميات التي تعيش في كردستان العراق..
9. حضرت عدة مؤتمرات بحثت في القضية الكردية أو شاركت في ندوات تلفزيونية حول الموضوع ذاته, سواء في أوروبا أم في كردستان العراق.
10. ناقشت مع رئيس تحرير مجلة قضايا السلم والاشتراكية (مجلة الوقت بالعربية) التي كانت تصدر في براغ, حين كنت عضواً في هيئة تحرير ومجلس تحرير المجلة ممثلاً عن الحزب الشيوعي العراق, موضوع القوميات في الاتحاد السوفييتي بعد عدة زيارات قمت بها إلى عدد من الجمهوريات السوفييتية حيث لاحظت الهيمنة الروسية على الإدارة والسياسة هناك, والشكاوى التي تثار من الناس في تلك الفترة. وقد عبرت عن اعتراضي على تلك السياسة, وكان ذلك في 1988.
11. التقيت مع عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي البلغاري سكرتير اللجنة المكزية ومسئول المنظمة الحزبية صوفيا عندما كنت عضواً في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراق وممثلاً في مجلة الوقت وأبديت استغرابي من السياسة القومية الشوفينية التي تمارسها الحكومة البلغارية إزاء الأتراك في بلغاريا والتي تمثلت في ثلاثة انتقادات, وهي: محاولة إجبار الترك على التحول إلى القومية البلغارية؛ فرض تغيير الأسماء التركية إلى أسماء بلغارية, إضافة إلى إجراء تغيير في أسماء الأبطال الترك البلغار إلى أسماء بلغارية؛ تغيير أسماء المناطق والشوارع والمدن ذات الأسماء التركية إلى أسماء بلغارية صرفة. وقد شكلت هذه المسألة عقدة قومية مستعصية واحتجاجات شديدة من جانب الترك البلغار ومن جانب الدولة التركية. ولم يكن الجواب مقنعاً لي ولم يخرج عن حدود الدبلوماسية واللياقة السياسية في النقد ولكن مع الوضوح الكامل بشأنها.
إن هدف هذا السرد لا يتجاوز تأكيد موقفي المبدئي من كل القضايا القومية, ولكن بشكل خاص تلك التي تمس العراق مباشرة, وهي القضية الكردية والقوميات الأخرى في العراق. وفي هذا الصدد نشرت مجموعة مقالات عن الكلدان والآشوريين وعن أوضاعهم في العراق والتقيت بالجاليات الآشورية والكلدانية في كل من الولايات المتحدة وأستراليا وبحثنا في شئون الجاليات وأوضاعها وأوضاعهم في العراق.
والسؤال الذي يفترض الإجابة عنه هو: لِمَ هذا الانحياز المبدئي للقضايا القومية عموماً وللقضية الكردية على وجه الخصوص؟ أؤكد جازماً بأن خمسة عوامل أثرت جدياً على تكوين فكري الماركسي, الوطني والأممي, إزاء القضايا القومية, وهي:
1. تربيتي العائلية التي كانت لا تميز بين البشر, سواء أكانوا عرباً أم هنوداً أم فرساً أم من قوميات أخرى. وكانت للعائلة علاقات واسعة بعوائل من بلدان وقوميات مختلفة. وكانت محلتنا, محلة باب النجف في كربلاء الواقعة بين صحني الأمام الحسين وأخيه العباس, يسكنها أقوام من قوميات وجنسيات مختلفة كالأفغان والهنود والباكستانيين والترك والفرس والعرب من لبنان والسعودية, وكذلك من أندونيسا ...الخ.
2. تأثير المدرسين الذين درسونا في المتوسطة والثانوية وكان أكثرهم من مدن أخرى غير كربلاء وكانوا في الغالب الأعم ديمقراطيين ويساريين وربما بينهم بعض الشيوعيين أيضاً, إضافة إلى احتكاكي المبكر بمجموعة من مدرسي البتدائية من الحلة وكربلاء مثل الأستاذ علي عجام (الحلة) والأستاذ عبد الله الخطيب مدرس التاريخ في الثانوية (المسيب) وستار أمين (كربلاء), وهم من الجناح اليساري التقدمي والماركسي في الحركة السياسية العراقية, وقد تعلمت منهم الكثير في مجال السياسة والتحليل والموقف من القوميات.
3. من أجواء الزيارات التي كانت تقوم بها عشرات بل مئات ألوف الزوار إلى كربلاء لزيارة الحسين والعباس في فترات مختلفة ولكن بشكل خاص في العشرة الأولى من شهر محرم. وكان الاحتكاك بهؤلاء الناس يعلمنا الشيء الكثير وكانت الردات الحسينية والهوسات الشعبية ذات المضامين الوطنية تعبر عن أجواء المطالبة بالحرية والديمقراطية ومناهضة الحكم والاستعمار. لقد كانت نظرتي إلى المواكب الحسينية ذات جانبين, فهي من جانب كانت تعبر عن المشاركة الواسعة من أناس آمنوا بقضية معينة ويلتقون دون أن تحصل بينهم منازعات ولا يجمعهم سوى كونهم بشر ويؤمنون بقضية معينة, ومن جانب آخر فأنها كانت تحمل بدعاً لا يمكن القبول بها ويصعب تحملها, ومنها عملية التطبير أو ما يطلق عليها في كربلاء ب"الشخصين" والضرب على الظهر بسلاسل حديدية تنتهي بسكاكين حادة ومدببة ومعوجة أم بدونها, أو اللطم على الصدور, وهي عادات دخيلة جاءت إلى العراق من بلدان وشعوب وأديان قديمة وليست من صلب الدين الإسلامي وليس لها في الشريعة مكان.
4. من خلال الحزب الشيوعي العراقي الذي بدأت أول علاقة لي به في عام 1951 ثم منتسباً إليه في عام 1952. ولعب المناضل حسن عوينة في عام 1953/1954 دوراً مهماً في التأثير على جهة تفكيرنا وعملنا, بما في ذلك المسائل القومية. وفي عام 1953 شَكلتُ أول خلية نسائية شيوعية في كربلاء, لعبت دوراً مهماً في الاتصال ببنات المدارس وخاصة الثانوية ومعلمات المدارس. وكانت الأختان وجيهة وقمر محمد علي من أوائل من لعبن دوراً مهماً في نقل الفكر الماركسي إلى النساء, إضافة إلى الدكتورة صبيحة عبد الله, التي كانت تعمل في التعليم الابتدائي. كانت وجيهة تدرس في كلية الملكة عالي لإعداد المعلمات ببغداد/ باب المعظم. وكان لدورهن أثره في الدعوة التي ما أزال أحملها حول حرية المرأة والمساواة الكاملة بين المرأة والرجل. وكان بين العاملات معنا نساء من أصل إيراني, ولكن أصبحن عراقيات قلباً وعقلاً وتقاليداً. لقد كان الحزب الشيوعي يجسد في تثقيفه ثلاث مسائل جوهرية في المسالة القومية, وهي: أ) الإنسان هو الأساس في كل القضايا الإنسانية والقومية, فهو أثمن رأسمال في العالم, بغض النظر عن جنسه وقوميته ودينه ومذهبه ولغته؛ ب) تلعب الروح القومية دورها النضالي في مرحلة التحرر الوطني ويفترض في الإنسان أن يحترم قوميته كما عليه أن يحترم القوميات الأخرى ويعترف لها بحقوقها المشروعة والعادلة. وقد برز هذا واضحاً وأكثر من أي وقت مضى في عام 1953 ومن ثم في عام 1956, أي بعد كونفرنس توحيد الحزب في عام 1956, حيث أخذ سلام عادل الموقف المبدئي والثابت والماركسي للشخصية الوطنية والرجل الفاضل الأستاذ عزيز شريف بشكل كامل تقريباً في المسألة القومية الكردية الذي تجسد في تقرير وقرارات الكونفرنس بهذا الشأن. وكان الحزب يبشر بالموقف السوفييتي من القوميات وفق ما كان ينشر من قبل السوفييت, خاصة وأن لينين قد جسد ذلك في موقفه من انفصال فنلندة عن روسيا. إلا أن التطبيق لمقولة الحق في تقرير المصير لم يكن سليماً في الفترات اللاحقة وكانت الهيمنة بشكل عام للروس, وهو الذي تعرفنا عليه لاحقاً, إذ عبر عن الوقوع بأخطاء فادحة وعن قسر غير قليل.
5. عبر التجربة الحياتية والعمل السياسي الكثيف والتدريس الجامعي والاحتكاك بالشيوعيين والديمقراطيين الكرد منذ بداية الخمسينات حتى الوقت الحاضر. والتجربة الذاتية هي خير معلم, إضافة إلى القراءات الكثيرة حول هذه القضية وتاريخ الشعب الكردي وكراس الأستاذ الراحل عزيز شريف الذي صدر في عام 1947 في مناقشته لموضوعات فهد في التقرير المقدم إلى المؤتمر الوطني الأول للحزب في عام 1944/1945, ثم كتابه المعروف عن القضية الكردية الذي قرأته كمسودة وأنا في براغ حيث أرسلها الأستاذ الراحل لي من موسكو حيث كان تحت المعالجة والعناية الطبية أيضاً لاطلاع الحزب عليها. وقد كان متواضعاً جداً في طرح دوره في هذه القضية المعقدة في السبعينات بشكل خاص, حيث كان رئيساً لمجلس السلم والتضامن العراقي وعضو هيئة رئاسة مجلس السلم العالمي.
