أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - كاظم حبيب - ذكريات مُرّة في ضيافة التحقيات الجنائية في العهد الملكي·! -في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب-















المزيد.....



ذكريات مُرّة في ضيافة التحقيات الجنائية في العهد الملكي·! -في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب-


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 880 - 2004 / 6 / 30 - 03:29
المحور: حقوق الانسان
    


الإهداء
إلى السيد علي بن حسين بن علي بن حسين شريف مكة ...
إلى الرجل الذي كان صبياً عندما حكم إسلافه العراق بالحديد والنار ... وكانت السجون الملكية مليئة بالمناضلين في سبيل الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة للشعب العراقي ., إلا أن صبي حينذاك ورجل اليوم لم يكن مسئولاً عنها ..
إلى الخَلف الذي يطالب بالعرش ويريد منا أن ننسى الماضي البغيض الذي لا ينسى, إذ كان أبرز أسباب المصائب التي حلت بالعراق وشعبه...
إلى هذا السيد الذي لم أتعرف عليه إلا من خلال أحاديثه السطحية ولا أضمر له غيظاً أو حقداً لما أصابني وأصاب كثيرين غيري من أضرار بسبب حكم أسلافه, إليه وبكل احترام أهدي هذا المقطع من حياة معتقل في التحقيقات الجنائية والسجون والمنافي العراقية الملكية ...
أدرك بأنه غير مسئول عن أفعال أسلافه, ولكن ينبغي له أن لا يدافع عن تلك الفترة وكأن العراق كان يعيش في جنة عدن وليس تحت وطأة ظلم واضطهاد عبد الإله ونوري السعيد وكل النخبة الحاكمة في النظام الملكي البائد ...
عسى أن يقدم اعتذاراً للشعب العراقي, بكرده وتركمانيه وآشورييه وكلدانيه وأرمنه وعربه, عما ارتكبه أسلافه بحق هذا الشعب الذي ما زال يعاني من تلك التركة الثقيلة حتى الآن, وأن يكف عن المطالبة بالملكية للعراق... فالشعب لا ولن يفكر بالملكية ثانية, في ما عدا أولئك الذين عاشوا في بحبوحة على حساب الشعب في العهد الملكي البائد ... احترم حقهم في المطالبة بالملكي في العراق ... وأضع أمامهم بعض حقائق الملكية..
إلى السيد علي بن حسين وأفراد عائلته أهدي هذه الذكريات السريعة ...
 كاظم حبيب
 
كنت لتوي قد اقتنيت خبزاً حاراً للعشاء وأنا في طريق العودة إلى الغرفة التي استأجرتها في بيت يقع في عقد النصارى ببغداد مع أموري, أحد رفاق النضال. تركت شارع الرشيد وولجت الزقاق الضيق المجاور لدكان صاحب الأحذية الممتازة عبد الأمير الصائغ, حيث كنت ألتقي بصديقي الشاعر والكاتب والخطاط صادق الصائغ في محل أخيه أحياناً, وأنا أدندن بأغنية زهور حسين ",,, تفرحون افرحلكم تضحكون أضحكلكم اليمسكم يمسني روحي تتعذب ?بلكم ... أحبكم .. أحبكم..." كان صوتي غير الشجي يرتفع أحياناً وينخفض مع وجود المارة أو خلو الزقاق منهم.. بلغت الدار, وكان السكون يسود المنطقة, دفعت الباب بيدي ووضعت قدمي اليمنى في داخل الدار, فوجئت بأيدي تمسك بشعري وتسحبني إلى الداخل بقوة شرسة, ثم سقطت أرضاً .. نسيت الم جر الشعر بسبب ارتطامي بالأرض وصراخهم وفرحتهم الوحشية بالغنيمة التي وقعت في أيديهم ...لزمناك ي أخ ال?حبة .. راح اتشوف شنسوي بيك°. شعرت وكأنهم قد اقتطعوا خصلات من شعري. كانت الساعة تشير إلى التاسعة عندما ولجت الباب, إذ أن صوت إذاعة موسكو بدا واضحاً وقد بدأ لتوه ببث برامجه هبر الراديو الموجود في غرفتي. كانت الشرطة السرية تملأ الدار. دفعوني إلى داخل غرفتي, وجدت أمامي الرفيق أبو نجم وقد القي القبض عليه قبلي بقليل وحوله تلتف مجموعة أخرى من الشرطة والشرطة السرية. أدركت بأن الرفيق أبو قاعدة الذي كان يسكن معنا في الدار وفي الغرفة المقابلة لغرفتنا لم يلق القبض عليه حتى الساعة, إذ أنه غالباً ما كان يصل البيت في ساعة متأخرة من الليل. كان لا بد أن نعمل شيئاً لمنع اعتقاله, فصيد اليوم كثير على الحزب, وعلينا تجنب صيد المزيد منا. بدأت الشرطة تلتهم الطعام الذي في القدر الكبير الذي كان قد أرسل إلينا من الأهل في مدينة كربلاء لمساعدتنا في التوفير والاقتصاد بالنفقات وما في القدر كان يكفي لعدة وجبات طعام لنا نحن الثلاثة. كان الرز الممزوج بالباقلاء واللحم والشبت لذيذا, كان من طبخ أختي التي هي بمثابة أمي التي فقدتها وأنا ما أزال صبياً, أغرى الأكل الشهي الشرطة بالتهامه دون استئذان.
قلت لهم لم تستأذنوا مني في تناول طعامنا وليس من حقكم ذلك. كان همي استفزازهم لا غير. صاح أحدهم: أنت الذي تريد أن تسمح لنا بالأكل أو لا ... طز على موافقتك يا أبن الحرام, واستمر بالتهام الطعام بصورة مقززة. قلت له بصوت مرتفع: استحي على نفسك, أنت رجل كبير السن وليس من حقك شتمي ومن غير اللائق أن أرد عليك بالمثل. واصل شتائمه البذيئة, مما فسح لي بالمجال رفع صوتي بالصراخ في وجوههم, فتوجه شرطيان نحونا بهدف الاعتداء علينا, فتشابكنا معهما وبدأنا نرفع عقيرتنا بالصراخ, كان هدفنا إسماع صوتنا للمارة, إذ عسى أن يسمعنا الرفيق أبو قاعدة ويمتنع عن الدخول إلى الدار. فالشرطة كانت رابضة داخل البيت وليس خارجه. وكان تكتيكنا ناجحاً, إذ سمع أبو قاعدة فعلاً أصواتنا, كما عرفنا لاحقاً, وعاد أدراجه. بقينا في الدار بانتظار مجيء أشخاص آخرين حتى الساعة الرابعة صباحاً. بعدها فقدوا الأمل بمجيئه وقرروا أخذنا إلى مديرية التحقيقات الجنائية وترك بعض الشرطة مرابطة في البيت بأمل أن يفلح الكمين بالقبض على آخرين. لم تكن دائرة التحقيقات الجنائية بعيدة عن الدار التي اعتقلنا فيها. فمجرد الخروج من عقد النصارى والدخول في شارع الرشيد وعبر أزقة أخرى نصل إلى شارع النهر حيث يقع مدخل الدائرة المكونة من ثلاث دور متتالية تتصل مع بعضها بممرات قصيرة. تقع زنازين التوقيف في الدار الأخيرة حيث يصعب على من هو خارج الدار سماع أصوات المعذبين ليل نهار. كان الهدوء يعم بغداد في تلك الساعة المبكرة من صباح يوم 21/12/1955, فالجميع ما زال يغط في نوم عميق, في ما عدا تلك المجموعات من الشرطة التي تطارد الناس, وأصوات صفارات العساسين التي تعلن عن وجودهم لإبعاد حرامية الليل من الاقتراب من مناطق وجودهم, خاصة وأن المنطقة كانت مليئة بدكاكين الصرافين والبزازين والبنوك.
بعد وصولنا إلى الدار الثالث تم ربط كل منا بسلسلة حديدية غير طويلة ربطت بدورها بأحد أعمدة المنزل. ارتمينا على الأرض الباردة منهكين وأحسسنا برطوبة شديدة, فأرضية الدار مفروشة بالطابوق الفرشي البغدادي, كما يطلق عليه أهل بغداد.  
خلعت حذائي واستخدمته كوسادة وحاولت النوم منهكاً بسبب الصراخ والعراك مع الشرطة والسهر الطويل. لم استطع الإغفاء فعصافير التحقيقات الجنائية, التي بنت أعشاشها في الدار, بدأت تزقزق بجوقة موسيقية هائلة وهي تنتقل من غصن إلى آخر في أعلى شجرة الصفصاف العملاقة التي كانت تتوسط الدار الثالث.
 
