أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - رواية جفاف الحلق – 5 –















المزيد.....

رواية جفاف الحلق – 5 –


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2924 - 2010 / 2 / 21 - 00:28
المحور: الادب والفن
    




جدتي نفيسة منسحبة من حياة الدار، لا تملك غير صندوقها الذي خرجت به من المجدل تعلق مفتاحه على صدرها بحبل أبيض مشبع بعرق صدرها ورقبتها، لم تستبدله رغم خشونته، لأنه من شعر بطن الجحش الأبيض.
عاشت جدتي خارجة عن التصنيف والتكليف، حصانتها أنها الحمامية الفلاحة التي عاشت وستموت قبل أن تدرك أسرار النول مثل المجدليات اللواتي يتوارثنها جيلاً بعد جيل، تبدأ مع الواحدة منهن منذ أن تتكون نطفة معلقة في رحم امرأة حبالة ولادة يورث السر رحماً عن رحم.. ولأن نطفة جدتي نفيسة لم تعلق في رحم مجدلاوي، فليس من الغريب ولا المستهجن أن تبقى بعيدة عن أسرار الكار و تقسيمات العمل، لا تندمج في طقوس القاعة والعمال، اللهم باستثناء مناوشاتها لجدي ورفيقيه في جورهم، فهم يقاربونها عمراً وذكريات.. يمازحونها وينفضون غبار الأيام حتى يشرقوا، ويترحموا على جدي، الذي سحبته الجندرمة التركية أربع سنين عاد بعدها بزوجة فلاحة وعزباء عن زواج فاشل من غاوٍ هوى ركوب البحر حتى غاص في قراره ولم يعد، تزوجته جنية من جنيات الماء، يغمى عليه وجداً وصبابة، وعندما يفيق يملأ الدنيا زعيقاً وصراخاً، ينقض عليها حالفاً يمين الطلاق، وعندما يعود إلى رشده لا يتذكر من أمره شيئاً.. يتكرر الأمر وتنتشر الفضيحة في القرية التي تشهد على أيمانه، وتعجب كيف تسوغ لنفسها أن تظل حليلته وقد حرمت عليه..
توضع على حد السكين، مطلقة هي والناس شهود أم حليلة على سنة الله ورسوله والرجل لا يعي من أمره شيئا.. في الليل يجفو اللحم اللحم، ويغلف أخاديده عزوفاً ورعونة، يصحو الزوج المآخي مهدوداً بعد صبوات أحلامه، ونثار زبد على زوايا فمه.. مقتولا فاتر الرغبات في لحم حلال مذعور جفول..
أبوهما المحير المعذب بنصيبها، يركب مهرة حكمته وخبرة الأيام:
- يا نسيبنا مثل ما دخلنا بالحلال نخرج بأبغض الحلال، نصيبك في نفيسة انقطع..
ورمى الرجل يمين الطلاق ثلاثاً وهو بكامل وعيه وانصرف صامتاً.. قيل أنه غطس في الماء المالح ولم يعد، لم يشهد أحد على غرقه، ولا قذف البحر جثته، وتحدثوا في القرية طويلاً عن جنية سحبته إلى عشيرتها وتزوجته، وقيل أن وحوش البحر استنفذت لحمه ولم تبق منه شيئاً طرياً ولا يابساً .
مطلقة صارت أم ثكلى لا تدري، وانتقلت إلى بيت أهلها خاسرة فلم يعمر بطنها من زوجها المراوغ، قانعة بنصيبها حامدة شاكرة نجاتها من ضرة جنية أرقت لياليها، واختارت ما اختاره الله، وأبوها ورثها كرماً في طرف البلد، واصطحبها مع أخيها حسن إلى زيارة الرسول على ناقة بيضاء، جهزت بهودج خصيصاً لها.. وعادت حاجة محناة الشعر والكفين وباطن القدمين ، وسجلت علامتها كأصغر حاجة في قرية حمامة .