قَدمتُ إلى المؤتمر الأكاديمي الأول, ولم ينعقد غيره حتى الآن, دراسة عن مجازر الأنفال وحلب?ة وعن عنصرية البعث الصدّامي وممارسته عملية إبادة الجنس البشري والتطهير العرقي... الخ, وبعد أن طرحت بعض الأسئلة وأجبت عنها, نهض الأخ والصديق العزيز جوهر نامق سالم وتحدث من على منصة المؤتمر بكلمة ودٍ عن موقفي من المسألة الكردية في الجامعة المستنصرية حيث قال ما معناه: "عندما كان الدكتور كاظم حبيب يلقي محاضراته علينا وأنا طالب في قسم التعاونيات الزراعية في كلية الاقتصاد في الجامعة المستنصرية كان لا يتحدث عن شمال الوطن, بل عن كردستان العراق ولا يتحدث عن الأكراد بل عن الشعب الكردي في وقت كان الجو العام والدعاية والصحافة كلها تتحدث عن شمال العراق وعن الأكراد. وقد أثر بي هذا الموقف وهذه الجرأة في طرح الرأي الصريح في تلك الظروف العصيبة قبل منتصف السبعينات, فلم انس له هذا الموقف حتى الآن".
في سلسلة مقالات نشرتها في نهاية الشهر السابع 2004, في حوار مع رسالة وجهت لي من أخ فاضل هو الأستاذ إحسان خ. الراوي حول حق تقرير المصير ومسألة كركوك أشير فيه إلى أن تفكيري الماركسي ومنهجي المادي الجدلي في الدراسة والتحليل والاستنتاج (التجريد والتجسيد المتعاقب والتدقيق), إضافة إلى المناهج التحليلية والفلسفات الأخرى والخبرة البشرية إزاء قضايا القوميات وما توصلت إليه الأمم المتحدة والمنظمات الدولية حول حقوق الإنسان وحقوق القوميات هي الأساس في طرح موقف بصراحة وبدون غموض أو لبس أو إبهام حول القضية الكردية وقضية القوميات الأخرى في كردستان العراق. فالثورة الفرنسية, والحرب الأهلية في الولايات المتحدة وحرب التحرير وكومونة باريس وثورة اكتوبر الاشتراكية 1917 والثورات الأخرى في مختلف بقاع العالم والحركة العمالية العالمية وحركات التحرر الوطني بما فيها حركة التحرر الوطني العربية وحركة التحرر الوطني الكردية, ونضال العرب في سبيل التحرر والديمقراطية والوحدة العربية علمتني بأن من حق الشعوب صغيرها وكبيرها في ممارسة حقها في تقرير مصيرها بنفسها, حقها في الحرية والديمقراطية وإقامة دولها الوطنية المستقلة. وهذا الحق يفترض أن يبقى ثابتاً لا يشكك ولا يجري التلاعب فيه من قبل أي دولة أو جماعة أو شعب أو إنسان, كما أرى. وعلى الشعب الذي يريد تقرير مصيره أن يدرس ظروفه الذاتية والظروف الموضوعية المحيطة به محلياً وإقليمياً ودولياً وميزان القوى ليتخذ القرار المناسب له. وتقع على عاتق مؤيدي حقوق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها مهمة دعم هذا الجهد والوقوف إلى جانبه بكل قوة لأنها قضيتهم أيضاً من الناحيتين المبدئية والعملية. وأنا على ثقة تامة بأن جميع الشعوب ستحقق أحلامها وآمالها في المستقبل, طال الوقت أم قصر, ومنهم العرب والكرد والأمازيغ في إطار الدولة المغربية وفي الجزائر وغيرهم من الشعوب. وعلينا أن ننتبه إلى ظاهرة العولمة, إذ أنها ليست عولمة ذاتية بل هي عملية موضوعية, وبالتالي ستفرض نفسها في مختلف المجالات, وبالتالي تقرب الشعوب لبعضها في قرية واحدة متجاورة ومتلاصقة ومتفاعلة ومتبادلة التأثير. وهي ظاهرة إيجابية ولكنها تتم في ظل الرأسمالية وفي ذلك مخاطر كبيرة على الشعوب الصغيرة والنامية بسبب جشع الرأسماليين ونهمهم للمزيد من الربح على حساب استغلال الشعوب الأخرى بل وشعوبهم أيضاً. وفي العولمة الموضوعية, رغم جهود الولايات المتحدة لدفعها بالاتجاه الذي يستجيب لمصالحها, اتجاهان متزامنان مترافقان يسيران معاً, ويبدوان وكأنهما ضدان, في حين أن أحدهما يستكمل الثاني على المدى الأبعد, وأقصد بذلك:
أ. الاتجاه الانتعاشي للقوى القومية والوطنية الساعية إلى حصولها على الاعتراف بها وتأمين ممارسة حقوقها المشروعة وإقامة دولها الوطنية المستقلة من جهة, ثم التقارب بين القوميات والشعوب بسبب عملية العولمة المتعاظمة وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على كل الشعوب والقوميات. إن الاعتراف المتبادل بوجود القوميات وتأمين ممارسة جميع حقوقها غير منقوصة تعزز العلاقات بين الشعوب وتقربها من بعضها وترفع الحواجز في ما بينها على المدى الأبعد, شريطة أن يكون التعامل المتبادل إنساني لا استغلالي وتهميشي ومن جانب واحد. ولا شك في أن العولمة وهي تتطور ستتطلب تغييراً في العلاقات الإنتاجية بسبب التطور الهائل في القوى المنتجة المادية والبشرية وستفرض حلولاً لها بسبب التنامي في الأنفوميديا وما سينشأ بعدها من جديد في هذه التقنيات الأكثر حداثة التي سترمي بمئات الآلاف والملايين من العمال عاطلين عن العمل على قارعة الطريق مما يستوجب تغييراً في التتظيم والملكية وتوزيع الثروة وتعديل ساعات العمل باتجاه تقليصه, رغم سعي الرأسماليين إلى زيادتها حالياً, بهدف امتصاص البطالة وزيادة فرص العمل.... الخ. إن تغييرا سيحصل في المستقبل البعيد ولا ضرورة من تسميته حالياً فسيفرض الاسم نفسه, ولكن جوهره العدالة الاجتماعية, فإذا كانت قد سميت الاشتراكية والشيوعية, فيمكن أن يطلق عليها المجتمع البشري أسماً آخر يعبر عن المضمون المنشود.
من هذا المنطلق الفكري على المدى البعيد يمكن أن تضمن عملية التطور للمجتمع البشري لكل الشعوب بصورة تدريجية خمس مسائل جوهرية, وهي:
• الاعتراف الكامل بحقوق الإنسان وحقوق المواطنة واحترامها وممارستها فعلاً, رغم التباين في المستويات في الفترات المختلفة, كما يفترض أن تسود المساواة بين النساء والرجال بشكل كامل وحقيقي. وسيتم الفصل الكامل بين السلطات الثلاث وبين الدين والدولة لصالح الجميع ولصالح أتباع كل دين أيضاً, إنه المجتمع المدني الديمقراطي المنشود.
• الاحترام الكامل لحقوق القوميات واعتبارها متساوية, سواء أكانت كبيرة أم صغيرة, بما في ذلك حق تقرير المصير, إضافة إلى الحقوق الثقافية والإدارية للقوميات التي يصعب عليها إقامة دولها المستقلة, كما في كردستان العراق بالنسبة للتركمان والكلدان والآشوريين.
• العدالة الاجتماعية التي لا تعني العدالة المطلقة غير الموجودة وغير الممكنة, بل عدالة اجتماعية تضمن للناس, كل الناس, حياة كريمة وعمل مناسب وأجر دون استغلال بشع ومركب وحياة هانئة وسعيدة, وأن اختلفت من دولة إلى أخرى ومن شعب إلى أخر في المراحل التي يمر بها, إضافة إلى عوامل كثيرة أخرى.
• ويفترض أن ينشأ نوع من التضامن الإنساني بين جميع بني البشر من مختلف الإثنيات أو القوميات أو الأديان والمذاهب واللغات, إذ أن خراب جزء من القرية العولمية يقود إلى خراب الكل والعكس صحيح أيضاً.
• أن تكف الشعوب عن ممارسة العنف ولغة الحروب في ما بينها, بل تسعى إلى حل معضلاتها بالطرق التفاوضية والديمقراطية والسلمية, ويمكن لمنظمة الأمم المتحدة التي ينبغي أن تتخذ صيغاً تنظيمية وإدارية ومحتوى أخر وأساليب وأدوات وآليات عمل أخرى لتقود المجتمع البشري لا أن تقودها الدولة الأعظم كما يحصل اليوم.وبالاتجاهات الخاطئة غير السليمة.
وفي هذا التكوين تتجسد على المدى الأبعد مفاهيم الحرية الفردية وحرية الجماعة القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية والحياة الديمقراطية الدستورية والبرلمانية والتداول الديمقراطي السلمي للسلطة ورفض العنصرية وتحريمها وتحريم الفاشية والنازية وما ماثلها من أفكار معادية للإنسان والجنس البشري وحرية التفكير, إضافة إلى رفض الدكتاتورية والتسلط والإرهاب والقمع والإعدام. وسنلاحظ في هذه المجتمعات الجديدة سيتراجع الركض وراء تكريس الهويات الخاصة للشعوب المختلفة, إذ تقترب الحياة العامة للناس من بعضها دون أن تفقد حلاوة التباين والاختلاف في التقاليد والعادات والأديان والثقافات عموماً والإبداعية منها على وجه الخصوص.
