أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان عارف - حين نصبح خارج نطاق الحياة....















المزيد.....

حين نصبح خارج نطاق الحياة....


حنان عارف

الحوار المتمدن-العدد: 3006 - 2010 / 5 / 16 - 15:59
المحور: الادب والفن
    


أيضا و أيضا و عن تلك الشهوة المسماة موتا فبعد أن كنا نحسد صاحب موكب زفاف يمر أمامنا أصبحنا في زمن نسعد لمرور جنازة احدهم و نحسده لأنه أخيرا حظي بالراحة الأبدية .
بعد أن أصبح في قلوبنا من الألم و في روحنا من اليأس و في داخلنا من الفراغ و العدم ما يجعلنا نتمنى الموت و نشتهيه بل نطلبه بإصرار و الأمر لم يعد يقف عند هذا الحد ....
لم اعد أقف أمام صالة عرس تنبعث منها أغاني الفرح و الأمل بالمستقبل , ولم تعد تعنيني وعود العروس للعريس ووعوده لها بحياة ملؤها السعادة , لم أعد استطيع سماع الضحكات الصارخة و الأصوات الصاخبة الصادرة من داخل الصالة و الغير قادرة بقوتها على هز الستارة أو تحريك شيء في داخلي سواء بسواء .
هل يتبادلون الابتسام أم أن الكل يعتقد بأنه يضحك على الآخر فتلمع في الأعين نظرات الحقد و الكره و الحسد في الوقت ذاته ترتسم الابتسامة على الوجوه.
لا يوجد هناك غير الورود التي تضحك من الجميع فهي موجودة دائما رغم حياتها القصيرة, حاضرة و بكل قوة.
تلك الوردة التي كانت مفتاح علاقتنا معا و أول هدية تصلني منه و بعد ذلك سيهديني زهرة يوم زفافي وغدا يحمل زهرة إلى المستشفى أثناء مرضي , و يغرق سيارة نعشي و قبري بالورود بعد وفاتي !
لعل مشهد الجنازة هو ما يستوقفني , تأمل المقبرة هو ما يدهشني , عالم الأموات هو وحده ما يثيرني ..
اسمع ضحكات تصدر من داخل المقبرة تنبأ عن عالم من السعادة و الراحة النفسية و الجسدية و و و
أشخاص غابوا ربما حين قرروا ذلك, حين قرروا التخلي عن عالم الأحياء بكل ما فيه من قذارة, ضحكوا من الدنيا وعليها و علينا ورحلوا ....
أرى طيفا يسير بين القبور لعله يقوم بزيارة احد الأصدقاء هناك يرقد قي قبر بعيد عنه , أطيافا كثيرة تتجول فرحة و كأنها تقول للعالم نراكم و لا تستطيعون رؤيتنا .
طيف جريء يقترب و يقترب مني يدعوني للدخول فاتحا لي باب المقبرة المغلق يرمقني بقلق وأنا واقفة بخجل حائرة هل ادخل أم لا ؟ يسألني سؤال العارف : لماذا الحزن بادٍ على وجهك و إشارات الموت واضحة عليه أكثر من وجهي ....
هل لازلتم تعانون ؟ هل لازلتم تختنقون ؟ هل لا تزالون مقيدون ؟ هل لا تزالون مستحقرون في الخارج ؟ غرباء في الداخل ؟ هل لا تزالون مكتومون مهمومون مسحوقون مذلولون ؟ و هل لا تزالون بعد كل ذلك صامدون !!
لم أستطع الإجابة و دمعة تدحرجت من عيني لتروي ارض المقبرة ...
ضحك الطيف و نادى أصدقاءه :" تعالوا تفرجوا .... تعالوا اسمعوا " اقتربوا مني و تهيئوا لعقد مؤتمر صحفي لي و بدأت الأسئلة تمطرني بعد أن كنت أنا من يوجه السؤال في الندوات و المؤتمرات و أطالب دائما بإجابة واضحة صريحة و شفافة و في كل مرة لا أحصل عليها .
اقترب طيف شابة جميلة و سألني كم عمرك ؟ أظنك صغيرة و لكن وجهك يحمل خيوط شيخوخة مبكرة سببها هموم كبيرة و أحلاما لم تتحقق و آمال خابت .
أظنك بنفس عمري حين توفيت منذ ثمانية عشرة سنة و لكني لا أزال شابة و من كان اصغر مني في ذاك اليوم هو الآن اكبر بكثير و لا يذكرني إلا و أنا شابة جميلة ,لقد توقف عمري و انتم تكبرون . و أضافت : احرصي على أن يكون لك صور كثيرة دائما فآخر صورة لك هي كل ما يتبقى منك بعد أن ترحلي لذا دعيها تكون جميلة و كوني سعيدة فيها! ابتسمت بصمت كم من حِكم تصدر عن هذا الطيف .
و طيف آخر حاول أن يستفزني بأسئلته المنوعة عن الحب و الحرية و الكرامة و الإنسانية ...
صعد الدم إلى رأسي و نار بدأت تتقد في قلبي و هو على ما هو لم يطرأ عليه أي تغيير و ضحكة منه دوت في سماء المقبرة صارخاً بوجهي: ماذا تستطيعين أن تفعلي معي أن تقتليني ! لقد متُ مرة و لن تستطيعِ قتلي ثانية أما انتم أيها الأحياء تموتون كل يوم ألف مرة و كل مرة مختلفة عن سابقتها تختبرون في كل مرة نوع جديد من الألم و العذاب !
و مداخلة أتت من ثالث أما أنا فقررت موتي و لم انتظر أن أموت قهرا , وجهت المسدس إلى فمي و أطبقت شفاهي عليه و كأنه حبة كرز ...و ارتحت حين سمعتُ صراخا من حولي و سعدتُ حين لمحتُ الندم على وجوههم لسوء معاملتي, و أجمل ما في الندم انه يأتي بعد فوات الأوان .
ثم صرخوا صرخة واحدة : لن تستطيعوا التحكم بنا بعد الآن ... بل نحن من نتحكم بحياتكم ... طيف مسن قال : أصبحت الآن أرى أولادي أكثر و في مواعيد منتظمة اعرف أنهم سيأتون لزيارتي فأتحضر لهم و كنت فيما مضى أترقب تلك الزيارة كل يوم و لا يأتوا .