اليوم الأول
حوالي الساعة الثامنة صباحاً بدأ الموظفون يتوافدون ويمرون بنا وينظرون إلينا بعين حاقدة مشوبة بالحذر, بعضهم كان يركلنا بقدميه فيصيب الرأس مرة أو الخاصرة مرة أخرى أو الركبة مع قذفنا بشتائم بذيئة لأننا كنا نناضل من أجل إسقاط الحكومة. جلست محاولاً لملمة أطرافي لتجنب الركلات في المواقع الحساسة من الجسد. ثم مر بنا معاون مدير التحقيقات الجنائية فزاع فهد, وهذا هو اسمه الحقيقي, إذ كنت مربوطاً بالعمود المقابل لغرفته تماماً.
نادى أحد مفوضي التحقيقات على عبد الأسود, وهو شرطي طويل القامة, عريض المنكبين ممتلئ لحماً وشحماً بسبب الأكل الزائد وتناول الكحول. كان أسود الشعر, أسمر البشرة تميل إلى السواد, يحمل في وجهه عينان صغيرتان لا تستقران. يعمل مرافقاً لمعاون المدير, كما يشتغل خادما في بيته أيضاً. وعبد الأسود متخصص بأعمال التعذيب حيث يتفنن بها ويتلذذ بتوجيه اللكمات والصفعات إلى وجوه ضحاياه. طلب منه جلبي إلى غرفة التحقيق. فك السلسلة الحديدة من العمود وسحبني بها إلى مفوض الأمن وكأني شاة يجرها إليه.
دخلت الغرفة. كان علي يمينها يجلس مفوض شرطة بملابس مدنية, عرفت فيما بعد أن اسمه أدهم العاني, ولا أدري إن كان ما يزال على قيد الحياة, وقد أالتقيت به صدفة في شارع الرشيد في أعقاب ثورة 14 تموز 1958 فحياني على عجل وكأنه يرهب من تاريخ أسود يلاحقه:
- سأل : ما أسمك؟
- كاظم حبيب
- ما هو شغلك؟ طالب في الصف الخامس العلمي مفصول.
- هل خدمت العسكرية؟
- نعم.
- أين؟
- في الشعيبة بالبصرة.
- لماذا فصلت من الدراسة؟
- بسبب حكم صدر ضدي بالحبس لمدة ستة شهور.
- ما السبب؟
- بتهمة التشرد.
- هل أنت متشرد؟
- كلا, ولكن هكذا ادعت دائرتكم في كربلاء وكذلك المحكمة, وهي تعرف عائلتي وسكني ايضاً.
- مواليدك؟
- 16/04/1935 
- مكان الولادة؟
- كربلاء
- هل أنت عضو في الحزب الشيوعي؟
- كلا,
- هل أنت مؤيد له؟
- كلا.
- لِماذا تركت كربلاء إلى بغداد؟
- من أجل التفتيش عن عمل.
- وهل وجدت عملاً؟
- كلا, ولكني أدرس المحاسبة (البلانجو) وأتعلم الضرب على آلة الطابعة في معهد خاص في شارع الرشيد.
- لماذا تريد تعلم الطابعة؟
- من أجل الحصول على وظيفة طباع في الدولة أو الشركات الخاصة.
- ألا تريد استخدامها في طبع بيانات الحزب الشيوعي؟
- قلت بأني غير شيوعي, فكيف يمكن أن أطبع له بياناته.
- أين تعرفت على الساكن في الغرفة معك؟
- إنه من مدينتي ومعلم ابتدائية مفصول, وأعرفه منها.
- هل هو عضو في الحزب الشيوعي؟
- لا علم لي بذلك.
- هل عملتم في تنظيم واحد؟
- أنا غير شيوعي فكيف أعمل معه في تنظيم واحد,
- هل تعرف الشخص الذي كان يسكن معكم في الدار؟
- هل كان هناك شخص ثالث في الدار؟ أنا لا أعرف ذلك ولم أتعرف عليه. أعرف إن الغرفة المقابلة
   لغرفتنا كانت مؤجر, ولكن لا أعرف لمن؟
 - - كانت مؤجرة, ولكن لم ألتق يوماً بمستأجرها.
- هل أنت عضو في الشبيبة الديمقراطية؟
- أنا لا أعمل في أي تنظيم.
- هل أنت عضو في اتحاد الطلبة؟
- أنا لا أعمل في أي تنظيم.
- هل تعمل في حركة السلام؟
- أنا أويد السلام في العالم, ولكني لست عضواً في أية حركة.    
- هل تعمل في الرابطة؟
- أية رابطة تقضد؟
- رابطة المرأة العراقية.
- كيف أعمل في رابطة المرأة التي لا أعرفها وأنا رجل؟
- ألم تسمع بكل هذه المنظمات وأنت تعمل بالسياسة؟
- كلا لم أسمع بها, إضافة إلى أني لم أقل بأني أعمل بالسياسة, رغم أن لي الحق الكامل في العمل
   بالسياسة, وهذه المنظمات كما يبدو لي ليست علنية, فكيف أعمل بها أو أصل إليها أصلاً.
- هل شاركت في مؤتمرات, مظاهرات واجتماعات؟
- كلا, لم أشارك.
- هل كتبت تقارير سياسية واقتصادية للحزب الشيوعي العراقي؟
- كلا, فأنا لست كاتباً أو صحفياً, كما أني لست عضوا في الحزب الشيوعي العراقي.
- أنظر هذا تقرير وجدناه في الغرفة؟
- أرني إياه. هذا ليس خطي, ويمكنكم فحص ذلك والتعرف على الفارق.
- ولكن بإمكاننا إثبات ذلك؟
- يبدو لي أن بإمكانكم إثبات كل شيء إن شئتم ذلك.
تلقيت صفعة مفاجئة من الخلف أصابت وجهي وجزء من أذني اليمنى, شعرت وكأن الشرر يتطاير من عيني بسبب شدة الصفعة ومسها العين, إذ بدأت العين تدمع. أدرت وجهي إلى الخلف لمعرفة مصدر الضربة. كان نوري عبد العزيز يقف خلفي مباشرة وهو الذي وجه لي تلك الصفعة الدنيئة. نظرت إليه بغضب وقلت له: هل هذه هي أساليب التحقيق؟ ولم يمهلني إنهاء الجملة, إذ وجه صفعة ثانية وثالثة ورابعة على الخدين بشكل متتابع.
- أهل الدار يقولون أنكم كنتم تلتقون سوية في غرفة واحدة لعدة ساعات.
- أخطأوا في ذلك, إذ لم ألتق بأحد في الدار عير الصديق الساكن معي.
قال نوري عبد العزيز: أجب على قدر السؤال, نحن لا نُسأل, بل نحن الذين نَسأل وعليك أن تجيب وأن رفضت سنجبرك على ذلك.
أجبت عن أسئلتكم وليس لدي ما أضيفه.                  
قال أدهم: اسمع أبن الحرام, هنا مو بيت الفرس, أنت موقوف بالتحقيقات الجنائية, اللي يدخل بيها أما أن يعترف ونفك عن ياخه, وأما أن يموت تحت أحذيتنا وبساطيلنا.
قلت له: لا أدري ماذا تريد أن أعترف لكَ؟ فأنا اعتقلت في الدار التي أسكنها, وليس لديكم ما يتطلب اعتقالي أصلاً.
قال: البداية معك ليست جيدة. عبد تناوش هذا اللي يريد يبيع بطولة براسنه حتى يعرف هو وين وأحنه منو!
كان عبد الأسود يقف خلفي مباشرة, إذ حالما سمع اسمه حتى بدأ بتوجيه الركلات من الخلف إلى ساقي وإلى ظهري والصفعات من الخلف على وجهي, ثم جرني إليه وبدأ بإنزال أقسى اللكمات إلى وجهي ورأسي وصدري وخاصرتي, حاولت صدهما وحماية وجهي من ضرباته, لكنها كانت قادرة على الوصول إلى أي مكان يريد الوصول إليه. بدأت الدماء تسيل من أنفي وشفتي وشعرت بصاعقة تنزل على رأسي حين تلقيت ضربة بالهراوة من الخلف . لم يكن حامل الهراوة هذه المرة عبد الأسود, بل كان مفوض الشرطة نوري عبد العزيز, كما عرفت اسمه لاحقاً.
كان أدهم العاني طويل القامة نحيفها, محدودب الظهر قليلا. يبدو لناظر غليه وكأنه كان يأكل بالدين. له بشرة سمراء حنطية, شعره أسود, بدأ الشيب يدب إليه, صغير العينين أشبه بعيون الثعلب الماكر, لا يكف عن التدخين, إذ يشعل سيجارته الجديدة بشعلة سابقتها. كان قوي الصوت واضحاً في نبراته. يبدو عليه الهدوء, ولكنه كما بدا لي كان هدوءاً مزيفاً. إذ كانت تسكن في عقله وجسده روحاً شريرة. أما نوري عبد العزيز فكان على العكس من أدهم العاني, قصير القامة ممتلئ كأنه برميل عنبه, أبيض البشرة, له رأس كبير وشعر قليل مرشح لصلعة كاملة. كانت له كفان غليظتان شبيهتان بكفي عبد وكأنهما خلقتا لتوجيه اللكمات والصفعات للضحايا. كان يزن ما يقرب من 130 كيلو غراماً
كنت متعباً أقف بين يدي ثلاثة أشخاص قساة يريدون انتزاع معلومات مني لاعتقال آخرين وإهانة كرامتي كإنسان ومناضل. كنت قد مررت بتجربة سابقة عندما اعتقلت وحكم علي بالحبس لمدة ستة شهور وفق المادة 79 أ باعتباري متشرداً في حين كنت اعتقلت وأنا ما أزال طالباً في الإعدادية وانتزعت من داري عنوة. رحلت بعدها إلى سجن الحلة ووضعت في المحجر مع سجناء الحق العام. كان ذلك في بداية عام 1955 ولم أبلغ العشرين من عمري. دخل مدير عام سجن الحلة, عبد الجبار أيوب, المعروف بقساوته وشراسة مواقفه إزاء السجناء والمعتقلين في سجون العراق وأثناء مجازرها في أوائل الخمسينات, ووقف في وسط المحجر وطلب حضوري من الغرفة التي كنت فيها. كان معي في المحجر وفي غرفة أخرى الرفيق أبو شروق. سأل عن سبب الحكم. فقلت له لا يوجد سبب حقيقي, فأنا طالب في الثانوية واعتقلت بحجة التشرد, في حين أعيش مع عائلتي في مدينة كربلاء. كان يقف أمامي بهدوء ولم أتوقع أي عمل منه. وفي تلك اللحظة التي كنت أعتقد أنه سيتركني وجه لي لكمة مباشرة إلى وجهي فاصطدمت بالجدار وووقعت على الأرضً. ثم صرخ بوجهي وأنا ملقي على الأرض: هل تشك بنزاهة محاكمنا أيها الحقير. قلت له وأنا في موقعي على الأرض: نعم أنا واثق من عدم نزاهة محاكمنا وإلا لما حكم عليّ, لأنني لم أفعل شيئاً. وكان هذا كافياً لجولة من التعذيب الوحشي. كان الكثير من أصدقائي في الثانوية لا يعتقدون بقدرتي على الصمود بوجه الجلادين لأني كما يعتقدون كنت أعيش في بحبوحة مالية, فوالدي مالك لمعامل إنتاج الثلج في الصيف وطحن الحبوب, وبالتالي فأن التعذيب سيسقطني. وكانت فرحتهم كبيرة عندما علموا بصمودي في التعذيب وتحدي المحكمة.
ألقاني عبد الأسود على الأرض حتى لامس وجهي الأرض وبدأ يركلني على ظهري ومؤخرتي ويدوس أضلاعي بقوة, لقد كان وزنه كما اعتقدت في حينها أكثر من  130 كيلو غراماً. ثم بدأ الضرب بالهراوات في كل مكان من جسمي. وكان صوت المفوض أدهم يأتي هادئاً بارداً يقول: وكيف الآن هل تعترف؟ لم أجبه. قال: لماذا لا تصرخ الآن وملأت الدار صراخاً في الليلة الماضية؟ أيها الكلب الحقير كنت تريد إنقاذ صاحبكم الثالث. لم يتعرفوا عى أبي قاعدة, إذ أنه لم يعط أهل الدار أسمه الصريح.
قال أدهم: قل لنا من كان الشخص الثالث؟
قلت: لا أعرف إن كان هناك شخص ثالث في الدار, فأنا لم التق بشخص ثالث في البيت, وعليه لا أعرف من هو.
قال: تكذب علينا ابن الزنا.. راح نشوفك نجوم السماء يا خنزير.
قلت له وأنا تحت التعذيب: عيب عليك أن تشتمني وتعرضني للتعذيب. أنت غير مخول بالتحقيق معي.
قال: طلع لسانك سنقطعه لكَ يا أبن الكلب.
كانت شتائمهم البذيئة تعبر عن مستوى التربية الذي تلقوه في العائلة والشارع وفي الوظيفة التي يؤدونها, ثم تحولت الشتائم من جديد إلى جولة تعذيب جديدة. كان الضرب مبرحاً. جاءوا بشرطي آخر وأوقعوني أرضاً ورفعوا ساقّي إلى الأعلى بعد أن خلعوا حذائي والجوارب حيث بدأت الفلقة. كان الشرطي يحمل في يده خيزرانا من شجر الرمان الذي ألهب بضرباته باطن القدمين, وكانت أحياناً كثيرة تمس الأصابع فكانت ألامها أشد وقعاً. كان الألم يصعد دون استئذان إلى قحف الرأس ويرهق الأعصاب. أما الشرطي الثاني فقد استخدم عصا غليظة أقل إيلاماً. كانا يتناوبان الضرب على طريقة طرق الحدادين على حديد أحمر كالجمر لتطويعه.
استمر الضرب وكنت أحصي عدد الضربات معهم حتى فقدت العد حين وصلوا إلى الثمانين ضربة. بعد أن توقف الضرب أجبرت على النهوض على قدمي. شعرت وكأني أقف على مادة مطاطية أو أسفنجية, وكان الألم مرعباً. طلبوا مني التحرك والمشي ثم الهرولة.. كانت الهرولة في مصلحتي لكي يبدأ الدم المتجمع في أسفل القدمين على الجريان مجدداً, ولكن كان الألم لا إنساني ولا يطاق. ولا أعرف أية إرادة كانت تلك التي امتلكتها وساعدتني على تحمل تلك العذابات.
عندما كنت أهرول داخل الغرفة كانوا يتناوبون بتوجيه الصفعات واللكمات والركلات دون توقف. يعد وقت ليس بالقصير دفعني أحدهم نحو منضدة لم يكن يجلس خلفها أحد وكانت فارغة, صرت ملقياً على وجهي فوق المنضدة. بدأ نوري بضربي بالهراوة مجدداً على ظهري كانت يداي مقيدتان إلى الأمام بعد أن كانوا قد فكوا السلسلة وتركوني بقيود المعصمين. كان الضرب على المؤخرة والظهر أسهل من الفلقة. ولكن فجأة أحسست بأن أحداً يريد دفع الهراوة في مؤخرتي عبر السروال. لم يكن هدفه في تلك اللحظة إدخال الهراوة في مؤخرتي بقدر ما كان يريد إهانة كرامتي وهدر إنسانيتي. شعرت بحيف شديد وتفجر الغيظ والغضب في رأسي بشراسة لا متناهية, نهضت بصعوبة وتوجهت بضربة من يدي المقيدتين بالقيود الحديدية إلى وجه نوري عبد العزيز, أصبته في مقدمة أنفه فانبثق الدم من الموقع الذي أصبته فيه فتساقطت قطرات من دمه على أرض الغرفة. فوجئ بالضربة غير المتوقعة, جن جنون, واشتد غضبه عندما رأي دمه على الأرض. بدأ بالضرب بشكل عشوائي مخيف. تكورت على نفسي خلف المنضدة محاولاً تفادي ضرباته, ثم شاركه الآخرون بحملة شعواء. كانت جولة استثنائية. سال الدم من مواقع كثيرة من رأسي ووجهي.. كان نوري قد وضع كفيته على الجرح ليقطع نزيف الدم, ولكني لم استطع قطع نزيف دمي, فيداي كانتا مقيدتان. كانت بقع الدم قد توزعت على أرض الغرفة,. ولم يعد يمكن التميز بين دمه ودمي. وبعد جولة دامت حوالي ثلاث ساعات أودعوني السرداب الذي يقع في مدخل الدار الثالث. كانت الكلب?ة ما تزال تقيد حركة يديَ وتمنعني من مسح الدماء. بعد حوالي الساعة جاء من ألقى نظرة علي ليرى إن كنت أنزف أم كفت الجراح عن النزف.
كانت أرض السرداب وجدرانه شديدة الرطوبة وفي بعض زواياه كانت توجد مياهاً راكدة لم تجف بعد تخرج عنها رائحة العفونة. عندما حل الغداء لم يأتوا لي بالطعام أو الماء. وعندما حل المساء جاء الشرطي بطاسة ماء شربته على عجل من شدة العطش. ولكني لم أحصل على وجبة العشاء. وهكذا لم أتناول الطعام منذ ليلة اعتقالي, وكان الخبز الحار والرز والباقلاء (الفول) واللحم من نصيب الشرطة والجواسيس.                                                          
في ساعة متأخرة من الليل جاء أدهم إلى السرداب وقال: اسمع يا كاظم هذه الجولة كانت بسيطة, فإن لم تعترف فنمتلك ما يكفي من المعلومات للحكم عليك, ولكن عليك أن تعترف لكي ننتهي من هذه المسرحية. كنت ما أزال متعباً وجائعاً وإلى حد ما عطشاً أيضاً.
قلت له: تتعبوني وتتعبون أنفسكم بتعذيبي, إذ لا أمتلك ما أمدكم به, ولو امتلكت لما أعطيتكم شيئاً, فكفوا عن تعذيبي. نظر إلى بعينين حاقدتين لم استطع رؤيتها جيداً بسبب ضعف المصباح الذي كان معلقاً في سقف الغرفة, إضافة إلى تورم عيني ووجهي وشفتي, إذ أنهم سوف لن يحصلوا على المكافئة التي تمنح بعد إسقاط أحد المناضلين سياسياً وأخلاقياً بالاعتراف أو تقديم البراءة.
قال أذن سنبدأ جولتنا معك. كانت رغبتي أن تكف عن العناد ونكف عن التعذيب. ولكنك لا تريد ذلك فذنبك على جنبك! سكت وعاد أدراجه.
بعد ساعة من هذا الحديث جاء عبد الأسود ومعه شخص آخر يرتدي الملابس المدنية كبقية المفوضين والشرطة الجلادين وطلبوا مني مرافقتهم. ارتقيت درجات السرداب بصعوبة. أدخلت إلى غرفة المفوضين المحققين والجلادين في آن واحد.
كانت جمهرة منهم بين جالس وراء منضدة وواقف ينتظر مجيئي. بعضهم كان يحمل الهراوات والبعض الآخر يحمل الخيزران.   
قال أدهم بصوته الجهوري: الأخ يعتقد بأنه بطل من أبطال الصمود, وما يدري أشكثر ناس مروا بهذه الدار من أمثاله, ركّعناهم كلهم.
كم كان كاذباً ولعيناً هذا الإنسان المشوه. كنت أدرك أنه يريد كسر معنوياتي, إذ أن الغالبية العظمى من المناضلين الذي دخلوا التحقيقات الجنائية قبلي قد صمدوا بوجه التعذيب الشرس وخرجوا مرفوعي الرؤوس والهامات بعكس ما ادعاه. صحيح, لقد سقط البعض, ولكن الذنب يتحمله الجلادون القساة أيضاً,ولا تتحمله الضحايا التي لم تستطع تحمل شراسة التعذيب غير الإنساني, والناس ليسوا سواسية في قدرتهم على التحمل جسدياً أو نفسياً أو الاثنين معاً.              
- قال أدهم: اخبرنا عن الذين يعملون معك في التنظيم أو الخلية؟
- قلت لكم لا أعمل في أي تنظيم.
- أنت كذاب؟
- لا داعي للإهانة مجدداً. قلت لكم لا أمتلك إجابات عن أسئلتكم.
- قال نوري عبد العزيز: انتظر أخ القحبة سترى ما نفعله بك.
- كف عن شتمي, لو كنت في الخارج لما تجرأت على شتمي بهذه الصورة البذيئة.
- تهددنا أخ القحبة. ثم أتقض علي بكل ثقله وبدأ يكيل لي اللكمات.
   كان قد وضع ضمادة صغيرة على الجرح في أعلى أنفه. كان ما يزال متحاملاً بسبب جولة الأمس.
-        قال أدهم: لقد وجدنا أوراقاً في غرفتك؟ هل هي لكَ.
-        ليست لدي أوراق في الغرفة, دعني أراها.
أخرج مجموعة من الأوراق ومن بينها مقالات كتبت بخط ناعم وجميل جداً.
-        هذه ليست لي وهذا ليس خطي؟ لم أكن صاحب الأوراق حقاً ولم أكن كاتبها وكان الفارق كبيراً بين  
     خطي والخط الذي كتبت به الأوراق.
-        كنا نتحرى في الغرفة الأخرى فوجدنا تحت خشب أرضية الغرفة كتباً ماركسية اقتصادية
     واجتماعية ونفسية بعضها بالانكليزية, فهل هي لكَ؟
- كلا ليست لي.
- إذن هي لصاحبك؟
- لم أر مثل هذه الكتب لديه.
- لماذا تدافع عن صديقك؟
- لا أدافع عنه, بل أقول الحقيقة وأنت الذي سألتني.
لم يمهلني عبد الأسود هذه المرة فأنزل ضربة على يافوخي كان لها وقع الصاعقة ومرت غمامة أمام عيني وشعرت بدوار حقيقي. لقد كانت ضربة من يريد ليس فقط إيلامي, بل تعطيل دماغي أيضاً وأحداث اهتزاز فيه.
- هل ترتبط العائلة معكم بعمل سياسي؟
- أنا لا أمارس السياسة ولا اعرف العائلة. استأجرت غرفة لديهم لأنهم كتبوا على   
   باب الدار بأن لديهم غرفة للإيجار, وكنت أفتش عن غرفة لي وكان الإيجار مناسباً
   فاستأجرتها. ولم يمض على تأجيري لها سوى ثلاثة شهور,
- سال أدهم, وكان مسئولاً عن التحقيق: هل أنت من جماعة راية الشغيلة؟
- من هي راية الشغيلة؟
- تريد تضحك علينا,
- لماذا أضحك عليكم, لا أريد ذلك, فأنا في وضع لا يساعدني على الضحك. ولكني أجبت عن
   سؤال أنت وجهته لي.
- ألم تشارك في توزيع نشرات راية الشغيلة قبل يومين في هذا المنطقة؟
- لم أشارك في أي نشاط سياسي ولم أوزع نشرات نهائياً.
- من كان معكم في عملية التوزيع؟
- لم أشارك في أية عملية توزيع, فكيف لي أن أقول لكَ من شارك في التوزيع!  
كنا والحق يقال قد وزعنا نشرات سياسية حول مشاريع ربط العراق بالأحلاف العسكرية قبل يومين من إلقاء القبض علينا في محلة الشواكة في الكرخ ثم انتقلنا إلى الرصافة قرب جامع حيدر خانة وفي الأزقة المقابلة لشارع المتنبي حيث تنتشر المكتبات. كنا أربعة أشخاص. وفي أثناء التوزيع في منطقة الرصافة تخاذل أحدنا ورفض الاستمرار في توزيع البيانات, فاضطررنا أخذها منه, وبدأنا بتوزيعها في الأزقة المحيطة بدار سكنانا. وكان هذا خطأ فادحاً كلفنا ثمناً غالياً. إذ جلب التوزيع أنظار الشرطة وبدأت الشرطة السرية تراقب المحلة حتى عثرت على الدار التي نحن فيها واستطاعت الوصول إلينا والقبض علينا.  
-        صرخ نوري عبد العزيز وكله لؤم وشؤم: لكم هذا ما ينفع بيه غير الكتل.. ابطحوا على الأرض وخلي يشوف شلون راح انطلع المعلومات من عيونه.
هجم عليً عبد الأسود ومعه شرطيان آخران بملابس رسمية, اثنان منهما أمسكا بيدي ووجه الثالث لكماته القاسية إلى وجهي وصدري وركلات إلى معدتي... حاولت التخلص منهما فلم أفلح .. بدأت الدماء تسيل مجدداً من أنفي وفمي.. طلب مني أحدهم أن أخلع ملابسي, رفضت. نهض وبدأ بتمزيق القميص, فقاومت دون جدوى. نزعوا عني الجاكيت والقميص ثم انتزعوا القميص الداخلي وتخلوا عن نزع السروال وألقوني أرضاً على ظهري. أمسك أحدهم باليد اليمنى والثاني باليد اليسر وجلس عبد الأسود على ساقي لمنعي من الحركة. تقدم أدهم العاني بسيجارته الأجنبية المولعة من نوع ثري أي AAA نحوي وجلس بجواري على الأرض. أبعدَ الرماد عن شعلتها ومسك بعقب السيجارة وبدأ يضغط بها على صدري ويتنقل بها من موقع إلى أخر. كان الألم حاداً ولكني لم أنبس ببنت شفة. حاولت الحركة دون فائدة. صممت على السكوت وتركتهم يفعلون ما يشاءون. لكن الألم كان يخترق دماغي ويغوص في أعماقي وأحس كأن أشياءً تتقطع في داخلي.
بعد أن تعبوا من تعذيبي صاح أدهم ببغض بالغ, وقد خرج عن طوره المتميز بالهدوء الكاذب:
خذ يا عبد هذا الحقير إلى الموقف الانفرادي ولا تتركه يتصل ب "أبو نجم", فالسرداب محجوز اليوم لجبار. وجبار هذا كان أحد المعتقلين الشيوعيين الذين القي القبض عليهم قبل حوالي شهرين من تاريخ إلقاء القبض علينا, وكانوا قد انتهوا من التحقيق معه ومع المجموعة التي كانت معه, ولكنهم كانوا يعاودون تعذيبه بين فترة وأخرى رغم صموده البطولي وتحديه الرائع لهؤلاء الجلادين, كلما وصلتهم معلومات جديدة عنه أو لها صلة به.
أخذ جبار في هذه الليلة إلى غرفة التعذيب وبدأوا معه جولة تعذيب جديدة. كان جبار طالباً في كلية الطب وعضواً في الحزب الشيوعي العراقي. كان قصير القامة, مرحاً وذكياً. ترك لحيته تطول دون حلاقة خلال فترة اعتقاله. عذب كثيراً وصمد ببطولة. كان يتحدى الشرطة ويتحدث بحرية معهم ويسخر منهم كلما تسنى له ذلك. حظي باحترامهم بعد أن يئسوا من انتزاع اعترافات منه. بدأت جولة تعذيب جديدة عندما عثروا على قائمة بأسماء عشرات الأشخاص الديمقراطيين الذين لا علاقة لهم بالحزب الشيوعي العراقي في البيت الذي اعتبر وكراً للشيوعيين. كانت مجموعة الأسماء الواردة في القائمة عبارة عن أشخاص ديمقراطيين ومن محبي السلام وضد الحرب. تصورت شرطة التحقيقات الجنائية أنها عثرت على كنز سمين. حاول الجلاوزة انتزاع اعتراف من جبار بأن هذه القائمة تتعلق بأعضاء أو مرشحين أو أصدقاء للحزب الشيوعي. لم يفلحوا في ذلك رغم شراسة التعذيب والتجويع والحرمان. لم يكن عند جبار ما يعترف به. فهؤلاء لم يكونوا أعضاء في الحزب ولا أصدقاء له, وكان خطأ فادحاً وضع مثل هذه القائمة الطويلة في بيت حزبي, ويعبر عن إهمال وعدم شعور بالمسئولية إزاء الآخرين. كان البعض من الذين سجلوا هذه القائمة يعتقدون بإمكانية مفاتحة هؤلاء للعمل في مجال ما من مجالات النضال في إحدى المنظمات الديمقراطية. التقيت بواحد منهم اسمه ماجد من أهالي الموصل. كان طالباً في كلية الهندسة واعتقل بسبب وجود اسمه في القائمة. لم يكن يعي لماذا اعتقل أصلاً. ولم يعمل يوماً ما بالسياسة, أعتقل مع زوج أخته, صاحب دكان لصنع وبيع الأحذية لورود أسمه في القائمة المشئومة أيضاَ. لم ير هذا الطالب طوال عمره قملة واحدة ولم يعرفها من قبل. وعندما اكتشف قملة في ثيابه الداخلية حينما كنا معاً في موقف السراي, وبعد خروجه من التحقيقات الجنائية, استغرب من هذا الوحش الكاسر الذي اقض مضجعه ليلاً ونهاراً. بدأ يجمع ما يعثر عليه من هذه الحشرة الغريبة الزاحفة ببطء في طيات ملابسه الداخلية ويضعها في علبة كبريت ويشدها بخيط كي لا تفلت من العلبة, جمع عدداً كبيراً منها كان يطلق سراحها في أوقات معينة ويتركها تسرح على ورقة بيضاء فيتفرج بشغف على حركنها لفترة ثم يجمعها ثانية ويدخلها في العلبة. حُكم على ماجد بالحبس لمدة سنة وسنة أخرى يقضيها مبعداً في بدرة.. التقيت به فيما بعد في سجن بعقوبة ثم بدرة, حيث كان قد رشح للحزب الشيوعي وهو في السجن, ثم أصبح عضواً فيه أثناء فترة الإبعاد.
في وقت متأخر من تلك الليلة جاء عبد الأسود ليقودني إلى غرفة خاصة واسعة نسبياً وخالية تقريباً من الأثاثً. كانت هناك منضدة ركنت في زاوية من الغرفة وكرسيين حولها. اصطف في الغرفة عدد من أفراد الشرطة المتخصصة بشؤون التعذيب. لم انته من فحص الغرفة حتى سمعت صوت أدهم العاني وهو يقول:
-        أسمع يا كاظم سنبدأ اليوم بإنزال أقسى العقوبات بك ما لم تستمع إلى صوت العقل وتتراجع عن إصرارك في إنكار كل شيء. هيأنا لكَ جولة جديدة رائعة. أنظر إلى هذا الحبل المشدود إلى السقف, ستكون به نهايتك.
كانت هناك بكرة مثبتة في وسط سقف الغرفة ومنها امتد حبل غليظ. باتجاهين, ثم واصل كلامه قائلاً:
-        وقبل أن نبدأ, ألا تجد من الأفضل لكَ أن تعترف وتنهي هذا العمل؟ فكر بالأمر نعطيك خمس دقائق للتفكير, سنعطيك علبة سجائر دخن منها ما شئت ولكن فكر جيداً.
رفضت التدخين بدعوى أني لا أدخن, علماً بأني كنت من المدخنين, كنت أود أن لا يكتشفوا أي نقطة ضعف يستثمروها لممارسة الضغط النفسي من خلال منع السجائر عني.
-        استمر أدهم بالحديث قائلاً: ستعود إلى الدراسة وسنساعدك على النجاح, المطلوب أن تدلنا على من كان يعمل معك وعن البيت الذي يسكن فيه أو قائمة بأسماء من تعرفهم. لقد كان حديثه هادئاً وبعيداً عن التوتر.
قلت: أنت تعتقد بأني أمتلك معلومات لا أريد البوح بها. وأنا أقول لكَ من جديد بأني لا امتلك مثل هذه
      المعلومات, وبالتالي فتعذيبي يمكن أن يورطكم إذا ما أصبت بعاهة أو مت تحت التعذيب, فأنا أنب
      عائلة معروفة في مدينتي, وستسبب لكم مشاكل غير قليلة.  
قال: ما أزال عند رأيي, خذ خمس دقائق استراحة للتفكير.
سيطر الهدوء في الغرفة وسكت الجميع وبقيت واقفاً في وسط الغرفة وعلى مقربة من الحبل الغليظ. كان الوقت ينتحر ببطءً شديد, كانت الدقائق وكأنها لا تريد أن تنتهي.
نظر المفوض إلى ساعته وقال:
-        صبرنا سينتهي مع الدقيقة الأخيرة. ثم انتظر قليلاً وصرخ بصوت يائس: انتهت الدقيقة الأخيرة وقد أعذر من أنذر.
بدأ هجوم شرس بالهراوات والركلات واللكمات من كل حدب وصوب. حتى أن بعضهم قد أصاب البعض الآخر منهم نتيجة توترهم, إذ سمعت أحدهم يقول "دير بالك ولك مو كسرت ظهري". جلست القرفصاء وتكورت على نفسي لحماية رأسي من ضرباتهم بساعدّيَ ويديَ.       
بعدها صاح المفوض بلهجة آمرة: يا الله حمزة شوف شغلك. تقدم حمزة وسحبني من يدي وأوقفني على قدمي, ثم أخذ قيوداً حديدية من النوع الأمريكي المستورد حديثاً. قيد يدي أولاً ثم شدهما بالحبل الغليظ وبدأ يسحب بالطرف الثاني منه يساعده في ذلك عبد وشرطة آخرين. ارتفعت قليلاً عن الأرض, لم أشعر في البداية بألم شديد في كتفي, ولكن الألم بدأ بالرسغين حيث القيود الحديدية والحبل الغليظ والخشن. ثم سحب الحبل أكثر فأكثر حتى ارتفعت عن الأرض قرابة متر واحد. شد الحبل بعارضة مثبتة بجدار الغرفة, ثم بدأوا الضرب بالهراوات على مواضع كثيرة من جسمي. لم أنبس ببنت شفة ولم أتأوه. كنت أكظم غيضي رغبة في إثارتهم وإشعارهم بحقارتهم أمام شخصي الضعيف, إذ لم يكن وزني حينذاك قد زاد قليلاً عن 55 كيلو غراماً, وعمري قد بلغ العشرين. بعد جولة الضرب تركوني معلقاً وخرجوا من الغرفة. قال أحدهم ستبقى هنا معلقاً حتى تنفق يا نذل.
 بدأت أحس تدريجاً بالآم مبرحة في كل مكان من جسمي ولكن بشكل خاص في الكتفين والرسغين. كنت اشعر وكأن سكيناً حاداً يضغط على رسغي. أحسست جفافاً في فمي وبلعومي وشعرت بحاجة إلى التقيؤ وبدوار شديد يلف رأسي دون إنصاف. بعدها لم أحس بشيء ولا أدري ما الوقت الذي قضيته مشدوداً بالحبل ومعلقاً بسقف الغرفة. شعرت فجأة وكأن سطلاً من الماء البارد قد صب على رأسي ووجهي, وكان الأمر كذلكً. صحوت مرهقاً فكراً وجسداً ... لا أعرف أين أنا ... نقلوني رأساً عبر نقالة إسعاف إلى الزنزانة ومددوني على أرضيتها الباردة. كأن الألم يتحرك في قحف رأسي ويوجعني إلى حد الغثيان ... كانت قدرتي على التفكير قد توقفت.. كنت ما أزال أبحث عن نفسي والتساؤل عن سبب كل هذه الحالة البائسة, لِمَ هذا التعذيب والعذاب. أظن بأني قد غفوت من شدة الإرهاق, لم استيقظ إلا على فتح باب الزنزانة حيث وضع شرطي ما طاسة ماء بجواري ورغيف خبر وشيش كباب. كنت, رغم حرماني من الأكل لا أحس بالجوع. وكانت قدرة جسمي على تحمل التعذيب تتدهور يوماً بعد يوم, رغم قدرة عقلي على التحمل. كان لا بد من تناول بعض الطعام لشد أزر العقل والجسم. نهضت متثاقلاً, تناولت طاسة الماء وكرعت أكثر من نصفها دفعة واحدة دون أن ارتوي. شعرت بمغص شديد ينتاب معدتي ويطرحني أرضاً من شدة الألم.. تناولت رغيف الخبز وبدأت أقضم به, لعله يوقف المغص المفاجئ, إذ لم تتقبله المعدة الفارغة بهذه السرعة. حشوت شيش الكباب في المتبقي من الرغيف وانفتحت شهية الأكل عندي, رغم أن كباب التحقيقات الجنائية لا يؤكل بالأوقات الاعتيادية. فالمقاول يلتهم ثلاثة أرباع المبلغ الممنوح له لإطعام المعتقلين, يدفع منه إلى شرطة التحقيقات الجنائية لإبقائه مقاولاً لديها, ثم يشتري بالمتبقي ما يقدمه طعاماً للمعتقلين ويبقي منه شيئاً لأفراد عائلته في آن واحد..., فكانت عائلته مضطهدة كما كان يضطهد المعتقلين في تقديم أسوأ وجبات طعام, علماً بأن المبلغ الممنوح للمقاول من جانب الدولة زهيد للغاية.
بعد أن شبعت من الوجبة الرائعة! عدت فاستلقيت على الأرض ووضعت حذائي وسادة لي ورحت في سبات قلق متقطع دام عدة ساعات.
 