هذا هو المنطلق الفكري لموضوعاتي في مجال القومية والقومية الكردية والقوميات الأخرى في العراق وبقية الأديان والمذاهب والفلسفات والأفكار. وهنا ابدأ بمناقشة القضية الأولى, وأعني بها حول كوني كردياً أكثر من الكرد. في حين اناقش الموضوع الأمريكي في الحلقة الثانية. ورأيي اثبته فيما يلي:
1. لا أعتبر القول بأني كردي أكثر من الكرد إهانة لي, بل تكريماً لا أستحقه, إذ لم أفعل كما يفترض أن أفعله لهذه القضية العادلة أو لغيرها من القضايا القومية.
2. لم أولد كردياً, وأنا من أبوين وجدين ...الخ عربيين, ولم أنتسب فيما بعد إلى القومية الكردية, ولا أجي اللغة الكردية وأعرف كلمات فقط تعلمتها في كردستان العراق والعتب على أستاذي في اللغة الكردية الصديق العزيز بهاء الدين نوري (خلف ابن أمين رقم 1) الذي راح يعلمني العلاقة بين اللغة الكردية واللغة الألمانية ونسى تعليمي اللغة الكردية.
3. أنا أدعي كوني أحد الأصدقاء الصادقين للشعب الكردي, ولي أصدقاء أحبة بين نساء ورجال الشعب الكردي الذين رافقتهم سنوات طويلة في النضال في العراق عموماً وفي كردستان, سواء من رفاق الحزب الشيوعي أم الحزب الديمقراطي الكردستاني أم الاتحاد الوطني أم الاشتراكي أم كادحي كردستان, ولي علاقة طيبة ومتبادلة الود مع الأخ الفاضل الأستاذ مسعود البارزاني رئيس الحزب الديمقراطي ورئيس اتحادية كردستان, والأخ الصديق الأستاذ جلال الطالباني ومجموعة كبيرة من قياديي ومتاضلي الأحزاب السياسية والمنظمات المهنية والاجتماعية في كردستان العراق وكذلك بين الناس البسطاء وخاصة في أرياف وجبال كردستان حيث كنت ضيفاً دائماً على دور القرويين حين تجوالي مع مفارز الأنصار, وقد أثقلنا على الناس الكرماء بطعامنا وشرابنا ومنامنا.
4. كنت صريحاً في آرائي وملاحظاتي بشأن القضايا الكردية يجدها الإنسان في كتاباتي وخاصة في كتاب "ساعة الحقيقة...." (1995), وفي "المأساة والمهولة في عراق اليوم" (200), وخاصة بصدد الصراع بين الحزبين المسئولين عن الحكم في كردستان العراق حالياً. وعندما تحصل لدي بعض الملاحظات أسجلها برسالة ودية إلى الأخوان المسئولين عن الحزبين لتبيان وجهة نظري المتواضعة إزاء هذه القضية أو تلك.
5. احترم قوميتي العربية التي ولدت بها, وأحترم قبل هذا وذاك إنسانيتي باعتباري واحداً من البشر الذي يملأ سطح الأرض. ولهذا تبتعد مواقفي عن الفكر القومي العنصري أو الشوفيني أو المتزمت أو المواقف الدينية والمذهبية المتشنجة. ومن هنا لا استغرب أبداً بل أجده أميناً للمنطلق الفكري الذي أحمله وأدافع عنه. إذ أن الذي يحترم قوميته ويناضل في سبيل علو شانها, لا يضطهد القوميات الأخرى, بل يدعم نضالها لتطويرها ورفعة شأنها أيضاً, إذ أنه الطريق الوحيد للتفاعل والتآخي, وكما يقول السيد أمين معلوف النظر من مستوى واحد إلى الطرف الآخر وليس من علٍ. هذا هو الدرس الأول والمفيد للجميع. ولا شك أن بين الأكراد من هو عنصري أو شوفيني أو شديد التعصب لقوميته, وهي ظاهرة نجدها لدى كل الشعوب والقوميات, ولكنها ما تزال ضعيفة لدى الشعب الكردي في العراق, ونأمل أن تبقى كذلك, في حين نجدها ما تزال تشكل نسبة عالية في أوساط الشعب العربي في العراق وأكثر منها في الدول العربية أو في تركيا. أتمنى من كل قلبي أن أرى الغالبية العظمى من العرب تناضل في سبيل حصول الكرد على حقوقهم القومية المشروعة وعلى حقهم في تقرير المصير, تماما كما أتمنى أن يقف كل الكرد مع العرب على هذا الطريق. إذ عندها سيجسد التجلي الرفيع للحس الإنساني السليم والمعبر عن الاعتراف والاحترام المتبادلين, وبعكس ذلك تكون الكراهية والحقد المتبادلين ومنها تنطلق الحروب الدموية, كما عرفها العراق طيلة العقود المنصرمة. غالباً ما أتساءل مع نفسي: لِمَ لا تشعر كثرة من العرب بالانزعاج والرفض لوجود دول عربية صغيرة بل حتى قزمية من حيث المساحة والسكان, كما هو الحال في الخليج, في حين تحجب الغالبية العربية مثل هذا الحق عن الشعب الكردي, وكذا الحال بالنسبة إلى إيران وتركيا. كتب لي صديق عزيز وأديب متميز أعتز بصداقته وكرم خلقه ومواقفه الجيدة في قضايا الديمقراطية والشأن الوطني العراقي أكثر من رسالة يعاتبني فيها عن كثرة كتاباتي عن المسالة الكردية أورد مقاطع منها هنا وإجابتي له عن الاستفسارات التي طرحها عليً علَّها تساهم بإيجابية في الحوار الجاري حول المسائل العراقية, ومنها المسألة الكردية:

أخي الحبيب أبا سامر تحية وشوقاً وبعد:
فأراك قد ثخّنتها جدّاً بشأن قضية الأكراد حتى لكأنها قضيتنا الوحيدة التي لا نمتلك سواها تأثّراً برفيقنا الأستاذ عزيز محمد الكردي الذي كان يصرف بطاقة سفر من حساب الحزب لكلّ كرديّ يريد أن يهاجر، ويسكت عن كلّ ابن قومية أخرى. وأقول هذا عن تجربة، ولي عليه شواهد. نعم لي عليه شواهد!
أمّا الرفيق محمود عثمان فبين يديّ الآن كتابٌ عن وساطته بين الملاّ مصطفى البارزاني وبين الموساد، وسأنشر هذا في أيّام قابلة.
فقلِّل أخي من اندفاعتك وإلاّ فستكون من دعاة تقسيم العراق، وإلاّ فلماذا لا ننتصر لقضية التركمان والشيعة وأهل السنّة أم أن على ... الأكراد جرس مُجلجِل؟
موقفك، وإلحاحك على قضية الأكراد به حاجةٌ إلى مراجعة، ولكي تراجعه أُعيد إرسال ما سبق أن أرسلتُه إليك راجياً ألاّ تعتبر الموضوع موضوعاً شخصياً.
وأنا بانتظار سرّ حماستك، راجياً ألاّ يكون الموقف أُممياً فقد ضحك علينا الأكراد كثيراً بهذا الموقف الأُممي، وكنّا مُغفّلين.
وفي مقطع أخر من رسالة ثانية جاء فيها ما يلي:
...والأنّ وحدة العراق أقدس عندي من أيّ شيء، وقد ثبت عندي الآن بما لا يقبل الشكّ أن الأكراد انفصاليون يقتنصون الفرص السانحة، وهي الآن ضعف العراق؛ فإذا بلغوا من الرجولة أن يعلنوا جمهورية مثل مهاباد تضم أكراد سوريا والعراق وتركيا فأنا معهم.
أمّا أن يستغفلونا من حكم ذاتي إلى حكم ذاتي حقيقي ثم إلى فيدرالية في عراق فيدرالي ديمقراطي موحّد،
( وليس واحداً ) وينسون مبدأ الديمقراطية الذي يعني رأي الشعب ثم يتشبثون برأي البرلمان الكردي كما لو أنّه الشعب العراقي!
لكَ حبّي أبا سامر، وأرجو ألاّ تنزعج من ملاحظاتي، واسلم لأخيك المخلص


برلين في 1/3/2004
الأخ الفاضل الأستاذ الدكتور ... المحترم
تحية ودٍ واحترام
تسلمت رسالتك, وأنا طريح الفراش بعد عودتي من سفرة محاضرات في كل من السويد والدنمرك. قرأتها بعناية.
ما يشغلني باستمرار بشأن المسألة الكردية هو الموقف المبدئي منها وبغض النظر عن مواقف الآخرين بعد دروس الماضي الطويل. والموقف المبدئي من القضية الكردية يتلخص بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره بما في ذلك حق الانفصال وإقامة دولته الوطنية المستقلة. وبما أنه اختار الفيدرالية في إطار الدولة العراقية الواحدة فأنا إلى جانبها وأساندها أيضاً. وعندما يطرح بعض الأكراد من المسئولين أم من غيرهم آراء متطرفة ومتشددة فما علينا إلا نقدها بهدوء وموضوعية راغبين من وراء ذلك الوصول إلى الصيغة العملية المناسبة دون الإساءة إلى أحد, فليس مهمة الكاتب الصحفي والكاتب عموما, كما أرى, تشديد الصراعات بل طرح وجهة نظر موضوعية مساعدة على إيجاد حل للمشكلات القائمة.
ارتكبت الكثير من الأخطاء على مدى السنوات المنصرمة من جانب العرب والأكراد أو التركمان أو غيرهم, ولكن يفترض أن لا تتواصل هذه الأخطاء بطبيعة الحال وعلينا السعي لإيقافها.
