أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - حوار مع السيد إحسان خ. الراوي 1-6 & 2-6















المزيد.....


حوار مع السيد إحسان خ. الراوي 1-6 & 2-6


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 908 - 2004 / 7 / 28 - 12:56
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


حوار مع السيد إحسان خ. الراوي 1-6

نشر موقع الحوار المتمدن على الإنترنيت بتاريخ 25/07/2004 رسالة مفتوحة موجهة لي من السيد الفاضل إحسان خ.الراوي تحت عنوان "مداخلة حول موضوعات للحوار حول مسألة كركوك .. للدكتور كاظم حبيب". وفي الحلقات الست المتتابعة محاولة للإجابة عن الأسئلة التي وجهها الأخ الفاضل, كما أنها ستكون موجهة إلى كل من تدور في خلده مثل هذه الأسئلة والملاحظات.
يسعدني جداً أن يدور الحوار بين العراقيات والعراقيين حول مختلف القضايا المطروحة على الساحة العراقية والتي تواجه المجتمع بكل قومياته, خاصة وأني قد طرحت تلك الأفكار حول كركوك للحوار أساساً. وقد وجدت أن مداخلة الأخ الراوي تصب في هذا الاتجاه الحواري الذي أنشده لتبادل وجهات النظر بهدف الوصول إلى رؤية مدققة حول القضايا التي نعاني منها في العراق وبهدف تحديد نقاط الخلاف عند الاختلاف. سأحاول فيما يلي تناول مجموعة من المسائل المبدئية التي تمس جوهر الأمور المثارة والمختلف عليها كما يبدو من مداخلة السيد الراوي, ثم أتناول القضايا الملموسة والجزئية المطروحة أيضاً.
الحلقة الأولى (1-6)
هل أخطأ الحزب الشيوعي في تحالفه مع البعث الحاكم في عام 1973؟

أول ملاحظة كتبها السيد الراوي لا تتعلق بقضية كركوك, بل تتعلق بذكرياته عن عام 1973 وما كانت تنشره طريق الشعب حول الجبهة الوطنية والقومية التقدمية التي تشكلت في حينها ومن ثم الهجمة العدوانية الشرسة والهمجية التي شنها حزب البعث ضد الحزب الشيوعي العراقية قاعدة ومؤيدين وأصدقاء وقيادات وديمقراطيين في مختلف المحافظات العراقية. وهو في ملاحظته السريعة المهذبة والمجاملة لا يريد أن يوجه النقد المباشر, بل يفترض أن يقرأ العراقي ما بين سطور ما كتبه. ولكن النقد المهذب والبناء يفترض أن يكون صريحاً, واضحاً, شفافاً وبناء في آن, خاصة ونحن نبحث في تاريخ مضى وانقضى وعلينا الاستفادة من خبرته ودروسه للمستقبل.
كنت عضواً في لجنة ثلاثية شكلتها قيادة الحزب الشيوعي العراقي في عام 1981 لتدرس وتقيم تجربة الحزب في التحالف مع البعث الحاكم في عام 1973. وقد أعدت هذه اللجنة التقديم المطلوب الذي عرض على اللجنة المركزية التي ناقشته وأجرت عليه التعديلات وقدمته إلى مؤتمر الحزب الرابع في الذي عقد في الفترة الواقعة بين 10-15 تشرين الثاني/نوفمبر 1985 في كردستان العراق. وقد اقر المؤتمر تلك الوثيقة بعد إدخال تعديلات عليها.
كانت مطالبة قاعدة وكوادر الحزب الشيوعي واسعة وجادة في مطالبتها لقيادة الحزب بتقديم تلك الدراسة التقييمية لهذه التجربة بما يساعد على تجنب ارتكاب الأخطاء المماثلة لاحقاً. من نافل القول أن أقول بأني غير مخول ولا حق لي في الحديث باسم الحزب الشيوعي العراقي, كما أنه ليس من واجبي ذلك, ولكن بما أني عشت هذه التجربة وكنت في قيادة الحزب ومشاركاً في أحداث تلك الفترة واشعر بمسئولية كاملة عن مشاركتي في رسم سياسة الحزب وفي الأخطاء التي ارتكبت في تلك الفترة, سيكون في مقدوري, كما أرى, الإدلاء بدلوي باعتبارها وجهة نظر شخصية تستند إلى وثائق تاريخية صادرة عن الحزب الشيوعي العراقي أو اجتهادات خاصة بي. وسوف لن يكن أي خلط بينه وجهتي النظر.