اليوم الثاني
استيقظت على صوت عبد الأسود وهو يناديني. جرني من يدي إلى الغرفة التي كنت قد عذبت فيها ليلة أمسًً.. كانت الغرفة فارغة تماماً من الشرطة. أجلسني على المقعد الوحيد فيها وجلس على الطاولة ونظر إلي بعينين لا يستطيع الإنسان فهمهما, فيهما مزيج من البؤس والحزن والكراهية... خليط عجيب. فهو رجل بائس لا يحصل على راتب مجزٍ, وربما أجبر على ممارسة التعذيب ليحتفظ برزقه ويحصل على مبلغ إضافي كلما تسنى له إسقاط أحد السياسيين عبر فرض الاعتراف عليه أو توقيع البراءة, وهو حاقد إذ لم يتسن له حتى الآن إسقاطي أو, كما يبدو, إسقاط رفيقي أبو نجم, الذي لا بد وأنه عانى مثل معاناتي على أقل تقدير. استمر بالتحديق مباشرة في وجهي وعيني, ثم نطق أخيراًً فقال: - أنا أعرف أنت خوش ولد وأبن حلال, زين ليش تتحمل كل هذا العذاب, أنتَ تشبع بسط والآخرين ?اعدين ببيوتهم مرتاحين.. أنصحك لله بالله أن تكف عن هذا العناد وترجع إلى حبة الله وت?ولنه على هذوله الجماعة التي تعمل وياهم, أحنه نعرفهم, بس نريد منك ترشدنه عليهم. أعتقد بعد هذه الجولات رجعت إلى عقلك وراح تتعاون ويانه. أحنه نريد مصلحتك. لازم تعرف ما واحد ي?در يسقط هاي الحكومة, حكومتنه قوية أقوى من الحديد ولو تطلع روحكم ما ت?درون تهزوها مو تسقطوها.  
قلت له: عبد, أنتَ لا تعرفني ولا أنا أعرفك.. لم أشتمك ولا اعتديت عليك ولم أوذي أحداً من عائلتك,
          فلماذا تتجاوز عليّ يومياً أنت والشلة التي معك. قلت لكم أنا لا أعرف أحداً ولا أمتلك معلومات
          حتى أزودكم بها, وأنا لا أمارس السياسية ولست عضواً في أي حزب من الأحزاب أو
          المنظمات, فكفوا عني واتركوني لحالي.
فسر عبد الأسود إجابتي على إنها استفزازاً له وللآخرين. نهض وفتح الباب ونادى المجموعة كلها قائلاً: هذا أخ القحبة ما ينفع بي, لازم نموته كتل, لازم نخلص علي, لازم يعرف شلون راح نأدبه.
دخلت المجموعة كلها وبدأوا مجدداً جولة جديدة شملت الفلقة بالخيزرانة والعصا الغليظة وشدي بمروحة سقفية وتركها تدور لفترة لا أدري كم طالت. لقد كانت جولة مرهقة جداً. ثم فكوا الحبل الذي شدني بالمروحة وأسقطوني أرضاً. بقيت على أرض الغرفة والألم يغزو كل أنحاء جسمي. جاء عبد وجلس على صدري بكل ثقله. ثم بدأ حمزة بخلع بنطلوني. أحسست بالغضب وخشيت ما تحمد عقباه. ولكنهم جاءوا بحبل رفيع وشدوه بين الخصيتين والقضيب وبدأوا بجر الحبل ... كان الألم يعتصرني وكدت أتفجر من الغضب, ولكن ماذا يعني ذلك, وما الذي استطيع عمله مع هذه الحفنة من الأوباش؟ أستمر هذا التعذيب وعبد, الجالس فوق صدري, يردد أبن الزانية اعترف, أبن الزانية شتم فهد, أبن الزانية شتم ستالين أبن القحبة شتم مالنكوف ... وهكذا وأنا لا أجيبه, ولكن الآلام كانت مبرحة, خاصة وأن أحدهم قد وجه ركلة نحو الخصيتين فزادت من شدة الألم. بعدها فكوا الحبل وشدوه بالقضيب وبداو بجره إلى حد اللعنة.. لقد كان عذاباً مريراً. ثم شعرت بوخزة حادة في قمة الذكر, تحركت كالمصاب بالصرع. كان أحد هؤلاء الجلادين قد وضع شعلة سيجارته على حشفة القضيب فصرخت بعنف وشراسة من شدة الألم. وكانت الصرخة مدوية إلى حد غريب, حتى أن معاون مدير التحقيقات الجنائية جاء ليرى ما الخبر.. ورأى تماما ما يفعلون. قال لهم يكفي اليوم أتركوه... واجلبوه لي صباح يوم غدٍ.
نقلت إلى زنزانة التوقيف الانفرادي وتركت لوحدي. رحت أداري جراحي وامسح الدم من فمي وأنفي والجبهة, إذ تركوني هذه المرة دون الكلب?ه.
 