لا أعتقد بأن الموقف المبدئي نختلف عليه, فأنت, كما أعرف جيداً, تقف موقفاً صارماً إلى جانب الحل المطروح, ولكن ترفض المزايدات أو التشدد, وهذا صحيح, يبقى الاختلاف في أسلوب تناول القضايا, إذ لكل منا طريقته وأسلوبه في الكتابة ويصعب عليَّ الخروج عن هذا الأسلوب. وأعتقد أنك تتبعت الهجوم الذي شن علي من قبل السيد الدكتور محمد صالح المسفر وكيف واجهته في قناة الأخبار العربية ANN بتاريخ 8/2/2004, إذ اتهمني بتسلم 100000 دولار أمريكي من الولايات المتحدة الأمريكية, وأنا بالكاد أستطيع تدبير أموري الحياتية, وما أكتبه في الصحف والمجلات يرسل مجاناً, وكتبي لم تجلب لي النفع المادي حتى الآن. (اعتذر الدكتور المسفر عن الخطأ الذي ارتكبه أثناء الندوة التلفزيونية. ك.ح).
عزيزي الفاضل
نجد في كل جماعة قومية مجموعة من الناس التي تتسم بالشوفينية أو ضيق الأفق القومي, وهو أمر اعتيادي, رغم كونه غير جيد. ولا تشذ القومية الكردية عن ذلك. كما أن الحكام العرب جميعهم قد تعاملوا مع إسرائيل منذ سنوات طويلة. وكانت الحركة الكردية في مأزق عندما أشير إلى أنها قد تعاونت مع إسرائيل في سبيل الحصول على بعض المساعدات. كان هذا الموقف في حينها خطأ. ولكن الحركات السياسية عندما تقع في مأزق تجبر على التعاون بهذه الصيغ, رغم أنها غير صحيحة. وقد كتب عن موضوع العلاقة مع إسرائيل الكثير في التسعينيات وفي مجلة الوسط أو الأوسط.
لقد كتبت عن الاضطهاد الذي لحق بالشيعة, وأكتب حتى الآن عن الاضطهاد الذي لحق بالتركمان الشيعة, وهو لا يتعارض مع ما أكتبه عن الاضطهادات الأخرى, بل يتكامل معها. وقد وقع اضطهاد شديد على التركمان من قبل النظام, كما يمكن أن يقع اضطهاد عليهم من مجموعات من الأكراد يفترض أن تنتقد أيضاً, فهم جزء من شعبنا ومن هذا الوطن وتقع على عاتق الجميع أن يتمتعوا بحقوقهم الإدارية والثقافية تماماً كبقية القوميات في العراق وبقية الأديان والمذاهب. وإذا كنت ترى تقصيراً مني في الدفاع عن الآخرين من الشيعة والسنة, فنقدك لهذا الجانب وارد, رغم أني كتبت عن الاضطهاد الذي لحق بالسنة في العراق في عهد الطاغية صدام كثيراً.
ليس هناك سبباً سرياً يجعلني أقف إلى جانب القضية الكردية, وحماستي تشمل كل القضايا التي ألتزم بها من الناحية المبدئية وأدافع عنها, ولكن لا يمكنني الادعاء بامتلاك الحقيقة أو الصواب, إذ يمكن أن يرتكب الإنسان بعض الأخطاء في هذا المجرى, وأرجو أن لا أكون كذلك. إن السر في ذلك هي المعاناة التي عاناها شعبنا العراقي بكل قومياته بسبب المواقف الخاطئة من القضايا القومية, سواء أكانت في فترة الحكم الملكي أم في فترة الجمهوريات اللاحقة, وهذا لا يعني بأن الأكراد لم يرتكبوا بعض الأخطاء القاتلة بهذا الصدد, وقد كتبت عن ذلك في كتابي حول المسألة الكردية والذي لا امتلك نسخة منه لأنه يطبع في العراق أخيراً ولم ينته بعد ولم أتسلم نسخة منه حتى الآن.
وفي مقطع أخر من رسالتي الثانية له جاء ما يلي:
أختلف وإياك بشأن الأكراد, فهذا شعب عانى ما عانى منذ العهد الملكي حتى العهود الجمهورية, وهو شعب كبقية الشعوب له الحق في الانفصال, رغم أن مسئوليه غير راغبين حقاً بذلك, عشت معهم طوال سنوات في حركة الأنصار في كردستان العراق وأدرك بأنهم يعرفون بأن الانفصال حالياً يعني التهامهم من جانب تركيا وإيران, ولذلك فهم يكتفون بالفيدرالية في إطار الجمهورية العراقية.
الشيعة كانوا ضحايا التفرقة المذهبية. كان العراق الرسمي يتعامل مع جماعات الشعب العراقي على النحو التالي:
السنة, وخاصة الأغنياء منهم وليس الكادحين, هم بشر من الدرجة الأولى.
الشيعة, وخاصة الأغنياء منهم, بشر من الدرجة الثانية, أما الكادحين منهم فحدث ولا حرج.
التركمان بشر من الدرجة الثالثة بسبب قربهم من الأتراك.
الأكراد بشر من الدرجة الرابعة.
أما النصارى وأتباع بقية الأديان فهم بشر من الدرجة الخامسة.
هكذا كان الوضع في العراق.
أعرف بأن الاضطهاد الذي نزل بالعراقيين من شيعة وغيرهم لا يعود إلى الطائفية فقط, بل إلى الواقع الاجتماعي أو الطبقي وإلى العنصرية أو الشوفينية التي كانت تملأ نفوس المتسلطين على الحكم. هكذا هي الأمور ونأمل أن نعالجها نحن كديمقراطيين بصورة أفضل!
أرجو أن أكون قد وفقت في عرض وجهة نظري مع احترامي الكامل لوجهة نظرك وأنت صاحب رأي محترم ومواقف مشهودة في الوطنية والحرص على وحدة الوطن, فأليك أطيب تحياتي وتمنياتي.
ودمت لأخيك. كاظم حبيب
انتهت الرسائل المتبادلة وكان الرد على الرسالة الأخيرة ودي وإيجابي وكريم, وهو ما يفترض أن نسعى إليه في حواراتنا, إذ مهما اختلفنا, علينا أن نحافظ على لغة سليمة وإنسانية, وأن نعرف حدود اختلافنا وأن نسعى لتقريب وجهات النظر وأن نحترم الاختلاف الذي بيننا, إن عجزنا عن حله, .
برلين في 3/08/2004 كاظم حبيب
*********************************************

ما هو موقفي من المسالة القومية ومنها المسألة الكردية ومن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية؟ 2-2
كاظم حبيب
2004 / 8 / 4
ترددت في أحاديث بعض السيدات والسادة من العراقيين العرب وبعض العرب من خارج العراق ممن يعيش في ألمانيا حول مواقفي السياسية مسألتين يحتاجان إلى توضيح, وهما:
الأولى تشير على كاظم حبيب كردي أكثر من الكرد على طريقة ملكي أكثر من الملك, وقال البعض الآخر بأنه كردي فيلي.
والثانية تقول بأن "كاظم حبيب" قد تحول إلى أمريكي النزعة.
في هذه المقالة ذات الحلقتين سأحاول الحوار مع هاتين الموضوعتين. وقبل الخوض بهما سأحاول تبيان وجهة نظري المبدئية بالمسألة القومية عموماً والكردية خصوصاً من جهة, وموقفي من الولايات المتحدة والسياسات الأمريكية من جهة ثانية. وهي ليست رداً على هذا البعض أو ذاك, بل حواراً يستهدف إيصال هذه الأفكار إلى أكبر عدد ممكن من العراقيين والعرب وإلى من يهمّه أمري كمواطن عراقي يهتم بحقوق الإنسان ويعمل بالسياسة كأغلب العراقيين, وأقل العراقيات, سواء أكانوا من الحزبيين أم من غير الحزبيين, إذ ربما فيه فائدة لمن سيقرأ هاتين الحلقتين.
الحلقة الثانية2 من 2
ما هو موقفي من الولايات المتحدة وسياساتها
عموماً وفي المنطقة والعراق خصوصاً؟
ابتداءً اثبت ما يلي قبل الولوج في الحوار حول ما زعم بأني قد تحولت إلى أمريكي النزعة: أنا لست مناهضاً للولايات المتحدة الأمريكية أو للشعب الأمريكي ولم أكن طوال عمري كذلك, ولكني كنت وما أزال ضد سياسات ومواقف الولايات المتحدة على الصعيد الدولي وعلى صعيد المنطقة والعراق, وهو الذي يحتاج إلى توضيح. لقد كتبت عشرات المقالات في هذا الصدد, سواء أكان قبل الحرب على النظام العراقي أم بعده, كما نشرت كتاباً تحت عنوا "بلدان الجنوب ... المشكلات والآفاق ..", صدر عن دار الثقافة الجديدة بالقاهرة/ مصر في عام 1994. ثم أنجزت كتاباً تحت عنوان "العولمة من منظور مختلف" يطبع حالياً في العراق. ونشرت مقالات في مجلة الطريق اللبنانية وفي جيريدة زوريخ الجديدة في زوريخ عن العولمة الجديدة وعن العولمة وموقف الدول العربية والإسلامية منها... الخ. كما نشرت مقالاً تحت عنوان "أنا لست مناهضاً للولايات المتحدة الأمريكية, ولكن ...". وهو مقال يشرح مواقفي من هذه المسالة بصورة واضحة لا لبس فيها ولا إبهام.
