أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض كاظم - حول غرابة الاشياء من حولنا















المزيد.....


حول غرابة الاشياء من حولنا


رياض كاظم

الحوار المتمدن-العدد: 2954 - 2010 / 3 / 24 - 10:49
المحور: الادب والفن
    



قال وهو يناولني مجموعة اوراق ...
( انها الخريطة التي ستقودك الى الغرفة كاف )...
قلبت الاوراق بحثاً عن خطوط او علامات ، فلم اجد فيها شيئاً ، لكني وجدت فيها كلمات متراصة ، مكتوبة بخط انيق بالغ الدقة ...
قال انها خريطة ثق بي ؟....
جاء ( مستر بيف العراقي ) هارباً بجلده من فلوريدا الى نيويورك المدينة التي مازلت اعيش فيها ، واستأجر شقة في نفس الشارع الذي اعيش فيه ، فنشأت بيننا علاقة صداقة ، رغم قصرها وغرابتها ، كانت هي السبب في حدوث تغييرات كثيرة في حياتي ...
كان مستر بيف مصابا بطعنات سكاكين غائرة في خاصرته ، وجميع جسده ، لذلك لم يكن يستطيع التحرك كثيراً ، كما انه لا يستطيع الذهاب الى المستشفى خوفاً من مسائلة الشرطة له ، لذلك كان يستعين بي بتوفير احتياجاته من طعام وشراب وضمادات يلف بها جراحه العديدة ، جراح عميقة وملوثة ومتورمة ، طعنات سكاكين وضربات امواس وهراوات ... جسد منهك مثخن بالجراح ...
.....انفق ساعات طويلة بتنظيفه وتعقيمه وانا ابكي ..
قال _ لماذا تبكي ؟ .. انه قدرنا ... علينا ان نحارب من اجل حياتنا .. نقاتل والا سحقونا بالاحذية ، وعلقوا جثثنا على الاشجار ... انا لااريد لجثتي ان تبقى معلقة على شجرة ...
قلت _ من هم الذين سيعلقونك على الشجرة ؟
_ اعدائي الكثار .... انهم كثار ، لكن اخطرهم خمسة زنوج مفتولي العضل ، وتاجر ايرلندي يشبه ( جيمس جويس ) ..
قلت _ من أجل ماذا ؟
قال وهو يسعل بشدة ويمسك جرحاً في صدره ..
_ لا استطيع ان اقول لك الان ، لكن القادم من الايام سيريك الكثير ، وارجو ان لا ينالك منه اذى ...
استلقى على السرير وهو يغمغم _ لاتهمني هذه الجراح ... انها لاشيء .. لا شيء .. خذ هذه الاوراق وسيتضح لك كل ما تريد ... نظر بعيني لوقت طويل ، ثم اكمل .... احذر من تاجر ايرلندي يشبه ( جيمس جويس ) ...
بعدها بساعات فارق مستر بيف الحياة ، تاركاً لي بضعة اوراق ، حملتها الى غرفتي وجلست عند النافذة أرقب الطريق ... مرت عجوز تحمل سلة فواكه ، مر ساعي البريد ، وخرج جارنا الاعزب ينظف حديقته ، زمر سائق سيارة لفتاة رشيقة تعبر الطريق ... ظهر خمسة شبان زنوج مفتولي العضل ، يحملون بأيديهم هراوات غليظة .. توجهوا الى شقة مستر بيف ، حطموا محتوياتها ثم غادروا وهم غاضبين .
في المساء نفسه ، وبعدما غادر الزنوج الخمسة الغاضبين ... جاء رجل طويل القامة ونحيف الجسد ، يرتدي بذلة سوداء ونظارات طبية ، انه حقاً يشبه ( جيمس جويس ) ... تجول في المكان ثم انسل الى شقة العراقي ، بقي فيها لدقائق ثم خرج وهو يطوح ذراعاه بغضب ....
ماذا يحصل هناك ؟ عن ماذا يبحث اولئك الناس ؟..
كنت ما ازال امسك الاوراق بيدي ...
ربما يبحثون عن هذه الاوراق أو الخارطة التي تقود الى الغرفة كاف ؟
قلبتها بفضول واخذت بقرائتها ...