الآن يحضرون في صباح اليوم الأول من العيد يحملون الآس , يأتون بحكم العادة أو التقاليد و ربما خجلا من الجيران و الأقارب ... صديقه أضاف معلقاً: بعد مماتي تحكمت بعائلتي من خلال وصيتي , ظنوا أنفسهم أذكياء فأصبحوا يحسنون معاملتي فقط و أنا على فراش الموت و يفرطون في تدليلي متنافسين فيما بينهم من سيأخذ الحصة الأكبر من الميراث و بعد مماتي تفاجئوا بوصيتي, لا اعرف الآن إن ندموا و لكن على كل الأحوال الأوان قد فات .
و عقب آخر لم اترك لهم وصية و إنما سر يعذبهم بقية حياتهم , لغز لن يتمكن احد من حله فمفتاحه بيدي أنا وحدي ,رحلتُ و أنا متمسك به حتى آخر لحظة رغم كل توسلاتهم لي للبوح و أنا الفظ أنفاسي الأخيرة فضلت أن يبقى سر للأبد غير آبه بما سيحصل من بعدي , غير آبه بالراحة التي سيتلقاها كثيرين في حال أفشيت سري و لكن هكذا كان انتقامي عن لحظات ألم عشتها و لم يهتموا لأمري .
الجميع يتحدث و أنا أنصت بعيون ملأها الشرود , أتأمل عالم كان كل الوقت غريباً عني و أنا اشعر أني الآن جزء منه , عالم خارج نطاق الحياة، أطفال وشباب وكبار يعيشون كالأحياء، لا يختلفون عنا إلا بقلوبهم التي توقفت عن النبض، استقروا بجوار بعضهم البعض ، في راحة عنا.
يصفون لحظات الاحتضار وعملية الموت وما يشاهده الإنسان في لحظاته الأخيرة، عرض كامل لسيرة حياته، ومشاهدته لنفق في نهايته ضوء أبيض، بعضهم من توفي أثناء عملية جراحية تحدث عن مراقبته للأطباء وهم يقومون بإجراء العملية له وهو يمد رأسه من فوق رؤوسهم و يتأمل لحظاته الأخيرة .
لحظات الموت سريعة ولا رجعة فيها, يموت القلب بشكل كامل وتبدأ الأعضاء الأخرى بالتلف ، ويبدأ الدماغ بالتحلل وتعلن الوفاة.
هنا فقط يشعر بالارتياح، يتصور أن مشكلته قد حلت، وتتداخل الصور عنده و الذكريات و يبدأ رحلة جديدة هنا فقط قررت أن أبدأ رحلتي قبل فوات الأوان ركضت مسرعة و فجأة شعرتُ بنفسي أطير محلقة في الفضاء نظرت للأسفل لأرى كل شيء صغيرا و تافها و لا معنى له حاولت أن التقطت الهواء بيدي أن أسابق طيور السماء أن امتطي حصانا من الغيوم فأنا في عجلة من أمري اشتقت إلى والدتي كثيرا أريد أن ابكي بين ذراعيها أريد أن اعترف لها أني أحبها كثيرا أريد أن أطلب منها أن تسامحني 100 مرة و أنا أدرك جيدا بأنها فعلت من المرة الأولى و دون أن اطلب ذلك , أريد أن يمسك والدي بيدي لأنني اعرف انه لن يفلتها أبدا و كثيرا ما حاولت أنا إفلات يده و التمسك بيد أخرى غريبة عني سأشعر مع والدي بالأمان سيبقى يحميني و يحبني مهما فعلت فانا لا أزال ابنته المدللة .
أريد أن اعتذر من أصدقائي و أحبائي و اطلب غفرانهم عن أخطائي التي ارتكبتها بحقهم و أخطائهم التي ارتكبوها بحقي و لاسيما شخص طالما اعتبرته نصفي الثاني لا بل هو أنا و أنا هو , و فجأة وجدت نفسي اهبط أمامه
آه... اشعر بقلبي ينفطر اشعر بأن لي دهر لم أراه و لاسيما بعد المشادة الأخيرة التي حصلت بيننا و فيها قررنا أن نبتعد عن بعضنا البعض ناسين حب كبير جمعنا معا بسبب أشياء أدركت الآن أنها اصغر من صغيرة !
كان يجلس في مكانه المعتاد مستغرقا في حزن و كآبة لا حدود لهما فلم ينتبه لوجودي , جلست في الجهة المقابلة له أختي فأشرتُ لها بان تلتزم الصمت نفذت طلبي دون أن تعرني أي اهتمام, أقربتُ قليلا لأسمع صوته الذي طالما أحببته كان يتحدث عني بصوت منخفض حنون حزين تقطعه فترات صمت مبللة بالدموع قال انه نادم على كل ألم سببه لي , قال انه يسامحني على أي حزن سببته له قال انه بحاجتي و يحبني و يريدني معه و لكنه لا يستطيع بعد الآن أن يضمني بين ذراعيه .
أفزعني ما سمعت لماذا ؟ أردت أن اصرخ أن أقول له بأنني أنا أيضا أسامحه و أنني بحاجته و لا أريد أن يبتعد عني ثانية, اقتربت أكثر لكنه لم يشعر بوجودي لم ُيشم رائحتي , همستُ بأذنه " أحبك " فسالت دمعة على خده و قال أحبك كثيراً .. أين أنت الآن " صرخت أنا هنا , أمسكته من كتفه و حاولتُ هزه بكل قوتي لكنه لم يراني و استغرق في البكاء أخبرته عن رحلتي في عالم الأطياف أشرت لأختي بان تهدئه لينتبه لوجودي لكنها أيضاً لم تستطع رؤيتي بعنين ملأتهما الدموع حاولت أن أضمه فنهض و تركني جاثية على الأرض , دخل إلى الغرفة المجاورة, لحقتُ به , اخترق حشد كبير متشح بالسواد و الحزن بادٍ عليه جثا على ركبتيه و طبع قبلة على جبين فتاة كانت مستلقية في وسط الغرفة ... آه يا الهي إن هذه الفتاة تشبهني كثيرا نظرت إلى نفسي من جديد انتبهت لأول مرة للدماء التي تغطي جسدي و ثيابي عندها فقط تذكرت الحادث الذي أصابني حين خرجت من المقهى غاضبة مسرعة بعد لقاءنا الأخير معا , عندها فقط أدركت أن الأوان قد فات كما قال لي الطيف تماما , عندها فقط أدركت أنني لست إلا طيف مثله و أن رحلتي في عالم الأموات كانت قد بدأت الآن .