انتقد الحزب تلك التجربة المريرة, سواء بطريقة إقامة التحالف أم بالأسلوب الذي تعامل به مع حزب البعث وقياداته وحكم البعث والسياسات التي مارسها في حينها إزاء الكثير من القضايا التي كانت مثارة حينذاك, بما في ذلك موقف القاعدة الحزبية والجماهير المحيطة بالحزب ومسالة استقلالية سياسات الحزب ومواقفه. قسم التقييم الفترة الواقعة بين 1968-1978/1979 إلى ثلاث مراحل درس كل منها على انفراد ولخص تجربتها ثم لخص تجربة الفترة كلها. ولا شك في أن التحالف الذي تم بين الحزبين منح الحكم في العراق شيئاً من القبول على صعيد الحركة الوطنية العربية وحركة التحرر الوطني والأحزاب الشيوعية والقوى اليسارية ومن ثم الدول الاشتراكية وأحزابها الشيوعية, ولا شك عندي في أن هذا التحالف الحزبي وعلى مستوى الحكومة خلق ثقة غير مبررة وخادعة بحزب البعث الصدّامي القومي الشوفيني الذي ارتكب جرائم انقلاب شباط الدموي عام 1963 ونفذ جرائم غير قليلة في عام 1970/1971 ضد تنظيمات الحزب الشيوعي. ولا شك في أن الحزب لم يكن موحداً في الموقف من حزب البعث ومن التحالف والمشاركة في الحكم, ولكن العالبية في القيادة كانت إلى جانب ذلك. وكانت القاعدة الحزبية بشكل خاص هي الأكثر نقداً لسياسة الحزب وامتعاضاً منها من القيادة والكوادر.
أصبح الحزب الشيوعي ضحية سياسته التحالفية وتعرض لعواقب السياسة الخاطئة التي ارتكبتها قيادة الحزب, وأنا منها, في إقامة ذلك التحالف البائس والثانوي مع حزب البعث الحاكم. وتعرض عشرات الألوف من الشيوعيين وأصدقاء الحزب والديمقراطيين إلى ممارسة سياسة عدوانية شرسة من جانب حزب البعث, إذ مرّ عشرات الألوف من أعضاء وكوادر الحزب والمؤيدين والديمقراطيين على أجهزة الأمن والاستخبارات والمخابرات العراقية خلال الفترة الواقعة بين نهاية 1976-1982 بشكل خاص وبما بعدها أيضاً. وتم تعذيب وقتل الآلاف منهم في سجون ومعتقلات النظام. وكنت أحد ضحايا النظام سواء عبر الاعتقال والتعذيب أم الإحالة على التقاعد بدرجتين أقل وإحالتي إلى محكمة الثورة بتهمة إهانة الثورة وقيادتها في المقالات التي كتبتها في حينها وفي مناقشاتي الصريحة والنقدية لسياسة البعث والحكم مع الدكتاتور صدام حسين من على منصة المؤتمرات الزراعية وجمعية الاقتصاديين والتي نقلت كلها من على شاشة التلفزيون بسبب مشاركة صدام حسين في تلك المؤتمرات والندوات, إضافة إلى هجومي الشرس والعادل على قيادة البعث والحكم بسبب قتلها 34 شخصاً من الشيوعيين والديمقراطيين ممن كانوا في الخدمة العسكرية في نقاشاتي مع قادة هذا الحزب الحاكم, مثل عزت الدوري وطاهر العاني, مسئول بغداد حينذاك وحسن العامري وآخرين غيرهم. وقد اتهمت في اجتماع اللجنة المركزية في الشهر الذي أعدم فيه هؤلاء الأشخاص بممارسة سياسة فاشية في العراق.
خلال مشاركة الحزب الشيوعي في التحالف والحكم بذل مجهودات لنقد سياسة البعث في لقاءات الجبهة وفي صحافة الحزب بقدر معين, وطرح ملاحظات نقدية في مناقشات الحزب الداخلية. وكل ذلك لم ينفع في ردع الحزب الحاكم عن غيه الذي كان قد صمم عليه منذ المؤتمر القطر الثامن وتبلور في عام 1976, في أعقاب المؤتمر الوطني الثالث للحزب وبدأوا بممارسته بشكل متواصل ومنظم منذ الربع الأخير من عام 1976. وأبرز الإجراءات التي بدا البعث بتنفيذها تتلخص فيما يلي:
1. نشر بيانات كاذبة بأسماء مختلفة من قبل أجهزة الأمن المختصة لتشويه مواقف الحزب الشيوعي العراقي, وبدا الحملة الشعواء ميشيل عفلق حين نشر مقالاً في مجلة "آفاق عربية" تحدث فيهً عن الحركة الطلابية وهاجم الحزب الشيوعي العراقي بوقاحة بالغة, فيما بعد تم تكليف مجلة الراصد لصاحبها مصطفى الفكيكي بنشر مقال بائس وسيئ ضد الحزب الشيوعي العراقي كانت تهدف إلى تشويه مواقف وسياسات الحزب الشيوعي على الصعيدين الداخلي والعربي والخارجي, إضافة على بث السموم ضد الحزب على الساحة الدولية. وكان مقال عفلق والبيانات موضع نقاش بيني وبين صدام حسين في خريف عام 1976 في المؤتمر الزراعي وجرت إدانة صريحة مني لموقف عفلق والتي ابتلعها صدام حسين في حينها ولكنه انتقم لها في عام 1978 حين اعتقلت وعذبت في مديرية الأمن العامة.
2. شن حملة اعتقالات متواصلة ضد الشيوعيين وأصدقاء الحزب في مختلف المحافظات العراقية بدأت من الأطراف وصولاً إلى العاصمة بغداد وتعريضهم لأبشع أشكال التعذيب في محاول لإسقاطهم سياسياً وإبعادهم عن الحزب الشيوعي أو كسبهم إلى حزب البعث. وشملت الحملة اعتقال بعض قادة الحزب الشيوعي العراقي ومنهم السياسي والصحفي البارز فخري كريم وعادل حبة وكاظم حبيب, كما تم اعتقال ماجد عبد الرضا قبل سقوطه السياسي في وحل النظام الاستبدادي.
3. تسريب أكبر قدر ممكن من البعثيين ومن رجال الأمن إلى صفوف الحزب الشيوعي من خلال ترحيلهم عبر عناصر مرتدة أو تحولت إلى حصان طروادة داخل الحزب الشيوعي. وكانت تهدف إلى تحطيم الحزب من داخله أيضاًً.
1. اغتيال المزيد من الشيوعيين في الشوارع وعبر الدهس بالسيارات أو بأساليب أخرى.
2. تجميد فعلي لعمل الجبهة التي كانت مقامة وإهمال رأي ومواقف الحزب الشيوعي العراقي بالكامل.
3. اتخاذ قرار بتصفية الحزب الشيوعي العراقي وتدمير هيئاته التنظيمية وقياداته وقواعده في كل أنحاء العراق. ما تزال في ذاكرتي تلك الزيارة التي قام بها الصديقان الفاضلان الدكتور الراحل أحمد مراد والدكتور إبراهيم سعد الدين في المجلس الزراعي الأعلى. وقد اضطررنا على الخروج وتناول الغداء خشية وجود أجهزة التجسس والإنصات في الغرفة. كان الأول وزيرا سابقاً للاقتصاد في وزارة السيد يوسف زعين في سوريا, ثم أستاذاً في الاقتصاد في المعهد العربي للتخطيط في الكويت وزميلاً لي في الدراسة الأكاديمية في كلية الاقتصاد ببرلين, وكان الثاني, الذي ما يزال حياً وأتمنى له العمر المديد والعطاء المستمر, مديراً للمعهد الاشتراكي في القاهرة في زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ولاحقاً أستاذاً للاقتصاد في المعهد العربي للتخطيط في الكويت. وأثناء الغداء أعلماني بقرار حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق بتصفية مواقع الحزب الشيوعي العراقي وإنهاء التحالف معه وتدميره وإنهاء دوره في الحياة السياسية العراقية. وقد نقلت ذلك في حينها إلى المكتب السياسي للحزب. كما نقل فيما بعد أيضاً الأستاذ غسان مرهون, وهو بعثي معروف واقتصادي وأخ عزيز, وكان جاراً لي في بغداد, إلى الصديق والدكتور الراحل صباح الدرة, ضحية البعث الحاكم لاحقاً, إلى أن على الشيوعيين البارزين مغادرة العراق, إذ أن حزبهم قد قرر تصفية الشيوعيين وإنهاء التحالف مع الحزب الشيوعي, وهو يخشى على هذه المجموعة الطيبة والمثقفة التي يعرفها أن تصبح ضحية لمثل هذا القرار السيئ. ومن المعروف أن السيد غسان مرهون حكم عليه بالحبس 13 سنة بتهمة التعاون والتآمر على البعث الحاكم وصدام حسين في عام 1979 مع مجموعة عدنا الحمداني ومحمد عايش والآخرين.
