أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بثينة رفيع - ورقةٌ من غزّة














المزيد.....

ورقةٌ من غزّة


بثينة رفيع

الحوار المتمدن-العدد: 2870 - 2009 / 12 / 27 - 23:40
المحور: الادب والفن
    


شقّتْ طريقَها من غيرِ هامشٍ أو متنٍ فحروفُها أضحَت خارجَ حدودِ الحياةِ والموتِ ..وأكبرَ من تفاصيل فقرٍ يُعرّش بين أزقةِ مخيّمٍ اجتازَ كلَّ أكوام الشّوق المكدّسِِ بدمعةِ حنينٍ تظلّلتْ بأكثرَ من ستين شتاءٍ فلسطينيٍ قاسٍ لم ينفصل يوماً عن وعي المقاومةِ , ورقةٌ مؤلمةٌ لكنّها عنوانُ مدينةٍ لا تكادُ تخلعُ ثوبَ الردى عن جسدها حتّى ترتديهِ ثانيةً , أرادت لها أرواح الشّهداء أن تُخطَّ بالدماءِ وحدها وألا تكونَ مجرَّد ورقة مُترفةٍ فهي ليست فصائلية مختلف على أصغر بنودها .. وليست كالورقة المصريةِ للمصالحةِ المتخمة حتّى حدّ القرف بالتعديل والتبديل باستحقاقاتها وكأننا في عطاء علنيٍ على مصالحةٍ طالَ أمدها.

ورقةٌ هي امتدادُ النبضِ بينَ معبرين لا يلتقيان إلا بمصادفةٍ سياسيةٍ كاذبةٍ وهي اللقاءُ المهشّم أمام سياجٍ قهر الرّجال وأبكاهم .. لا تُشبه إلا حروف الجرح الغائر وهو يشدّ على ألمٍ رفض استبدال هويّته ببطاقةِ تموين , كتبها يوماً الشهيد غسان كنفاني عن فتاةٍ من غزّة بترت ساقها ولا زالت تُكتب لغزة وحدها , ورقة تختصرُ عاماً من الحرب أدركنا فيهِ أن الوقت عند الظهيرة أصبح مُراً وقصةً مُستهلكة تلوكها الأغاني والسّاحات المكتظةِ بأٌناسٍ ألبسها الحصار وشظف العيشِ لغةَ البقاء .

سنة لم تزل ظلالها ثقيلة تضرب كالسّياط لكنّها رحلت ورحل معها أحبّة لنا كان وداعهم موجعاً أشرقوا من فجرٍ وحيدٍ غريبٍ عن جغرافيا الانقسام والحلول المنفردة , كانت كل صورهم خارطةً لفلسطين معلقة على جدار غرفةٍ متهالكٍ من زمن الهجرة الأولى .. لم يشهدوا وحدة هذا الوطن , حلموا برغيفِ خبزٍ ساخنٍ اجتازوا كل مسافات الخوف حتّى الموت لأجله , كان كل طعامهم مما تجود به عليهم وكالة الغوث , حلموا ببيت لا تستطع أن تدكّهُ الطائرات .. وبصلاةٍ ولو لمرةٍ واحدة بالمسجد الأقصى .. لم يعرفوا من الأعيادِ فرحتها ..لم يرتدوا جديد الثياب .. تركوا ما تبقى منها بالياً مُرتّقاً مع أحذية صغيرة امتلأت ببقايا لحمهم المُفتت وظلّت تلوح كالرّايات فوق ركام بيتٍ مُهدم , لم يسمعوا من الأغاني سوى فلسطين يا وجع العمر.. نثروا الورود على صدرها.. قبّلوا ثراها الحر .. منذ طفولتهم ، وخُطا القلب تشدهم لبيّاراتهم السليبة .. شربت أعينهم رائحةَ الليمون الأخضر ..واستراح بينَ أكفّهم رصاصُ الخلاص .. عاشوا فقراء لاجئين .. ورحلوا على ذلك .. تركوا دمع الحياة كُلّها في مآقينا وصوراً لهم بوجوهٍ مبتسمةٍ تذبحنا كلما ننظر إليها هنا كانوا صِغاراً يلعبون بالقلوب والسّكر يذكرون أسماء قراهم بشهدائها ثم يفترشونَ العراء في ليلةٍ باردةٍ سوّيت فيها بيوتهم بالأرض وهنا أنّوا من الظمأ بيومِ اجتياحٍ طويلٍ .. وهنا تركوا الواجب المدرسي وركضوا خلف جنازة عابرة , أشعلوا شموع العمر .. تركوها .. وغابوا برائحة الدم والياسمين البلديِ .