على الهامش :
التقاليد : هي العادات التي يفرضها الأموات على الأحياء
المرحوم : إنسانٌ محظوظ ينسى الناس سيئاته , وينسبون إليه حسناتٍ كان مجرداً منها في حياته
القبر : المأزق الوحيد الذي لم يتمكن أحد , حتى الآن أن يخرج منه

يجب أن تكون عندنا مقبرة جاهزة لندفن فيها أخطاء الأصدقاء



#حنان_عارف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعضاَ من الحب إن أمكن ....
- عن تلك الشهوة المُسماة .... موتاً
- ذاكرة لها رائحة.......
- أدونيس و البحر و قصابين ...
- .. ثم افتحوا لي أبواب دهشتي
- أدونيس الذي يجهل نفسه يؤكد بأن الله لم يعد لديه ما يقوله!!!!
- أخطو خطوة أخرى إلى الأمام ...
- حلم ليلة حب ...
- لا أشياؤنا... وأشياؤهم
- عيد للأم!! لا تؤاخذوني...
- لماذا لا يحب الناس في لين وفي يسر ؟؟؟
- أمنيات غير حقيقية ..لعام لم يأت بعد ...
- من كان بلا خطيئة فليرجمني بحجر...


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان عارف - حين نصبح خارج نطاق الحياة....