إن القراءة المتأنية للتقييم بعد مرور ما يقرب من عشرين عاماً على إقراره أجد بأنه كان على المؤتمر الوطني الرابع أن يكون أكثر جرأة في انتقاد الذات وأكثر حرصاً على التعمق في دراسة تلك التجربة للخروج بما يؤكد خطأ التحالف مع حزب البعث أساساً وفق الظروف التي كان يعيشها الحزب وخاصة بعد ضربة 1970/1971 التي قصمت ظهر الحزب. ويبدو لي بوضوح بأنه كان على كل من أعضاء القيادة, وأنا منهم, أن تكون أكثر جرأة في انتقاد الذات والسيسات الخاطئة التي رسمناها في حينها, بما في ذلك الوهم بإمكانية تطور العراق "لا رأسمالياً" أو الشعار الذي طرحته سكرتارية الحزب حينذاك ووضع في خيمة المؤتمر الثالث والقائل ما معناه "سوية ومعاً نحو بناء الاشتراكية", أي مع البعث!
لا شك في أن العواقب السلبية لم تقتصر على الحزب الشيوعي العراقي بل شملت المجتمع بأسره. ولم يكن ما حصل نتيجة تحالف الحزب الشيوعي العراقي, بل بسبب طبيعة السياسة القذرة والعدوانية التي بدأ بها ومارسها حزب البعث طيلة حكمه. ومع ذلك فقد بادرت قيادة الحزب إلى انتقاد نفسها وقررت حمل السلاح للنضال الأنصاري مع بقية الأحزاب والقوى الديمقراطية الكردية وغيرها في كردستان العراق ضد النظام, وكان لي مع الآلاف من الشيوعيين والديمقراطيين شرف المشاركة في هذا النضال, وكانت للحزب الشيوعي قوى أخرى في الوسط والجنوب والأهوار كانت تناضل بنفس الطريقة ضد النظام. ولهذا فمن حق الأخ الفاضل أن ينتقد بصراحة ودون تردد وسيجد من الحزب الشيوعي, كما أعتقد, أذاناً صاغية بهذا الصدد. ولو كان قد وجه النقد لي شخصياً حول هذه الفترة لقبلته أيضاً, إذ أني نشرت نقداً ذاتياً في هذا الصدد في كتابين لي هما "ساعة الحقيقة: مستقبل العراق بين النظام والمعارضة" صدر في عام 1995, وكتاب "المأساة والمهزلة في عراق اليوم" وصدر في عام 2000.
أقترح على الأخ الكريم أن يعود إلى وثائق الحزب الشيوعي العراقي ليقرأ فيها النقد التفصيلي الذي وجهه الحزب لنفسه, وخاصة لقيادته حول فترة التحالف مع حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق.
ولا شك في أن بعض الأحزاب الأخرى قد ارتكبت أخطاء غير قليلة في هذه الفترة والتي من واجبها مراجعة تلك الفترة وتقييمها بصورة عقلانية بما ينفع الفترة الراهنة, علماً بأن البعض قد مارس النقد الذاتي أيضاً.