(( .... اسمي الحقيقي لن ابوح لك به ، لانه ليس مهما لك ، ولا لي ... ما ارويه هو المهم ... وامل ان تحافظ على السر وتحترمه ولا تشي به او تدعيه لنفسك ... اسمي الاخر ( مستر بيف ) العراقي .... كنت ابيع التبوغ .. تبوغ فرجينية ، تبوغ البومة البيضاء ، كلفز ، فيليز بكافة الانواع ، تبوغ الاساتذة الهولنديون الخمس ، الاسود والحلو ، ووحدي في الظلمة ... احب التبوغ ... لدي ما تشتهيه من سيكار كوبي ، لدي تبوغ للجميع ... للعجائز والمتوحدين والسكارى والثكالى وللمنفيين امثالي ...
اطنان من التبوغ الغالية الثمن تحيط بي ، في غرفتي ومنزلي والحديقة ، حتى اخذ الجيران يدخنون على حسابي ... يمتصون تجارتي ، تعبي وجهدي وينفثونه في الهواء ... ياللخسارة الفادحة ... يالشقاوة الاولاد السود وعنفهم ... سلبوني كل ما املك ... سرقوا مني الدخان ...
يقفزون سياج منزلي المحصن بالاشواك وحفر الارانب وخيوط العناكب ، ثم يتسللون الى الداخل ، يبحثون عن الغرفة ( كاف ) من اجل فتحها وسرقة محتوياتها ....
اولئك الاولاد الاوغاد السبب الرئيسي في افلاسي ... اولاد سود طوال القامة ، اشداء لايهابون اي شيء ... لا يهابون العراقي العنيف الذي يسكن جلدي ...
اخذوا يهاجمونني كل ليلة تقريباً ، يقفزون السياج المحصن وينتشرون في كل مكان ، وانا احاول اقتناصهم ببندقية الصيد ... طاخ ، طاخ ... لم يمت احد ؟! طاخ ، طاخ ، طاخ ، طاخ ... لم يجرح احد ... طاخ ططخ لم يخف احد .. تك ، تك ... نفد العتاد ... تناولت الهراوة واخذت اطاردهم في الغرف وانا ارتعش من الهلع ....
سمعت اصوات سيارات الشرطة تقترب من المنزل ... هرب الزنوج الخمسة على اثر ذلك ، اما انا فاختبأت داخل الغرفة كاف ...
لن احكي لك كيف جمعت ثروتي ، لكني سأحكي لك كيف بددتها ، بعثرتها على الاشياء التافهة ، اشتريت كراسي من العاج ووسائد من ريش النعام وجواري غلاميات من جمايكا واثيوبيا ، ولوحات تافهة لكنها غالية الثمن ، اشتريت سيارات سريعة وتنين صيني تخرج النيران من فمه الرهيب كلما سعل ، ودجاجة تبيض ذهباً وديك فصيح يصيح _ الله حي ... الله حي ..
كما اني اشتريت من تاجر ايرلندي يشبه ( جيمس جويس ) ، اشتريت منه حلي الملكة ( شبعاد ) وهي عبارة عن ثلاثة قطع ( قرطان وقلادة وتاج ) ، دفعت بها كل ما املك ، لكي اعيدها الى مكانها الحقيقي ، الى بلدي الحبيب والبعيد ...
لكن ابناء الزنا ، الاولاد السود ، تسللوا الى المنزل وسرقوا كل شيء ... تقريبا كل شيء .... ولولا عناية الله لما تبقى من ثروتي شيئاً ...
اذ اني عمدت الى نقل حلي الملكة الى الغرفة ( كاف ) وخبأتها في واحدة من الجرار ، والجرار كثار ، في كل جرة مارد أو حورية بحر او قنينة خمر او افعى او تمساح ، او جرة فارغة تشبه ما في جيوبي !... او تشبه الغرفة كاف ، فاذا حدث واستطعت الوصول الى تلك الغرفة ووقعت على الجرة الحقيقة دون غيرها ، فستجد فيها الى جانب الحلي تذكرة سفر الى العراق ، من اجل اعادتها الى المتحف ...
اما اذا اخطأت ووقعت على جرة الخمر ، فستسكر حتماً ، وتنام مع حورية البحر ، وتذبح الدجاجة التي تبيض ذهباً ، وتتعشى بالديك الذي يصيح ( الله حي .. حي .. الله حي ) ، فيخرج عليك التمساح ويلتهمك ، او يشويك التنين الصيني بنيرانه ، فهو دائم السعال هذه الايام ...... )
مستر بيف العراقي
نيويورك 2009
وضعت الاوراق بجيبي ، وذهبت الى محطة القطار ، وصعدت في اول قطار متجه الى فلوريداً ....
في الطريق الجميل والساحر ، كنت المح البيوت الريفية ، ومن حولها الابقار والجياد ومصانع الحليب والاجبنان ... وكانت احب البيوت لدي ، تلك البيوت الخافتة الانارة ومن حولها عربات قديمة تجرها الجياد ، جياد ضخمة ، ضخمة جداً وبمنتصف ارجلها ( قرون ) ، كما ان هناك جياد اقزام ، واحدها يشبه طفل طويل الشعر ...
_ تذاكر ... تذاكر ... ايها السيد ...
لست ادري ماذا حدث حقاً ؟
اذ اني بدلا من ان اعطيه التذكرة ، اعطيته الاوراق ... اصابعي امتدت بطريقة لا شعورية الى الاوراق وقدمتها له ، تطلع الرجل بها قليلا وارتسمت على وجهه ابتسامة خبيثة ...
كان طويلا ونحيفاًً بملابس الجباة الرسمية ، ويضع على عينيه نظارات طبية غليظة ... انه يشبه شخص اعرفه .. رأيت صورته على غلاف كتاب او جريدة ... كاتب .... جيمس جويس ؟
نعم انه جيمس جويس الذي حذرني منه ، مستر بيف العراقي !
اخفى الرجل الاوراق بمعطفه وغادر القاطرة مسرعاً ..
شعرت للحظة اني قد خدعت ... شخص ما خدعني ... اخذ مني الخريطة التي تقود الى الجرة والحلي وتذكرة السفر الى العراق ..
صرخت وانا اجري خلفه ..
_ ايها السيد ... ايها السيد ...
لكنه اختفى بين زحام المسافرين ، اختفى وكانه لم يحظر اصلاً ..
اثناء بحثي عنه ، رايت مسافراً يقرأ برواية ( يوليسسز ) ، المسافر كان يرتدي قبعة ايرلندي ونظارات طبية غليظة ...
قلت _ ايها السيد .. هل رأيت شخصاً يشبه جيمس جويس ؟
تنحنح الرجل وقال _ انا مستر جيمس جويس .. ايها السيد ؟
قلت _ حقاً ؟!
قال الرجل _ نعم ، وهذه رائعتي ( يوليسسز ) ... ثم اردف .... _ هل قرأتها ... اقصد الرواية ؟ ... روايتي ؟
كان الرجل يشبه ( جيمس جويس ) ، لكنه ليس ذلك الكاتب الذي كنت اتصوره ، وأعرفه وقرأته ، انه مجرد محتال ...
غادرت الرجل مسرعاً ، ابحث عن جيمس جويس الاخر الذي اخذ مني الورقة ، التي بها سيستدل بها على الغرفة كاف ...
نهض خلفي وهو يصرخ بصوت مبحوح ..
_ انتظر .. انتظر ... لا تذهب خلف ذلك الرجل .. انه خطر جداً .. ماهر بالقتال ، لا يستخدم سلاحاً سوى السكين ..
سمعت قهقهة تنطلق من خلفي وانا اغادر عربة القطار ...
بعض الناس ، يظن ان المغامرة مجرد نزهة ، نستقبل بها ، المفاجأة والاثارة والتغيير ، كأنها قدر محتوم .. قدر يشبه قدري ، او يشبه قدرك .. لا انا ولا انت نعرف ماذا سيحدث غداً ؟ ... وما ستقوده حياتنا بتقلباتها واهاتها ومصائرها ...
نزلت من القطار ، الاحق شبح جويس .. رأيته وهو يتجه ناحية قصر ضخم محاط بالفخاخ والمصائد والبنادق ، محاط بحراس اشداء واضواء تكشف النملة في العشب ...
قلت احدث نفسي _ انه منزل مستر بيف العراقي .... وهناك الغرفة كاف ..
وحلي الملكة ( شبعاد ) ..
تحدث جويس مع الحارسين ثم دخل الى القصر ...
اما انا بقيت مختبئاً بين الاشجار انتظر الفرصة للدخول ، وخلال انتظاري ، كنت ارى سيارات فخمة ولامعة تقف امام القصر ، وينزل منها رجال اغنياء واقوياء وموفورين صحة ، يصطحبون نساء في غاية الجمال والرشاقة ويدخلون وسط حلقة مشددة من الحراسة ...
_ كيف لي الدخول الى ذلك المكان ؟
لحسن الحظ كنت ارتدي ملابس رياضية خفيفة ... رحت اركض ناحية الحرس وكأني امارس رياضتي اليومية ...
عبرت الحارسين بكل ثقة ، واختلطت بين الحشود ... ناس من كل الاشكال والالوان ، منهم الاشقر والابيض والاسود ، ناس اثرياء ومتنفذين ، لكن هناك القليل من السمر ، أنا ... والخدم الهنود .... الطباخين والسفرجية والمنظفين ، فاتجهت الى المطبخ مباشرة واخذت أمثل دور المسؤول عن اطعام الضيوف .. مدير المنزل ربما ، وقفت وسط المطبخ وبدأت القي عليهم الاوامر ، ( انت .. اغسل الصحون جيداً .. انت جففها .. انت اصقلها .. التفت الى الطباخ وصرخت بوجهه .. لا اريد لواحد من ضيوفي ان يصاب بالاسهال ، انضج الطعام جيداً ... )
ساد المطبخ سكون غريب ... توقفت قعقعة القدور والطاوات والملاعق .. سكتت الصحون والسكاكين ، وكفت القدور عن الغليان ... لم يبق غير صراخي من اجل الاسراع بتقديم الطعام للضيوف ..
كانت هناك الكثير من العيون والوجوه تحدق بي ، وجه رئيس الطباخين ، وجوه الخدم والمنظفين ... وجوه الزوار ... يا الهي ... يبدو اني اصدرت الكثير من الضجيج ...
تزاحم الضيوف بالمطبخ للتعرف علي .. على الشخص المسؤل عن اطعامهم ... كان من ضمنهم ( الامير جلال ) وكيسنجر وجورج بوش ومردوخ ومرغريت تاتشر ومجموعة كبيرة من مشاهير هولويد وشهيراتها ، يا الله من ارى ؟ ... انجلينا جولي .. براد بت ؟ ... عمر الشريف الذي احتفى بي أيما احتفاء ، خاصة حينما علم اني من العراق ، فوقف وسط المطبخ وقال بصوت مسرحي ..
_ سيداتي .. سادتي ... هذا الرجل من العراق ...
قالت انجلينا جولي _ مو معقوووول .؟
قال كيسنجر _ ماذا ؟
_ عراقي .. من اين أتى ؟....
_ كيف دخل ؟
_ من سمح له بالدخول ؟
اصوات مستنكرة انطلقت من افواه الحضور ...
كان علي ان اتصرف ، اقول اي شيء يجعلهم ينشغلون عن كوني عراقي .
قلت _ سيداتي ... سادتي ... ما هو الشيء الابيض وبداخله صفار ويطير بسرعة خمسمئة ميل في الساعة ؟...
سرت همهمة في القاعة ، ثم انطلقت ضحكات ... تقصد البيضة ؟ .... البيضة لا تطير ؟... البيضة ؟...
قال كيسنجر _ احب البيض بكل انواعه .. المطروق والمخفوق وابو عيون ، احبه مع البصل وكوب شاي وسيكار كوبي ..
قالت انجلينا جولي _ البيض لا يطير .. انا احفظه في الثلاجة حتى لا يفسد .. البيض يفسد سريعاً ؟.....
جاء الملك ( منطروق ) مع حاشيته وعبيده واخذ يحدثني عن دجاجة تبيض ذهباً .. كل صباح تبيض له بيضة بحجم قبضة اليد ، لكن احد ما سرقها منه ، وهو يأمل برؤيتها في هذا المزاد حتى يشتريها ... اتى الامير جلال ، يضع على رأسه عقال مقصب وملابس عربية والى جانبه صبي حبشي ،
قال الصبي _ قل شيئاً يا معلمي ؟
فرش الامير ذراعيه وسط المدعوين وقال ..
_ ماذا لو اننا وضعنا البيضة في طائرة ؟
اجاب الحضور _ ستطير حتماً .. ستطير ...
انشغل الضيوف بالحديث عن الطرفة ، فصعدت السلم الى الطابق العلوي ابحث عن الغرفة كاف .. اثناء بحثي صادفني جورج كلوني يبحث عن المرحاض ، والمغنية بربارا سترايسند تبحث عن عمر الشريف .
كانت الغرف معنونة بأسماء خاصة بها ... غرفة المطالعة ... غرفة المعيشة ... المطبخ .. البراني ... غرفة العشق والغرام .. غرفة الهيام .. الغرفة الحمراء .. الصفراء ، الخضراء ، الزرقاء ، السوداء ..
ماذا في الغرفة السوداء ؟
اين نخفي اسرارنا ؟
في الظلمة ... القبو ... السرداب ...
اخبرني واحد من اصدقائي ... ان في سردابهم يعيش جمل وناقة ... جلبهما والده من السعودية ، وكانا صغيران وجميلان جداً ، فقرر والده الاحتفاظ بهما ، وانزلهما الى السرداب ليعيشا به ويتزوجا .. ( في كل سنة نحصل على زوج من الجمال يأخذها ابي الى السوق ليبيعهما .. )
كان الناس يسألون ابي _ من اين تأتي بكل هذه الجمال الجميلة ؟
_ من السرداب .. من القبو ...
تركت الغرف كلها ، لا جدوى من البحث فيها ، ليس هناك من شيء مفيد ، هناك حيواة منسية ، شبح رجل ، شبح امرأة ، شبح طفل ... اكوام من توافه الحضارة ، تلفزيونان ضخمة ، هواتف محمولة ، كمبيوترات هائلة الحجم وسريعة جداً ، تصلح للبحث عن كل صغيرة وكبيرة ، تصلح للبناء والتخريب ...
يحدث في بعض الاحيان ، ان تنتابك الرغبة بتحطيم الاشياء .. اي شيء .. الكراسي ، المناضد ، المنافض ، لكن احب الاشياء للقلب والاعصاب ، هو تحطيم الاغراض التي تصدر اصوات غاضبة ، كالتلفاز والراديو والكمبيوتر ...
بوم .. بوووم ...
تحدث حريقاً ....
كما توقعت وجدت في القبو غرفة منعزلة ومتروكة ... انها الغرفة كاف كما حدست ... في تلك الغرفة وجدت وجدت رجلا متوحداً ... يضع على عينيه نظارات طبية غليظة ويقرأ بكتاب ... جيمس جويس ؟!...
قلت _ ما الذي يحدث مستر ....؟
قال جويس _ انظر الي ... لا استطيع ان اعمل عشرة سنتات في الورقة الواحدة ، بينما ذلك الولد ( بكاسو ) يعمل بالشخبطة الواحدة عشرة الاف دولار ... كيف لي ان اعيش واكتب ؟... يجب ان احصل على حلي الملكة شبعاد من اجل بيعها لكي اكمل ( يقظة فينيغان ) ....
كانت الغرفة مليئة بالجرار ، جرار جميلة وملونة ، بعضها يحمل زخارف وخطوط فارسية ، بعضها يحمل رسومات تشبة طريقة الواسطي ، منها مرسوم بالابيض والازرق ... لكل جرة حكاية ... كم جرة هناك ؟ ... كم حكاية ... اربعون جرة ....
قال جويس وهو يتجول بين الجرار ...
_ ان هذه الجرار جميلة جداً ، جميلة بطريقة مؤلمة ... لا استطيع تحطيمها .. لا استطيع خدشها ... الكنز في واحدة منها ... اين يا ترى ؟.....
التفت الي وغمز بعينه ...
قلت _ سنختار أقبح الجرار ونحطمها واحدة بعد الاخرى ، حتى نصل الى الجرة الموعودة ...
قال _ غلط .. غلط ... صديقك مستر بيف العراقي .. قال ( في الجرار وحوش وافاع وقرود تسرق الكحل من العين ) ...
قلت _ فيها وحوش القاع ، الكوابيس .. وحوش البئر ... الظلمة .
تناول جويس واحدة من الجرار واخذ بتقليبها ...
قال _ ماذا بداخلها ... ؟
قلت _ اضربها بالارض وسنعرف ما بداخلها ..