حول الكانون نتحلق حولها نستمع إلى خرافية الغولة، نقطع الحكاية إلى حكايات نحبها ونعرف أطرافها:
- كيف تعرفت على جدي؟
لما رجع عمي مصطفى من الجهادية كان معه صاحبه المجدلاوي وقبل أن يمد عمي يده في الطعام تنقل بين أبي ورفيقه..فهم أبي..
- مالك يا مصطفى، اطعم الضيف
- هذا الرجل نشلني من فم الموت.. ووعدته بنفيسة
ترك أبي الرجال في المقعد ودخل عليّ، وبلا مقدمات سألني على مرأى وسمع أهل الدار
- ضيفنا المجدلاوي طالب يدك يا حاجة نفيسة
- وايش عرفه بيّ؟
- عمك مصطفى عاطى له كلمة وهم في الجهادية
- والمجدلاوي عارف اني عزباء، عمي راح للجهادية قبل ما اتجوز
وتدخل أخوها الحاج حسن يعطيها مبرراً للرفض:
- وتعيشي غريبة ديار بعيدة عنا يا نفيسة؟!
- النصيب يا خــوي، المجادلة مش غولان ولا بياكلوا الناس، وعمك مصطفى في مقام أبوك، بس المهم الرجل يعرف اني عزباء...
وبعد أسبوع رجع وحيداً وعقد قرانه عليها، وعاشت معه في حارة (الطلسة ) مقطوعاً من الأم والأب، وانطلقت زغرودة مبحوحة من فم جدته لأمه، التي ربته بعد أن نفق أبوه وأمه في هوجة الكوليرا.. وظل في كنفها في حارة الطلسة بعيداً عن حمولته في الحارة الغربية حتى سحبوه إلى الجندرمة، والتقى بمصطفى الحمامي في الأناضول .
وفي حارة الطلسة عاشت غريبة عن المجدلاويات، لم تجلس خلف دولاب، ولا عرفت كيف تلقم الطيار شلخات الغزل، فزوجها بعد عودته من العسكرية جفل النول والقعود في القاعات، وعمل سريحا إلى قرى الجبل يسرح بالأقمشة، ويعود بالزيت والصابون، ويغيب أسابيع قد تمتد إلى شهور.. يتركها وحيدة مع مغزلها وهواياتها في التطريز وشغل الطواقي من صوف الماعز التي تغزله على مغزلها، تتفنن في تطريز المناديل وذيول الأثواب بالعصافير والنخيل .. لزوجات اخوتها اللواتي لا ينقطعن عن زيارتها في غياب زوجها. تتوزع مهاراتها بين أشغال الصوف والتطريز في البيت، والعمل في الكرم الذي ورثه زوجها عن أبيه، أما كرمها في حمامة فقد كان تحت اشراف اخوتها يأتون بغلاله كل موسم، ثماراً وحبوباً أو بعض نقود توفرت من بيع مشمشه و عنبه و تينه.. لم يكدر عليها حياتها غير اجهاضها المتكرر ينعكس عليها وعلى زوجها توتراً وقد تجاوز الثلاثين من عمره.. يهتاج ويعلو صراخه ،يوسعها ضرباً وخربشة وخاصة بعد أن مات ولده البكر في أسبوعه الأول، ومات الثاني بعد فطامه بأيام، ولازمتها بعد ذلك حالات الإجهاض، فاسودت الدنيا في عينيه، وفي المرة الأخيرة انطلق إلى الجبل، ولكنه سرعان ما عاد لم يبع بضاعته، ولم يرجع بزيت ولا صابون، وقبل أن يحل الخرجين عن ظهر الدابة سألها لاهثاً..
- أنت حامل يا نفيسة؟.
- الدم فاتتني من شهرين.
وقبل أن تسأله عن لهفته، دس في يدها حجاباً ،وأوصاها بأن لا تريه لأحد، حتى تضع..
