أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - المنصور جعفر - الهامش .. بين المركزية الأوربية و المركزية الأفريقية















المزيد.....



الهامش .. بين المركزية الأوربية و المركزية الأفريقية


المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)


الحوار المتمدن-العدد: 2888 - 2010 / 1 / 14 - 20:02
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    



تقديم:
هذا هو الجزء الثالث والأخير من محاولة دراسة ضعف مقالات كوش وقوتها، ويتناول تكون الثقافة والتاريخ وتواشجهما، ونشوء نزعة المركزية الأوربية ونشوء نزعة المركزية الأفريقية ثم إنحصارها في حركة أكاديميا- ثقافية في بعض جامعات أمريكا ومن ثم نلاحظ الإختلاف والشبه بين النزعتين ومنه تظهر نتائج المحاولة الدراسية التي تختتم بمراجع تقصيها.


1- في تشكل الثقافة:

يقارب إصطلاح "الثقافة" معاني عدداً أكثرها إجمالاً المعنى المشير إلى أن الثقافة هي: الخبرات والممارسات الإجتماعية الناشئة بتفاعل المجتمع مع الطبيعة والبيئة المحيطة به. وبهذا التعريف الإجمالي نجد أن إصطلاح "الثقافة" رغم حداثته يماثل تقريباً إصطلاح "الحياة" رغم قدمها وإتساعها!!. من هنا يمكن للتمييز بينهما النظر إلى كون أن إختلاف الطبيعة تضاريساً ومناخاً وتغيرها خصباً وجفافاً وتنوع عدد السكان قِلةً وكثرة وتباين الظروف والأحوال الطبيعية والسياسية حول هذا المجتمع أو ذاك إنما يمثل تنوعاً في البيئة يشكل بدوره ثقافات متنوعة رغم وحدة قوانين الحياة: لأن الحياة الإجتماعية تتغير مع تغيرات الطبيعة وتنوع الظروف والأحوال الطبيعية والسياسية بصور شتى تختلف من منطقة إلى اخرى ومن زمان إلى آخر. ووفقاً لشيء من هذا التنوع فإن بعض المجتمعات المتشابهة في التكوين العنصري أو في اللغة أو في الإعتقاد تختلف إختلافات ثقافية شتى، كذلك فإن الشبه في الظروف الطبيعية والإجتماعية يسهم أيضاً في تشكيل ثقافات شبه إلى بعضها رغم وجود إختلاف في عناصرها أو في لغاتها أو في عقائدها أو حتى في أسلوب حركة تفكيرها وأقانيمه.


من جدل الإختلاف والتوافق بين البيئة وحاجات الإنسان وقدرات تلبيته هذه الحاجات يبقى الأساس الموضوعي لتشكل ووجود "الثقافة" هو نشاط الناس الرئيس لتلبية ضرورات عيشهم وكسب معينات الحياة ومقتضياتها بالموارد والإمكانات الموجودة ضمن بيئتها أو بما يمكنهم تحويله من هذه البيئة أو جلبه إليها من موارد وإمكانات. ومن ذا يوضح أكثر أن تفكير البشر ونشاطهم وتنظيمهم لتلبية هذه الضرورات يتأثر بالطبيعة والبيئة المحيطة بهم ومن الطبيعة أنه لا يمكن وجود الثقافة قبل وجود النشاط البشري والإجتماعي بالذات فهي صفة تابعة لوجود هذا النشاط تبعية النهار للشمس مع بعض التمايزات .. نسبيةً.

مما سبق يمكن تناول "الثقافة" ككيان ظاهر في الحياة البشرية ضمن علاقة المجتمع والبيئة وذلك من كون ان طبيعة المعاش حسب البيئة تشكل طبيعة الإنتاج بصور أولية إرتقى سردها في تاريخ الإنتاج من حالات الإلتقاط والصيد إلى احوال الرعي والزراعة ثم الصناعة و من هذا الإرتقاء في تلبية حاجات المعيشة وطبيعة الإنتاج وعملية تنظيمه ترسخت في الناس أشكالا إجتماعية عددا لتوزع موارد وإمكانات وجهود العيش وخيراته وأشكال إقتصادية لتحقيق فائدة أقصى بأقل قدر من الموارد والجهود والخيرات. وتشمل هذه الأشكال الإجتماعية الإقتصادية نظم التواصل والتمييز بين الأسر وبين الأفراد في التعامل والحيازة وكذلك تنميط التواصل والتمييز في جملة حياة الناس ككل (= مجتمع) أو كمجموعات معينة بالعمر أو النوع الجنسي أو بالطبقة أو كأفراد فيهم القوى وفيهم المريض. كذلك تتميز نظرة الناس إلى طبيعة وجودهم العام وأصله ونهايته وكذا يتميز نظر الناس إلى وجودهم النسبي في الزمان يقومونه بالسنة والفصل والشهر والأسبوع واليوم ويؤقتوه صبحاً وظهراً وعصراً ومغرباً وعشاء.وكذا قيام الناس بنظم وجودهم وتلبية حاجاته شرباً وأكلاً وسكناً وطُرقاً وحركة وعملا وتقسيم متطلباته إلى مهمات عددا فيها العام وفيها الخاص وكذا توليدهم ما يتعلق بتعميم هذه المهام أو بتخصيصها من خبرات وشروح وعبارات وممارسات وملابس وعقائد وطقوس وما يواشجها من كشوف عملية وفكرية وقسطسة نظم وسياسات وشرائع خاصة وأخرى عامة تنشأ معها ممارسات وقوى للضبط في صور شتى بين التحديد والإباحة مما يشكل ككل كينونة ومظهر ما يعرف بإصطلاح "المجتمع" كمنظومة لإجتماع الناس وحضورهم معاً في الحياة سكناً وعملاً وعيشاً مشترك الموارد والجهود والمنافع.


تواشج الأحوال الإقتصادية السياسية لمجتمع ما بأحواله الثقافية يتكون جدلاً بين ما يمكن تسميته "مضمون الحياة" و"أشكالها وصورها الخارجية": حيث الهيئة الخارجية تؤثر على التركيب الداخلي والتركيب الداخلي يؤثر على الهيئة الخارجية والجزء منهما والكل يتأثر ويؤثر في البيئة الموجودة حوله سواءاً في أجزاء من تلك البيئة أو في كلياتها... فهو تواشج يظهر في مضمون التعاملات وفي أشكالها الإجتماعية-الثقافية لتقسيم الأرض والتمييز في مساحتها وزرعها وسقيها أو في تفريد مناطق وشباك الصيد أو جمعها وفي المراكب وطبيعة حيازتها أو في بناء البيوت ومواضعتها لجهة معينة أو بعيداً عنها وكذا في تنميط العمل وطرقه، وفي أمور الحضور والإقامة والإنتقال وفي التصاهر والزواج والحيازة والتملك والإرث وفي تعليم الأطفال وفي نظم علاقات القرابة والولادة والوفاة وفي كينونة الكلام والإعتقادات (العامة). فكل هذه الأمور (الثقافية) تتصل كمضمون وكشكل بتواشج عمليات الترابط أو التميز الإجتماعي بالصور السياسية التي تحكم بدورها مجريات الإقتصاد وتؤثر على العمليات الإجتماعية-الثقافية المواشجة له وهو تأثير يتم غالباً بنهج إدامة التراتب الطبقي المتكون وتعزيزه بمنطق (ماوجدنا عليه أباؤنا)... ولكن تواشج الإقتصاد والسياسة والثقافة في المجتمعات كافة لايعني تماثلهم وتطابقهم ولو بمقولات مطلقة من نوع : ((الدولة هي السياسة))! أو (( الثقافة هي الحياة)) ! أو ((المال عصب الحياة)) ! فلكل منهم مقدار وهذا المقدار وحسابه وتقديره هو ما يشكل "ثقافة التاريخ" وقد كان أشدها نشاط ماركس في "نقد الإقتصاد السياسي". وبالإقتصاد والسياسة المواشجة له يأتي التميز والإختلاف في "ثقافة التاريخ" بقدر كبير عن "تاريخ الثقافة" فأكثره قائم بتصوير عناصر جماعة من البشر وجغرافية حياتهم وفك رموزها الخاصة بالمختلف في تكوينهم الإجتماعي عن بقية الجماعات البشرية مما لا يقارب كثيراً عملية الإنتاج وعلاقاته المؤشرة إلى تطور سيطرة الناس على موارد العيش في الطبيعة وفي الطبيعة الإجتماعية.

2- في تشكل التاريخ:

في قمم المدينية الأفريقية والسودانية التي بدأ بعضها تاريخ الوجود الإجتماعي للبشر بدأ تشكل التمايز بين "الحياة" بنمطها المألوف للناس كرحلة بين الولادة والموت و"الثقافة" كحالة ذهنية وعملية عامة لتمثل الناس الحياة تمثلاً ضوئياً واحد العناصر ولكنه مختلف في خيمياءه وفي سيمياءه بإختلاف ترتيب عناصره وأشكاله من مجموعة بشرية إلى مجموعة بشرية ومن عهود معينة إلى أخرى .

