أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بثينة رفيع - بين السلام والحرب‏














المزيد.....

بين السلام والحرب‏


بثينة رفيع

الحوار المتمدن-العدد: 2925 - 2010 / 2 / 23 - 20:09
المحور: الادب والفن
    


منذ أن غافلتنا الطائرات برمي أثقالها القاتلة أدركنا وعينا لهذين النقيضين بواقعنا المر .. واقع لا تفصله فقط تلك المسافة العارية بلغتنا العربية ، بل ظل يحدق بأعيننا ويستبيحنا لآخر رمق لنرى أنفسنا في برهة خاطفة غرباء عن كل شيء بدءاً من بيت كان يشعرنا بسكينة دافئة .. وانتهاء بألعاب أطفالنا المتناثرة كالرماد بكل ركن فيه بعد أن تركت وحيدة أمام غول الخوف .

للحرب رائحة لازلت أذكرها .. فرائحة البرتقال القتيل حين تجتثه الجرافات عند كل اجتياح أصبحت شاهداً صامتاً لكنه دائم الحضور .. رائحة تستطيع أن تميزها عن سواها في كل مكان وزمان إذ تختلط فيها الروح بفيض مشاعرها ، وتسكنها لحظات جاوزت الحدود الفاصلة بين الموت والحياة لتبتعد بها مرغمة إلى أن توصلها لطريق داكن مجهول .. كيف تصارع كل هذا الجنون دون أن تربك حياتك وتجعلها أكثر صعوبة من رصاص وشظايا تدك نوافذ بيتك وتثقب جدرانه وقد تحيلك في لحظة لأكوام لحم أمام أعين أطفالك ، ليصبح همهم الأكبر متى ستتاح لهم فرصة مواراتك الثرى ، لحظة اختفاء الدمع وتحجر العيون ، بعد أن يثقبها الأسى ويخذلها مشهد قاتم خرج لتوه كعاصفة عمياء من سيناريو رديء عبث بمشاعرنا وأسكننا بين المقابر لنبقى قرب من نحب بعد أن سلبته منا آلة الحرب .

بين السلام والحرب لغة مثقوبة كاذبة أشبعتنا سقماً .. ومعادلة مبتورة فقدت يقينها في شارع آخر .. أمام ناظري طفل يحتضن زجاجات ماء فارغة ينتظر رحيل دبابة تحدق بظمئه .. ينفجر كل شيء ليبقيك بين السؤال وجوابه علامة استفهام قاحلة خارج مصطلحات عتيقة تصلبت كالشرايين وانسلت بين أنقاض ما تبقى من ذاكرتنا ، تجلدنا بعنف موحش ليتسابق فينا كل شيء .. الهواء ، الماء الشحيح .. حتى الشموع المطفأة وهي تصارع البقاء بليلة حصار مظلمة اشتدت فيها ريح القصف .. وقت لم نعشه .. لم يكن لنا .. لكنا لم نصنعه ، فمنذ أن أبصرت فلسطين فينا والحياة تمر على عجل بين الوداع واللقاء .. ودمع هرب من أعيننا دون أن ندري كيف انهمر .

بين السلام والحرب لا شيء سوى سقف لازال يذكر ذاك الأثر وهو يغترب وحيداً بالرمال والدماء خلف رائحة تسلبه من كل شيء سوى انعتاقها في نُدب جرحه .. تأخذه بين أوصالها لذات الطريق ولا تنحرف .. هي بوصلة يدركها كل من أروته روح هذه الأرض ليبقى بين أهدابها مطراً قادماً غادر خريفه للأبد بعد أن اغتسل بلونها مختزلاً خارطة الصراع برصاصة عبأتها أوتاد خيمة .

بين السلام والحرب وهم لم نستطع أن نعيشَهُ .. لفظته من وعينا وجوه جميلة خبأها الموت بعيداً عنا تاركاً ورود الشوق تجتر أشواك الغصة ، تشرخ عجزنا أمام انتصار الحياة بعيني طفل عاد بالماء لإخوته رغم أنف دبابة عابرة .



#بثينة_رفيع (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من مذكرات طفل محاصر ( لن أنساك يا صديقي )
- ذاكرة بحر
- ورقةٌ من غزّة
- عائدةٌ من حيثُ لم أذهبْ
- لماذا يا أبي
- ظلالُ رحيلٍ
- لوحةٌ فلسطينيةٌ ليستْ للذكرى
- مرافئُ جرح
- المسافة بين معبر رفح والحوار الوطني
- في زمن الردة
- تراب يواسيك
- حديد عتيق لأطفال فلسطين
- عام من الحصار
- عندما تنام دمشق
- اليسار الفلسطيني بين التبعية والتهميش
- فلسطين .. مساحة من دماء
- حزيران ذاكرة جرح لا يموت
- الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة


المزيد.....




- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
- الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
- وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم ...
- الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بثينة رفيع - بين السلام والحرب‏