لم يدر في خلدي يوماً أن أكون معادياً للشعب الأمريكي بكل الموزائيك الرائع الذي يتكون منه والكفاءات الهائلة القادمة إليه والمتجمعة فيه من كل أنحاء العالم, كما لم يطرأ على بالي يوماً أن أكون مناهضاً لدولة عظمى تسمى الولايات المتحدة الأمريكية, إذ من العبثية بمكان أن يفكر الإنسان بهذه الطريقة التجريدية غير الواعية. والإنسان الواعي والمثقف القادر على تمييز الأمور وعلى رؤية كل الأطياف الممتدة والمتشابكة بين اللونين الأبيض والأسود لا يمكن أن يكون قادراً على اتخاذ مواقف العداء ضد الشعب الأمريكي أو ضد الولايات المتحدة الأمريكية كدولة يسكنها أكثر من 290 مليون إنسان (2003) من أصول أثنية وقومية وشعوب مختلفة, فمنهم الهندي الأحمر من أصل البلاد, والإنسان الأفريقي الأسود, هذا المواطن, الذي اقتلع أسلافه من جذورهم الأفريقية واقتيدوا إليها منذ قرون, وناضل لتحرير نفسه من العبودية الخانقة للرجل الأبيض الإقطاعي وضد الفصل والتمييز العنصري, أو أسلاف الإنسان الأبيض النازح إليها من أوروبا والباحث عن الذهب والأرض والعمل, أو الإنسان الآسيوي من كل الإثنيات والأجناس واللغات والألوان والأديان والمذاهب الباحث عن الحرية والعمل وكسب المال والخلاص من الفقر والفاقة, أو أولئك العلماء الذين ضاقت بهم بلدانهم من جراء مصادرة حقوق الإنسان وحقوق المواطنة أو تفاقم الإرهاب والقمع والقسوة وأجبروا على الهرب من احتمال القتل تحت التعذيب إلى الولايات المتحدة الأمريكية. لم يرد في مخيلتي وأنا الحامل في عقلي وقلبي وعياً وإحساساً أممياً صادقاً إزاء كل الشعوب والقوميات أو الإثنيات أن أكره الشعب الأمريكي أو أحقد عليه أو على دولته, بل كان أحد أبرز اهتماماتي أن أزور هذا البلد وأطلع على حياة هذا الشعب وعلى منجزاته العلمية والتقنية والثقافية والفنية والأدبية والإنسانية, المادية منها والروحية. وهذا ما تحقق نسبياً من خلال زياراتي العديدة إلى بعض أبرز الولايات والمدن الأمريكية. واليوم تقود الولايات المتحدة الأمريكية التقدم والثورة العلمية والتقنية في العالم كله وتلعب دور الرائد في أغلب المجالات العلمية والطبية واكتشاف أسرار الكواكب والفضاء وفي مجالات كثيرة أخرى. لا يشهد على ذلك شخصي المتواضع, بل العالم كله. وهو أمر يفترض أن يعتز به الشعب الأمريكي وتنتعش له وتحترمه دول العالم وشعوبها. وعندما يكتب الباحثون عن نضال شعوب العالم من أجل الحرية والديمقراطية والخلاص من العبودية لا بد أن يمروا على الثورة الفرنسية وحرب الاستقلال الأمريكية والحرب الأهلية ضد الإقطاع والعبودية والاستغلال الأكثر بشاعة وظلماً للإنسان الأسود, وعن صدور الدستور الأمريكي حيث تؤكد مقدمته إلى تطلع هذا الشعب إلى الحرية الفردية والديمقراطية والرفاهية. كما يتذكر الإنسان بارتياح البرنامج ذي النقاط الأربع عشر التي أصدرها الرئيس الأسبق وودرو ولسون في عام 1918 والذي تضمن النقطة 5 والنقطة 12. وكانت هاتان النقطتان تؤكدان على حق السيادة للشعوب الصغيرة والكبيرة على حد سواء والخلاص من الهيمنة العثمانية البغيضة, ولعبتا دوراً مهما في إطار عصبة الأمم, بالرغم من المساومة التي ولجتها الولايات المتحدة الأمريكية في حينها مع كل من فرنسا وبريطانيا على هذا الحق من خلال الحصول على نسبة مهمة في نفط العراق وفي استثمارات النفط في منطقة الشرق الأوسط. فالجوانب المشرقة في نشاط الشعب الأمريكي لا تنسى من جانب الشعوب والقوى السياسية المتتبعة لسياسات ومنجزات الولايات لمتحدة, بما في ذلك دخولها الحرب العالمية الثانية ضد دول المحور إلى جانب الاتحاد السوفييتي وبريطانيا والكثير من دول العالم وانتصار معسكر الديمقراطية على معسكر النازية والفاشية والعسكرية الانتقامية. كما يفترض أن لا ننسى بأنها ساهمت في إقامة هيئة الأمم المتحدة في عام 1945 وفي وضع لوائحه ونظمه الداخلية, وكذلك المشاركة في وضع وإقرار لائحة حقوق الإنسان الدولية في عام 1948.
وإذا كان كل هذا وغيره صحيحاً, وهو صحيح حسب قناعتي ووجود وثائق تؤكد ذلك, فأين تكمن مشكلة, التي تبدو الآن واضحة للعيان أكثر من أي وقت مضى, المواقف المناهضة للولايات المتحدة والغاضبة عليها؟ وهو ما يشعر به الشعب الأمريكي حالياً بشكل صارخ وأدركته الإدارة الأمريكية نسبياً ولكنها ما تزال تتعامل بنفس الذهنية ولم تتخذ حتى الإجراءات اللازمة لمعالجته.
لا يبدو هذا الشعور غير الودي أو قل الكراهية, إزاء إدارة الولايات المتحدة لدى الشعوب النامية فحسب, بل لدى الشعوب المتقدمة, وليس في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا فحسب, بل وفي أوروبا, وخاصة الغربية منها, وكندا واستراليا أيضاً. سوف لن أجيب عن المسائل التي تخص الشعوب والدول الأخرى رغم تقديري وتشخيصي لها أيضاً, بل سأحاول الإجابة عن العوامل التي تتفاعل في نفسي شخصياً وأنا أتابع منذ ما يزيد على نصف قرن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم, وخاصة في العراق والدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط. وهذه الملاحظات التي سأبديها لا تهدف إلى إثارة الإدارة الأمريكية في الدولة الأعظم في العالم, بل تهدف إلى توضيح جملة من الأمور التي لا بد من توضيحها والتي كتب عنها الشيء الكثير ولكنها مع ذلك ما تزال قائمة, وكأن حكومات الولايات المتحدة المتعاقبة لا تريد أن ترى أو تسمع ما يقال عنها وعن مواقفها السياسية والاقتصادية والعسكرية على الصعيد العالمي. وإذا ما استمرت مسيرة الولايات المتحدة على نهجها السياسي الراهن, فأن صورة الولايات المتحدة الأمريكية سوف لن تتغير في أذهان وعقول وقلوب الملايين من البشر في جميع أنحاء العالم, بل ستكرس, وهي ليست في صالح العالم كله. وما يزال في ذاكرتي طرياً المقال الذي كتبه الأستاذ الراحل محمد شرارة في مجلة الوادي العراقية في عام 1954 تحت عنوان "أينما تمتد الأصابع الأمريكية يرتفع الدخان!". وهذه الظاهرة يفترض أن تحرك الباحثين العلميين في الولايات المتحدة الأمريكية والإدارة الأمريكية قبل غيرها من البلدان والحكومات لطرح بعض الأسئلة على أنفسهم والتحري عن إجابة صادقة عنها, من جانب صانعي القرار السياسي والفاعلين في السياسة الدولية للولايات المتحدة.
يبدو لي بأن المشكلة تكمن في السياسات التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيدين الدولي والإقليمي, إضافة إلى سياساتها في داخل الولايات المتحدة. ففي هذه السياسة ما يؤكد وجود "مناخين على سطح واحد", كما يقول المثل الكردي, أو ما يعبر عنه ب "الكيل بمكيالين" إزاء مختلف القضايا السياسية التي تحيط بمنطقة الشرق الأوسط وفي العالم. وإذا بدأنا مع نهاية الحرب العالمية الثانية سنجد أمامنا بعض الوقائع التي تدلنا على مضمون المشكلة:
• قيام الولايات المتحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية بإلقاء قنبلة نووية على كل من مدينتي هيروشيما وناغازكي والذي أدى إلى موت عشرات ألآلاف من البشر وتشوه المواليد الجديدة وإلى تلويث المدينة والبيئة, وهاتان المدينتان ما تزالان تعانيان من جراء ذلك ويتم الاحتفال سنوياً بهما لكي يتذكر العالم تلك الجريمة البشعة والتي لم تكن ضرورية إذ كانت الحرب قد وضعت أوزارها وكان ترومان يريد تجربة القنبلة الذرية ويخيف الاتحاد السوفييتي وينتقم من اليابان انتقاماً بشعاً.
• الدور العسكري الأمريكي في الحرب الكورية ابتداءً من عام 1946 حتى عام 1954 وما نجم عن ذلك من كوارث ومحن.
• شن الحرب على فيتنام الشمالية في عام 1964 واستمرارها حتى عام 1975 التي كلفت الشعب الفيتنامي الكثير من الضحايا. واستخدمت الولايات المتحدة الأسلحة المرفوضة دوليا في تلك الحرب. وتمكنت الحركة العالمية المعادية للحرب في فيتنام وتصاعد دور الشعب الأمريكي في هذه الحركة إلى إيقافها وبدأت معها عملية توحيد الدولتين في دولة واحدة في عام 1976.
