أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن الجابري - لكل قبر زهرة














المزيد.....

لكل قبر زهرة


فاتن الجابري

الحوار المتمدن-العدد: 2915 - 2010 / 2 / 12 - 15:48
المحور: الادب والفن
    


في أول يوم عمل له تبددت حالة الاكتئاب التي عاشها منذ ثلاثة أيام حين استلم أمر تعينه من دائرة العمل عاملاً للتنظيف في حديقة المقبرة بأجر يورو واحد للساعة الواحدة ، مضافاً لراتب الإعانة الاجتماعية الذي يتلقاه ، منذ قدومه إلى ألمانيا لاجئاً سياسياً مطارداً ومهدداً في بلده الذي غادره غارقاً بالموت ، فتحت له البوابة الكبيرة للمقبرة التي تزدحم وتتشابك فيها أشجار السرو والصنوبر العاليات وعلى جوانب السور الداخلي تجتذب بصره تلك الشجيرات الصغيرات لأنواع محتلفة من الورود الملونة ، سار على البلاطات الملونة للشارع الذي يشطر المقبرة الى شطرين تصطف على الجانبين بانتظام القبور ذات الشواهد المرمرية اللامعة والمصقولة ، حمل جردلاً وقطع من القماش وعصا طويلة يلتقط فيها الأوراق اليابسة المتساقطة من الأشجار ، انتهت ساعات عمله الخمس عند الغروب ، وضع عدة العمل في المخزن المخصص ، وحث الخطى قبل حلول الظلام داخل المقبرة ، لكنه توقف حين رأى ما أثار استغرابه وفضوله ، شاهدها تسير بين القبور بمعطفها الأسود الطويل وقبعتها الصوفية تحمل زهرة وتنحني على أحد القبور،وضعت زهرتها وسمعها تردد كلمات بصوت لا يسمعه سواها ، أقفلت عائدة بذات السرعة التي قدمت فيها ، ثم تقود سيارتها بسرعة فائقة كأنها تخشى أن يتبعها أحد، يتكرر المشهد كل يوم زهرة حمراء على ذات القبر و امرأة ذات جمال باهر تأتي مثل ومضة حلم ، يمسح الغبار عن شاهدة قبر لرجل في ريعان الشباب ، كما دونت ساعة وفاته ، صار ينتظر قدوم تلك الفاتنة بفارغ صبر ، يختبأ خلف الأشجار الكثيفة حتى تنتهي من طقسها اليومي ،استحوذت على تفكيره حتى في أيام راحته ، عطلة نهاية الأسبوع أطبقت عليه بالملل والأجدوى ، أعادته إلى مراراته وهزائمه القديمة يعتصره ألم اغترابه وحيداً وسط وحشة القبور ، في الأيام التالية انقطعت المرأة ذبلت ويبست كل زهورها أزاحها ونظف شاهدة القبر ، و استل زهرة حمراء كزهورها من باقة يانعة على قبر مجاور وضعها بذات المكان بأتجاه رأس الميت ربما تأتي عند الغروب ، لكنها لم تر ما يفعله لأجلها حين يضع زهرتها القرمزية وتحرقه ساعات انتظارها ، يستل الزهشور من الباقات على بعض القبور ويوزعها على قبور أخرى يلفها الأهمال والنسيان ربما لآباء وأمهات لم يتذكرهم الأبناء ولو بزهرة واحدة ذات عيد رويداً شحب ظل المرأة في ذهنه ربما تنعم الساعة بأحضان رجل جديد أنساها ذلك الحبيب الذي كانت تهمسه كلمات الحب وتطبع على ذكراه زهرة حمراء ، لم ينتبه لدخولها حاملة زهرتها ، فقد هزل جسدها وشحبت بشرتها تتلفع بشال صوفي تنقل خطواتها ببط شديد ، رمت زهرتها تمتمت بذات الكلمات وعدته أنها قادمة اليه ، ولم تنتبه إلى الزهور الذابلة التي كان يرميها مستغرقاً في انتظار بهجة حضورها.
تتوالى الشكاوى ضده إلى إدارة المقبرة بتهمة العبث بباقات الزهور وسرقتها ، لم يدافع عن نفسه لاعتقاده أنه كان يحقق عدالة تسعد موتى منسين ، فلم لا تكون لكل قبر زهرة ، مرة أخرى تلقيه حماقة أفكاره المجنونة عاطلاً عن العمل متسكعاً في دروب الغربة الباردة .



من مجموعة سرير البنفسج



#فاتن_الجابري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رقص اخيرا
- نساء على قارعة الانتظار
- ذات ظهيرة
- هناك اضاع عينيه
- الموت بعيدا
- رحيل
- السيد الوزير
- أبعاد قسري
- ليلة الزينين
- أختطاف
- أمرأة الريح
- صباحات مألوفة


المزيد.....




- الذكاء الاصطناعي بين وهم الإبداع ومحاكاة الأدب.. قراءة في أط ...
- مخيم -حارة المغاربة- بطنجة يجمع أطفالا من القدس والمغرب
- بصمة الأدب العربيّ: الدّكتورة سناء الشّعلان (بنت النعيمة)
- باب كيسان.. البوابة التي حملت الأزمنة على أكتافها
- -بدونك أشعر أني أعمى حقا-.. كيف تناولت سرديات النثر العربي ا ...
- نذير علي عبد أحمد يناقش رسالته عن أزمة الفرد والمجتمع في روا ...
- المؤرخة جيل كاستنر: تاريخ التخريب ممتد وقد دمّر حضارات دون ش ...
- سعود القحطاني: الشاعر الذي فارق الحياة على قمة جبل
- رحلة سياحية في بنسلفانيا للتعرف على ثقافة مجتمع -الأميش- الف ...
- من الأرقام إلى الحكايات الإنسانية.. رواية -لا بريد إلى غزة- ...


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن الجابري - لكل قبر زهرة