اليوم الثالث
في صبيحة اليوم الثالث وعند الساعة التاسعة جاءني عبد الأسود وقادني إلى غرفة معاون مدير التحقيقات الجنائية فزاع فهد. كان الرجل يجلس في غرفة صغيرة غير واسعة خلف منضدة كبيرة نسبياً غير متناغمة مع صغر مساحة الغرفة, كان يرتدي الملابس المدنية. رجل تجاوز الخامسة والأربعين من عمره, طويل القامة عريض المنكبين يميل إلى السمنة, أبيض البشرة, أسود العينين ويحمل وشماً على قمة أنفه وفي موقع بين العينين, كما أتذكر.
رحب بي قائلاً: أهلاً وسهلاً بابن الحاج حبيب, تفضل أجلس, أعرف أبوك لما كنت مديراً للشرطة في كربلاء. ما أزال أذكر العريضة التي حملتها مع المحتجين على المتصرف ورئيس البلدية تطالب أصحاب معامل الثلج بفك احتكار بيع الثلج وتخفيض سعر القالب. وقد نجحتم في الإضراب. وكانت ظاهرة غريبة في المدينة لم تحصل قبل ذاك.
قلت: هذا صحيح. كان ذلك في عام 1953 عندما قرر أصحاب معامل الامتناع عن إغراق أو إشباع السوق المحلي بالثلج, بل أنزال كمياتهم على التوالي لضمان بقاء سعر قالب الثلج مرتفعاً, فالشحة ترفع السعر. نجحنا في فرض فك هذا الاحتكار وخسر والدي 200 ديناراً دفع تعويضاً لأصحاب المعامل بسبب كوني أبنه وتسببت في كسر الاتفاق.
قال: كنت منذ ذلك الحين تعمل بالسياسة.
قلت: أعتقد بأن هذا العمل لا دخل له بالسياسة, هذا عمل اجتماعي, ولو كنت أنت في مكاني وعلمت ما فعل والدي مع بقية أصحاب معامل الثلج لفعلت مثلي. سكت ولم يجب. نادى على عبد الأسود ليجلب لنا كأسين من الشاي. شربت الشاي على مهل. بادر بالحديث عن والدي وطيبته وغناه وما إلى ذلك, استمعت إلى حديثه,
ثم قال: تعرف من الذي أنقذك من الاعتقال في مظاهرات انتفاضة 1952.
قلت: لماذا أنقذني ومن هو الذي أنقذني؟ فأنا لم أشترك بتلك المظاهرات ولم أعتقل.
قال: أعرف أنك لم تعتقل, ولكن الذي أنقذك هو السيد هاشم الخطيب. لقد كان في حينها في غرفة المتصرف عندما قدمت له قوائم المشتركين بالمظاهرات والذين يراد اعتقالهم وتقديمهم إلى المحاكمة. وكنت أنت تقود مظاهرة الطلبة. وأسمك كان في مقدمة القائمة؟ وكنا نعرف ذلك تماماً وشاهدك أكثر من شرطي ومخبر. ولكن السيد هاشم الخطيب, أمام جامع السنة في كربلاء, اعترض على وجود اسمك في القائمة وأشار للسيد المتصرف بأنك كنت في ذلك اليوم مع أبنائه تمارسون رياضة رفع الأثقال, فشطب المتصرف اسمك من القائمة, وقال لمعاون الشرطة أرجو أن لا تكون أسماء أخرى مثل اسم كاظم أبن الحاج حبيب واردة خطأ ضمن القائمة. لهذا السبب لم نستطع اعتقالك, ولكننا بدأنا بمراقبتك.
في حقيقة الأمر كنت مشاركاً في المظاهرة وكنت مكلفاً بقيادتها الميدانية انطلاقاً من ثانوية كربلاء الجديدة حتى إعلان إنهاء التظاهرة في ساحة التقاطع بين شارع علي الأكبر وشارع الأمير فيصل, بعد أن بدأت الشرطة الرمي بالرصاص الحي وقتلت وجرحت الكثيرين.
كانت للرجل ذاكرة جيدة لم تخنه. وقد نقل بعدها إلى بغداد ليعمل في مديرية التحقيقات الجنائية.
بعد تناول الشاي بدأ بمحاولة إقناعي بالتخلي عن العمل السياسي في الحزب الشيوعي العراقي, وأن لديهم معلومات تشير إلى عملي في الحزب, راية الشغيلة, منذ فترة غير قصيرة وأنه لهذا السبب حكم علي وطردت من الثانوية وتم سوقي إلى الخدمة العسكرية. حاولت إقناعه بغير ذلك فلم أفلح.
قال: يؤسفني جداً لا أستطيع أن أعمل لكَ شيئاً. الشيء الوحيد هو أني سأخبر والدك بوجودك ضيفاً علينا, ولن أستطيع منع التحقيق معك.
قلت: التحقيق نعم ولكن ليس التعذيب.
قال: لا بد من ممارسة اساليب معينة لأخذ المعلومات, فهذه طريقة أجهزة الأمن في كل العالم. فمن يرفض الاعتراف أو التعاون معنا يتلقى ما يستحق من عقاب!
قلت: لست واثقاً مما تقول, أن المعاملة كانت حتى الآن سيئة للغاية وشرسة جداً.
وجد أن الحديث, كما يبدو لم يعد نافعاً. ودعني بكلمات طيبة, ثم نادى علي عبد ليعيدني إلى الزنزانة.
تركني الجلادون هذا اليوم دون تعذيب. قدموا لي بطانيتين ووسادة صغيرة قذرة, كما قدمت لي وجبات الطعام المعتادة للموقوفين وكأس شاي, ولكن كنت أسمع أصوات تعذيب الصديق أبو نجم. فيبدو أنهم منحوني استراحة قصيرة ليمارسوا التعذيب معه علهم يصلون إلى نتيجة معينة معه. ولكنهم باءوا بالفشل أيضاً. كنت أحس بالألم للصديق أبو نجم وهو يعذب, إذ أنه رغم كونه كان يكبرني سناً, لكنه كان نحيفاً ضعيف البنية رقيق المشاعر وحساس جداً, كان عازفاً مبدعاً على الكمان وملحن مبدع,