وكان الميسم العام لتلك الثقافة قد تراكم ثم تبلور بقيام طليعة أو قمة ذلك المجتمع الأفريقي بكشف العلاقة بين جدل بعض أحوال الطبيعة الضرورة لحياة البشر في الأرض كفيض النيل وإنحساره وخصب الأرض وإجدابها ونزول الغيث وإمتناعه وخروج الزرع وجفافه، وحركة الشمس والنجوم والكواكب وطبيعة القيام بممارسة أعمال معينة في وقت معين بشكل عام كالزراعة أو بشكل خاص كأعمال تنظيم قوة الجماعة أو ذهنها. وهذا الإعتقاد الذهني بتعدد وحركة عناصر الكون والتوافق والوحدة (النسبية) بين تموضعاتها والفهم الخاص لتأثير عناصر الكون على بعضها وعلى (كوكب) الأرض كان إعتقاداً واشج تطور خبرة الناس في إجتماعهم لمواجهة الطبيعة ولمواجهة الجماعات الأخرى: فبتراكم هذه المواجهات والمعارف والخبرة منها زادت معرفة الناس بوجود وتحولات "العناصر الأربعة" : الماء والأرض والهواء والنار وإرتقوا نوعاً لإمكان نظم التعامل معها وزيادة النفع بها.

وقد كان إنحصار معرفة الطبيعة والطبيعة الإجتماعية لذلك التجمع البشري والعلم بأحوالهم أساساً من أسس تبلور السلطة السياسية (=Dictatorship ) وتعينها في العناصر المالكة للحقيقة والكاشفة حوادث المستقبل. وقد كان ذا التأسس مواشجاً لبروز إعتقاد يتمثل في الأرض مواضع وحياة أجرام السماء: فالملك الفرعون والمدينة العاصمة عُدا بمثابة الشمس، بينما الهامانات والسدنة والمدن الأخرى حسبوا كالكواكب، وقد صار العلم بذلك والإعتقاد به في خصوصه أو في عمومه كعقيدة يمثل النار أو الطاقة المحيية للنشاط والباعثة إلى "النظام" الذي قد يمثل الماء في الحياة والنيل في الصحراء، أما عموم الشعب وأعمالهم فهم الأرض التراب أو الفضاء العام! وفي ذا التنظيم الذهني لأمور الأرض بنسق ما في السماء من أجرام وتأثيرات صورت "الحياة" كإستقرار نسبي للأثير أو الهواء في شكل كائنات ونفوس حية منها النابت ومنها العظملاحم تنبت وتولد وتعيش بتوافق متحرك ومعين طبيعةً مواشج لحركة عناصر الماء والتراب والهواء والنار في داخل هذه الكائنات وحتى في داخل المجتمع في لحظة أرضية معينة! ، وفوق ذلك الفهم لداخلية العناصر الحيوية في كائنات الأرض فإن وجود تلك العناصر وحركتها داخل الكائنات عدت أيضاً تعبيراً عن توافق سماوي معين في تموضع الشمس والنجوم والكواكب في لحظة كونية أشمل، ومن ذات تقدير الحكام الشموس وتوابعهم لأصول الحياة كان قيام تلك الإعتقادات القديمة بتقدير حالات القحط والخراب واليبوس والمرض والموت بأنها أيضاً أمور مواشجة لحركة الشمس والنجوم والكواكب ينشأ منها تحلل النظام الداخلي القديم لتلك العناصر وموت الكيان الذي تتخذه هيئة لها. وبذا التنظيم الذهني الأولي لأمور الوجود الطبيعي والإجتماعي في بعض مجتمعات السودان القديم فإن "السماء" (بمعنى = "النظام الكوني") أصبحت هي أساس الماء الأزرق والأرض والهواء والنار والمصدر العام لـ"الحياة" في الأرض.

في خضم هذا التواشج بين أمور الخبرة والتنظيم والعلم والإعتقاد والنشاط الإجتماعي وتثبيت الممارسة ونشأت "الطقوس" الملازمة لكل أمر منهم تبلورت عملية الكتابة وتسجيل الوقائع وتأريخها أما بعلامات من الطبيعة يؤقت بها الحدث في الزمان أي بالنجم والشمس والقمر وبالفيضان أو بعلامات من السياسة أن الامر الفلاني قد حدث في عهد الملك أو الفرعون فلان. وبطبيعة الأمور والمجتمعات فقد تباين الإهتمام بهذه الوقائع أو تلك وإختلف نشاط الحصر والتسجيل نفسه لأسباب من أمور شتى. ولكن إن قيل أن أول قاموس وضع في العالم قبل ألآف السنين وضعه النبي النوبي إدريس المعروف عند الخواجات بإسم Hermesوعند اليهود بإسم إينوخEnoch وإنه جمع فيه الأسماء كلها بياناً وشرحاً! فإن من ذات المعرفة والمدينية التي أسست الحساب والكتابة والهندسة والدين وأنتجت ذلك القاموس الأول كان تبلور ذات "التاريخ" History وكذا من جدل بيان الأمور العامة والأمور الخاصة فيه أوآنذاك العصر الفرعوني كانت بداية ما يسمى "علم التاريخ"Historiography وتنظيم كتابته ومعرفته.

فبعدما كان تسجيل التاريخ عشواء لحظة التسجيل وتوازن القوى المحيطة به .. تبلور (علم) التاريخ من تنظيم خبرة فرز الأمور والوقائع والحوادث وإظهار بعضها ونفعها وإضمار بعضها الآخر والسكوت عن سرده، فكان "التاريخ" في الإظهار وفي الإضمار وليد النظر في الوقائع والتأمل في تبدل المعاني وتصفية الغث من الثمين صوفية وحكمة و(فلسفة)، ولكن إن كان سرد تاريخ الطبيعة وتحولات عناصرها واحداً بعد الآخر أمرأ خاصاً خطراً يتعلق بحياة الناس في الزراعة والطب والملاحة والصيد يناله أولو الألباب بعد تعليم طويل –إلا ماندر- فإن "التاريخ" في مجال السياسة والحكام كان مكتوباً على لفائف قدس مشهورة ومعلنة للكافة، ومنقوشاً على صخر صقيل، مسطوراً فيها بهندسة دقيقة في شكله وفي المعاني التي قصد ترسيخها، أسوداً و ملوناً وكان أشهر ما يسجله من وقائع في البناء وعمرانه وفي الحروب جيوشها وغزواتها وإنتصاراتها فقط.

وقد إستمر أمر التاريخ وتاريخ السودان القديم Khemأو Egyptos كما سماه اليونان مغلقاً على الحكام والملوك عدا ما فتحه هيرودوتس Herodotus تلميذ بعض اليونان الذين تعلموا في السودان القديم أسس وبعض عوالي الحساب والفلك والهندسة: فقد سجل هيرودوتس أموراً شتى عن بناء الأهرامات وعن كيفية الطب والعلاج في فارس. ولكن مع الدخول الكبير للمقدونيين واليونانيين إلى شمال السودان (مصر) بدعوة من أحمس Amasis وقاية لحكمه من ( الخطر الفارسي) بقيادة قمبيزCumby ثم تحكم المقدونيين واليونانيين فيها وتأسيس مكتبة الإسكندرية سنة 332 ق.م في جوار المكان القديم لدراسة المتصوفة القدامى تمكن اليونان من النفوذ بقوة الحكم وبحكمة المتعلم النهم إلى ذخائر الثقافة السودانية جمعوها من جوامع المعرفة القديمة وأسسوا بما جمعوه وبما تعلموه وما إنتحلوه وما نهبوه جزءاً من حركة تأريخ جديد أكثره تسجيل لمعارفـ(ـهم) وبعضه سجل لأمور الناس والسياسة بنظرة جاحدة لجذور المعرفة الأفريقية وبصبغة إستعمارية غلبت عقدة أثينا السوداءBlack Athena وقد إنتهت تلك الحركة التي إستمرت ألفي سنة إلى شكل التاريخ السائد حاضراً وأكثره عن تطور أوربا: الإغريق والبونان، فالرومان، فالحروب الصليبية والقرون الوسطى ، والنهضة ونشوء الرأسمالية، وتبلور الإستعمار والحربين (العالميتين) وتحقق ما يسمونه "المعجزة الأوربية"جوارها حضارات قديمة! تماماً مثلما كان التاريخ وقفاً على الملوك والقادة والدولة القائمة عليه بلا سرد لحياة الناس ولا إهتمام بتقدم تنظيمهم الطبيعة الخام والطبيعة الإجتماعية.

تواشج الثقافة والتاريخ:

مما سبق يمكن القول أن كل ثقافة تواشج تاريخاً معيناً سواء في تأصيله بعض الأمور أو في لغته أو في مواضعته كينونة مجتمعه القديم أو في مواضعته كينونة مجتمعه الجديد يرد أصله إلى جزء معين من المجتمع القديم وغالباً ما يكون هو الجزء الأقوى أو المنتصر في صراعات المجتمع الذي كان موجوداً في قديم هذه المنطقة أو تلك .اما كتابة التاريخ فأخذت أساليباً شتى إتصل أكثرها بثقافة فكرة (الحضارة) وتصور الأبنية الكبيرة والجيوش والغزوات دالة على التمدن والرقي وسيطرة المجتمع على موارد الطبيعة والحياة ورقي عقلانية تنظيمه أمور حياته ومعاشه والحال ان كل هذا التضخم جزء أصيل من سيطرة مجموعة معينة على ذلك المجتمع ما إن تنتهي بالموت أو بالخلافات أو بالغزو حتى يتفكك ذلك المجتمع . وأشهر ألوان كتابة التاريخ حاضراً اللون الذي يهتم بالعامل القومي الحديث يستقصي جذوره من الأقرب إلى الأبعد في نقاط تشكل كل واحدة منها أكبر مصادر القوة الإجتماعية في مناطقه وزمانها فيندر أن تجد كياناً متأرخاً يشير إلى ضعف أصله الطبقي أو القومي وأنه نبت الجهة المظلومة لا الجهة الظالمة إلا بغرض إظهار قوة لاحقة !!

بذات منطق إحترام القوة وممالكها فإن بعض التأريخ ركز على "التاريخ الديني" كتاريخ جديد مكرس للفضيلة وسيرورتها من حالة الدعوة والإضطهاد إلى حال الفتوحات! دون أن يشرح للقائمين عليه الفروق الكبرى في التاريخ المسيحي بين تملك الصيارفة للمال في باحة معبد القدس حين هاج ضدهم المسيح (ع) وخرب بنوكهم وتملك الكنيسة الأراضي والدول والملوك والأفكار !! كذلك في التاريخ الديني للإسلام لم يشرح أحد الفرق الموضوعي المفيد لأهل الأرض بين تملك أمراء الفرس وقادتهم لأرض العراق قبل الإسلام وتملك الأمراء والقادة العرب لأرض العراق بعد الإسلام! كذلك في مصر لم يشرح التاريخ الديني الإسلامي الفرق بين إقطاع الرومان أرض مصر وإقطاع العرب منها! وهكذا تجد سيرورة التاريخ في مرحلة ما بعد البدايات البشرية وبمختلف انماط تسجيل هذه السيرورة كتاريخ ليست إلا مجرد تتال ينتقل فيه الناس من مملكة قوة إلى أخرى . كتابات لا تقدم تفسيراً موضوعياً لتقدم الناس أو ضعفهم في عملية الإفادة بالطبيعة وتنمية موارد عيشهم فيها ولاتقدم للناس تفسيراً معقولاً لطبيعة تنظيم حياتهم وعلاقته بهذه الطبيعة وهذه التنمية.

في النظر العلمي للتاريخ وطبيعة كتابته سارت الماركسية اللينينية من حيث لا تدري على الدرب الأفريقي السوداني المُعَلَم بفهوم : "الطبيعة" و"عناصرها" و"حركتها وعلاقاتها الجدلية"، ولكن من حيث تدري فقد سارت الماركسية اللينينية ولم تزل تسير بفهوم "المادة" و" الوعي البشري كأرقى إنتاج للطبيعة" موكدة أهمية شيوع إمكانات العيش بين الناس كمسألة ضرورية في عملية بناء حال إنسانية جديرة بمستقبل جميل، فقد إنتبهت الماركسية اللينينية إلى ثلاثة أمور أساسية لبلورة "الوعي" هي: 1- إدراك موئل الأشياء وحركة صيرانها من البسيط إلى المعقد بـ2- التغير الجدلي المستمر في كم وفي تراتب بعض عناصرها الرئيسة إرتقاءاً إلى نهاية وضعها القديم و إلى تغير كينونتها وصورتها في ذات الزمان إلى كينونة جديدة وهيئة مختلفة تعبر عن 3- جدل حركة تنافر وإتحاد عناصر المادة في الطبيعة وفي الطبيعة الإجتماعية. ومن إنتباه الماركسية اللينينية لهذه العناصر الثلاثة ذهبت باحثة في الوجود الرئيس في الطبيعة الإجتماعية: وهو "عملية الإنتاج" ونشاطات العمل فيه فدرسته من حيث أسسه ونتائجه عبر دراستها عناصره الأوضح وهي: "البضاعة" و"قوى الإنتاج" المادية والبشرية و"علاقاته" وصلة هذه العناصر بأمور المجتمع تنظيمه وطبيعة ترتيبه وحكم أموره . ومن دراسة هذه العناصر المادية التي لا يقبل حسابها التأويل والكوار واللغط تشكلت عناصر الثورة الموضوعية لتجديد النظر إلى التاريخ لا بإعتباره تاريخ ملوك وجماعات موالية لهذا الزعيم أو النبي أو ذاك بل بإعتباره حالة حساب لأسس وإمكانات وجود المجتمع المعني وتطوره، حسابات نظرية ومحاسبات عملية تغذي بدورها تكون (العلم الجديد) "علم الثورة الإجتماعية" الذي يتكون من أرقى إسهامات الفلسفات والعلوم النظرية والتطبيقية في عملية تحرر البشر من الإستغلال فبنضج عناصره الذهنية والعملية الرئيسة تبدأ إمكانية موضوعية في حياة مجتمعات العالم لكتابة التاريخ الحقيقي للإنسان لا في إتجاه الماضي وتأويله بل في إتجاه المستقبل وتقديره.

بالعناصر الموضوعية كان تقدير الماركسية اللينينية لماضي النشاط البشري في العالم متمحوراً حول المراحل الإقتصادية-الإجتماعية-السياسية والثقافية الأكثر تأثيراً وهي مرحلة البداءة والشيوع البدائي لإمكانات العيش والحياة، ومرحلة "الإستعباد"، ومرحلة"الإقطاع" ومرحلة "الرأسمالية" ثم المرحلة الأولى من المستقبل وهي مرحلة "الشيوعية" تسبقها فترات إنتقال إشتراكية، وطنية شعبية أو وطنية ديمقراطية. فتملك الناس لوسائل إنتاج عيشهم إختلف عبر الزمان بداية من اللاتملك والتكالب المنفلت إلى الموارد في الزمان القديم ووصولاً إلى التملك الإنفرادي الخاص ما فيه من إستعباد وإقطاع وسوقية وإستعمارقديم واستعمارحديث وإمبريالية وبكل خسائره الحاضرة في حروب البشر وفي تدمير البيئة نهاية إلى حال لإشتراك الناس في موارد وجهود وخيرات إنتاجهم إشتراكيةً علمية أفإن ماتت مسمومة ومخنوقة في روسيا وأوربا الشرقية فقد عاشت في الصين العتيقة ودول أخرى منها الحادثة ومنها الوليدة، كذلك من التناقض والتطور داخل الإشتراكية وإضمحلال ضرورة وجودها ستولد الشيوعية كحال لعملية إمتلاك الناس في العالم لوسائل إنتاج عيشهم وإمكانات تطوير حياتهم بداية بشكل تعاوني متداخل متناسق ومستدام.

ولأن كتابة التاريخ في العالم لم تكن حكراً على الماركسية اللينينية فقد إستمرت الكتابات الدائرية للتاريخ من حضارة مملكة قوة إلى أخرى تصف الماضي بالمجد وقد كان أكثره إستعباداً وحروبا وطغياناً وفرعنة وإستغلالاً للكادحين وتصف وجود الشعب في الماضي بالعلم والقوة وقد تغيرت ملامحه وثقافته إلى الغبش في الحاضر!؟ وأخذ هذا الضرب الملوكي والقصوري والحروبي من كتابة التاريخ أشكالاً ذات نزعة مركزية بعضها أوربي وبعضها صيني وبعضها عربي وبعضها أفريقي، ويصور كل منها أهله وثقافته كأصل مالك لكل الخيرات الذهنية في العالم منصرفاً عن قوانين تطور الأشياء وجدلها ونباتها جديداً، ومن هذا التأريخ المنصرف عن نشاط أغلبية السكان ندرس حالتين مركزيتين أرتبط سردهما بعدد من المقالات الكوشية هما حالة "المركزية الأوربية" وحالة "المركزية الأفريقية".


المركزية الأوربية:

حالة نظر إلى تاريخ (الحضارات) تستغرق في إسهام أوربا في بلورة القيم المدينية الحاضرة وتهميش إسهام الحضارات الأولى الأفريقية والآسيوية والأمريكجنوبية في تكوين (الحضارة) البشرية. فهذه النظرة (الأوربية) تحكر جذور "العقلانية" وبداية القيم السياسية الحديثة على حضارة اليونان ثم الرومان اللتين كانتا مع حضارة مقدونيا و فارس آخر حضارات مرحلة النظام الإستعبادي الكبير في التاريخ. وفي غير أمور التاريخ فإن "المركزية الأوربية" تتناول قضايا العالم بإمازة شديدة لأدوار ومصالح أوربا ونُسخها في أمريكا وأستراليا وبذا فإن إصطلاح "المركزية الأوربية" يعني في جانب كبير منه حالة للهيمنة الأوربية في تناول التاريخ وعرضه.

بيد أن "المركزية الأوربية" هي إصطلاح وفهم ماركسي لينيني قح صكه العالم والفيلسوف سمير أمين Samir Amin حوالى سنة 1970 في كتابه "المراكمة [الرأسمالية] على نطاق عالمي"Accumulation on a World Scale طبعة سنة 1971 وقد ربط سمير في الإصطلاح بين كينونة الثقافة الأوربية الحاضرة وعملية الإستعمار وربط فيه التحرر الوطني من الإستعمار بلزوم الثقافة الوطنية!. ولا غرابة في تناول أمين أمر الثقافة في الناحيتين بفهم إقتصادي سياسي للتاريخ فالرجل الأفريقي المصري النشوء الفرنسي التعليم والماركسي الثقافة والنشاط والأمريكيجنوبي والأفريقي والصيني المعاش والحياة كان في ينوعه ولم يزل أحد القادة الفكريين لدراسة "التبعية" وتفكيك الروابط التي تأسر البلاد والمجتمعات إلى "الإستعمار" وتجعله مستثمراً أعظم لخيراتها مما إشتهر في العالم بفضل كتابه العظيم "الإنفكاك"Delinking .

وعلى شدة التعميم في هذه الرؤية البنيوية المجهورة بإشراق نضالات حركة التحرر الوطني وتضعضع أكبر قوى الإستعمار في التاريخ، فقد تم ذلك الربط الوطني بين التحرر الإقتصادي والتحرر الثقافي من الجهل والأمية وعوامل التخلف الداخلية ومن عوامل الإنمساخ الخارجية، في وقت كانت فيه دراسات وفهوم "الثقافة" في عموم دوائر الدراسات العليا والأكاديميا "العالمية" (= البرجوازية الأوربية) كانت في مستوى علم الإناسة القديم Anthropology وفي مستوى علم الأثار Archaeology هذا غير الطابع البرجوازي الأوربي الفردي لمفردة "الثقافة" كمزيج من بعض كتب الفلسفة وعباراتها مع شي من اللوحات الغالية والمسرح والموسيقى السيمفونية وبعض المعرفة بتطورات العلوم ونشاط في كتابة المقالات والأحاديث العامة وهو حال يختلف عن إصطلاح وفهوم "الثقافة " في الوقت الحاضر إذ تبدو كشكل ومضمون لحركة حياة الناس أو بعضهم وتقتحم مجالات جديدة في الدراسات والعلوم الإقتصادية والإجتماعية والحقوقية أو تنفتح عليها في ما يمكن أن يسمى "المرحلة الثالثة من تبلور علم الثورة الإجتماعية" حيث تنفتح الإصطلاحات والفهوم على بعضها وعلى جميع البشر كشعاعات الشمس إذ تصنع الضياء.

وقد اخذ التمركز الغرب أوربي أشكالاً ضارية في العالم منها الحروب التي دشنته ضد اهله الأوربيين ثم ضد فارس فضد تركيا وضد البلقان وضد الروس وضد الافارقة وضد العرب وضد الهند والصين ثم إبادة البشر في قارات أمريكا وأستراليا وملأها بالأوربيين! كذلك أخذ التمركز الأوربي مع نهاية الإستعباد وتجارة الرقيق واعمالهم المجانية شكل التحكم في تحديد أوضاع ومستقبل الدول والمجتمعات الأخرى في قارات العالم بداية من تنظيم الإقتصاد والحكم ولغة الحكم واغراضه وتعاملاته الدولية وليس نهاية بتحديد قيمة العملات والأسعار وقيم النقل والبضائع ونوع الزراعة والصناعة وخطوط الطول والعرض وحساب الزمن والفصول والسنوات.وحتى شكل ظهور القارات في خرائط العالم حتى سنة 1974 إذ أضعفت فيه أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية وشُسعت أوربا وأمريكا الشمالية! كذلك الإنفراد بموجات الراديو وإحتكار الوكالات الأوربية للاخبار والأنباء وإحتكار بنوك اوربا لمجريات الإقتصاد الرأسمالي العالمي ..وقد بلغت حالة المركزية الأوربية غرور الحديث عن "المعجزة الأوربية" في التفوق في زمن قصير على إمبراطورية الخلافة الإسلامية وعلى إمبراطورية المغول في الهند، وعلى إمبراطورية الصين بفضل نسبه مركزيو أوربا إلى الكشوف الفكرية والجغرافية فقط متجاهلين نسقها ومضمونها الإقتصادي ما إتصل بها من رأسمالية وإستعمار معتقدين أنه بمجرد تلك الكشوف -دون القهر والإستغلال الذي لازمها - تحولت أوربا من هامش في العالم إلى مركز له إقتصاداً وسياسة!

لذا فإن تمركز النزعة الأوربية في ذهن "العالم الحديث" (الرأسمالي) لم يكن عفواً، ولم يك مجرد تصور ذاتي فرضه سمير أمين، فقد عرفه أيضاً كارل هاوسشفير Karl Houshfir سنة 1920 وسماه في لغته الألمانية بمعنى وحيد هو "التمركز الأوربي في العالم" إقتصاداً وسياسة ومثل مواطنه القديم يوهان زيدلر Johann Zedler 1744 أرجع فضل التفوق فيهما إلى ما سماه ذكاء الأوربيين وجدهم وعلو ثقافتهم! وذلك في كتابه: "طبقات سياسة المجال الباسفيكي " في الصفحات 11-33 و110-113 وفيه جمع هاوسشفير الشعوب الأوربية إلى سياسة الحكومات القائمة على بلادها والناشطة في الإستعمار مخدماً مفردة الجغرافيا "أوربا" لتحقيق هذا الجمع بين الشعوب الأوربية والحكومات الأوربية في سياق يشرعن ويبرر الإستعمار يعد ثراءه من نهب موارد المجتمعات الاخرى كمجرد حصيلة فرق بين نظامين إقتصاديين احدهما فعال والثاني خاطئي ضعيف بخطئه بصورة جعلت الإستعماري الرأسمالي الأوربي المستغل للشعوب مساوياً الكادح الأوربي الذي يعاني من ذات الإستغلال الرأسمالي لكن في داخل بلده الأوربي !

وفي هذا لم يختلف كثير من الكتاب الأوربيين عن هاوسشفير وزيدلر حتى ظهر عمل كارل ماركس : "نقد الإقتصاد السياسي" ، وهو نفسه منسوب بيهودية أهله وسحنته السوداء إلى عبرانيي آسيا وإسرائيلي افريقيا موسى، فبجهل أو بجحود قام كثير من الكتاب الأوربيين بإعتماد بداية أوربا في اليونان والرومان مرجعينهم وكل شعوب أوربا إلى أصل هندوآري حسبوا إستقراره في أوربا هو البداية الحقيقية لـ(حضارتها) تاركين الجذور الأفريقية والآسيوية لوجود أوربا ونشاطها وعلمها وثقافتها ولوجود الهندوأريين نفسهم.. وقبل ماركس أيضاً إجتمع أكثر كتاب أوربا على إعتبار النهضة الأوربية من سنة 1300 إلى سنة 1500 تقريباً: مجرد تجديد لـما سموه "الحضارة الإغريقية- الرومانية " التي كانت قد ماتت لألف سنة! وأن التوسع الأوربي [رأسمالية وإستعماراً] إنطلق من تلك النهضة بداية القرن السادس عشر وحتى القرن التاسع عشر مما فاتت به أوربا أحوال العيش والحياة بالجمع والإلتقاط والصيد في أكثر أفريقيا وأمريكا القديمة وجزر الباسفيكي وأستراليا حيث كان الناس أقل سيطرة على الطبيعة وأبسط معاملات وأكثر قبائلية في وجودهم الإجتماعي. وأعتُبر التمركز الأوربي طبيعياً مثله مثل أي تمركز آخر في مجاله كما روما في إيطاليا ومحيطها! ناسين أن المهم في تقدير طبيعة التمركز يكمن في رفض الظلم الكامن فيه أن يُرفض التهميش والإستغلال في كل تمركز بسيط داخلي أو كبير عالمي وخارجي.

.ولكن في أوج الإستعمار و الثورة الصناعية والتخلص من نظام الإستعباد في أواسط القرن التاسع عشر وتطور فهم وممارسة الحريات السياسية والبدايات الأولى لحركة التحرر الوطني من الإستعمار فإن الرفيق كارل ماركس والحركة الشيوعية الوليدة بدأوا الإهتمام بدراسة تمركز أوربا الحديثة في الوجود وفي التاريخ العالمي لاوفق إسم البلد أو وفق لون بشرة القوى المسيطرة أو بتأويل التراتب العارض في حياة السودان والبيضان وفوزهم بمنطقة ما أو خسارتهم منطقة أخرى بل هم ماركس ورفاقه بمعرفة وقائع الإقتصاد والسياسة وأصولها وآثارها في حياة الناس وفق قوانين تطور الإنتاج وعلاقاته. وفي ذي المعرفة حسب الرفاق أن العالم سيأخذ في تطوره الإقتصادي والسياسي الرأسمالي ذات السمات الاوربية في الإتجاه إلى التصنيع وإلى تقويم أمور حياتهم بنمط الحكومة الحديثة ذات الوظائف التخصصية لا لأنها أوربية التبلور أو لأن المستعمر ينمحق في شخصية مستعمره كما قال فانون بعد سنين طوال من ماركس بل لأن الصناعة ضرورة لسد حاجات البشر المتزايدة ولأن الإدارة والحكومة الحديثة للموارد ولأمور تنظيم قوى المجتمع وموارده وجهوده وعلاقاته الداخلية والخارجية بصورة تواكب التطور الإقتصادي اللازم لسد نمو عدد الناس وحاجاتهم .


ومن ذا فبالإمكان القول ان نظرة ماركس وإنجلز المسجلة في البيان الشيوعي بل وعموم نظرة الماركسية اللينينية إلى الرأسمالية والإستعمار والإمبريالية كانت نظرة موضوعية تطورت ضد التمركز الرأسمالي الأوربي كما سبق القول من مقدمات تحليل موضوعي لتكون البضاعة والصناعة وعمليات المراكمة المحلية والدولية نافذين منها إلى معرفة أسباب وخصائص ونتائج الإستعمار والإمبريالية ، ومن هذه النظرة والمعرفة الموضوعية فإن الرفاق نادوا البشرية –بكل ما توفر لهم من إمكانات ترجمة ونشر ودعوة وتنظيم - إلى القيام بعملية ثورة عالمية ضد القهر الإستعماري والإمبريالية وهي عملية سجل الرفاق ان الأساس المتين لنجاحها هو المعرفة الموضوعية لوقائع حياة المجتمعات الإقتصادية والسياسية بهدف تغييرها لمصلحة القوى الحيوية المنتجة وإزالة التملك الإنفرادي الخاص لموارد المجتمع وبقية أسس الإستغلال الطبقي والقومي وبداية تنظيم الحرية منها بالوحدة بين طلائع عمال العالم وشعوبه المضطهدة.







المركزية الأفريقية:

"المركزية الأفريقية" مفردة حديثة دالة إلى نزعات أفريقية للنظر في تاريخ الحضارات وتاريخ العلوم والثقافة الحديثة وقضايا التعليم وهي تستغرق في تفاصيل إسهام أفريقيا في بلورة كل ذلك ولكن "المركزية الأفريقية"Afrocentrizm تمثل أيضاً إصطلاحاً في الداراسات الثقافية والتاريخية والسياسية ثبته أولاً عالم التاريخ دي بويس W. E. B. De Bois سنة 1962 في "الموسوعة الأفريقية" Africana Encyclopaedia وعرفها بأنها: ((نظر إلى العالم يقدر أهمية الأفارقة في الثقافة والفلسفة والتاريخ.)) كذلك صارت المركزية الأفريقية إسماً حاصراً لحركة دراسات وجهود ثقافية متنوعة مركزها الولايات المتحدة الأمريكية تشتغل في إسهام الأفارقة الأوائل في تكوين حضارة البشر وفي تكوين المدينيات الكبرى، وقد حذر بعض دعاتها الحاضرين من تناول جهد القادة الأفارقة ذوي السياسات والصلات الإشتراكية في الحركة العالمية التحرر الوطني كما حذرت النزعة الأفريقية ككل - إلا في كتاب "عمل الأمم" ًWork of Nations من تقديم أي طرح موضوعي لأمور الطبقات الإقتصادية الإجتماعية وأمور السياسات والثقافات المتصلة بها.


وقد نشات النزعة الأفريقية في ثقافة العالم الحاضرة ضداً للرهق والعسف الذي قوبل به الأفارقة في عوالم أوربا في السنوات بين 1700- 1964 ضداً للعنصرية المعلمنة التي أوقفت (الحضارة) في العالم وفي العالم الأوربي السكان واللغة على "الهندوآريين" فقط، لهذا جاء النشاط لعرض إسهام أفريقيا والأفارقة في بلورة (الحضارة العالمية!!) والآن معظم رواد التناول الأفريقي للتاريخ مواطنين أمريكان عدا علم السنغال الخفاق العلامة شيخ انتا ديوب Cheikh Anta Diop وبعض الرؤساء الأفارقة السابقين ومنهم: البطل الشهيد بياتريس لومومبا، والبطل الشهيد لويس كابرال، والزعماء الأبطال قوامي نكروما، و أحمد سيكوتوري، وجوليوس نايريري ، والرئيس الأديب ليبولد سيدار سنجور منظر "حركة الزنوجة" في الشعر والأدب ثم العقيد معمر القذافي بدعوته إلى "الجماهيرية" سبيلاً لعزة السود في العالم وإلى تكوين "الإتحاد الأفريقي". ومن الجدل بين دفق "التحرر الوطني" الأفريقي و سيادة العرقية محوراً للقومية في ثقافة الاربعينيات والخمسينيات فإن الأمريكيون السود نظروا إلى سود أمريكا كـ"أفارقة في الشتات" وعبر النضال للإقرار بحقوقهم في ذلك المجتمع العنصري الليبرالي طالبوا العالم ان يوجب نظره إلى أفريقيا والتراث الأفريقي حداً للعنصرية والظلم التاريخي .


أفكار ونشاطات حركة التحرر الوطني العالمية كانت من العوامل الرئيسة في فيض ذلك الشباب الأفريقي في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أفريقيا فبزيادة وتقدم نضالات التحرر الذي تأجج في أوربا من جديد بعد هزيمة نابليون 1815 وإتضاح الفرق الكبير بين حرية البرجوازية ورأس المال وحرية البروليتاريا والشعوب المضطهدة، ومن ثم تأجج الثورات في هاييتي وفي أمريكا الجنوبية وفي أوربا وإندلاع الحرب الأهلية في أمريكا كانت من دوافع الأفارقة الأمريكان إلى الإعتداد الثقافي والإهتمام بالتعليم والنفوذ إلى الوظائف والأعمال المدينية وتحدي العسف والتفرقة العنصرية فيها وفي الحياة التجارية والحياة الإجتماعية والحياة السياسية مما تبلور ونشط في "حركة الحقوق المدينية" بكل سماتها الإجتماعية القانونية السياسية وتجلى في نطاق بعض الدراسات الجامعية .

وقد أخذت حالة النظر الأفريقي في أمريكا إلى الوجود الإجتماعي وتاريخه أشكالاً شتى منها الحركة الإثيبويانية Ethiopianism وأيضاً حركة "الرابطة الأفريقية" Africanizm Pan و حركة "الزنوجة" Negroism، وحركة السُلطة للشعب التي عرفت بقوة بإسم "الفهود السود" Black Panthers التي نزعت لدفاع قتالي إنتهى بتفكيك الحركة ووأدها بالعسف البوليسي العنصري الأمريكي ، الروح الأفريقية السليبة في أمريكا أخذت أيضاً أشكالاً دينية مسيحية وإسلامية إضافة إلى بدايتها التقدمية القديمة في "إتحاد تقدم الملونين" Colour People Advancement of وقد تضافرت جميع هذه الحركات مع بعض القوى التقدمية والليبرالية الأمريكية في كيان "حركة الحقوق المدنية"Civil Rights Movement وكافحت وبمختلف الأشكال ضد الإستعباد وضد العنصرية وضد الإستعمار ونوعاً ما ضد الإمبريالية ( بدور السوس في أكل عصا سليمان) خاصة مع حصرهم بتاريخ الولايات المتحدة في مربع الإعتداد الذاتي و(الإكتفاء) بمقاومة عنصرية المسيطرين على مفاتيح الإقتصاد والسياسة الأمريكية وأكثرهم سيطرة عناصر الواسب ((WASP وهي مفردة إصطلاح يختصر سمات القوى السيدة في الولايات المتحدة في كيان مثلث شر عنصري نقاطه هي : "البيض" "الأنجلوساكسون" "البروتستانت" White Anglo-Saxon Protestant بفهم طبقي عنصري هو أن السادة في هؤلاء الواسب هم الشيطان.


رغم النقد المتهافت ضد النزعة الأفريقية كنزعة مغالية في دور أفريقيا القديم أصدر برفسور التاريخ الأوربي مارتن برنبال كتاب: "أثينا السوداء...الجذور الأفريقية الأسيوية لحضارة الإغريق " Black Athena.. Afro-Asian Roots of Greek Civilisation في ثلاثة أجزاء من 1987 -1991 وبمضمونه الظاهر في عنوانه إنضم الكتاب إلى اكتاب ج جيمسG. James " "الإرث المسروق" Stolen Legacy (1957) وكتاب التأريخ الذي أصدره جاكسون John G. Jackson و هويجنز Wills N. Huggins المسمى "مقدمة لـ[دراسة] حضارات أفريقيا" Introduction to African Civilizations (1937) وقد كشفت هذه الكتب وغيرها فضل التطور الأفريقيي على التطور العالمي وتبلورت منها نظرة موضوعية إلى التاريخ الأفريقي القديم و الوضع العالمي الحاضر أن (مجتمعات أفريقيا) كانت تعيش وفق ما تحتاجه لا وفق رغبة جامحة في التحكم والسيادة لجمع الثروات والسيطرة على البشر وتسويق حاجاتهم ومواردهم وجهود إنتاجهم وخيراته مما تمثل في حياة وثقافة "المركزية الأوربية" وتجاهلها بل وتبخيسها إسهام الأفارقة في تكوين مدينينات العالم وحضاراته.

بيد ان السمة الرئيسة في التناول الأفريقي للتاريخ لم تك الإعتداد بكل أفريقيا بل كانت "خِم" أو خمت Khem .. Khemet أو Egypt الإسم اليوناني لشمال السودان بمعنى "السودان" فأكثر طروح الإعتداد الأفريقي ترتكز إلى تلك (الحضارة) والحالة المدينية التي شملت بلاد السودان ومصر "خِم"Khem كما يزيد تركيز بعض الدارسين والإعلام على بلاد "كوش" بإعتبارها الأصل الأقدم لـ(الحضارة) فمن هذه البلاد الأفريقية المعدودة يتم التوكيد على ان (كل أفريقيا) كانت هي المحل الأول للسياسة وللتعاون وللروحانيات في العالم وفق تاريخ تناسل البشر وتمدنهم بداية من أفريقيا وبداية كل أسس الحياة الإجتماعية فيها. ومن خير تلك المنطقة على العالم تبلور الحس الأفريقي في النظر إلى التاريخ وتحور بعضه حاضراً إلى حركة معينة إسمها "المركزية الأفريقية" وهي حديثة النشأة في تكوينها ولكنها أختصت نفسها بكثير من المهام الثقافية لحركة "الرابطة الأفريقية" المستمرة منذ بداية القرن العشرين.

وقد نشأت حركة "المركزية الأفريقية" بإعلان يطالب الكل بتجاوز الإعتراف بفضل أفريقيا على العالم إلى مراجعة كل تاريخ العالم وجملة الوضع العالمي الحاضر وفق حقيقة إسهام افريقيا الذي تم تجاهله ألفي سنة على الأقل تاريخاً وعلوماً وفلسفة وثقافة وسياسة!! وقد أصدر الإعلان الأستاذ مولافي أشانتي Molefi Asanti الرئيس العتيد لقسم الدراسات الأفريقية في جامعة المعبد في نيويورك Temple University وضمنه أعلن نفسه نبياً لهذه الحركة التي تبلورت في أواخر ثمانينيات القرن العشرين بإصداره بيان تأسيسها. وإذ واكب الإعلان قيام البرفسور برنبال بإصدار كتابه القيم " أثينا السوداء .. الجذور الأفروأسيوية لحضارة الأغريق" فقد أتهم برنبال من جرائه وهو أستاذ جامعي عميد ورئيس بالخروج من الإعتماد على النصوص في كتابة التاريخ إلى الإعتماد على التصورات والإعتقادات والتخمينات فما بالك بالإعلان الذي أصدره أستاذ أفريقي يطالب فيه (الكل) بمراجعة (كل) تاريخ وثقافات العالم!


في السنة 2000 في جامعة مدينة ليفربول البريطانية التي كانت لغاية القرن التاسع عشر من أكبر مدن النخاسة في العالم قدم برفسور الدراسات الأفريقية مولافي أسانتي محاضرة فصل وأجمل فيها المقصود عنده بإصطلاح "المركزية الأفريقية" على النحو الآتي:

1- أن أفريقيا أبتليت بـ[ثقافة] الأئمة وبالإرساليات وببنية المعرفة الغربية، كما أبتليت بقادتها وبإهمال شعوبها تراثها.
2- أفريقية الفلسفة والنظر العقلاني إلى أمور الطبيعة والحياة.
3- تمحيص المعلومات التاريخية والتحقق منها حسب صحة تقديرها للوضع الأفريقي.
4- علاج الأزمة في أفريقيا بالإحترام والمحاسبة والقيادة الحكيمة .
5- الهدف العام لـ"حركة المركزية الأفريقية" هو تحقيق فهم جديد موجب نحو "الفكر الأفريقي" في الألفية الجديدة .

حدد أسانتي أدوات "المركزية الأفريقية" بأنها:
1- حس جديد جهة الرموز والزخارف والطقوس والعلامات الأفريقية.
2- إفساح مكان لأفريقيا والأفارقة في [دراسات] البنى الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والدينية تماماً مثل مواضيع "النوع" والجنسانية أو الجندر، و"الطبقة" .
3- الدفاع عن صلاحية العناصر الأفريقية في الفن والموسيقى والادب .
4- الإحتفاء بالأفريقي.
5- صحصحة التراث الأفريقي في التاريخ والحياة.


أما البروفسور يعقوب شافيت Yaccov Shafit رائد "التعالي الأفريقي"ِAfricansupremacy فقد أوضح في كتابه القيم والمدهش "التاريخ في ثوبه الأسود" History in Black ان تناول شأن الفهم المتعلق بـ"المركزية الأفريقية" من ناحية أنها ظاهرة معرفية نشأت من سؤآل الأفارقة الأمريكان عن تاريخهم، وان الإجابة لهذا السؤآل أكبر من تحقيق أصالة أو نسب مجموعة بشرية بل هي تحقيق لتاريخ (الإنسانية) ككل من ناحية أنثربولوجية ، والنتيجة المتوقعة منطقاً كبيرة وهي: إعادة بناء جملة تاريخ العالم.


بعض إنتقادات خلطت بين "النزعة الأفريقية" و تنظيرات حركة "المركزية الأفريقية":

الأستاذة الكبيرة في علم الأداب الإغريقية واليونانية والرومية (الكلاسيكيات ) ماري ليفكوفيتش Lefkofwitz Mary وتابعها روجرز Cary Rogers شنت إنتقاداً شديداً ضد أكثر طروح "المركزية الأفريقية" أهمه ما جاء منها في كتابها : ليس خارج أفريقيا!......
..! Not Out Of Africa! وهي إنتقادات جاء أكثرها ضعيفاً وذلك على النحو الآتي :

1- أن تنمية مصر للإغريق لم يحدد زمانها وحين آتاها الإسكندر الأكبر سنة 331 ق م كان أقوى منها، كذلك لم يحدد زمان التأثير الأفريقي في الحضارة الأمريكية أو الصينية.

2- الإهتمام بقضايا الهوية والأسطورة والحكاية دون مراعاة الشروط الدقيقة للبحث العلمي في التاريخ من توثيق وتحقيق وتوكيد.

3- أن اكثر دعاة ومصادر هذه النزعة القديمة أو الحديثة لم تعرف اللغات الإغريقية أو اليونانية أو الهيروغيلوفية .

4- أن النصوص الأفريقية المزعوم في كتاب ج جيمس نهب الأوربيين لأفكارها ومعانيها أقل من حيث المعلومات و وأضعف كثيراً من حيث التماسك المنطقي والقيمة العقلية عن نصوص الفلسفة الإغريقية واليونانية.

5- أن أرسطو المزعوم سرقة مؤلفاته من ما إجتمع في مكتبة الإسكندرية إشتهر ومات قبل بناء اليونانيين مكتبة الأسكندرية 332

من هذه الإنتقادات خلصت لوفكوفيتش إلى أن "المركزية الأفريقية" سبيل [في الجامعات] لتدريس زعم معين كتاريخ !

أما الأستاذ روبرت كارول Robert T. Caroll فقد أشر إلى ان النزعة الأفريقية هي مجرد رد فعل ضد العسف [الأوربي] رداً يهتم بتكوين هوية وطنية أفريقية.. بينما نشط أستاذ التاريخ في جامعة كاليفورنيا كليرنس وولكلر Clearance E. Walker في وصف النزعة الأفريقية الحاضرة أمامه بانها ميثيولوجيا عنصرية رجعية غائية أمريكية أوربية ذات وجه أسود تفتت قيمة النضال المشترك. كما حذر البعض في المجلة الأمريكانية للتاريخ American Historical Review من إستصغار البروفسور أسانتي لجهد بعض السابقين عليه بعبارات ضخم بها أسانتي دوره اللاحق لمراحل طويلة من النضال الأفريقي لتصحيح وضع الأفارقة كبشر في العملية العالمية للتطور الإجتماعي.. مؤيماً إلى إن إستضغار هذا الجهد ينبي عن عقلية غير جديرة بالأفريقية أو بالعلمية أو بالتاريخ ..

آخرين جاء نقدهم للنزعة الأفريقية في تناول التاريخ او لحركة "المركزية الأفريقية" في شكل نصح وتوفيق او تحذير منهم العالم في تاريخ اللغة كاين هوب فلدر C.H. Felder أستاذ لغة الإنجيل وآدابه في جامعة هارفارد إذ إنتقد طروح النزعة الأفريقية ناصحاً بـ
1- البعد عن شيطنة كل البيض دون فرز بين الطيب منهم والعنصري
2- ان تبني نظرية تعدد ثقافي بصورة تهمش البيض وتاريخهم مسألة قد تدفع البيض إلى الشيطان
3- البعد عن التعميم وعن الإعتماد على المصادر غير المحققة

أما ناثان جلاذرNathan Glazer فنبه إلى كون "المركزية الأفريقة" تمثل حالة ذهنية تعني أشياء عدداً يختار منها الإعلام ما يوافقه

أما الأستاذ اوين علي شحادة Owen Ali Shahadah فحذر من أن بناء التاريخ على أساس اللون والعرق يهدم الخط الزماني لكتابة الأحداث والوقائع ويفسد التقاليد الأكاديمية.

بينما نبه ستيفن هوي Stephen Howe في كتابة "المركزية الأفريقية" Afrocentrizm إلى ان النزعة الأفريقية في كتابة التاريخ وقراءته نزعة تقوم بإحياء ميثيولوجيا أبناء نوح سام وحام وهي أصلاً ميثيولوجيا آرية كما تقوم في إطارها الأمريكي معتمدة على تاريخ (مصر) التي إجتمعت فيها ثلاثة ثقافات لاعلاقة لها بنشوء وتطور الولايات المتحدة الأمريكية !!






تفنيد الإنتقادات الموجهة ضد النزعة الأفريقية في كتابة وتحليل التاريخ وضد تيار وحركة المركزية الأفريقية:

1- بكتاب "الجبهة الجنوبية: التاريخ والسياسة في الحرب الثقافية"Southern Front.. History and Politics in Cultural War نبه اويجن جنوفز Eugen D. Genoves إلى أن فحص الإنتقادات الموجهة ضد النشاطات الأفريقية في إطار ("الحرب الثقافية" في أمريكا) يجدها تعكس السمات الذهنية لمن هم (خارج المركزية الأفريقية)! ؟... وهو معنى طرحه بقوة اكثر أوغست ميلر August Miller في عدد ديسمبر 1996 من "مجلة التاريخ الامريكي" Journal of American History عن إنتقادات لفكوفيتش انها بتجنبها طرح ونقاش الوضع الأفريقي في أمريكا خلال القرنين 19 و29 إنما توكد وقوف (النخبة) الأمريكية ضد حق الأفريقيين في الإعتراض على الأعمال ذات النزعة "المركزية الاوربية" التي تبخس الإسهام الأفريقي في الحضارة البشرية.

2- نبه الأستاذ كيتا Maghah Keita إلى "تعدد أنماط تقصي المعرفة وعلومها" Epistemology ومنها إمكان الإشارة إلى علم المعرفة السودانية أو الأفريقية Epistemology of Blackness وهو نمط معرفة علمية يتقصى دور الأفارقة في بناء أو تسيير أو مواصلة الحضارة ..

3 – شافيت وجيلويس (Yaacov Shavit, L. Jelloies) قالا بان الأفارقة أصحاب كشوف كبرى في الفلسفة والعلوم والتقنية .

4- بالبحث في قواميس الفلسفة والسياسة والثقافة وكتاب جيمس وكتاب جاكسون وجدت ان النقطة الرئيسة التي ختمت بها لوفكوفيتش إنتقادتها كانت نقطة خطأ فمهندس الفلسلفة العلمية الحديثة حينذاك "أرسطو"Aristotle ولد مقدونياً سنة 384 ق.م في مدينة ساتيجيرا المقدونية لأبيه المقدوني نيخومدوس Nichomodus طبيب العائلة المالكة المقدونية مات في نواحي مقدونيا سنة 322 ق.م أي بعد عشرة سنوات من تأسيس مكتبة الأسكندرية وليس قبل سنين طويلة من تأسيس تلك المكتبة كما إدعت لوفكوفيتش، وهذه السنين العشرة وما بعدها تسمح للذين تم إختارهم لبناء وتنمية المعلومات والمعارف بمكتبة الإسكندرية أن يزيدوا كم ما فيها من مواد علمية وفلسفية من المكتبات السودانية القديمة في منف وأشمون وآسوت (آسيوط) وتيبيث (طيبة) وسيلا وفيلا (فيلة) وأمدا وسمنا وكوبان وأسوان ودوبان وأدفو ومن المكتبات الأخرى المتآكلة أو المنتعشة في قرطاج وبابل وفارس و الهند وبهذا التحول العددي والنوعي في الكتب والدراسات التي تضمها "مكتبة الإسكندرية" يمكنهم قيادة إرتقاءات كبرى في الأمور العلمية والفلسفية قد تكون ضمن ما سجلوه في الكراسات الأرسطية قبل وفاة أرسطو أو بعد وفاته وهي الأعمال المعروف في تاريخ الفلسفة إنها منسوبة أو مزجاة إلى أرسطو Commentaries on Aristotle وهي كثيرة جداً أكثر جداً مما كتبه ودرسه هو لغيره في حياته قبل تأسيس هذه المكتبة فحجم طباعتها الحديثة سنة 1909 حوالى 15000 مادة صفحة كل منها نقاط رئيسة والفرق الحاضر في العناية بها بين ألمانيا وبريطانيا بكل إمكانياتهم حوالى مآئة عام فإذ توافرت مدروسة ومفصلة ومطبوعة في ألمانيا سنة 1909 فقد بدأ إهتمام الإنجليز بها في أواخر القرن العشرين .



الملحوظات

1- في جدل التاريخ والثقافة بتناولات المركزية الأوربية والمركزية الأفريقية يظهر ميل إلى القوة والدولة و تفضيل التمركز والسلطة عياراً لعظمة الثقافة بإسم "الحضارة" أو العكس مع ان ثقافة الصيد أو ثقافة الزراعة الإكتفائية في أفريقيا أو في أوربا هي ثقافات عظيمة، كذلك ثقافات الرسم والتلوين والنحت، وثقافة الحكاية والقصة والرواية، وثقافة الغناء، وثقافة الرقص والمسرح، ثقافة العلم، ثقافة التحرر والكسب، ثقافة التملك والربح، ثقافة النضال والمقاومة، ثقافة التصوف، ثقافة الفرح، ثقافة الجمال.

2- ان سؤآل الماهية والهوية أي ما هي؟ أو ما هو ؟ بطبيعته، سؤأل دائري ككل كلمات القاموس المبدؤة بألف ولام التعريف إذ تتجهجه منه كثير من التعريفات المغلقة وهو لذلك سؤال ضعيف في التحديد والفرز والجمع والدراسة الموضوعية لمجتمع وأقل فائدة عن فائدة الحساب البسيط الذي يسجل موارد وحاجات وإمكانات وجهود وخيرات الإنتاج في هذا المجتمع أو ذاك ويعمل لتخديمها لمصلحة تطوره المتناسق وتأريخه القادم في المستقبل .


الأسئلة :

1- ما هي قدرة كل مركزية على تحديد وتحليل الأوضاع الإقتصادية لمجتمعها وحياته وهل تفعل ذلك بدون علم إقتصاد ؟

2- ما هو الفرق بين "الثقافة" و"المدينية" و "الحضارة"؟

3- في الأسئلة المستديرة من نوع من وما هو الأفريقي؟، ومن وما هو الكوشي؟ ومن وما هو المقدوني؟ ومن وما هو الإغريقي؟، ومن وما هو الأوربي؟ ومن و ما هو العربي؟ من وما هو الأمريكي ؟ ومن وما هو اليهودي؟ ..إلخ ما هو الشيء الأكثر موجبية أو إيجاباً الذي يمكن أن تقود إليه هذه الأسئلة وفي أي سياق؟

4- هل حقوق الإنسان قاصرة على الهوية والثقافة القومية لتاريخ جماعة ما وطول مدة بقاء أجدادها في أرض معينة؟



نتائج عامة قد تفيد في تقدم المقالات الكوشية في السودان :

من تناول التواشج بين الثاريخ والثقافة السائدة المحيطة بـ "المركزية الأوربية" و "المركزية الأفريقية" والمضمرة فيهما يمكن أن نجد:

1. أن البدايات الإجتماعية والمعرفية الكبرى للبشر كانت في أفريقيا والسودان بأسماءه القديمة المتنوعة

2. أن وحدة العقل البشري ظاهرة في إستنباطه ذات الأمور الرئيسة من ظواهر وظروف شبيهة ببعضها.

3. ان الإسهام الأفريقي في ثقافة العالم شمل بدايات العلوم والفلسفة Sepia وأن الوجود السوداني الذي يشمل كل الأفارقة وكل الكوشيين وبعض يقل في اليمن وبين السومريين والبابليين والفارسيين والمقدونيين وحتى الإغريق لعب دوراً مهماً ورئيساً في زيادة تلك العلوم الأفريقية السودانية وفيضها، وفي جمعها وتصنيفها، وفي تجديدها والإضافة إليها، وفي علمنتها وفي فلسفتها وكذلك تلامذتهم اليهود والعرب والأوربيين وأن هذه الإسهامات تفاوتت وفق ظروف التقدم الإجتماعي والتقنية وتطور تقاليد البحث العلمي وسرد مرجعياته التي تغيرت من الإرث العام إلى العنعنة والتفصيل الشديد ثم تنظمت بصورة سرد إسم الكتاب والكاتب والبيانات الضرورية عنه للحجة به فيما يتعلق بالموضوع الذي تغيرت أيضاً طبيعة بحثه من التجريب والعشواء إلى الخطة والنظام وترتيب الأسئلة وطريقة تكوين إجاباتها والإنفتاح بها كلاً على موضوعات وأسئلة جديدة.

4. في زمن نظام الإنتاج الكبير والإنترنت والطباعة الضوئية السرعة نجد ان النشاط الثقافي فيه مختلف جداً عن النشاط الثقافي زمن نظام الإنتاج الكفائي والعمل والنسخ بحركة اليد.

5. بدلاً من التعلق بأمجاد الحضارات القديمة ومحاولة إحياء مسمياتها دون إدراك لطبيعة تطورها وطبيعة تدهورها فإن إيضاح عناء مجتمعات "الهامش" الجغرافي السياسي من الإهمال أو من الإستغلال في ذلك الماضي القديم و عنائهم من الإهمال ومن الإستغلال في الزمن الحاضر يفيد في إنتقاد وتغيير النظام الممركز للموارد والجهود والخيرات العامة في منطقة أو في مجتمع السلطة بكل ثقافاته.

6. قوة العلاقة بين الإنتاج والثقافة والنظام السياسي لتوزيع الموارد والجهود والخيرات إما توزيعاً رأسمالياً للبعض دولة للأغنياء أو توزيعاً إشتراكياً علمياً لجميع الدول والأقاليم الداخلية لها وللأقوام والثقافات الموجودة فيها حسب حاجتهم وحسب قدراتهم.































مراجع في الموضوع:

1. The Main Theories of Historiography ;
http://en.wikipedia.org/wiki/Historiography

http://en.wikipedia.org/wiki/Marxist_historiography

http://en.wikipedia.org/wiki/History_from_below

http://en.wikipedia.org/wiki/Mode_of_production


2. What is the Culture? ;
http://anthro.palomar.edu/culture/culture_1.htm

http://en.wikipedia.org/wiki/Culture

http://www.kwintessential.co.uk/cultural-services/articles/culture.html



3. The Marxist theory of Culture;
http://mosaic.echonyc.com/~goldfarb/marxist.htm

http://en.metapedia.org/wiki/Cultural_Marxism

http://books.google.co.uk/books?id=rtpgMCVSopIC&dq=The+Marxist+theory+of++Culture&printsec=frontcover&source=in&hl=en&ei=czVPS4e7Os7p4QbX3o2HCQ&sa=X&oi=book_result&ct=result&resnum=11&ved=0CC0Q6AEwCg#v=onepage&q=The%20Marxist%20theory%20of%20%20Culture&f=false



4. History of Culture;

http://intellectualfaith.wordpress.com/2009/01/03/history-within-culture-part-ii/

http://www.buzzle.com/articles/world-cultures-heritage/

http://www.africahistory.net/eurocentrism.htm


5. Culture of History ;
http://en.wikipedia.org/wiki/Cultural_history

http://en.wikipedia.org/wiki/Cultural-history_archaeology



6. Introduction to African Civilization, John G. Jackson (1937) Carol Publishing 1970-1990, N.Y. pp; 115-151



7. Stolen Legacy.. Greek Philosophy is Stolen Egyptian Philosophy, George G. M. James (1954) Africa World Press, 1992, New Jersey, pp;41-81



8. The Cambridge Dictionary of Philosophy, G. Ed; Robert Audi, CUP, 1995-1999 pp; 38-45, 138-140


9. A History of Western Thought from Ancient Greece to Twentieth Century, G. Skirbekk and N. Gilje,1972, Rutledge, 2001, London, NY, pp 5-20, 32-44, 66-86


10. Tutankhamen, C. Desroches-Noblecourt, Penguin, London (1963) 1972 pp; 47, 49, 57, 70,81, 84, 87, 143-148


11. A Dictionary of Political Thought, Roger Scruton, Macmillan Press, (1983) 1996 see(Europeanism)


12. Samir Amin; DeLinking; Eurocentrism;
http://en.wikipedia.org/wiki/Samir_Amin

http://search.barnesandnoble.com/Delinking/Samir-Amin/e/9780862328023

http://science.jrank.org/pages/7680/Eurocentrism.html


13. Eurocentrism;
http://en.wikipedia.org/wiki/Eurocentrism

http://science.jrank.org/pages/7680/Eurocentrism.html

http://www.africahistory.net/eurocentrism.htm

http://asante.net/articles/14/the-ideology-of-racial-hiearchy-and-the-construction-of-the-european-slave-trade/



14. Afrocentrism;
http://en.wikipedia.org/wiki/Afrocentrism

http://www.britannica.com/EBchecked/topic/766312/Afrocentrism

http://www.jimloy.com/issues/afro.htm


15. Declaration of Afrocentrism;
http://asante.net/articles/1/afrocentricity/

http://www.asante.net/




16. Not Out of Africa;
http://www.historyplace.com/pointsofview/not-out.htm

http://asante.net/articles/19/race-in-antiquity-truly-out-of-africa/



17. Afrocentericity as a Quest for Cultural Unity.. Reading Diop in English;
http://pages.prodigy.net/gmoses/moweb/unity.htm


18. Socialism and the National Liberation Movement in Africa;
http://www.marxists.org/glossary/events/n/a.htm

http://www.marxists.org/subject/africa/nkrumah/1967/african-socialism-revisited.htm

http://en.wikipedia.org/wiki/African_socialism

African Liberation Day; (Pan-Africans)
http://www.thetalkingdrum.com/ald.html



19. Afro-centricity and Socialism

http://books.google.co.uk/books?id=RosJlw6VjkQC&pg=PA59&lpg=PA59&dq=Afrocentricity+as+agent+of+Socialism&source=bl&ots=Qryaic6rNw&sig=BBbapfev_XGZzgKZUmfD6JiW4XI&hl=en&ei=gkZPS5yqDZn40wTK9eSsCg&sa=X&oi=book_result&ct=result&resnum=8&ved=0CCkQ6AEwBw#v=onepage&q=&f=false


20. Kush Liberation Movement:
http://www.sudanesethinker.com/2007/09/03/kush-liberation-front-nubia-the-upper-north-has-risen-up-in-arms/



#المنصور_جعفر (هاشتاغ)       Al-mansour_Jaafar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضعف مقالات كوش وقوتها
- بسم الله
- آن أوان الفرز والتنقيح .. -الحوار المتمدن- وضرورة التأسيس ال ...
- في -نهاية النقود ومستقبل الحضارة-
- إشراقات على صفاء باريس
- ستون عاماً من النضال الشيوعي في الصين
- الهرم: أحمد السيد حمد
- ضد الليبرالية: نحو نظام إشتراكي عالمي
- دليل المخابرات …(المؤرخ) توينبي مساح خُطط (حضارة) رأس المال ...
- عناصر لقاء ناجح بحضرة الأستاذة فاطمة الزهراء
- يا أم المساكين
- لأستاذ إسماعيل العتباني
- خفق الإنتصار للحزب ضد تيار (سِيِبَك، فِكك منو) !
- إستراتيجيات المسألة الإسرائيلية والمسألة السودانية
- قدس الله سر هذا الحذاء
- نقاط إلى مؤتمر الحزب
- من جدل الصراع القومي والصراع الطبقي والتنظيم السياسي
- إنتقاد مشروع البرنامج
- التحول الديمقراطي في معسكر كلمة
- تغبيش الحقيقة


المزيد.....




- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- من اشتوكة آيت باها: التنظيم النقابي يقابله الطرد والشغل يقاب ...
- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو (فيديو)
- طريق الشعب.. الفلاح العراقي وعيده الاغر
- تراجع 2000 جنيه.. سعر الارز اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024 في ...
- عيدنا بانتصار المقاومة.. ومازال الحراك الشعبي الأردني مستمرً ...
- قول في الثقافة والمثقف


المزيد.....

- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى
- نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى وقواعد العمل السرى فى ظل الدولة ال ... / سعيد العليمى
- نِقَاش وَثِيقة اليَسار الإلِكْتْرُونِي / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - المنصور جعفر - الهامش .. بين المركزية الأوربية و المركزية الأفريقية