برلين في 25/07/2004


************************************

حوار مع السيد إحسان خ. الراوي 2-6

ماذا أعني بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه؟
يشير الأستاذ إحسان الراوي إلى أنه قرأ مقالتي بروح المثقف الديمقراطي. وأود هنا أن أشير إلى رؤيتي لكيفية قراءته لمقالتي حول مسألة كركوك. لقد قرأ المقالة وناقشني بأدب جم وهو ما أقيمه فيه وأعتقد بأن هذه الطريقة هي الأكثر جدوى في الحوار, ولكنه قرأ مقالتي لا بروح المثقف الديمقراطي, بل بروحية المثقف القومي العربي الذي لم يتخلص من رواسب معينة. وستتوضح له المواقع التي ينطلق منها في مناقشته لأفكاري بهذا الصدد. وابتداء أود أن أؤكد, لكي لا يبقى أي غموض في هذا الصدد, بأني أنطلق من مواقع الفكر الماركسي, واستناداً إلى نهج المادية الجدلية والمادية التاريخية في دراستي وتحليلي واستخلاصي للقناعات والاستنتاجات, وهذا لا يحميني من الوقوع في الخطأً عند التحليل, ولهذا لا أدعي بأي حال امتلاك الحقيقة في ما أقول, ولهذا أطرح هذه الأفكار والملاحظات للنقاش, علماً بأني مقتنع بها وإلا لما طرحتها اساساً.
يشكل الشعب الكردي في العراق جزء من الأمة الكردية الموزعة على أربع دول منذ نهاية الحرب العالمية الأولى, وهي العراق وسوريا وتركيا وإيران. ومن حق هذه الأمة, التي يصل تعدادها بين 25-27 مليون إنسان أو يزيد, أن تتوحد في يوم من الأيام في دولة واحدة. فهي كسائر الأمم, ومنها الأمة العربية , تطمح إلى الوحدة وإقامة دولتها القومية الوطنية الموحدة والمستقلة, وليس في هذا الموقف أي خلل, بل هو أمر طبيعي ومن ينكر أو يتنكر لهذا الحق يتحول, وفق رؤيتي للأمور, إلى قومي شوفيني يريد لنفسه ما لا يريده لغيره.
والشعب الكردي يعيش في هذه المنطقة التي هو فيها الآن وموزع على دول أربع منذ ألاف السنين, إنها المنطقة التي تدعى منذ سنوات طويلة بكردستان. وفي العراق يعيش الشعب الكردي في إقليم نطلق عليه إقليم كردستان العراق وتعيش معه قوميات أخرى لها تاريخ وتراث قديم أيضاً في العراق وهم الكلدان والآشوريون. كما تقطن في المنطقة ذاتها ومنذ مئات السنين قومية أخرى هي القومية التركمانية, أي منذ بدء هجرة التركمان إلى العراق في العهد العباسي بشكل خاص, كما تعيش قلة قليلة من العرب في كركوك فقط.
يحق لهذا الشعب, وفق حقوق القوميات المشروعة دولياً ووفق رؤيتي للمسألة أن يقرر مصيره بنفسه بكل حرية ودون أي تدخل من قوميات أو دول أخرى. أي من حقه من حيث المبدأ أن يقرر الانفصال وإقامة دولته الوطنية المستقلة على ارض كردستان التي هي الآن ضمن الدولة العراقية. وهذا الحق لا يمكن لأي إنسان أن يحرمه أو ينتزعه منه, فهو حق ثابت. وقد كنت واضحاً في مقالات ودراسات وكتب صدرت لي شرحت فيها وجهة نظري ليس اليوم وليس بالأمس بل منذ سنوات كثيرة, ولهذا لست ممن يقول "ولا تقربوا الصلاة..." ويسكت عن الباقي, وأنتم سكارى", بل قلت أن هذا الحق يتسع ليشمل حق الشعب الكردي في الانفصال وإقامة الدولة الوطنية المستقلة عن القسم العربي من العراق.
وعندما نقول من حق الشعب الكردي أن يقرر مصيره بنفسه لا يعني بأي حال أن يشارك العرب في هذا التصويت, إذ عندها يسلب هذا الحق أصلاً, ولكن من حق العرب في العراق أن يصوتوا أيضاً الانفصال عن كردستان وتكوين الدولة العربية المستقلة على أرض وادي الرافدين, ولم يمنعنا أحد من تنفيذ هذا الحق. وفي هذه الحالة لا يحق للكرد أن يصوتوا ضد حقنا في الانفصال إن شئنا ذلك. فالحق في تقرير المصير هنا يرتبط بالشعب الكردي, إذ أن الحديث يجري عنه وليس عن غيره من الشعوب. وهو حق لا يقبل المساومة أو المزايدة أو الانتقاص منهو سواء أكان هذا الحق للعرب أم للكرد.
