أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - بعيدا عن رحاب التنظير السياسي .. 2














المزيد.....

بعيدا عن رحاب التنظير السياسي .. 2


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 2948 - 2010 / 3 / 18 - 17:09
المحور: المجتمع المدني
    


شارع الوطني ، او شارع الوطن ، في محافظة البصره .. هو أحد الشرايين الغنية بالحياة ، حيث تمكث هناك ايام زمان ، مراكز تجديد الروح الانسانية ، وسلخ ما يشوبها من قلق يومي ينضح به الكد المضني في سبيل لقمة العيش .. هذا الشارع ، وحسب ما يروي المعمرون من اهالي البصره ، كانت تنتشر فيه المحلات التجارية العامرة بكل شيء ، ويؤمه عشاق السينما ، وهواة ارتياد الملاهي الليلية ، الى جانب معتكفي المساجد ، والمترددين لاقامة الصلوات في الكنيسة الشامخة في احد طرفي الشارع العتيد .

في احدى الاركان المؤديه الى وسط الشارع الوطني ، يجثم هناك تمثال لأسد بابل ، وهو يتربع على صدور الاعداء ، لا يريد وباصرار سرمدي ، أن ينسحب عن ارادته تلك ، وكأنه يخشى من اولئك الاعداء ، ان ينقضوا على شارعه الحبيب ، فيهدوا فيه كل جميل .

البصرة الحالمة دوما ، وهي تتغنى بامجادها المغروزة في أعماق تاريخ بلاد الرافدين ، كانت والى ذلك الحين ، تسحب اطراف جسدها بهدوء ، حينما يقترب موعد المساء ، الى ارصفة شارعها الوطني ، مطلقة كل ابواق الفرح الواعد بالخير ، وهي مزهوة بالابتسامات الموزعة على محيا شبابها وشيوخها واطفالها الابرياء .. باعة السكائر والعلكة وحاملي صناديق حفظ المثلجات ، يتسابقون مع ساعات الليل البارده ، ليوزعوا ما لديهم من بضائع لا تتحمل التأجيل ، فهي محسوبة على قدر ليلة واحدة فقط ، ولابد لها ان تنفذ بكاملها في تلك الليله ..

اصوات شاشات عرض الافلام الصيفية ، تبعثر في فضاءات المكان لغات مختلفة لممثليها ، تطغي عليها اصوات الدفوف المنبعثة من خلال ترنيمات هندية لذيذة الوقع ، لتجسد وبالتجانس مع ما تبعثه مسجلات محلات بيع العصائر الملونه ، كرنفالا يعمه الفرح ، وتتحرك معه اجساد الماره ، وهي سعيدة بنسائم ليل البصرة المشبع برطوبة مياه شط العرب .

ثمة طرائف حلوة في وقعها على الآذان والنفوس ، تلك التي يطلقها المغادرون لحاناتهم ليلا ، البعض منها تبقى خالدة في اذهان الناس ، وتتردد في مجالس سمرهم خلال الايام اللاحقه .

المقاهي العامرة بشتى انواع التخوت الخشبية والكراسي المصنوعة من اعواد سعف النخيل ، لم تعد تكفي مساحاتها لجلوس الرواد ، فاتخذت لها طوابق علوية مكشوفة ليؤمها المدمنون على لعب الدومينو والطاولي ، فتأتي ضربات احجار اللعب تلك ، وكأنها بواعث اخرى للانشراح ، تنشر مشاعر الامان في النفوس .

احد البصريين يقول ، بأن زوجته المسلمه ، كانت تذهب في ايام الآحاد الى الكنيسة ، حاملة الشموع للعذراء مريم ، كي تعينها على تحقيق أمانيها بزواج كبرى بناتها .. وآخر لا ينسى علاقته الحميمة بصديقه اليهودي الطيب ، وملازمتهما للجلوس في احدى حانات الشارع الوطني في ليالي الخميس .. إنه تواصل انساني لم يتكلف في صنعه أحد بين شرائح مختلفة تدين باديان مختلفه .. مسلمون وغيرهم من مسيحيين وصابئة ويهود ، لا يفرقهم مفرق ، ولا يمتاز احدهم عن الاخر بميزة تفوق عراقيتهم وكونهم من جنس البشر .

هذا الشارع سادتي الكرام ، لا أعرف تفسيرا يمكن ان يقدمه السيد محافظ البصرة الحالي ، وهو يحمل شهادة الدكتوراه ، لما حل به من خراب متعمد ، قطع فيه شريان الحياة ، ليبدو مهجورا ، يئن تحت نير ظلام اليأس ، وتموت فيه معالم التنفس لغياب عنصر الاوكسجين .

فثمة معاول حملتها خفافيش السلفية الرديئه ، أمطرت أسد بابل بضرباتها الجبانة ، لتحيله الى احجار متناثره ، وترغمه على الانسحاب من فوق جماجم اعدائه صاغرا يحمل كل خجل الدنيا .
وحجتهم في فعلتهم تلك ، أن التماثيل حرام ، ومن يصنعها في النار.

دور السينما جميعها أغلقت ابوابها على مضض ، وأضحت اقفالها مطلية بالصدأ من تقلبات المناخ ، واحيلت صالاتها الى مخازن لحفظ بضائع المقامرين بقوت الشعب ، بعد ان استأجروها من اصحابها وبثمن بخس ... في حين صمتت تخوت المقاهي ، لتنبعث من حولها اصوات النواح على معارك حدثت في اعماق التاريخ المطلي بالوان الدماء ، والمشبع برائحة الثأر القبلي المتأصل في النفوس بلا روية.

الكنيسة هي الاخرى هجرها مرتادوها ، خوفا من قصاص المؤمنين من غير دينهم .. واليهود كانوا قد فروا من وطنهم منذ زمن أبعد لكونهم يتصلون بعروقهم ببني قريضة من اعداء الامه ..

يقولون بان الخليفة عمر بن الخطاب كان يردد .. لقد تركنا ثلاثة ارباع الحلال مخافة الحرام .. والشارع الوطني في البصره ، قد أفقدوه كامل الحلال ، مخافة ما يقررونه من حرام ، بمشيئتهم واعرافهم ..

ترى .. ماهي فحوى الحرام في أن يمتلك الناس حرياتهم في دنياهم شريطة ان تكون ممارساتهم اليومية في حدود المقبول ؟ .. وأين تحقيق مبدأ الضرر، عندما تحيا ملة من خلق الله وفق نواميس متفق عليها ، لا تنطلق من جذور طائفية ولا فئوية وليست من أبواب الشعور المذهبي الضيق ؟ .. ولمصلحة من تجري مصادرة حرية البشر وبهذه الطرية الفجه ، لكي يرضى نفر بعينه على حساب شرائح واسعة اخرى ، ارتضت لنفسها ان ترسم سبل عيشها كما ترغب ، وهي متجانسة المصالح والاهداف ؟ .. ثم من أباح للمتربصين بحقوق غيرهم ظلما وعدوانا ، أن يقرروا ماهو الصالح وما هو الطالح ، فيقوموا على غير وجه حق ، بالاعتداء على مقاصد غيرهم من البشر ، ويهدوا مكامن سرورهم ومنابع فرحهم ؟

واكثر المظاهر إيلاما الآن .. هو تلك الملازمة الحزينة للبعض من الكهول البصريين ، ممن اعتادوا على امتهان صنع الفرح في ليل الشارع الوطني ، حينما تجدهم يمكثون على الارصفة قبالة دار للسينما ، او مقهى مهدم .. أو أنهم يسامرون ذكرياتهم مع من يطمئنون لكونه من مواليد العصر الحديث ، وليس ديناصورا من مخلوقات ماقبل التاريخ .



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألحريه .. حينما تولد ميته .
- الزمن العربي .. وسوء التسويق
- حلوى التمر
- سلام على المرأة في يومها الأغر
- مراكز نشر الوعي في الوطن العربي .. الى أين ؟
- بغداد ... متى يتحرك في أركانها الفرح من جديد ؟
- أفكار تلامس ما نحن فيه من أزمه
- نحن والتاريخ
- بعيدا عن رحاب التنظير السياسي
- حينما يصر أعداء العلمانية على رميها بحجر
- عمار يا مصر ... 2
- عمار يا مصر
- نذور السلطان .. 5
- ما لا يدركه الرجال .
- نذور السلطان ... 4
- نذور السلطان ..3
- نذور السلطان ..2
- نذور السلطان
- الإمساك بأمجاد الماضي ، وحده لا يكفي .
- رساله مفتوحه إلى السيده بيان صالح


المزيد.....




- وزراء خارجية بريكس يؤيدون منح فلسطين العضوية الكاملة في الأم ...
- القوات الإسرائيلية تقتل الطفل الفلسطيني محمد النبريسي في غا ...
- مجلس الأمن الدولي يتبنى مشروع القرار الأمريكي بشأن وقف إطلاق ...
- -الناس يائسون-.. منظمات الإغاثة تشكو من صعوبات إيصال المساعد ...
- الأونروا: شبح المجاعة يسيطر على جنوب قطاع غزة بصورة كبيرة
- وزراء خارجية -بريكس- يؤيدون منح فلسطين العضوية الكاملة في ال ...
- مجلس الأمن الدولي يتبنى مشروع القرار الأمريكي بشأن وقف إطلاق ...
- الأمم المتحدة: أكثر من 10 ملايين نازح داخل السودان بسبب الحر ...
- السودان.. لماذا أفرجت قوات الدعم السريع عن مئات الأسرى؟
- الحوثيون يعلنون اعتقال خلية تجسس أمريكية إسرائيلية


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - بعيدا عن رحاب التنظير السياسي .. 2