أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن الجابري - سرير البنفسج














المزيد.....

سرير البنفسج


فاتن الجابري

الحوار المتمدن-العدد: 2946 - 2010 / 3 / 16 - 01:41
المحور: الادب والفن
    



وسط غرفة نومه الصغيرة ، على سطح بناية ذات الثلاثة طوابق في حي سكني شعبي مكتظ بالفقراء في زاوية منسية من المدينة كانت ، أصوات الباعة المتجولين تتكرر بالمناداة والترويج لما يحملونه من بضائع ، أواني بلاستيكية ملونة ، للمقايضة بما تفيض البيوت به من فضلات الخبز اليابس والعلب الزجاجية الفارغة والملابس القديمة ، أكياس كبيرة على ظهورهم ، صغار بوجوه كهلة متعبه أحرقتها شمس بغداد اللاهبة ، تنهش قلبها بأظافرها وتلعق دماء أيامها المجدبة ، وحيدة ،عارية جاءت توقع صفقة عمرها ، تبعثر أوراق أٍستسلامها وتنثرها ثم تلملمها من جديد ، تعد نبضات بوحها لرجل كل مافيه يستفز أنوثتها للابحار معه في قارب مطاطي من غيرسترة نجاة ، مهاجرة سرية الى عوالم سحرية عبربحاره المتوحشة بالامواج العاتية.

لفها سكون المكان ، تلبستها الوحشة ، التقطت قطع ثيابها المتناثرة ، فوق السرير ، حين راعها شحوبها ونظرة الهلع في عينيها منعكسة على المرآة المعلقة على الجدار ببرود تتفرس فيها تمط شفتيها تسخر من تلك الندوب التي طرزت جسدها المتوقد بالاشتهاء ، بعطش أنثى في الثلاثين ، يفتك بروحها وقلبها لضمة رجل طالما أرتوت من عينيه حبا، سافرت في واحة محبته الدافقة بالحنين ، تهيم به تكتوي بجمرات أشتياقه وترتمي على رمل شواطئه تلتحف بابتسامة من شفتيه تدخلها طمأنينة مثل الصلاة ، تبتعد ترصدها نظرات المرآة المبتسمة في خبث ، تديرظهرها تشبك يديها الاثنتين تخفي ندبة أحتلت نصف صدرها جرح عميق مرعليه مشرط جراح بارع أستأصل توأم أنوثتها القى به في حاوية معدنية باردة ، وفات أن تسأله عن مصير نهدها المسكين الذي تتحسس مكانه الخالي في كل لحظة كأنها لازالت في حلم لم تفق منه بعد تحت هلوسات التخدير ، تراقبها المرايا من كل الجهات على جدران الغرفة حتى السرير غدا مراة ترى أنعكاس صورة نهدها عليه ، ترتدي قميصها الذي تختفي أزراره كما في أحلامها تسير وسط الشوارع مشرعة الصدر ، تلملم أطرافه تداعبه الريح يبدو نهدها الواحد المكتنز أنوثة ، يئن بوجع الاغنيات الحزينة ، تهزمها القهقهات تبحث عن باب الغرفة لا تراه أنضم الى جيش المرايا الكبيرة المضيئة ، عصية الاختراق ،معلنة الحرب عليها، من غير سلاح تقاتل برفرفة قلبها المتوهج بالحب والاشتعالات ، حبيسة في غرفته تطاردها المرايا ، زمن مر على قصة حبهما.

هربت كثيرا لاذت بحجج واهية حين قدم قلبه ، رغم كوابيس سنواتها الثلاثين أجابته أن الوقت لم يحن بعد وتدرك جيدا بوجع ما تعني الثلاثين في مجتمعها الذي يحاصرها بالنظرات والاسئلة ، حسرة أمها المريضة التي تنوء بها أينما حلت ، وحزن والدها يملا أرجاء البيت الذي يتنفس به من خلال كرسيه المتحرك منذ أعوام ، رفضت رجالا كثيرين قبل أن ينسحبوا من حياتها حين يهمس لهم أحد الناصحين ، تذرعت بعجز والديها ووحدتهما ، بعد أن تزوج أخوتها ، عاهدها على رعايتهما وهو الذي يحن لدفء العائلة منذ أن فتح عينيه يتيما ، أحبها بعمق ، غمرها بالاهتمام متلهفا الى حديثها مستعجلا لحظات لقاؤهما.

منذ اليوم الاول لمجيئها الى المؤسسة التي يعمل فيها ، أربع سنوات قاسمته غرفة واحدة ، أحبته حلما ورديا شفافا مثل أوراقه التي طرز عليها أحلى قصائد الحب بالظلال وفتوحاتها ، تريد أن تكون له أمرأة غير منقوصة الانوثة ، تهاوت مقاومتها أمام قوة أصراره ،ترددها كان مثار حديث الزميلات اللائي يحسدنها عليه لدماثة أخلاقه ووسامته ونجاحه في عمله ، حملت قلبها عصفورا يرتعد بين ضلوعها ، خذلها و أنعقد لسانها عجزت أن تبوح بما تحت ثيابها، كتبت له سطرا واحدا على ورقة وردية شفافة ، فهم ، تواعدا لتلقي بين يديه هما دفنته تحت ثيابها ، لكنه تركها صحبة المرايا تلملم شتات أنوثتها ، نقر على الباب ، تسمرت حين طوقها بذراعيه وطاف بها ، بين المروج والغيمات والامواج رقصا تحت حبات المطر ، عبر المطارات والمحطات في مدن العشق المترعة بالحب والدفء والاطفال ودهشة الحياة على سرير من بنفسج .


من مجموعة
سرير البنفسج



#فاتن_الجابري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لكل قبر زهرة
- رقص اخيرا
- نساء على قارعة الانتظار
- ذات ظهيرة
- هناك اضاع عينيه
- الموت بعيدا
- رحيل
- السيد الوزير
- أبعاد قسري
- ليلة الزينين
- أختطاف
- أمرأة الريح
- صباحات مألوفة


المزيد.....




- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- خبر صحفي: كريم عبدالله يقدم كتابه النقدي الجديد -أصوات القلب ...
- موسيقى للحيوانات المرهقة.. ملاجئ الولايات المتحدة الأمريكية ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن الجابري - سرير البنفسج