والشعب الكردي في كردستان العراق ومعه قوميات تقطن المنطقة ذاتها, قرر في عام 1992 أن يقيم فيدرالية كردستانية تكون جزء من الجمهورية العراقية, رغم أن الحكم المركزي في العراق كان قد ارتكب أبشع الجرائم بحق الشعب الكردي والقوميات الأخرى. وعلينا أن نحترم هذا القرار ونقره ونتفاعل معه لصالح الوحدة الوطنية العراقية المنشودة. لم يصدر هذا القرار عن المجلس الوطني الكردستاني مجاملة للعرب ولا خوفاً من صدام حسين واستبداده, بل قناعة بأهمية وضرورة مثل هذا الحل لصالح الشعبين والشعوب القاطنة في العراق بإقليميه الكردستاني ووادي الرافدين. آخذين بنظر الاعتبار كل المشكلات التي تحيط بالمنطقة والإقليم والواقع الجيو-سياسي الراهن للمنطقة وأهمية ذلك للحركة الديمقراطية العراقية.
ومن هنا يمكن للقارئة والقارئ أن يلمسا بأني واضح كل الوضوح, وليس في ما أقول أو أكتب أي فضل أتفضل به على الشعب الكردي أو مجامله له فليس في مثل هذه الأمور مجاملات أو أفضال, كما أن ليس فيه أي غمط أو إساءة للشعب العربي الذي أنا منه, بل هو الموقف الذي يستند إلى مبادئ وقيم لا يمكنني ولا أنوي ولا أرغب الخروج عنها أو عليها, بل سأبقى أدافع عنها ما بقيت حياً.
يصعب عليّ فهم وهضم الموقف الذي تتخذه جماعات قومية عربية من القضية الكردية وليس كل القوميين بالضرورة. فالعرب, وأنا منهم, نناضل من أجل الوحدة القومية ومن أجل إقامة دولة ديمقراطية موحدة قائمة على أسس الدستور الديمقراطي الحديث ودولة التقدم الاجتماعي والثقافي والحياة الحرة والكريمة, أي تضم جميع الدول أو المناطق التي هي عربية فعلاً. وهذا حق مشروع لنا نحن العرب. وشجبت موقف صدام حسين عندما غزا الكويت باعتباره اعتداء صارخاً على قضية الوحدة العربية التي يفترض أن تتحقق وفق الأساليب الديمقراطية والطوعية للشعوب العربية الموزعة على مجموعة كبيرة من الدول. علماً بأن مجموعات قومية هللت لهذا الغزو باعتباره الطريق الموصل للوحدة العربية وقد خاب فالهم ودفعت فكرة الوحدة لسنوات بعيدة قادمة. وإذا كان هذا من حق العرب, ومنهم عرب العراق, فَلِمَ لا يكون من حق الكرد أيضاً على صعيد كردستان العراق أو على صعيد كل كردستان؟ لِمَ نحاول مواجهة حقوق الكرد القومية بالحديد والنار على امتداد عمر الدولة العراقية الحديثة. عندما يطالب شعب ما بحقوقه وترفض هذه المطالب العادلة, فأن الحكم الذي يرفض تلك المطالب يدفع هذا الشعب إلى حمل السلاح لتحقيق مطالبه. وهذا ما حصل في عام 1919 وقبل تشكيل الدولة العراقية مع الشيخ محمود الحفيد وفي فترة الحكم البريطاني المباشر للعراق, أو ما حصل في فترة الدولة العراقية. وعلينا أن ندرك هذه الحقيقة جيداً. وبالطريقة العدوانية واجهت الحكومات الملكية المتعاقبة مطلب الشعب الكردي في الفيدرالية عندما رفعه لأول مرة في الثلاثينات قائد الشعب الكردي الراحل الملا مصطفى البارزاني, وكذلك في فترات لاحقة, أي في الجمهوريات الأربعة الفائتة, عندما طرح شعار الحكم الذاتي أو الحكم الفيدرالي.