ورقة لا تُشبهُ سواهُم تمدّدت فوقها أجسادٌ صغيرة تنفّست هواء فلسطين لآخر مرةٍ واستراحت بمقبرة سجنٍ .. كبير ، لم يختاروا الوقت والزمن .. أو يختبئوا من قصفٍ .. توارى خلفهم كل حياء العرب ، شربوا لون الحنّون الأحمر استيقظوا مع صباح أشرق من مدرسة الفاخورة .. أطلت من أعينهم عصافير غردة وابتلّوا حتى الشفاهِ بطينِ هذه الأرض .

ورقة تعرف غزة كلّ شجونها خطّتها سطراً سطراً .. بدءاً بالخط الأحمرِ حتى ما بعدَ الخطِ الأخضرِ .. عصيّة على الطّي والاحتراق .. تكبر كل يوم تضيء كالقمر.. تدورُ أمامَ أعيننا.. تقف شامخةً لا ترتجف .. تترك ما تبقى من سطورها لوجوهٍ قادمةٍ أحبها الوطن .. شهداء يمتدون من بيت حانون حتى نابلس ينتثرون كالرمال على كل حاجز .. قاماتهم أعلى من جدارٍ فولاذيٍّ يسرق قوتَ أطفالهم .. أزهروا من كل ربيعٍ قادمٍ .. يحدقون بالنار والحديد .. يتلون البيان الأول .. ينفجرون ثم يغيبون في قمحها غابة من ذكريات .

ورقة لا تباع ولا تشترى .. خارج حلول المرحلة .. لا تعرف إلا طريقها .. واقفة كالأشجار النازفة .. تُسقط جميع الأوراق البالية لتبقى وحدها ورقة من غزّة .



#بثينة_رفيع (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عائدةٌ من حيثُ لم أذهبْ
- لماذا يا أبي
- ظلالُ رحيلٍ
- لوحةٌ فلسطينيةٌ ليستْ للذكرى
- مرافئُ جرح
- المسافة بين معبر رفح والحوار الوطني
- في زمن الردة
- تراب يواسيك
- حديد عتيق لأطفال فلسطين
- عام من الحصار
- عندما تنام دمشق
- اليسار الفلسطيني بين التبعية والتهميش
- فلسطين .. مساحة من دماء
- حزيران ذاكرة جرح لا يموت
- الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة


المزيد.....




- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- لقاء خاص مع الممثل المصري حسين فهمي مدير مهرجان القاهرة السي ...
- الممثل جيمس فان دير بيك يعرض مقتنياته بمزاد علني لتغطية تكال ...
- ميرا ناير.. مرشحة الأوسكار ووالدة أول عمدة مسلم في نيويورك
- لا خلاص للبنان الا بدولة وثقافة موحدة قائمة على المواطنة
- مهرجان الفيلم الدولي بمراكش يكشف عن قائمة السينمائيين المشار ...
- جائزة الغونكور الفرنسية: كيف تصنع عشرة يوروهات مجدا أدبيا وم ...
- شاهد.. أول روبوت روسي يسقط على المسرح بعد الكشف عنه
- في مثل هذا اليوم بدأت بي بي سي بثّها الإذاعي من غرفة صغيرة ف ...
- معالم الكويت.. صروح تمزج روح الحداثة وعبق التاريخ


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بثينة رفيع - ورقةٌ من غزّة