• كما يصطدم الإنسان بالموقف غير المفهوم وغير الموضوعي والظالم من جانب الولايات المتحدة إزاء إسرائيل في احتلالها للأرض العربية في فلسطين وفي مرتفعات الجولان السورية ومزارع شبعة في لبنان, إذ أن العاقبة كانت وما تزال وستبقى, ما دامت المشكلة قائمة, في غير صالح السلام ولا في صالح إسرائيل والعرب عموماً في المنطقة. فالتحيز الأمريكي المطلق إلى جانب إسرائيل لا يخدم إسرائيل ذاتها, إذ أنه ينشط القوى اليمينية المتطرفة وحكومة شارون اليمينية الشوفينية فيها, وكذلك ينشط القوى الراغبة في حل المشكلة الفلسطينية عسكرياً وعلى حساب العرب. ومثل هذه السياسة تبقي التوتر في المنطقة ولا تعالج الأمور بعقلانية, إذ أنها تحرك القوى المتطرفة والإرهابية للقيام بعمليات انتحارية في داخل إسرائيل تؤدي إلى قتل المزيد من البشر, حيث تعتبرها ردود فعل للعقوبات الجماعية وعمليات الاغتيال المتواصلة من جانب القوات الإسرائيلية لنشطاء فلسطينيين وتدمير البنى التحتية وتدمير مؤسسات الدولة الفلسطينية المرتقبة. وأخيراً بدأت إسرائيل بمحاولة جادة لاستفزاز سوريا. ففي الوقت الذي أعلنت سوريا عن عزمها على الدخول في مفاوضات من حيث انتهت وتوقفت, ترفض إسرائيل ذلك وتريد البدء بمفاوضات جديدة تماماً وتشطب على ما اتفق عليه بينهما, إضافة إلى قرارها بتوسيع مستوطناتها غير الشرعية في الجولان وزيادة عدد المستوطنين اليهود في هذه المنطقة. وهي الآن تحاول زيادة عدد اليهود القادمين على إسرائيل من فرنسا, رغم احتجاج الدولة الفرنسية على ذلك وقد وصلت طلائع اليهود الفرنسيين على إسرائيل. وتحاول إسرائيل باستمرار اقتطاع المزيد من الأراضي الفلسطينية المثبتة في قرار التقسيم الأول, ومن ذلك إقامة المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية وبناء سياج الفصل العنصري على الراضي الفلسطينية واقتطاع المزيد من الأراضي الفلسطينية.
• كما أن هذه السياسة تساهم في توتير الأجواء في المنطقة كلها وتقود إلى استمرار سباق التسلح فيها. ولن يربح منها سوى تلك الاحتكارات الصناعية العسكرية وتجار السلاح في الولايات المتحدة وفي العالم بأسره.
• وموقف الولايات المتحدة الأمريكية غير منصف وغير عادل في الموقف من القضية الكردية في منطقة الشرق الأوسط. فهي تقدم الدعم والتأييد الكامل للدولة التركية في مواقفها الظالمة والشوفينية والعنصرية إزاء الشعب الكردي وحقوقه العادلة في كردستان تركيا, اتخذت في الوقت نفسه موقفاً سليماً آخر من الشعب الكردي في العراق في فترة حكم صدام, ويأمل الإنسان أن يستمر هذا الموقف لا أن يتغير بسبب تغير الوضع في العراق وتعقيداته الراهنة.
• وفي العراق كانت الولايات المتحدة الأمريكية وعلى امتداد الفترات السابقة حتى عام 1990 تقف إلى جانب نظام صدام حسين وساندته مالياً ولوجستياً وضمنت له الدعم العسكري عبر دول أخرى خلال فترة الحرب العراقية – الإيرانية, كما شنت الحرب ضد العراق لتحرير الكويت في وقت كان بالإمكان تحرير الكويت دون تلك الحرب التي دمرت البنية التحتية للاقتصاد العراقي بشكل استثنائي, في وقت قامت بساندة النظام العراقي لضرب انتفاضة الشعب العفوية في عام 1991, ولم تحرك ساكناً لفضح نظام صدام حسين عندما استخدم الأسلحة الكيماوية ضد الشعب الكردي في حلب?ة ومجازر عمليات الأنفال في كردستان العراق, أو العمليات العسكرية ضد سكان الأهوار في جنوب العراق وتجفيف تلك الأهوار, أو التهجير القسري الجماعي لمئات الآلاف من الكرد الفيلية وعرب الجنوب والوسط من الشيعة إلى إيران. لقد كان النظام العراقي حليفاً للولايات المتحدة سنوات طويلة. وتغير هذا الموقف بعد غزو الكويت وضرب إسرائيل ببعض الصواريخ.
• ومنذ غزو الكويت في عام 1990 تعرض الشعب العراقي إلى حصار دولي فرضته الولايات المتحدة دام 13 سنة عانى منه الشعب العراقي قبل غيره, وراح ضحية ذلك ما لا يقل عن 650000 طفل, عدا عن العجزة والمرضى والمسنين الذين ماتوا بسبب قلة الأدوية والعناية الطبية. ويمكن ذكر الكثير من الحقائق بصدد العلاقة بين الولايات المتحدة وبين حكم البعث العراقي, وبشكل خاص مع صدام حسين, منذ أوائل الستينات, وبالتالي بدت المطالبة برأس صدام حسين في أواخر القرن العشرين أشبه بالدعوة إلى الانتقام وقتل عميل كان يعمل في إطار المافيا الدولية ثم خانها أو تخلى عنها لأي سبب كان!
• وكانت مواقف الولايات المتحدة المعلنة دولياً تؤكد باستمرار على تبنيها قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان. وعلينا أن نمتحن هذا الادعاء في الواقع العملي وفي منطقة الشرق الأوسط بالذات. فلو ألقينا نظرة على واقع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط على امتداد العقود الأربعة المنصرمة على الأقل لوجدنا أن علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية كانت على أحسن ما يرام مع أغلب النظم السياسية التي صادرت حقوق الإنسان ومارست الاستبداد والإرهاب والقمع والقسوة بمختلف السبل والأساليب ضد الإنسان بشكل عام وضد الإنسان المعارض بشكل خاص. والأمثلة على ذلك كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر, العلاقة مع تركيا والسعودية وإيران قبل سقوط الشاه والعراق والأردن, إضافة إلى سياسة إسرائيل ضد المعتقلين الفلسطينيين وتعريضهم للتعذيب واختطاف الآلاف منهم من الشوارع وزدهم في سجونها الموحشة. ولكن الولايات المتحدة لم تتخذ مواقف مناهضة لنظم استبدادية أخرى في المنطقة إلا بسبب تعارضها مع مصالح الولايات المتحدة بالذات وليس بسبب اضطهادها لشعوبها وتجاوزها على حقوق الإنسان. والأمثلة على ذلك إيران الراهنة وليبيا, قبل تغيير موقفها إزاء أسلحة الدمار الشامل لديها, ومن ثم العراق بعد غزوه الكويت وتهديده للمصالح النفطية الأمريكية في المنطقة....الخ.
• وعلى الصعيد الدولي يمكن متابعة سياسات ومواقف الولايات المتحدة الأمريكية غير العقلانية والمتعارضة مع سياسات الكثير من دول العالم في الموقف من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي, إذ أن سياسة الإدارة الأمريكية الراهنة بشكل خاص تسعى على إضعاف هذه المؤسسة الدولية لصالح تعظيم دور الولايات المتحدة أو جعلها أداة بيدها تنفذ سياساتها. وليس الهدف من وراء ذلك سوى فرض الهيمنة الأمريكية على العالم عبر العربدة العسكرية استخدام التهديد والوعيد والقوة والحروب الاستباقية, وهي مخاطر تهدد العالم بعدم الاستقرار والهدوء وإشاعة الفوضى في العلاقات الدولية.
• ويمكن أن نورد مثالاً آخر على دور الولايات المتحدة المخالف لرأي ورغبة شعوب العالم والكثير من الدول الأخرى, وأعني به مجال البيئة العالمية, إذ أنها ترفض الالتزام بقرارات قمة البيئة التي دعت إلى تقليص كميات إنتاج غاز ثاني أُكسيد الكاربون وغيره من الغازات الملوثة للجو والبيئة مثلاً.
• وتبرز سياساتها المخلة بمصالح الشعوب في مواقفها غير العقلانية في منظمة التجارة الدولية ورغبتها في فرض سياساتها العولمية على العالم كله دون النظر إلى مصالح الشعوب والدول الأخرى والتي أصبحت مشكلة كبيرة في العالم وبشكل خاص في البلدان النامية, أو في ما يخص مكافحة الفقر في العالم ودورها في رسم سياسة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في غير صالح البلدان النامية, باعتباره أحد الأسباب المهمة والأساسية الكامنة وراء ظاهرة الإرهاب الدولي, أو في وجود أكثر من 40 مليون إنسان تقريباً يعيشون تحت خط الفقر في الولايات المتحدة ذاتها, في وقت بلغ متوسط حصة الفرد الواحد من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة 37,600 $ أمريكي في عام 2003, وهو أعلى معدل, إذ لم يبلغه أي بلد آخر في العالم. أي أن هناك نسبة قدرها 13,8% من سكان الولايات المتحدة تعيش تحت خط الفقر المعروف دولياً في أغنى دولة في العالم وأكثرها تقدماً في مقابل وجود أكبر عدد من أصحاب المليارات والملايين فيها, وأغلب هؤلاء الفقراء من السكان الأمريكيين الذين ينحدرون من أصول أفريقية وأمريكية جنوبية وآسيوية.