هناك خلاف فكري وسياسي واضح بين اتجاهين واسعين, أحدهما ديمقراطي تقدمي ويساري, والآخر قومي يميني شوفيني, أولهما يقر بحق تقرير المصير وما ينجم عن ذلك من نتائج, والثاني يرفض حق تقرير المصير أو يربطه بتصويت العرب عليه ابتداء, كما يرفض الفيدرالية ويطلب التصويت عليها من العرب أيضاً. ولا أشك في أن بين القوميين جماعات ديمقراطية تقف إلى جانب حق تقرير المصير وإلى جانب الفيدرالية, وأتمنى عليهم أن يلعبوا دورهم في التثقيف لصالح حق تقرير المصير وحق الفيدرالية لكي نتجنب المزيد من الكوارث والمآسي التي شهدها الشعب العراقي خلال العقود الثمانية المنصرمة. أقترح على من يرغب متابعة رؤيتي للقضية الكردية أن يقرأ مقالاً لي منشور في موقع الحوار المتمدن وغيره حول هذه المسألة تحت عنوان "رؤيتان مختلفتان إزاء المسالة الكردية في العراق".
ملاحظة: لست معنياً في هذا المقال أن أتحدث عن بقية أجزاء كردستان, بل كان همي توضيح وجهة نظري بشأن حق تقرير المصير للشعب الكردي في اتحادية كردستان العراق, علماً بأن هذا التحليل يمكن أن يشمل بقية تلك الأجزاء, ولهذا قصرت البحث على هذه المسألة.
برلين في 26/07/2004



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف يفترض أن نتعامل مع الهيئة الوطنية لاجتثاث البعث؟
- هل القتلة بيننا ؟
- هل من مستقبل لقوى الإرهاب والقتل في العراق؟
- هل القوى السياسية العراقية قادرة ومؤهلة لتأمين المسيرة الديم ...
- هل القوى السياسية العراقي قادرة ومؤهلة لتأمين المسيرة الديمق ...
- متى يتعامل الحكام والقوميون العرب بحس حر وديمقراطي إنساني إز ...
- حوار في مطعم حول الأوضاع في العراق
- ما العمل من أجل إنجاز المهمة الأمنية وإعادة الطمأنينة للمجتم ...
- نحو محاكمة عادلة لصدام وأعوانه في العراق
- هل مسموح به ارتكاب أخطأ جديدة في تقدير إمكانيات عدوانية العد ...
- ذكريات مُرّة في ضيافة التحقيات الجنائية في العهد الملكي·! -ف ...
- الحلقة الخامسة- المهمات الخاصة بمرحلة الانتقال 5-5 مهمات بنا ...
- المهمات الخاصة بمرحلة الانتقال - الحلقة الرابعة
- المهمات الخاصة بمرحلة الانتقال - الحلقة الثانية
- المهمات الخاصة بمرحلة الانتقال - الحلقة الثالثة 3-5
- حوار عن الهوية مع صديق عبر الهاتف
- مفهوم الصدّامية في القاموس السياسي الحديث
- هل من سبيل لمواجهة الإرهاب المتفاقم في العراق؟
- هل مَن تَعرضَ يوماً للتعذيبِ, يرضى بتعذيب حتى جلاديه؟
- العراق وفضيحة التعذيب في السجون العراقية (1-4 حلقات) الحلقة ...


المزيد.....




- كوليبا يتعرض للانتقاد لعدم وجود الخطة -ب-
- وزير الخارجية الإسرائيلي: مستعدون لتأجيل اجتياح رفح في حال ت ...
- ترتيب الدول العربية التي حصلت على أعلى عدد من تأشيرات الهجرة ...
- العاصمة البريطانية لندن تشهد مظاهرات داعمة لقطاع غزة
- وسائل إعلام عبرية: قصف كثيف على منطقة ميرون شمال إسرائيل وعش ...
- تواصل احتجاج الطلاب بالجامعات الأمريكية
- أسطول الحرية يلغي الإبحار نحو غزة مؤقتا
- الحوثيون يسقطون مسيرة أمريكية فوق صعدة
- بين ذعر بعض الركاب وتجاهل آخرين...راكب يتنقل في مترو أنفاق ن ...
- حزب الله: وجهنا ضربة صاروخية بعشرات صواريخ الكاتيوشا لمستوطن ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - حوار مع السيد إحسان خ. الراوي 1-6 & 2-6