رسالة إلى معتقل في سجن تدمر العسكري , من خواطر زوجة سجين سياسي ؟ - 21

مريم نجمه

الحوار المتمدن-العدد: 2987 - 2010 / 4 / 26 - 23:40
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    

لا تيأس يا رفيقي .. لا تيأس في سجنك الصغير
فأنا معك سجينة أيضاً , في السجن الكبير .

لم أتفوّه بكلمة صغيرة أو كبيرة أمام أحد - يمكن أن يفسرها الاّخرون , أو العدو يأساً أو تأففاً أو تهاوناً في القيام بواجبي , والدفاع عن وجودي , كإنسانة مضطهدة , وتتحدّى الإضطهاد .
أنت تعيش الوحدة والإرهاق والتعذيب حقاً –
تعيش المجابهة والشلل , بعيداً عن الفعل والحركة بين الجماهير , والناس والأهل والعائلة ..
نعم أنا معك ,, صحيح كل ذلك , ,إنها حياة السجن لا شك يا عزيزي
حياة قاسية مريرة , تتحملها بإعصابك بضلوعك بعيونك بفكرك وعقلك وقدرتك على تحمل الصعاب ومراحل النضال مهما تلونت , بقلبك الكبير , وحبك الأكبر للوطن والشعب .

لكن سجني أنا يختلف يا رفيقي ,
عذاباتي من نوع , وألم اّخر –
ألم غير مرئي .. وغير محدود .. ولن يحصى مصدره اليومي .
في الشارع حيث " الكلاب البوليسية السرية " مع الأجهزة الحديثة في كل شبر
تتبع خطانا في جميع الإتجاهات , ومن جميع المسافات
يبتدئ من جدار بيتنا , وحارتنا .. حتى جدار , وطاولة العمل ! ؟

شريط واحد من الضباب الأسود , ورتل مقيت من الحشرات السامة , تبث يومياً السموم , وتلوث الهواء النظيف حولنا –
تسمّم ببطء ودون أن يشعر بها أحد , بطريقة غير مباشرة وغير مرئية , إلا في اّلات الرصد الحديثة " التكنولوجية العصرية " في خدمة الجلاّد ..!
تلتقط الهمسة والكلمة والحركة
هي ضد الإنسان .. ضد الشعوب .. ضدالحرية .. والعلاقات الإنسانية .. وكل ماهو مقدس !!؟

أنا مراقبة ومضطهدة أيضاً مثلك . في البيت , والحي , في زياراتي , تنقلاتي , في العمل , في عبودية العمل , ونوعية الجهاز الإداري البرجوازي البيروقراطي , العفن , الذي تحدث عنه المعلم ( لينين ) بوجوب تحطيمه , وتغييره , بثورة إدارية شعبية- ( بثرثرته , بتحامله , بروتينيته باستعباده للموظف ) الإنسان الذي يصبح اّلة ميكانيكية مستنفذة قوتها - يفقد مع الزمن إنسانيته ومشاعره كإنسان . .
بالحياة اليومية المليئة بالمتاعب والهموم والواجبات والمسؤوليات -
فالمرء مطارد ومطالب بأن يكون بضاعة رخيصة جداَ أمام تكرش الكبار وأوامرهم الفوقية واستغلال قدرات الإنسان ومواهبه ..؟
...........

في كل يوم أصلب ألف مرة
في كل يوم .. أستشهد كم مرّة ؟
في الليل الكتابة بالدموع , وفي النهار العمل والجهد والمشاق والتعب
في الليل انتظار وعمل أيضاً , ووجع وسهر وأرق
وفي النهار , المواجهات , والتحديات , والإمتحانات .

في النهار الصدامات والمحاربة اليومية مع العقارب , التي تحاول أن تلسع أفراد أسرتي , وتحيط بصغاري من كل الجهات !
أناضل وأجتهد , وأجهد لكي أحميهم بجناحي , بقدرتي على المراقبة , أدور حولهم لأبعد الخطر , أراقبهم باستمرار ( عيوني عشرة عشرة ) , لأبعد أذى الحشرات السامة , لأمنعها من الإقتراب .. كي لا يصل السم إلى الجسد الغض البريء لئلا ينهار , فتموت كما مات غيرها بالسم الأصفر الخبيث , المعادي لتاريخ الشعوب المضطهدة !؟
.. ( القلعة لا تؤخذ إلا من الداخل ) هكذا يقال في العلم العسكري , وهكذا يخطط النظام الديكتاتوري العسكري ضد كل معارض عنيد مع عائلته وأسرته !؟
حاول النظام الفاشي اللئيم الحاقد على كل فكر ثوري تحرري وتقدمي أن يدمر ويحتل منذ أول يوم لإعتقالك ما نقبض عليه بأرواحنا وعقولنا وأيدينا من موانع صلبة لا يقوى على اقتحامها مهما استعمل أواستخدم من أساليب رخيصة وداهية وإجرامية ..,
لكنه باء وسيبوء بالفشل دائماً وأبداً طالما أنا حية وبجانبك يا رفيقي ..

هكذا إنساننا الصامد يعيش ليله ونهاره
كله تحد .. كله سير بخطى ثقيلة متعبة مغروسة بالأشواك تارة , وبالطين تارة أخرى –
ولكننا نسير – نتحدى الموت وأقفال الحياة
نسير بثقة كبيرة بالنفس , رافعين الرأس
ثابتين الأقدام
غير مبالين بمساحة المستنقعات التي تنتصب أمامنا –
اّملين أن نتخطاها بشرف ونظافة ونجاح وتفوق
لنصل إلى السهول المزروعة بالسنابل
بالزيتون والكروم .. وأغمار المناجل
في غابات الاّمال ... وأهداف وإصرار المناضل ..

كم تمنيت أن يبدأ في بلادي كفاح مسلح لأسير في المقدمة
أخوض المعارك في الصفوف الأمامية .. وخط النار
كم أنا مشتاقة لأخوض معركة ضد العدو الصهيوني الذي اغتصب أرضنا ؟
لأن العمل العسكري أسهل بألف مرة من العمل السياسي البطئ المملوء بالألغام والسجون والضربات اليومية المتنوعة الأشكال والألوان
الصمود السياسي واجب مبدئي ووطني , في الساحة في العمل في السجن و الكفاح اليومي المتعدد الأشكال ضد العدو الطبقي والسياسي الداخلي والخارجي ,
المباشر وغير المباشر...
..................دمشق / 1977

#مريم_نجمه (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل