|
قطة على الجدار
رياض كاظم
الحوار المتمدن-العدد: 1973 - 2007 / 7 / 11 - 05:34
المحور:
الادب والفن
كانت غرفة عادية تشبه غرف العزاب الابديين الذين يموتون في المنفى دون زوجة او حبيبة ، غرفة باربعة جدران وسرير ، ملابس الليلة الفائتة ملقاة على الارض ، روائح تدخين وكحول ، فراش غير مرتب يلتصق بالجدار ، وعلى الجدار صورة قطة رسمت بطريقة بدائية ، كأن طفلا امسك بقلم الفحم وسمرها هناك ... قطة جائعة هذا ما فكرت فيه بمجرد ان رأيتها ، اضلاعها البارزة ونظرات الحزن في عينيها تشي بانها عانت من حرمان طويل ..... على السرير ذاته اسفل الصورة يستلقي عجوز أشبه بالميت ، لا يتحرك منه شيء سوى لسانه ، لسانه السليط الذي يسوط به الحياة والناس وقطته الجائعة . صرخ بوجهي حالما شعر بي ادخل . - لماذا تأخرت كل هذا الوقت ... كان يجب ان تأتي منذ اعوام طويله . اخذ يعاتبني كأنه يعرفني منذ ولادته . - لم انتظر احدا كما انتظرتك ... هل ستأخذني اخيراً .. هرعت ناحية النافذة وفتحتها لاطرد الرائحة العفنة ، رائحة الموت التي حولت الغرفة الى ما يشبه القبر . قلت - سآخذك الى بيت المسنين ، هناك ستجد من يعني بك . قال - لكني لست عجوزاً ، انظر الي ... عمري خمسون سنة فقط ، وهم لن يقبلوني هناك ، عليك ان تأخذني انت ... نظر الي بتوسل ثم الى القطة الجائعة واخذ يغمغم . - خذها معك حينما اموت ، لا تتركها وحيدة في هذه الغرفة فهي لا تحب الظلام . قلت - من رسمها ؟ قال - اشتريتها من محل لبيع الحيوانات وكنت سعيدا بها كالطفل ، لكني حينما مرضت أصابها الهزال ... لم اعد قادرا على اطعامها ... خذها حينما اموت . اغلق عينيه وتوقف تنفسه . رائحة الموت الفاسدة طردتني الى الخارج .... كان الجو كئيباً ومظلماً وبارداً ، فشعرت بالوحدة والخوف ، الخوف من الموت وحيداً في المنفى وسط تلك الرائحة العفنة . لم اذهب الى غرفتي في تلك الليلة ، بقيت اتسكع في الشارع بالقرب من غرفته ، ادور حولها حتى حل الصباح ، فرأيت اشخاصاً يحملون الجثة في سيارة ويذهبون بها الى مكان ما . غمغمت - حسنا ... لقد اخذوه الان سأذهب لانام . وضعت يدي في جيوبي واتجهت ناحية غرفتي ، لكني شعرت بوقع خطوات خفيفة ، وحينما التفت وجدت القطة ذاتها تجري خلفي . ابتسمت لها فقفزت بحظني ، ولعقت وجهي . - ما اسمك يا حلوتي ؟ كانت دافئة ومتسخة بالفحم ، فكرت بانها بحاجة لحمام ووجبة طعام .... وانا ايضا بحاجة الى حمام ووجبة ساخنة بعد تلك الليلة الحزينة . وضعت القطة على الارض لافتح باب غرفتي ، فأطلت جارتي العجوز التي ترقب كل حركاتي وسكناتي ... وتتصل بالشرطة لاتفه سبب ... لا ادري ماذا تريد مني ؟ قالت وهي ترمق القطة بقلق . - ماذا ستفعل بها ؟ قلت - سأعلقها على الجدار ... اليست جميلة ؟ اغلقت الباب بوجهها بعنف . ستتصل بالشرطة حتماً ... بعد دقائق سمعت طرقاً على الباب ... نظرت من الثقب ، لم يكن هناك احد ما .... انهم الشرطة اذاً ... يطرقون الباب ثم يتنحون جانباً حتى لا اراهم . - ليذهبوا الى الجحيم .. لن افتح لهم ... قفزت القطة على السرير وهي تموء . ازداد الطرق على الباب ، فأستلقيت على السرير الى جانبها ... شعرت بنعاس ثقيل يطبق علي من كل جانب ... ايدي ثقيلة تضرب الباب . - هل انت ميت ؟ سمعت الجارة العجوز تدمدم . - نعم انه ميت ... سأحتفظ بالقطة لنفسي .. تعالي يا حلوتي .. تعالي ... لا يجب ان تعيشي مع هؤلاء.
#رياض_كاظم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسافرون الخالدون
-
صميدع
-
بيت الشجعان
-
وداعاً يا راعي البقر
-
الجلوس في مدينة الذكريات
-
ليلة غريبة قصة قصيرة
-
مرآة الغرفة والجليس الصامت
المزيد.....
-
أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال
...
-
-كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟
...
-
مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان
...
-
الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل
...
-
فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل
...
-
-سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال
...
-
مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م
...
-
NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
-
لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
-
فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر
...
المزيد.....
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
-
الهجرة إلى الجحيم. رواية
/ محمود شاهين
المزيد.....
|