• لا شك في أن تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن قد ارتكب جريمة بشعة جداً بحق الشعب الأمريكي حين وجه عناصره الراديكالية الإرهابية لضرب الولايات المتحدة بالطائرات الأمريكية المدنية التي أدت إلى موت ما مجموعه 2830 مواطنة ومواطن أمريكي وأجنبي أثارت الحزن والأسى والرعب في نفوس الأمريكيين والعالم كله, كما أن تنظيم القاعدة قام بضرب السفارات الأمريكية في دار السلام وكينيا وقتل الكثير من البشر وما يزال يهدد المسيحيين, كل المسيحيين في العالم, بالموت, كما حصل أخيراً في العراق حيث قام أتباع تنظيم القاعدة وبالتعاون الوثيق مع بعث العراق والقوى الأخرى في تفجير سيارات مفخخة قرب كنائس مسيحية في بغداد والموصل. والسؤال الذي يدور في البال يتكون من شقين: الأول: كيف نتعامل مع الإرهاب والمنظمات الإرهابية في العالم كله؟ والثاني كيف نتعامل مع المعتقلين من الجماعات الإرهابية على الصعيد الدولي أو المشتبه بأن لهم علاقات بهذه التنظيمات الإرهابية؟ لا شك في أننا نحتاج بالنسبة للسؤال الأول إلى القول بأن واجباً مشتركاً يقع على عاتق جميع شعوب وحكومات دول العالم وعلى جميع القوى الديمقراطية فيه يتلخص في ضرورة التضامن المشترك في النضال ضد التنظيمات والجماعات الإرهابية وعزلها وتصفية تنظيماتها السياسية عبر الصراع الفكري والسياسي العقلاني من جهة, وعبر مكافحة الفقر والفساد والظلم الجامح والاستبداد في العالم من جهة أخرى, إذ أن أحدهما يستكمل الثاني ويشترطه في آن, رغم أن الولايات المتحدة ترفض الشق الثاني من المسالة, وهو أمر يسيء إلى التضامن الدولي المطلوب, فإنها بالنسبة إلى الشق الأول قد سلكت سبيلاً لم يساعد على تعبئة جميع حكومات وبلدان وشعوب العالم لتقف معها في مواجهة الإرهاب, بل أرادت فرض إرادتها بالقوة على الجميع. وهو الأمر الذي أدى إلى رفض العالم له وقاد إلى المحنة التي يعاني منها العراق حالياً. إن من الحكمة أن تلعب الأمم المتحدة في الحالتين دوراً قيادياً فاعلاً ومحركاً لسياسات تساهم في تحقيق هدف مكافحة الإرهاب الدولي. أما بصدد المعتقلين من تنظيمات الإرهابيين, ومنهم جماعة القاعدة وطالبان, فأن الطريقة السليمة هي المعاملة التي تقرها الدساتير الديمقراطية وشرعة حقوق الإنسان لا غير. فالطريقة التي تتعامل الولايات المتحدة الأمريكية بها مع هذه الجماعات المعتقلة في جزيرة غوانتانامو مرفوضة دولياً ومتعارضة تماماً مع حقوق الإنسان والقوانين الدولية وتثير سخط الشعوب في سائر أرجاء العالم. وهي نموذج صارخ لتجاوز الشرعية الدولية من جانب الولايات المتحدة ولا تساعد على إعادة تأهيل هؤلاء الناس وإعادتهم إلى عائلاتهم, بل تزيد الحقد والكراهية في العالم إزاء الولايات المتحدة. يفترض أن تجري محاكمة عادلة لكل المتهمين بالعضوية في تنظيم القاعدة وأن يأخذ هؤلاء عقوبتهم المناسبة, كما يفترض أن يعمل العالم على تصفية مثل هذه التنظيمات عبر سياسات عقلانية وحوارات وليس بممارسة العنف والقوة والتصفيات الجسدية. ويفترض أن يتم ذلك وفق الأصول الإنسانية وليس كما يجري اليوم في غوانتانامو. وينطبق هذا الأمر على السجناء في العراق. ففي الوقت الذي كانت الإدارة الأمريكية تتحدث عن التجاوزات على حقوق الإنسان في ظل النظام الدكتاتوري, وكان صحيحاً ما تحدثت به, كان عليها أن تحترم ذلك ولا تمارس ذات الأساليب في التعامل مع السجناء العراقيين من أتباع النظام في سجون العراق. وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن الإدارة الأمريكية وقوات الاحتلال قد ارتكبت تجاوزات فظة وبشعة ضد السجناء في "سجن أبو غريب" قرب بغداد في عام 2003-2004, وهو الذي استنكرته جميع الدول ومنظمات حقوق الإنسان. ومع أن الإدارة الأمريكية والرئيس الأمريكي جورج بوش الابن قد اعتذر عن تلك السلوكية السادية لقواته , فأن المطلوب أكثر من ذلك بكثير. فالمطلوب هو تقديم المسئولين الفعليين, وليس المنفذين فقط, إلى المحاكمة, وأعني بذلك أولئك الذين يجلسون في البنتاغون والشرطة الأمريكية والشركات الخاصة التي كلفت بالتحقيق مع السجناء وأصدروا لهم التعليمات والأوامر بممارسة التعذيب لانتزاع الاعترافات.
• كما يمكن الإشارة هنا إلى موقف الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي ومحاولاتها فرض إرادتها على العالم كله من خلال التجاوز على قرارات مجلس الأمن الدولي, بما في ذلك الحرب ضد النظام العراقي الدموي أو رفض إسرائيل تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي أو المطالبة بنزع أسلحة الدمار الشامل في الدول العربية وغيرها من دول الشرق الأوسط, وهو أمر صحيح طبعاً, ولكنها تسكت كلية عن وجود أسلحة الدمار الشامل بكل أنواعها في إسرائيل, ورفض الأخيرة حتى التوقيع على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية أو إخضاع إسرائيل للرقابة الدولية من جانب المنظمة الدولية التابعة للأمم المتحدة المتخصصة بهذا الشأن.
• إن سياسات اللبرالية الجديدة التي يمارسها المحافظون الجدد في الوقت الحاضر هي أكثر السياسات الأمريكية تطرفاً في مجالات الاقتصاد والعلاقات الدولية والممارسات العسكرية من جهة, وأكثرها ربطاً بين الإيديولوجية الرأسمالية الراديكالية, أيديولوجية اللبرالية الجديدة, والأيديولوجية الدينية المتعصبة من جهة أخرى, وهي التي تسمح لرئيس الولايات المتحدة الحالي بالحديث بلغة تميزه عن بقية رؤساء الولايات المتحدة السابقين في هذا الصدد, إذ يبدو وكأنه يقوم بأداء "رسالة إلهية" خاصة في المجتمع البشري, وهي سياسة مرفوضة ومدانة دولياً. ولم يكن الرئيس الأمريكي طبيعياً عندما تحدث في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 عن بدء الحرب الصليبية مجدداً بالنسبة إلى بلاده. إن قادة الولايات المتحدة الجدد يؤمنون بممارسة التهديد وفرض الحصار الاقتصادي والمقاطعة الاقتصادية والعقوبات المختلفة واستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافهم في الهيمنة على العالم وفرض إرادتهم ومصالحهم ونموذجهم على بلدان العالم كلها, وهو أمر لا يمكن حصوله مهما بلغت الولايات المتحدة من قوة وجهد, إذ ستكون النتيجة هي الفشل والمزيد من الفوضى وعدم الاستقرار في هذا العالم الصغير.
• وأخيراً وليس أخراً تقوم الولايات المتحدة بالهجوم على الحريات الفردية والديمقراطية في الولايات المتحدة بإصدارها قوانين وإجراءات تحد من الحقوق المشروعة للمواطن الأمريكي بحجة حمايته من الإرهاب, وهي بذلك تتجاوز على الدستور الأمريكي وعلى السكان الأمريكيين, وخاصة على الآسيويين والمسلمين والعرب. وهي تثير غضب هذا القسم من الشعب الأمريكي وتثير غضب الآخرين الذين يجدون في ذلك إخلالاً بالعقد الاجتماعي الأمريكي. وتصاعدت موجات الاحتجاج على هذه السياسة في الآونة الأخيرة في الولايات المتحدة ذاتها وفي خارجها, وهو أمر إيجابي طبعاً, إذ لعلها تستطيع كسر هذه الموجة اليمينية المحافظة الصارمة التي تقترب في طبيعتها من سياسات مكارثي السيئة الصيت من حيث المضمون والأساليب والأدوات التي يراد ممارستها في الولايات المتحدة والتي يمكن أن تمارس خارجها أيضاً.
إن المشكلة الكبيرة, كما أرى, لا تكمن في شعوب العالم, بل في السياسة الأمريكية التي تراهن على التهديد والحصار الاقتصادي والحرب الوقائية أو الإستباقية لحل المعضلات الدولية والإقليمية, وليس إلى التفاوض بآليات ديمقراطية دولية والتعاون الدولي والنزوع إلى السلم. وهو الذي خلق لها مشكلات مع الدول الحليفة في أوروبا الغربية وفي الحلف الأطلسي ومجلس الأمن الدولي. وقد أصبحت هذه النقطة الحساسة والمهمة دولياً نقطة خلاف في الحملات الانتخابية لكل من جون كيري, مرشح الديمقراطيين, وبوش الابن, مرشح الجمهوريين. وتزداد الكفة رجحاناً لصالح كيري تدريجاً, كما تشير إلى ذلك استطلاعات الرأي العام الأمريكي.