 
اليوم الرابع
في اليوم الرابع على اعتقالنا جاء أحد الشرطة وفتح باب الزنزانة الحديدية. قال: انهض  وأمشي وياي. سرت أثره إلى غرفة المحققين. كنت أتوقع أن يخففوا من شدة التعذيب أو يكفوا عنه. ولكن كان توقعي في غير محله.
كان كل من أدهم العاني ونوري عبد العزيز موجودين في الغرفة.
قال أدهم: حدثنا السيد المعاون عنك وعن والدك. هذا يحزننا أن نراك في هذه الحال ولكنك أنت السبب وأنت المسؤول. ولهذا نطلب منك مرة أخرى أن تعترف أو أن تتبرأ من الحزب الشيوعي والشيوعية وتنتهي المسرحية كلها.
قلت له: ليس عندي ما أعترف به. أما البراءة فليست سوى حجة لاتهامي بالشيوعية وغير مستعد لها. إن هذه البراءة تدينني بعكس ما تريدون إقناعي به. ولهذا لا يمكن تقديم البراءة أو التوقيع على أية وثيقة من هذا النوع,
قال أدهم: إذن سنبدأ معك مجدداً وسنرى إلى أين سينتهي بنا المطاف.
قلت: نعم للتحقيق مع ضرورة وجود حاكم تحقيق, ولكن ليس مواصلة التعذيب, فهذا ليس من حقكم.
قال: هذا هو الأسلوب المفضل مع أناس من أمثالك, وأنا حاكم تحقيق يا كلب يا أبن الكلب.
قلت: لقد بدأت مرة أخرى بالتجاوز عليّ بشتائم بذيئة لم أتعودها لا في البيت ولا في المدرسة.
زمجر صارخاً: أبن العاهرة تريد أن تهينني, تريد تقول أنا أبن شوارع. لأحط رجلي ب ....أمك, ثم  نادى صارخاً على الزبانية الجلادين ليدخلوا الغرفة.
دخلت المجموعة المكونة من أربعة أشخاص ومعهم عبد الأسود وحمزة.
مارسوا هذه المرأة نفس أسلوب الضرب بالهراوات والعصي وعود الخيزران, ثم الفلقة وأخيراً قرروا استخدام التيار الكهربائي وفضل أحدهم استخدام قلع الأظافر.
بدأوا باستخدام التيار الكهربائي بصعقات سريعة ومركز وفي مواقع مختلفة من الجسم. لقد كانت الصعقات مؤلمة وتتسبب بحدوث هزات داخلية في الجسم يصعب على الإنسان السيطرة على حركات جسمه أو في المواقع التي يمارس عليها التيار. كان منفذ هذه العملية محترفاً ماهراً في استخدامها, كان يحاول استخدامها بحيث لا تتسبب بحرائق داخلية أو في الموقع. ولكنها كانت تتسبب بالآم شديدة. لم يمارسوا هذه العملية المتقطعة سوى ربع ساعة أو أكثر بقليل. فالوقت حينذاك كان لا يمكن ضبطهً ثم تناقشوا في ما بينهم حول قلع أظافر القدمين, هددوا باستخدام ذلك, ولكنهم لم ينفذوا هذا التهديد. بعد حوالي ثلاث ساعات من عمليات التعذيب ومحاولة التهديد والإقناع, جاءوا بالصديق أبو نجم إلى نفس الغرفة, وكانت حالته يرثى لها. وكانت قسمات وجهه تفضح وضعه النفسي وحالته العصبية. إذ كان يعاني, كما بدا لي, من آلام حادة, ولكنه بقي مرفوع الرأس والهامة تبادلنا التحية والابتسام بسرعة خاطفة لم تفلت من عيون محترفي العمل الأمني. كانت الابتسامة متعبة ولكنها من الأعماق.
حاولا مجدداً إقناعنا سوية بالاعتراف أو النبذ, ولكن دون جدوى. اعترفنا معاً بكوننا أصدقاء منذ كنا في مدينتنا كربلاء ولم نزد على ذلك. قادني أحد الشرطة إلى خارج الغرفة وأجلسوني في ركن منعزل من ساحة الدار ووقف يراقبني وقد تنكب سلاحه, وكأني كنت قادراً على الهرب منهم, كان حارسي شرطياً من الجنوب, فلاح جلف وخشن المظهر وقاسي قسمات الوجه بفعل حرارة الشمس والعمل المرهق في الريف العراقي الذي قضى فيه جل عمره وقبل أن يصبح شرطياً ويترك الريف إلى غير رجعة. لم يتجاوز عمره 45 عاماً, ولكنه كان يبدو أن قد تجاوز 60 سنة وبلغ مرحلة الكهولة في ملامح وجهه وشيب شعر رأسه. بعد دقائق رجوته الحصول على كأس من الماء, إذ أحسست بالعطش الشديد والجفاف في الفم والبلعوم... بدلاً من جلب الماء وجه أخمص بندقيته إلى صدري وأنزل به ضربة موجعة صرخت على إثرها, إذ أنها كسرت شيئاً من مقدمة القفص الصدري, ما زال أثر تلك الضربة باقياً حتى اليوم, إذ لم يُسمح لي بمراجعة الطبيب في حينها. وبدأ بسلسلة من الشتائم البذيئة التي يصعب تكرارها. أردت أن أزعجه وأقلق باله, فقلت له: هل تعرف ماذا فعلت, لقد ضربت سيداً وسترى كيف ينتقم الله منكà. ظهرت الدهشة على وجهه وتدلى لسانه وكأنه مخبول وقال بصوت أشبه بالهمس: سيد ما كنت أعرف أنتَ سيد. فصعدت من لهجتي وزدت من كلماتي وقلت له بغضب والألم ما زال يعذبني: سينتقم الله منك يا أبو إسماعيل وسوف لن يكون انتقام الله بعيداً°.
بعد جولة تعذيب شرسة مع أبي نجم. اقتيد من الغرفة ودفع به إلى إحدى الزنزانات, لقد كان في وضع مزري حقا ولكن الابتسامة الباهتة لم تفارقه عندما التقت نظارتناً وشاهدته يشد قبضته لشد أزري. كانت بعض الكدمات بادية على وجهه وعينيه. بعد لحظات تم استدعائي ثانية.
قال أدهم: ها قد اعترف صاحبك أبو نجم عليك, وقال بأنكم كنتم في خلية واحدة, وأنكم كنتم خمسة رفاق. وأنكم أنتم الذين وزعتم البيانات. والآن جاء دورك لتؤيد هذه الاعترافات وتنهي العذابات. انتهت جولات تعذيبه وسوف لن يعذب بعد الآن. ولكن جاء دورك بالاعتراف.
قلت: أنا لم أعمل مع أي إنسان في أية خلية, وإذا كان الرجل قد اعترف على نفسه تحت ثقل التعذيب فهذا يخصه, وقد اعترف بما ليس صحيحاً أو أجبر على الكذب لينقذ جلده من التعذيب. ولكني أشك في ذلك لأن الرجل لم يعمل معي قطعاً وكنا أصدقاء فقط.
كنت على يقين بأن ما قالوه عن اعتراف أبو نجم لم يكن سوى كذبة بائسة, كنا نعمل سوية في هيئة واحدة ولكننا لم نكن خمسة رفاق بل أربعة فقط. ولهذا فالاعتراف الذي ادعوه لم يكن إلا محاولة لإيهامي وإسقاطي والإساءة إلى رفيقي. بعدها اقتادوني إلى زنزانة أخرى غير التي كان فيها أبو نجم.
 