ولم يغادر البلد حتى وضعت ولداً ذكراً أسماه عبد الجبار، وعلق الحجاب في رقبته.. ونام ثلاثة أيام بلياليها عارياً تحت التوتة في الكرم.
يتحدثون في القاعة عن جدي لأبي أنه التقى بطبيب مغربي في ديوان مختار درزي في الجبل، ما أن وقعت عين المغربي عليه حتى بادره:
- أنت غريب عن هذه الديار.. ومهموم بذريتك؟!
- أولادي يذهبون موتاً أو طروحاً يا حكيم
- وحد الله واتبعني عند الفجــر...
قبل بزوغ الشمس صلى وراء المغربي، وتبعه إلى شعاب الجبل، حيث التقط الطبيب عشبة، قرأ الفاتحة وبعض آيات من القرآن الكريم، ثم مضغ أوراقها، وأوصاه أن يجففها، ثم يسقي زوجته من منقوعها المغلي بعد الميلاد ثلاثة أيام متواليات، وبشره أن زوجته حامل بولد ذكر اسمه عبد الجبار، وأعطاه حجاباً يعلقه على صدره إلى أن يقدر الله شيئاً كان مفعولا..
أبو رباح يناوش جدتي:
- وايش عمل فيك ابن خالي لما سرقوا الحجاب من صدر الولد.
- الله لا يعيده من يوم.. الله يرحمه ويسامحه بعمله
يستفزونها، ويأنسون للهجتها الحمامية
- يومها طلع الولد للحارة، ورجع من غير حجاب، قام الرجل انهبل، وهبل الحارة معه..
شلح عريان مثل ما ولدته أمه، وراح يرقص في حوش الدار، وجمع عليّ الحارة..
راح الولد يا نفيسة.. بكرة بيموت.. مغربي وساير بأمر الله كل يوم في بلد، ونزل علي بالقشاط لما سبّغ جلدي وأنا.. أنا في عرضك يا أبو العبد، وهو يحلف عليّ بالطلاق إن صار للولد حاجة ما تظلي في الدار..
- والجيران يا حاجة فزعوا لك؟
- وين يفزعوا؟ ييجوا يلاقوه عريان يهربوا من وجهه
يقهقه الختيارية حتى يدمعوا ويسبحون بحمد الله ويطلبون للأموات الرحمة تلخص جدتي الأمر:
- لولا أم محمد العمشة، رمت حالها على وزعقت فيه:
- استحي واستر حالك زلمة هامل
- همد ولف بدنه واحتضن الولد وراح يبكي..
وعاش العبد، وجاء بعده حسن، ومات الرجل قبل ما يشوفهم كباراً ويفرح فيهم .
وفي الدار تهز سرير أخي تغني له حتى يغفو، وتغفو على غفوته وكأنهما على ميعاد.. تعلق جدتي فاطمة:
- مين قدك يا نفيسة، قلة المعرفة بتريح، أكل ومرعى وقلة صنعة.. يا ريتنا ما عرفنا النول ولا دوّرنا الدواليب..



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية جفاف الحلق -4 –
- رواية جفاف الحلق – 3 –
- رواية جفاف الحلق – 2 –
- رواية جفاف الحلق – 1 -
- .. في سر العسل
- - قراءة في رواية أوجاع الذاكرة للكاتبة الجزائرية جميلة طلباو ...
- طقوس امرأة بريئة – 5 –
- طقوس امرأة بريئة – 4 –
- طقوس امرأة بريئة – 3 –
- طقوس امرأة بريئة – 2 –
- طقوس امرأة بريئة – 1 -
- الجمر والحريق
- كلما حضر.. حضر الوطن - شهادة
- رواية نجمة النواني - 21 - والأخير
- رواية نجمة النواتي 19,20
- نجمة النواتي - 19 -
- رواية نجمة النواتي 17 ,18
- رواية نجمة النواتي 15,16
- رواية نجمة النواتي 13, 14
- رواية نجمة النواتي 10,11,12


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - رواية جفاف الحلق – 5 –