هوت الجرة من اصابع جويس وتحطمت على الارضية ... خرج منها دخان كثيف ومارد ازرق يصيح .. ( من ايقظني .. من ... ؟ )
توجه ناحيتي والدخان يخرج من انفه واذنيه وقال ..
_ لماذا ايقظتني ... ماذا تريد .. ؟
قلت _ لست انا ... انه جيمس جويس ...
انتفخ المارد حتى اصبح حجمه اكبر من الغرفة ، وامسك بخناق جويس وحمله وهو يردد _ سأرميك خلف جبل قاف ...
مسكين جيمس جويس ... سيعيش بقية حياته وحيداُ على جبل قاف ...
امسكت هراوة ضخمة واخذت بتحطيم الجرار ، خرجت من الجرار ديدان وافاع وغيلان وقرود ، خرجت منها دجاجة وديك .. صاح الديك وهو يهز عرفه الجميل .. ( الله حي .. الله حي ... هيا الى العمل .. يا دجاجتي .. يا حلوتي .. ضعي لي بيضة ذهبية .. )
قالت الدجاجة _ احتاج الى بعض المعادن ، احتاج الى تراب وماء وهواء ونار .. احتاج الى وقت حتى ابيض ..
من بين الركام خرج تنين صيني مصاب بالزكام .. قال التنين .
( تشوو ... اتشووو .. لا شيء يخلصني من هذا الزكام ، سوى شوربة مع عظمة ... عظام ) ..
نظر الي يتفحصني .. اشهرت الهراوة بوجهه ...
قلت _ عظمي مر ايها التنين ...
رددت الديدان والافاعي والقرود ..
تنيننا ... يا تنينا ....
اطبخ لنا مرقة .. اطبخ لنا حساء ..
نحن يا تنينا بلا عشاء ..
قال التنين _ تشووو .. اتشوو ..
ابشري يا وحوش ...
ابشري يا ديدان ، ابشري يا افاعي ويا قرود ..
الليلة سنأكل ..
الليلة سنحتفل ..
ترللا .. ترالللا
اتشوو
اتشي ...
رقص التنين ورقصت معه كل مخلوقات القبو ... جاءت ( حورية ) سبحان الخلاق .. سبحان مسير الافلاك .... خد ازهر وجيد كالمرمر ... ونهدان كالرمانتان ...
زعقت الحورية _ سكوت ... سكوت ...
سكتت الوحوش ... خافت ...
اقتربت مني وقالت ...
_ من انت ؟
قال التنين وهو يسعل _ انه العشاء .. انه الحساء ...
قالت الوحوش _ عشاء ... عشاء ..
قلت _ انا انسان لا اصلح للاكل يا وحوووش ...
قهقه الديك واخذ يدور حول دجاجته ويصرخ ( الله حي ... الله حي )..
ضحك التنين وضحكت الديدان والافاعي والقرود ..
_ انسان ... انسان ... انسان ... عن ماذا تبحث يا انسان ؟ ... لماذا ايقظتنا ؟ ماذا تريد ؟
قالت الحورية وهي تقدم لي قنينة نبيذ من عهد الملك سليمان ..
_ عن ماذا تبحث ؟
اخذت جرعة كبيرة من النبيذ ...
_ ابحث عن مولاتي الاميرة ( شبعاد ) ..
قالت الحورية _ وا أسفاه ..انها ليست هنا ... ذهبت الى اوروك من اجل ان تتوسط بين كلكامش وانكيدو .. وتمنعهما من العراك .. انهما دائمي العراك هذه الايام ...
قال الديك _ نعم .. نعم .. رحلت ليلة امس .. لبست حليها واخذت تذكرة السفر ورحلت الى اوروك ..
قالت الدجاجة _ يا الهي ... سأبيض ...
رددت القرود والديدان والافاعي _ بيضي ... بيضي ..
صرخ الديك _ الله حي .. الله حي ...
قوقأة الدجاجة ووضعت بيضة ذهبية بحجم قبضة اليد ..
_ باضت .. باضت ...
تجمع القوم حول البيضة الذهبية واخذوا يتفحصونها ..
_ انها من ذهب .. ذهب صاف ..
_ كم قيراطاً ..
_ نصف كيلو ...