اليوم الخامس
كانت حصتي في هذا اليوم جولة مسائية. فبعد أن غادر أغلب موظفي دائرة التحقيقات الجنائية, خلا الجو تماماً لمجموعات التعذيب. تم استدعائي إلى غرفة المفوضين وبدأوا بالتعذيب حتى دون أن يطرحوا عليَّ أي سؤال. طلبوا خلع ملابسي, رفضت ذلك خلعوها بالقوة وتركوني عارياً تقريباً. بدأوا بالضرب مستخدمين الهراوات المطاطية وعيدان الخيزران التي غالباً ما تستخدم للجلد في البلدان التي تمارس الجلد كعقوبة حتى الوقت الحاضر, كما في السعودية وإيران أو نظام صدام حسين قبل سقوطه أو في السودان, وكذلك في العهد الملكي المباد بالنسبة لمعاقبة السياسيين أو حتى سجناء الحق العام. كانت ضربة عود الخيزران حادة قاسية يشعر الإنسان وكان سكيناً حاداً أصاب موقع الضربة وتترك أثراً لها, وإذا ما تكرر الضرب على الموقع يتفجر الدم منه وعذاب مثل هذه الضربات شرساً للغاية. تكورت على الأرض, كما في المرات السابقة, لستر وجهي وعيني من ضرباتهم الوحشية غير المنظمة. بعد هذه الجولة, بدأوا بالفلقة. لقد شعرت وكأن لحم باطن قدمي قد تمزق, إذ من غير المعقول أن تتوالي الفلقة بهذه الكثافة, ولكن هل تعذيب الإنسان معقول أصلاً. سال الدم من مواقع في باطن القدم الأيمن. أثناء هذا الضرب الهمجي جنح بيَ الخيال إلى فترة وجودي في سجن الحلة وتذكرت المناضل الشيوعي الجريء القادم من المدينة الدينية المقدسة لدى المسلمين وخاصة أتباع المذهب الشيعي, من النجف حيث مرقد الأمام علي بن أبي طالب وأبن عم النبي محمد, حسن عوينة, الذي قتله البعثيون تحت التعذيب في عام 1963. كانت لي مع حسن عوينة علاقة حزبية منذ عام 1953 عندما كان يقدم إلى كربلاء من النجف ليشرف على عمل التنظيم الجديد لراية الشغيلة, وهي منظمة انشقت عن الحزب الشيوعي العراقي في نهاية 1952 وبداية عام 1953 بقيادة جمال الحيدري وعادت على الحزب من جديد في منتصف عام 1956. وكان لسلام عادل, سكرتير الحزب حينذاك دوره البارز في إعادة وحدة الحزب وحل تنظيمين بارزين هما وحدة النضال للمناضل الوطني ونصير السلام ونصير القضية الكردية, الأستاذ الراحل عزيز شريف, وتنظيم راية الشغيلة. كان حسن عوينة رجلاً نحيفاً جداًُ قصير القامة, له عينان واسعتان عميقتا السواد والغور في حدقتيهما البارزتين, كانت إذناه كبيرتين جداً تنتصبان بعيداً عن الرأس وكأنهما لا تعودان لهذا الرأس, كما لا تنسجمان مع رقة قسمات وجهه. كان شخصاً دافئاً ومتحدثاً لبقاً ومستمعاً جيداً, كانت له علاقات حميمة مع من يعمل معهم ويحمل مشاعر رقيقة وحساً سياسياً مرهفًاً. اعتقل حسن في طريقه من النجف إلى بغداد عن طريق الحلة. وكان في الطريق قد ابتلع "لقماً" من الورق, ولم تكن سوى رسالة حزبية لم يستطع التخلص منها إلا بالتهامها. شاهده أحد الشرطة المسئولين  عن نقله إلى سجن الحلة بعد اعتقاله. حالما وصلوا إلى السجن أبلغ الشرطي مدير السجن, عبد الجبار أيوب, الذي حوكم في أعقاب ثورة تموز عام 1958 بالإعدام بسبب جرائمه البشعة بحق المعتقلين والسجناء السياسيين على نحو خاص ونفذ به الحكم شنقاً. أُدخل المحجر المقابل لمحجرنا في سجن الحلة. طلب مدير السجن طستاً واسعاً وأجلسه فيه بعد أن خلع جميع ملابسه وطلب منه التغوط, لم يفعل. سقاه مادة مسهلة, فلم يفلح, حقنه بالماء والصابون فلم يتغوط الرجل. ظل جالساً في الطست طوال النهار والشرطة تراقبه وتنتظر دون طائل أن تنزل الرسالة مع الغائط في الطست. كانت إرادته أقوى من المسهلات كلها مما أغضب عبد الجبار أيوب. وضِع أخيراً في المرحاض, فأنجز المهمة هذه المرة على خير ما يرام. لكنهم لم يعثروا على الرسالة. وكانت فرحته كبيرة, كما ابلغنا فيما بعد, بعد أن عجزوا عن العثور على الرسالة الحزبية إذ كانت فيها من الأسرار ما لا يجوز وقوعها بيد العدو المتربص بهم, انفجر حسن عوينة ضاحكاً عندما رأى شرطيين يفتشان بأيديهما في غائطه عن الرسالة. كان مدير السجن قد أجبرهم على ذلك. تفجر عبد الجبار أيوب غضباً عندما شاهد حسن عوينة وهو يضحك. طلب إجلاسه في وسط المرحاض انتقاماً منه وصب على رأسه ما تجمع من غائط. كانت إرادة المناضل حسن عوينة نموذجاً يحتذى به في صلابته وتحديه وإرادته الحديدية. تذكرته في تلك اللحظات الصعبة من عملية التعذيب, وكانت مساعدة كبيرة لي على الصمود والتحدي. لقد تذكرت في تلك اللحظات الحرجة الآلاف من المناضلين الشجعان الذين صمدوا بوجه القسوة والعنف الحكومي, وكانوا زاداً طيباً في تلك الساعات المرة لي ولكل المناضلات والمناضلين الذين مروا بهذه الدائرة اللعينة التي كان مديرها في أول تأسيس عراقي لها نوري السعيد طاغية بغداد في العهد الملكي.
 