إن إسقاط النظام العراقي من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا في حرب 19/3/ - 9/4/2003 أنقذ الشعب العراقي من دكتاتور وجلاد وقاتل شرس, ولكن عدم اتخاذ الترتيبات الضرورية لمواجهة الفترة ما بعد الانتصار في الحرب وتأمين تمشية النشاط الاقتصادي وأجهزة الدولة المختلفة, وعدم تسليم السلطة مباشرة إلى قوى المعارضة العراقية وترك الحدود مفتوحة لشهور طويلة والسماح بحدوث عمليات نهب وسلب كبيرة جداً وكذا المتاحف العراقية والوزارات, والمشاركة الفعالة والريادية في بتدمير واسع وكامل للدولة العراقية وأجهزتهاً وليس النظام وحده, في ما عدا جهاز وزارة النفط, والتباطؤ في معالجة المشكلات القائمة, عقد الوضع في العراق وفسح في المجال لنشوء الحالة الراهنة التي يعيش في ظلها الشعب. فالموت لم ينقطع طيلة الفترة المنصرمة وفي الجانبين ويشمل عدداً كبيراً من الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال. وتوجه القتل منذ فترة صوب جهاز الشرطة الجديد والمتطوعين له وضد المدنيين, وأخيراً شمل الكنائس المسيحية وسيمتد إلى كل مكان ما لم تتخذ الإجراءات الصارمة والسريعة لإيقافه. إن من واجب الشعب وقواه السياسية العمل المكثف من أجل إيقاف نزيف الدم والتعبئة العامة لمعالجة هذه المشكلة. ويفترض أن نبدأ بعملية مصالحة وطنية حقيقية واسعة لا تعني بأي حال الكف عن مكافحة المتهمين بإبادة الجنس البشري والعنصرية وبناة المقابر الجماعية من مسئولي النظام المخلوع. ولكن الجمهرة الواسعة من الناس ممن فرضت عليهم العضوية في حزب البعث أو الذين استنكروا منذ وقت طويل جرائم قيادتهم ينبغي أن تجد مواقعها المناسبة في المجتمع, وليس بالضرورة في المواقع القيادية.
إن التغيير الذي يفترض أن يحصل من أجل تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وشعوب العالم ودولها المختلفة يفترض أن ينطلق من الولايات المتحدة ذاتها, من الإدارة الأمريكية مباشرة. إذ في مقدورها ممارسة دور طليعي في إطار الأمم المتحدة وفي إطار ما يطلق عليه بالشرعية الدولية, والعمل من أجل مكافحة تفاقم عملية إفقار شعوب البلدان النامية والفئات الكادحة في البلدان الصناعية المتقدمة, ووقف عمليات التسلح وإنتاج المزيد من الأجيال الجديدة لأسلحة الدمار الشامل ومختلف الأسلحة الدفاعية الأكثر حداثة وتخزينها في مواقع مختلفة من العالم, وكأن العالم مقبل على حرب عالمية جديدة. إنها يمكن أن من واجب الولايات المتحدة الأمريكية أن تتعامل مع جميع بلدان العالم وفق أسس جديدة تضمن الشرعية الدولية حقاً, ولكن ليس من منطلق القوة والهيمنة على البلدان الأخرى, فالعولمة, كعملية موضوعية لا مناص منها لا تعني الهيمنة, بل السياسة العولمية التي تمارسها الولايات المتحدة وبعض الدول الرأسمالية المتقدمة هي التي تعني الهيمنة على العالم والتحكم بسياساته واقتصادياته ومصائره وتجعل الكثير من الشعوب والدول تخشى هذه العملية الموضوعية وتسعى للابتعاد عنها.
إن الشرق الأوسط بحاجة إلى تغيير جذري كامل, ويمكن أن يتحقق ذلك, ويمكن للولايات المتحدة أن تلعب هذا الدور تماماً شريطة أن تتخذ سياسات تؤدي إلى هذه النتيجة وليس العكس من ذلك. فالموقف السليم من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني والصراع السوري اللبناني – الإسرائيلي, والموقف الصارم في إطار الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من جميع التجاوزات على حقوق الإنسان في كل الدول العربية دون استثناء ومن أسلحة الدمار الشامل في المنطقة بأسرها, وشجب النظم الاستبدادية وعدم تقديم الدعم لها واحتضانها, كما جرى ويجري حتى الآن عبر مساومات في غير صالح الشعوب, هي التي تساعد على إعادة الثقة بالولايات المتحدة الأمريكية. ولا يبدو لي بأن هذه الوجهة, كما تشير إلى ذلك الكثير من الدلائل, ممكنة في ظل الإدارة الحالية. فآخر إجراء قررته هو إرسال ما يقرب من 3000 موظف أمريكي إلى العراق ليعملوا في السفارة الأمريكية في بغداد, بعد صدور قرار رسمي عن مجلس الأمن الدولي قضى بإلغاء قرار الاحتلال وإعادة الاستقلال والسيادة للبلاد وانتهاء عمل الحاكم المدني الأمريكي العام بالعراق وسحبه وتعيين نغروبونتي مكانه سفيراً لبلاده في العراق, في وقت تمتلك حتى الآن أكثر من 150 ألف جندي وضابط وموظف ومستخدم في العراق, فهل تريد تحويل العراق إلى ولاية أمريكية, أم أنه ما يزال يسعى إلى استعادة سيادته الوطنية واستقلاله الحقيقي وليس الرسمي فقط؟ إن تقديم الدعم للعراق يمكن أن يتم بطرق كثيرة وليس عبر عدد الموظفين أو عبر اتفاقيات تفرض على الحكومة العراقية, بما في ذلك احتمال إقامة قواعد عسكرية أمريكية في أنحاء مختلفة من العراق, إذ أن هذا غير مطلوب وغير مرغوب فيه وغير مقبول أصلاً. ولكن يمكن ضمان التطور الديمقراطي وبعيدا عن الراديكالية والإرهاب عندما يمكن عقد اتفاقية أمن مشتركة لكل بلدان منطقة الشرق الأوسط وعبر الأمم المتحدة, وعندما يكون للعراق نظام جمهوري ديمقراطي فيدرالي ومدني حديث وعندما يتمتع أفراد المجتمع بالحرية الفردية وبالحياة الديمقراطية. عن ذاك سوف لن يصدر عن العراق أي خطر يهدد الجيران ودول المنطقة بأي حال, وهو ما نتطلع إليه.
ليس هناك من يكره الولايات المتحدة ومن يحبها بصورة مجردة, بل الكل يشعرون باحترام للشعب الأمريكي وللدولة الأمريكية, ولكن هناك رفض لسياسات معينة تمارسها الإدارة الأمريكية في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط والعالم, هي التي تثير الناس في هذه المنطقة وغيرها من العالم, وهي حصيلة تراكمات أيضاً لا يمكن إزالتها بسرعة, كما لا يمكن إزالتها دون تغييرات حقيقية في تلك السياسات.
من هنا يتبين للقارئة والقارئ بأن الحديث الطائش عن نزوعي نحو سياسة الولايات المتحدة أو تأييدها مجرد تصورات تقوم في مخيلة البعض من الناس الذين لم يطلعوا على كتاباتي ولم يتعرفوا على مواقفي بشكل عام. ومثل هذه الاتهامات تقع ضمن ترديد البعض لأقوال آخرين دون أن يدركوا الخطأ الذي يرتكبونه أو أنه لا يبتعد عن أن يكون ضمن ما يسمى بالأحكام المسبقة غير الواقعية وغير الواعية.
04/08/2004 كاظم حبيب



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تَبَّاً لكل المجرمين القتلة, تَبَاً لكل أعداء الشعب العراقي! ...
- هل نحن بحاجة إلى دونكيشوت عراقي يا سيدنه الصدر؟
- ألا يمكن لهذا للشعب المستباح أن يقف سداً منيعاً بوجه قتلة ال ...
- أهكذا تورد الإبل يا سيدي وزير الدفاع ؟
- حوار مع السيد إحسان خ. الراوي من 3 الى 6
- حوار مع السيد إحسان خ. الراوي 1-6 & 2-6
- كيف يفترض أن نتعامل مع الهيئة الوطنية لاجتثاث البعث؟
- هل القتلة بيننا ؟
- هل من مستقبل لقوى الإرهاب والقتل في العراق؟
- هل القوى السياسية العراقية قادرة ومؤهلة لتأمين المسيرة الديم ...
- هل القوى السياسية العراقي قادرة ومؤهلة لتأمين المسيرة الديمق ...
- متى يتعامل الحكام والقوميون العرب بحس حر وديمقراطي إنساني إز ...
- حوار في مطعم حول الأوضاع في العراق
- ما العمل من أجل إنجاز المهمة الأمنية وإعادة الطمأنينة للمجتم ...
- نحو محاكمة عادلة لصدام وأعوانه في العراق
- هل مسموح به ارتكاب أخطأ جديدة في تقدير إمكانيات عدوانية العد ...
- ذكريات مُرّة في ضيافة التحقيات الجنائية في العهد الملكي·! -ف ...
- الحلقة الخامسة- المهمات الخاصة بمرحلة الانتقال 5-5 مهمات بنا ...
- المهمات الخاصة بمرحلة الانتقال - الحلقة الرابعة
- المهمات الخاصة بمرحلة الانتقال - الحلقة الثانية


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل فلسطينيين اثنين في جنين بعد مهاجم ...
- رئيسي يندد بالعقوبات الغربية المفروضة
- إزالة 37 مليون طن من الحطام المليء بالقنابل في غزة قد تستغرق ...
- توسع الاتحاد الأوروبي - هل يستطيع التكتل استيعاب دول الكتلة ...
- الحوثيون يعرضون مشاهد من إسقاط طائرة أمريكية من نوع -MQ9-.. ...
- -الغارديان-: أوكرانيا تواجه صعوبات متزايدة في تعبئة جيشها
- هجوم صاروخي من لبنان يستهدف مناطق في الجليل الأعلى شمال إسرا ...
- السيسي يوجه رسالة للعرب حول فلسطين
- الأمن المصري يضبط مغارة -علي بابا- بحوزة مواطن
- نائب نصر الله لوزير الدفاع الإسرائيلي: بالحرب لن تعيدوا سكان ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - ما هو موقفي إزاء المسألة القومية ومنها المسألة الكردية ومن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية ؟