_ أحمق .. مغفل .. انها تزن كيلوان ونصف بالضبط ؟
_ كيف عرفت ؟
زاحمت القوم وامسكت البيضة ... بيضة ذهبية دافئة .. تحسستها ... للذهب ملمس غريب ، خاصة حينما يكون الملمس بيضة ذهبية خرجت من ثقب الدجاجة ..
لا ادري ماذا حدث لي ؟.. ربما الطمع او الرغبة في التحدي ... تحدي الديك ابو عرف ، والتنين ابو بلعوم ، والسعلوة ام الطحين ..
وضعت البيضة بجيبي ، فتطلعت بي مئات العيون ، عيون كبيرة ومدورة مدهوشة من فعلي ومقطبة الحواجب ..
قال الديك _ اياك ان تفعلها ؟
سأثقب جمجمتك ..
صرخت الوحوش _ ماذا تفعل ؟ لماذا وضعتها بجيبك ؟
قلت _ اسمع يا تنين واسمعي يا ديدان ويا غيلان ويا قرود ... انا لا امتلك قرشاَ واحداَ في هذا العالم ... وهذه البيضة ملكي ... لكم الدجاجة ولي البيضة ..
قالت الوحوش _ لا يجوز ... لا يجوز ..
قال التنين _ يا وحوش ... يا وحوش ..
رصوا الصفوف ...
شرعوا الحراب ...
وقت اللعب فات . وقت الجد الان ..
بيضتنا ملكنا ..
ليست بيضة الانسان ..
صرخت الوحوش .
تنيننا ... يا تنينا ..
ماذا لو بتنا بغير عشاء ...
ماذا لو بتنا بغير غطاء ؟...
يا تنينا ... اطبخ لنا مرقة عظام ..
اطبخ لنا حساء ...
نحن يا تنيننا جياع ...
سعل التنين واخذت النيران تخرج من منخريه ، ثم تقدم ناحيتي وهو يزمجر ... ( هات البيضة ... هاتها ..)
... قفز الديك على جمجمتي واخذ ينقرني بعنف ..
_ ايها اللص .. لص .. حرامي ...
رددت القرود والديدان والافاعي ..
ايها اللص ..
ايها اللص
لا تسرق بيضتنا ..
لا تسرق ذهبنا ..
خذ الديك ابو عرف او خذ التنين ابو بلعوم ..
او خذ الحورية أم ديوس ..
قالت الحورية _ هجوم ... هجووووم ...
تحركت مئات الاقدام ناحيتي .. تم ... تم ... تتم ...
امسكت الديك من رقبته ولطشته بالارض .. خرج منه صوت مخنوق ( خخ الله حي .. خخخ الله حي ) ..
ادرت ظهري لمخلوقات القبو وركضت ابحث عن المصعد ، عن السلم
خرجت من القبو ..
كان الحضور منشغلين بالمزاد ، حول دجاجة تبيض ذهباً ..
تعالت اصوات الحاضرين .
_ مليون دولار .. مليونان ... ثلاثة ...
صرخ الملك منطروق _ ثمانية ملايين ..
قال الامير جلال _ انا اضع عشرة ملايين ..
تضاحك الحضور والتمعت اسنانهم البيضاء النظيفة .
كانت اصابعي تتحسس البيضة الذهبية الدافئة ...
قلت بصوت هاديء ..
_ ... عشرون .. عشرون مليوناَ ..
التفتت نحوي مئات الوجوه ... وجوه اغلفة المجلات الرخيصة .. وجوه مستهترة ، وجوه مدهوشة ، وجوه سمينة واخرى نحيفة جداَ ..
( امسك اللص .. امسك الحرامي )
جاءت جميع مخلوقات القبو خلفي واخذت بالصراخ ..
لص ... حرامي .. قاتل ..
قالت الحورية _ اطلقوا عليه النار .. اقتلوووه ..
لحسن الحظ كنت ارتدي حذاءاً رياضياً وملابس رياضية ... ركضت بكل ما امتلك من قوة .. وكنت اسمع طلقات نارية تدوي خلفي .. طاخ .. طاخ ... ططخخخ ...



#رياض_كاظم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطة على الجدار
- المسافرون الخالدون
- صميدع
- بيت الشجعان
- وداعاً يا راعي البقر
- الجلوس في مدينة الذكريات
- ليلة غريبة قصة قصيرة
- مرآة الغرفة والجليس الصامت


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض كاظم - حول غرابة الاشياء من حولنا