اليوم السادس
الظاهرة الجديدة التي لمستها ابتداء من هذا اليوم هي أنهم قلصوا جولات التعذيب واقتصرت على جولة ليلية يحرم الإنسان بعدها من النوم بسبب الآلام المبرحة التي تلسع جسده في كل سنتمتر منه. أدخلت من قبل عبد الأسود إلى غرفة التعذيب حيث جلس كل من أدهم العاني ونوري عبد العزيز أحدهما قبالة الثاني.
بدأ أدهم حديثه قائلاً: طيب لا نريد منك اعترافاً, ولكن عليك أن توقع على براءة وعلى تعهد بعدم ممارسة العمل السياسي.
قلت: لقد تحدثنا عن هذا الموضوع. فأنا لست شيوعياً ولن أوقع على أي تعهد بنبذ الشيوعية أو نبذ العمل السياسي. فالعمل السياسي حق من حقوقي, ولكني أنا الآن طالب مفصول وسأعود إلى المدرسة وبالتالي لا أمارس السياسة حالياً.
قال أدهم: نحن نريد مساعدتك فقد أوصانا السيد المعاون يك خيراً, فلا تعقد الأمر علينا. نضع أمامك هذه الورقة ونتركك حوالي نصف ساعة تفكر في الأمر, وعندما نعود نريد أن تكون الورقة موقعة من قبلك.
سكت ولم أجب, إذ فكرت بأن كسب نصف ساعة دون تعذيب أمر إيجابي, خاصة وأنهم طلبوا لي استكان شاي وسيجارة قررت تدخينها بعد ستة أيام من عدم التدخين. تذكرت في هذه اللحظة المرة أغنية الأستاذ محمد عبد الوهاب الحزينة " .. الدنيا سيجارة وكاس للي هجروه الناس". تمتعت بالشاي والسيجارة كأني وقد استعدت شيئاً عزيزاً كنت فد افتقدته فترة طويلة, شعرت باستعادة حيويتي وقدرتي على التحمل. كانت الاستراحة قصيرة جداً فقد مرَّ الوقت بسرعة. عاد الجلادون إلى الغرفة ووجدوا الورقة بيضاء كما تركوها. الهدوء الذي سيطر على الموقف جعلني أتوقع بأن الأمر لم يعد يهمهم, فجأة وجه لي نوري عبد العزيز لكمة شرسة أصابتني في أنفي الكبير الذي يحتل مساحة طيبة من وجهي, كما أصاب جزء من عينيي. سال الدم من الأنف على ملابسي. هجم علي بكرشه الكبير وأسقطني أرضاً وبدأ بالمشي على جسمي مصحوباً بركلات في كل مكان, كانت حركاته فوق جسمي النحيف مضحكة ومقززة في آن واحد. ثم توقف عند رقبتي وبدأ يضغط عليها بقوة متزايدة. شعرت وكأن روحي تهجرني, تبحلقت عيناي وانفتح فمي دون إرادتي وتثاقل تنفسي, كدت أختنق تماماً. دفعه أدهم عني خشية أن أموت تحت قدميه وثقل جسمه. كان شكله بائساً أكثر من بؤس حالي, إذ شعر الجلاد بالاندحار أمام مقاومتي وأراد أن ينتقم لانكسار كرامته. أنهضني من يدي غير المقيدتين. جلست على الكرسي ثانية, وإذا بعبد الأسود يوجه ضربات متتالية من الخلف على يافوخي ورقبتي. شعرت وكأن شيئاً قد تفجر في دماغي ولم أحس بعدها بشيء. بعد غيبوبة لا أعرف مداها وجدت نفسي ممدداً على أرضية السرداب الرطب حيث تصدر عنه روائح العفونة الكريهة, وحيث تتحرك فيه الجرذان والصراصير وكأنها في مواقعها الطبيعية وأن موقعي هو الغريب بين هذه الحيوانات والحشرات الجائعة والنهمة. كانت البراغيث تمتص من دمي ما تشاء, إذ لم أكن قادراً على الدفاع عن نفسي. وبدأ القمل ينتشر في جسمي من خلال البطانيات التي أعطيت لي قبل ذاك ويقرصني حيث ما يشاء ويحرمني من النوم. كانت ليلة قصيرة فالضرب لم يستمر طويلاً بسبب الغيبوبة.
 
الأيام الأخرى واليوم الأخير                 
تكرر التعذيب أياماً آخر. تحملناه بإرادة مناسبة, ولكنه ترك أثاره الشديدة على أجسامنا وأوضاعنا النفسية, وأعتقد أن آثارها ما تزال تلعب دورها فينا حتى يومنا هذا. فالمعاناة شديدة من الضربات التي وجهت إلى العمود الفقري والرقبة أو إلى الرأس أو بقية عظام الجسم. والفحوص الطبية تشير على آثار تلك الأيام الحزينة.
كان اليوم الأخير هو اليوم 13, هذا الرقم المشئوم عند بعض الشعوب والمرغوب به عند شعوب أخرى. كان بالنسبة لي يوماً صعباً ولكنه قرر نهاية التحقيق والبقاء في التحقيقات عدة أيام آخر. ويوم 13 كان الأخير في سلسلة التعذيب في تلك الفترة وكان رقم 13 هو يوم زواجي السعيد أيضاً قبل 43 عاماً.
جلبت من السرداب إلى غرفة التعذيب. كان هناك ثمانية أشخاص كلهم جدد ما عدا عبد وحمزة. فرضوا عليَّ خلع جميع ملابسي. بدأت عملية الدفع والتلقف من واحد إلى أخر مع بعض اللكمات والضربات القاسية والشائن البذيئة التي يصعب تكرارها. كانت الركلات بالأحذية والبساطيل قاسية على عظام الساقين. وجوه هؤلاء الأشخاص الثمانية ما تزال مرسومة في ذاكرتي وأستطيع وصفها بدقة رغم مرور أكثر من نصف قرن على عمليات التعذيب تلك, لأنهم كانوا قساة وعتاة, كانوا مجرمين ومن محترفي التعذيب. لقد أعادوا لعبة السيجارة وشد الخصيتين والذكر. وكانت لعبة قذرة ومريعة. ثم بدأوا بالحبل والتعليق وأخيراً الشد بالمروحة. كانت ليلة ليلاء, دامت ما يقرب من ثلاث ساعات عجاف أو أكثر بقليل. فالوقت لم يعد له أهمية. نقلت بعدها مسحولاً إلى السرداب وأنا مغمي علي. وفي السرداب صبوا على رأسي ووجهي سطلاً مليئاً بالماء البارد لكي أستيقظ. لم يطلبوا مني الاعتراف أو تقديم البراءة فقد يأسوا حقاً, بل كانت جولة تعذيب للانتقام منا لا غير, إذ كانوا يأملوا أن يضعف الضحية ويعترف أخيراً أو يقدم صك البراءة لإذلال المناضل. وأخيراً أجبروا على إيقاف التعذيب وعلى احترام إرادتنا. 
لم يغمض لي جفن في تلك الليلة. إذ كانت الآلام مبرحة ومرهقة. تذكرت طفولتي وعشت في أحلام الطفولة المنعشة محاولاً نسيان الحاضر التعس. تذكرت كل الأحبة, وبالأخص والدتي التي فقدتها مبكراً. تذكرت الصبية التي عشقتها وأنا ما أزال في سن المراهقة في الربيع الخامس عشر من عمري واستمرت علاقتنا حتى بدء اعتقالي. كانت تلك القبل الدافئة ودموع السعادة الطافئة لظمأ الشباب هي الأخرى زاداً لي في تلك الأيام الصعبة. كانت هذه الجولة في شريط حياتي القصير تعبر عن حنين له لأنه لن يعود, ولهذا فهو جميل وعزيز على النفس في آن. كنت أغفو أحياناً واستيقظ أحياناً أخرى, كان نوماً قلقاً متقطعاً وليلاً طويلا مرهقاً مليئاً بالأحلام المتناقضة.                                           
وعلى صوت زقزقة العصافير وتغريد البلابل عشت آخر أيام وجودي في التحقيقات الجنائية من أوائل عام 1956. لقد انتهى فترة التحقيق والتعذيب, ولكنهم أبقوني ورفيقي أبو نجم لتشفى بعض جراحنا وتتراجع الكدمات في وجوهنا قبل نقلنا إلى موقف السراي.
بعد يومين أو ثلاثة نقلت ومعي أبو نجم إلى موقف السراي حيث قضينا فيه ثلاثة شهور, التقينا في حينها بعدد كبير من المناضلين. كانت لموقف السراي زنزانتان. كانت واحدة للسياسيين وأخرى لمعتقلي الحق العام ومتجاوزي الحدود. كانت الزنزانة التي وضعنا فيها لا تتسع لأكثر من عشرين معتقلاً, في حين كان العدد يصل إلى أكثر من أربعين شخصاً في غالب الأحيان. وفي هذا الموقف التقيت لأول مرة بالأخ والصديق المناضل الأستاذ جلال الطالباني والأستاذ حبيب محمد كريم, حيث اعتقلا بعد عودتهما من مهرجان الشباب في وارشو, عاصمة بولندا, وحيث التقى الطالباني بعد المهرجان بقائد الشعب الكردي الراحل الملا مصطفى البارزاني في موسكو, حيث كان يقيم والكثير من افراد عائلته والمناضلين الكر في المهجر السوفييتي منذ عام 1946 بعد سقوط جمهورية مهاباد في كردستان إيران. كما التقيت في موقف السراي بالكثير من الشيوعيين اليهود الذين رفضوا الهجرة إلى إسرائيل ولكنهم أجبروا عليها, ومنهم موشي قوجمان ويعقوب كوهين. وكان معنا في الموقف هادي هاشم, الشخص الذي سلم قيادة الحزب الشيوعي العراقي إلى أجهزة البعث الأمنية في عام 1963 وقتلتهم جميعاً تحت التعذيب. كما التقيت بسليم إسماعيل وخليل إسماعيل الشيخلي المقيمان في برلين حالياً, والكثير من الشهداء, مثل د. محمد صالح سميسم وحميد الدجيلي وعلى الوتار. وكان السيدان عبد العزيز البدري وحسين أحمد الصالح قد اعتقلا وقضيا معنا أياماً لطيفة ومنعشة من النقاشات الحيوية, وكانا في قيادة حزب التحرير الإسلامي. كما التقينا بالشاعر عبد الرزاق الشيخ علي في هذا الموقف. كان ينشدنا في لحظات التألق نشي المقاومة الإيطالية " أفونتي بوبولو بانديرا روسا ...". 
بعد الحكم علينا نقلنا إلى سجن بغداد ومنه إلى سجن بعقوبة. وفي سجن بغداد المركزي مارس لطفي الخزرجي, مدير السجن, وكان جلاداً شرساً معروفاً لدى كل السجناء السياسيين في العراق بوحشيته وخبثه, جولة مرعبة من التعذيب الهمجي بعد أن وضعنا في الانفرادي قرب سجن الإصلاحية وفي الممر الطويل الرابط بين سجن الإصلاحية والانفرادي والبوابة الخارجية للإصلاحية. مارست شرطة السجن التعذيب والإرهاب والتخويف, حتى يئسوا من إسقاطنا سياسياً بتقديم البراءة فتركنا لفترة على مقربة من قاووش النابذين, أي الذين قدموا البراءات, بهدف التأثير النفسي علينا, إلا أن هؤلاء السجناء شدوا من عزائمنا وأشاروا إلى الذل الذي يعيشون فيه. وفي السجن المركزي وجدنا في تلك الفترة جمهرة من خيرة مثقفي العراق وأساتذة الجامعات وطلبة الكليات الذين انتزعوا من مقاعد التدريس والدراسة ومن الحياة العامة ووضعوا في السجن بسبب احتجاجهم على سياسة حكومة نوري السعيد المستبدة التي أصدرت الأحكام العرفية وقانون يحكم على العاملين في اتحاد الطلبة والشبيبة والرابطة وما شاكل ذلك.. وكان من بينهم الدكتور الراحل صلاح خالص والدكتور الراحل صفاء الحافظ والصديق العزيز والراحل الدكتور صباح الذرة, وكلاهما عذبا وأغتيلا تحت التعذيب في فترة حكم البعث الصدامي, والدكتور أحمد الحكيم, وهو مقيم في برلين حالياً, كما كانت مجموعة كبيرة من المثقفين الذين وضعوا في معسكر السعدية لذات السبب, ومنهم يوسف العاني ومظفر النواب وعبد الملك نوري ... الخ. ولم تخلوا المواقف والمعتقلات العراقية في تلك الفترة من الكرد والكرد الفيلية الذين كانوا يساهمون في النضال القومي والوطني مع بقية العراقيين وكونت صداقات مع عدد كبير منهم.
ما زال في ذاكرتي وجه ذلك المواطن الكردي الفيلي الطيب المبتسم أبداً, محمد جعفر, وأرجو أن لا تكون ذاكرتي قد خانتني بذكر الاسم الكامل, الذي كان يعتقل لمشاركته في النضال الوطني وكان يسفر إلى إيران عبر البصرة بصحبة شرطيين يحرسانه حتى عبوره شط العرب وتسليمه إلى الشرطة الإيرانية في المحمرة. كان الشرطيان يعودان إلى البصرة ليغادرا منها إلى بغداد. وقبل مغادرتهما كانا يجلسان في مقهى في العشار لتناول الشاي. كانت الشرطة الإيرانية تطلق سراح محمد جعفر مباشرة, إذ أنه غير متهم بشيء في إيران, كما أنه ليس من مواطنيها, إضافة إلى أنها كانت تقبض شيئاً من الرشوة, فيعود منها مباشرة إلى وطنه العراق ويجلس في ذات المقهى التي يجلس فيها الشرطيان, فيلتقي بهما ويدفع عنهما ثمن الشاي. وكانا يشكرانه ويغادران البصرة سوية على بغداد وفي بغداد يأخذ كل منهما طريقه دون أن يفكرا باعتقاله فقد انتهت مهمتها بعد تسليمه إلى الشرطة الإيرانية. وهكذا كانت تتكرر هذه المسرحية مع محمد جعفر وغيره من الكرد الفيلية مرات عديدة كل عام. لقد بدأت الإساءات للكرد الفيلية في العراق ومحاولة اعتبارهم من تبعية إيرانية منذ العهد الملكي, ولكنها توقفت في العهد الجمهوري الأول وفي ظل حكم عبد الكريم قاسم حيث أنصفهم الرجل واعتبرهم مواطنين عراقيين أصليين, كما هو حال بقية المواطنين, وهو أحد الأسباب الذي ما يزال الكرد الفيلية يتذكرون قاسم بالخير ويقدرون له موقفه المنصف. لكنها المضايقات والإساءات والتعذيب والقتل ضد الكرد الفيلية برزت بشكل حاد في ظل حكم البعث الأول وحكم القوميين من بعده, ثم اشتدت وتفاقمت بشكل مرعب في عهد النظام البعثي الثاني وخاصة في النصف الثاني من العقد الثامن من القرن العشرين حيث فقد الآلاف من الشباب الفيلية حياتهم وهُجَّر عشرات الألوف منهم قسراً إلى إيران وغيرها من البلدان. 
رحلنا بعد أسبوع واحد إلى سجن بعقوبة حيث قضينا فيه فترة المحكومية, ورحلنا منه إلى بدرة, مدينة المنفيين السياسيين العراقيين.
وفي سجن بعقوبة استقبلنا علي زين العابدين, وهو أحد ابرز جلادي السجون العراقية, بكروان أصلي (حملة تعذيب جماعية) نظمها لنا مدير السجن ومساعده عباس الجابر, من أهالي منطقة ال?ريعات في بغداد, حال ولوجنا البوابة بين السور والبناية. إذ وقفت مجموعتان كبيرتان من شرطة السجن في صفين متقابلين لتحيتنا وهم يحملون الهراوات والعصي الغليظة وعود الخيزران. بدأوا بضربنا ومطاردتنا ومحاولة إصابتنا في كل مكان. لقد كانت مطاردة وحشية حقاً, كنا نحاول الإفلات من ضرباتهم, وكانوا يحاولون إنزال أكثر ضربات ممكنة على يافوخنا وظهورنا. لقد كانت جولة مدروسة لبث الرعب في نفوسنا. وكانت تنظم لكل قادم جديد. كان الضرب غادراً وقاسياً, كان موجعاً للكرامة والجسد والعقل في آن واحد. تحملناه على مضض. وبعد ساعة من هذه الجولة استقبلنا مدير السجن المعروف بعشقه لتعذيب الآخرين وساديته. جلس الدكتاتور الأهوج وراء منضدته, حيث تنتصب خلفه وعلى الجار مباشرة صورة للملك الشاب فيصل الثاني, معلناً عن امتلاكه الحق في ضرب وقتل من يشاء دون رقيب أو حسيب. وجه لنا التهديد والوعيد بأنه سيجعلنا لن ننساه طوال حياتنا, وعلينا أن ننبذ الشيوعية والسياسة. بعدها وزعنا في زنزانات انفرادية. قضينا فيها الفترة المتبقية من الحكم وتعرفنا على الكثير من السجناء السياسيين الذين لعبوا دوراً فكرياً وسياسياً بارزاً في تاريخ العراق السياسي طيلة السنوات المنصرمة.
أثناء وجودي في السجن تعرفت على الشاعر ونصير السلام الراحل عبد الرزاق الشيخ علي, ثم عشت جاراً له في بدرة. كان مدير السجن, علي زين العابدين يزور بعض السجناء لاستفزازهم من خلال الدخول بحوار سياسي أو فكري معهم, خاصة بعد أن يكون قد تعاطي الكحول بكميات كبيرة. وكان أثناء الحوار الليلي يغضب ويطلب من حراسه ضرب السجناء أو جلدهم أثناء الليل أو النهار. ومن بين الأشخاص الذين حاول باستمرار مشاكستهم وإثارتهم وبالتالي معاقبتهم بالضرب كان الشاعر عبد الرزاق الشيخ علي. لقد كان بعد كل حوار من هذا النوع يطلب من جلاوزته الجبناء أن يضربوا الشيخ الوقور, الذي تجاوز حينذا سن الخمسين عاماً, بالأحذية والبساطيل على رأسه ورقبته وإيذاء الحبل الشوكي. لقد تكرر هذا المشهد مرات عديدة وقاد إلى إصابة الشيخ الشاعر بمرض الأعصاب والابتلاء بالشزفرينه. وقد عانى من هذا المرض كثيراً أثناء وجوده في بدرة, وكان المناضل القديم فرج يوسف, المقيم حالياً في برلين, أحد قاطني الدار الخامسة في بدرة مع عبد الرزاق الشيخ علي, وله ذكريات كثيرة معه.
بعد انتهاء فترة الحكم تم ترحيلنا, أبو نجم وأنا, مقيدين بالكلب?ات إلى بدرة, هذه المدينة الحدودية ذات الروبار الواسع الذي يفصل بين منطقة المبعدين والمدينة القديمة, هذه المدينة الحدودية التي أنجبت الكثير من المناضلين الطيبين وفي مقدمتهم المناضل عبد الصاحب البدراوي, نصير السلام وعضو المجلس الوطني لحركة السلام العراقية في الخمسينيات من القرن الماضي ووالد الدكتور الديمقراطي راجح البدراوي, المقيم حالياً في برلين. وبدلاً من بقائي سنة واحدة في بدرة, مددت الشرطة هذه الفترة لما يقرب من سنة ونصف السنة حيث عدت منها بحكم جديد إلى بعقوبة لألتقي مع كوكبة جديدة من المناضلين الشجعان, ومنهم الشاعر الكردي الكبير والراحل عبد الله ?وران وجمهرة كبيرة من السجناء السياسيين الذي لعبوا فيما بعد دوراً مهما في الحياة الفكرية والسياسية والثقافية العراقية. ولي بعض الذكريات الطريفة مع شاعر الأمة الكردية الكبير عبد الله ?وران. كان ذلك في عام 1958 وقبل سقوط النظام الملكي بشهر واحد, حيث أطلق سراحي في 8/6/1958 لأقدم إلى محاكمة جديدة بسبب اعترافات حزام عيال, إلا أن ثورة تموز هي التي ألغت ملفات هذه القضية.                
            
