|
رواية جفاف الحلق -4 –
غريب عسقلاني
الحوار المتمدن-العدد: 2916 - 2010 / 2 / 13 - 13:40
المحور:
الادب والفن
غريب عسقلاني رواية جفاف الحلق -4 –
- 4 -
معلق على كتف أبي، عند سدرة الخروبي، حيث تجمع الرجال في المقهى، تحركوا إلى الصنافور.. مررنا بالخروبة عند الجابية، بحثت في عوسج سياج بيارة "أبو راس" عن العربيد والعربيدة، لم يخرجا لالعابهما على عادتهما.. يتلاصقان بطنا لبطن، ثم بطناً لظهر، يحذرنا الكبار من اللعب عند الخروبة، فالعربيد لا يلدغ وليس فيه سم مثل الثعبان، ولكنه يهاجم ابن آدم، يلتف حوله يعصره بعضلاته حتى تهرب روحه من بدنه، ثم يقسمه نصفين...أمي تحذرني دوماً " لا ترجم العربيد فهو يتبلع الصغار ويعصر الكبار" نتفرج على العربيد والعربيدة يجوسان أشواك العوسج.. ناطور البيارة يميز الأنثى من بطنها الرمادي المائل إلى البياض عن الذكر شديد السواد، نتساءل نحن عن أولادهما العرابيد الصغار، نرهف السمع لحكايات عجائز الحارة الغزيات عن بركات العربيد الذي يهاجم من يزعجه، وإذا لم ينل خصمه يبلغ عنه "الحية" الألفية أم القرون الذهبية القاطنة كتف تل صلاح الدين المواجهة لعوسج السياج... ويتحدثون أن الحية تآخت مع سيدنا الشيخ تاج الدين الخروبي، ووقفت عند باب الكهف تحميه من جنود الجزار يوم طلب رأسه.. ويقال أنها كانت تسعى خلف الشيخ أينما ذهب، وتقف على ذيلها عندما يدخل على الشيخ مدسوس في زي طالب حاجة أو سائل مشورة.. يرفع الشيخ يده إلى السماء يحدثها: - لله الأمر يا مبروكة تهمد، وتلف طولها كعكة كبيرة، تتوسد التراب، رأسها في مركز دائرتها مشرعة قرنيها الذهبيين.. ويقال أن ما من مدسوس دخل على الشيخ إلا وتبعه، وأصبح من مريديه يبذل روحه في سبيل الدعوة للجهاد ضد ظلم الجزار وفساد الأحوال.. معلق على كتف أبي نقطع ساحة الشوا إلى الصنافور، خلق كثيرون، رجال ونساء وطلاب وأعلام ورقية ملصقة على قصبات خشب النخيل، أو بوص أبيض، فرحة طافحة على الوجوه.. هتاف يتربع في الفضاء يتوزع في الحواري، تطرح البيوت ساكنيها (الإتحاد والنظام والعمل) يتناغم مع دقات الأقدام على الأرض.. قطار الرحمة قادم من مصر. يقطع سيناء، المجربون من الرجال يجسون دبيب القطار بوضع آذانهم على قضبان السكة الحديد، يقدرون المسافات.. القطار في البوليس الحربي..القطار قطع المزلقان (بالاتحاد والنظام والعمل) مصر تعود طوابير ضباط وجنود مع اللواء محمد نجيب، يسبقهم قطار الرحمة حاملاً خيرات أم الدنيا، يتهادى، ينشر صفيره، عرباته على امتداد النظر.. وأنا معلق الّوح بعلمي الصغير، ساقاي تدقان على صدر أبي نودع القطار حتى عربة السبنسة، الجنود يلوحون.. يلتهمون ما وصل إليهم من برتقال انهمر عليهم من الناس.. ثورة مصر يقودها اللواء والبكباشي، حلوا محل الملك ودولة الباشا ومعالي الوزير، يعيدون أصداء معارك انتهت ومعارك ستكون..فردتا صندلي تطبعان نعليهما على قمباز أبي، شحبار الكاوتشوك حديث التنعيم على قرص الجلخ.. أبي يلعن محرم الكندرجي، ومصمم الصنادل وحافظ الجيرة، يخصنا بنعال من أفضل أنواع الكاوتشوك، ويحلف أنها مسلوخة من إطارات السيارات الألمانية والإنجليزية التي خاضت الحرب العالمية الثانية، يهزأ محرم من جاره الجاروشة اسكافي الأفندية الذي يفضل الأحذية على القوالب حسب مقاساتها، يتعامل مع الجلد والضبان والكريب الأبيض، ويتعالى على كندرجي الكاوتشوك وسكينه التي تعمل في ثنايا الإطارات القديمة. - ولك يا جاروشه تعال خذلك نعل، تموت قبل ما تهريه، ولك نعالي دخلت الحرب مع رومل. يتدخل جار يصب الزيت على النار: - طيب الجاروشا بيعيش قد النعل ولا قد رومل - النعل يعيش قد النعل، ولك كاوتشوكي وقف في وجه تشرشل - وقف قدام تشرشل ولاَّ هرب من قدامه - غلطة الكبير كبيرة.. ما هو رومل طلع حمار لو رد على الحاج أمين كان ما خسر الحرب، قال له المفتي انطق بالشهادتين وصلي ركعتين وتوكل على الله ربنا ينصرك.. قام رومل ضحك على المفتي ومات كافر، وخسرها دنيا وآخرة. - مين الكافر يا محرم رومل ولا الجاروشة - لعن أبوكم شعب غناج مع كل دقة بترقصوا، صدق فيكم فدعوس ينفخ في برزانه بيسوقكم وراه. يتوقف محرم عن المساجلة يدير موتور قرص الجلخ، يعلو الأزيز ويقتل أصوات وصراخ المتحرشين والممرضين، ويدخل الكندرجي في طقوس التجليخ وتنعيم النعال من البقايا والشظايا. كل الناس عند الصنافور، وفدعوس بطبله وبرزانه في استقبال قطار محمد نجيب يسقطون الملك والباشوات إلى غير رجعة.. أسأل أبي: - ايش محمل القطار؟ - خيرات مصر.. - علشان اللاجئين؟ - علشان كل الناس مواطنين ولاجئين يعبر القطار،ويهبط الصنافور يغلق المزلقان..أكياس فول وعدس ودقيق وعرانيس ذرة جافة .. في الدار يتحدث أبي عن ملك وباشوات و جنود وضباط، واللواء المواووي قائد الجيش المصري في المجدل يوم وقفت "صديقه شلحه" في وجه محمد نجيب وقالت: " محمد نجيب فلسطين بدها رجال، بدها مدافع ودبابات اثقال بدها "برنّات" للجدعان تحملها، بدها سيوف من رؤوس العدا تنقط دم وأنشدت: احنا في منقع الدم والسيف ماله حد يا خي محمد نجيب قوم انحزق واشتد والسيف لولا المبارد ما تلحق له حد اضرب رفاق العدا ولا تسأل عن حد يتذكرون الفالوجا ومن حارب فيها، والشيخ عواد والمختار والبلد التي وقفت مع عبد الناص، قدمت المؤن والرجال في وقت الحصار.. عن أوامر الانسحاب والأسلحة الفاسدة، وعن المفتي المحجوز في مصر، بعد مؤتمر وطني لم يأت بعد على سيرته أحد.. وتساؤل عن عودة المفتي بعد قيام الثورة في مصر ، وأنا فرح بعلم صغير ملفوف على قطعة من خشب جريد النخيل سبقت قطار الرحمة إلى غزة..
#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية جفاف الحلق – 3 –
-
رواية جفاف الحلق – 2 –
-
رواية جفاف الحلق – 1 -
-
.. في سر العسل
-
- قراءة في رواية أوجاع الذاكرة للكاتبة الجزائرية جميلة طلباو
...
-
طقوس امرأة بريئة – 5 –
-
طقوس امرأة بريئة – 4 –
-
طقوس امرأة بريئة – 3 –
-
طقوس امرأة بريئة – 2 –
-
طقوس امرأة بريئة – 1 -
-
الجمر والحريق
-
كلما حضر.. حضر الوطن - شهادة
-
رواية نجمة النواني - 21 - والأخير
-
رواية نجمة النواتي 19,20
-
نجمة النواتي - 19 -
-
رواية نجمة النواتي 17 ,18
-
رواية نجمة النواتي 15,16
-
رواية نجمة النواتي 13, 14
-
رواية نجمة النواتي 10,11,12
-
غريب عسقلاني - رواية نجمة النواتي 7,8,9
المزيد.....
-
كيف تُغيّرنا الكلمات؟ علم اللغة البيئي ورحلة البحث عن لغة تن
...
-
ما مصير السجادة الحمراء بعد انتهاء مهرجان كان السينمائي؟
-
وفاة الممثلة الإيطالية ليا ماساري عن 91 عاما
-
البروفيسور عبد الغفور الهدوي: الاستشراق ينساب في صمت عبر الخ
...
-
الموت يغيب الفنان المصري عماد محرم
-
-محاذاة الغريم-... كتاب جديد في أدب الرحلات لعبد الرحمن الما
...
-
-أصيلة 46- في دورة صيفية مخصصة للجداريات والورشات التكوينية
...
-
-نَفَسُ الله-.. هشاشة الذات بين غواية النسيان واحتراق الذاكر
...
-
جبل كورك في كردستان العراق.. من خطر الألغام إلى رفاهية المنت
...
-
لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟
...
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|