ملاحظة: لم يكن التعذيب الذي شهدته هو الأعتف وبكل تواضع, ولكنه نموذجاً لما كان يحصل في العهد الملكي, نموذجاً أكثر من اعتيادي في تلك الفترة, ولكن مناضلات عراقيات ومناضلين عراقيين آخرين تعرضوا لعذابات ومعاناة أكبر أثناء التعذيب, ولكنهم صمدوا ورفعوا اسم المناضلين العراقيين في سبيل الحرية والديمقراطية والسيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية عالياً أيضاً في سماء العراق الحبيب.
لم أكن راغباً بأي حال في تسجيل ذكرياتي الشخصية, إلا أن ترديد السيد علي بن حسين المطالب بالعرش في العراق التي تحدث فيها عن الجنة العراقية في زمن أسرته الحاكمة وعدم معرفته الجيدة بتاريخ العراق وأسرته في بغداد هي التي دفعتني إلى تسجيل هذه اللوحة المكثفة كمقطع صغير من حياة العراق حينذاك. 
برلين في 26/06/2004                                                  كاظم حبيب            
       
 
 
                                             
                                **********************

·  التحقيقات الجنائية هي دائرة الأمن العامة في العهد الملكي. كان مدير التحقيقات الجنائية بهجت العطية, وكن نائل عيسى نائبه. وقد شكلت هذه المديرية في فترة الاحتلال الأمريكية وكان نوري السعيد أول مدير لها. ك. حبيب
°   أعتذر للقارئات والقارئين على إيراد بعض الشتائم التي كان يتفوه بها كل العاملين في جهاز التحقيقات الجنائية تقريباً وخاصة أولئك الذين يمارسون التعذيب ضد المعتقلين, وقد امتنعت عن ذكر أقذع الشتائم التي كانوا يتفوهون بها هؤلاء الناس, وكانت تعبر عن تربيته في البيت والشارع وفي الجهاز, وذكر بعضها مفيد لشبيبتنا ليعرفوا كيف كان التعامل في العهد الملكي البغيض. ك. حبيب   
à   المقصود هنا بكلمة سيد التسمية التي تطلق على العالئة التي يقدر أنها تنحدر من أل بيت رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد مطلب (قريش),  ولم أكن كذلك, ولكن كنت خالاً لأبناء مثل لعائلة التي تنتسب لآل الهاشمي. ك. حبيب 
°  أبو إسماعيل كنية تقليدية يخاطب بها في العراق كل شرطي, في حين كنية الجندي هي أبو خليل. ك. حبيب 



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلقة الخامسة- المهمات الخاصة بمرحلة الانتقال 5-5 مهمات بنا ...
- المهمات الخاصة بمرحلة الانتقال - الحلقة الرابعة
- المهمات الخاصة بمرحلة الانتقال - الحلقة الثانية
- المهمات الخاصة بمرحلة الانتقال - الحلقة الثالثة 3-5
- حوار عن الهوية مع صديق عبر الهاتف
- مفهوم الصدّامية في القاموس السياسي الحديث
- هل من سبيل لمواجهة الإرهاب المتفاقم في العراق؟
- هل مَن تَعرضَ يوماً للتعذيبِ, يرضى بتعذيب حتى جلاديه؟
- العراق وفضيحة التعذيب في السجون العراقية (1-4 حلقات) الحلقة ...
- هل من نهاية قريبة للإرهاب والاحتلال ومآسي القسوة والتعذيب في ...
- الخواء والاغتراب هي من أبرز نتائج المؤتمر القومي العربي الخا ...
- الخواء والاغتراب هي من أبرز نتائج المؤتمر القومي العربي الخا ...
- الأفكار الأساسية لمحاضرة حول -مستقبل الديمقراطية وحقوق الإنس ...
- التعذيب النفسي والجسدي للمعتقلين في العراق انتهاك شرس لحقوق ...
- ألا يريد مقتدى الصدر أن يتعلم من دروس الماضي القريب؟
- سياسة الإدارة الأمريكية في العراق كالمستجير من الرمضاء بالنا ...
- رسالة مفتوحة إلى الأخوات والأخوة العرب والكرد وبقية القوميات ...
- لِمَ الاحتراب ما دمنا قادرين على الحوار؟
- هل يعني نقل السلطة التمتع بالاستقلال والسيادة الوطنية؟
- ما الدور الذي يمكن أن تلعبه القوى الديمقراطية العراقية في ضو ...


المزيد.....




- طلاب في جامعة كاليفورنيا يتظاهرون دعمًا للفلسطينيين.. شاهد م ...
- شاهد - مئات الإسرائيليين يتظاهرون ضد حكومة نتنياهو
- ماذا لو صدرت مذكرات اعتقال دولية بحق قادة إسرائيل؟
- حراك الجامعات الأميركية يتواصل رغم الاعتقالات ويصل كندا
- انتقاد أميركي للعراق بسبب قانون يجرم العلاقات المثلية
- نتنياهو يشعر بقلق بالغ من احتمال إصدر الجنائية الدولية مذكرة ...
- لازاريني: المساعي لحل -الأونروا- لها دوافع سياسية وهي تقوض ق ...
- تظاهرات حاشدة في تل أبيب تطالب نتنياهو بعقد صفقة لتبادل الأس ...
- سوناك: تدفق طالبي اللجوء إلى إيرلندا دليل على نجاعة خطة التر ...
- اعتقال 100 طالب خلال مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين بجامعة بوسطن


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - كاظم حبيب - ذكريات مُرّة في ضيافة التحقيات الجنائية في العهد الملكي·! -في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب-