أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاروق سلوم - بساط المنزل .. يوميات زهرة الثلج














المزيد.....

بساط المنزل .. يوميات زهرة الثلج


فاروق سلوم

الحوار المتمدن-العدد: 2884 - 2010 / 1 / 10 - 16:17
المحور: الادب والفن
    


( الى صدر الدين امين .. مبدعا مُسـتـَلْهِـِِماً روح ميسوبتيميا )
*
المنزل يستيقظ على وقع خطى الصغيرين في الفجر . يتهامسان بالسويديه فيما يتسلل الضياء الرمادي الباهت عبر الزجاج ؛ لقد حافظ الصغيران على عادة النوم المبكر والأستيقاظ مذ ايام بغداد المتربه البعيده .. وعلى ايقاعهما صار يشتغل نظام المنزل طوال الوقت هنا ..
كنت اقرأ على مقياس النافذة القريبه ان برودة الجو تبلغ خمسة وعشرين درجة تحت الصفر.. وعلى النافذه اشارات لحصار الثلج القاسي منذ ايام ... كان فضول الكاميرا يزاحم النوافذ الأربعه المطلة على ثلاث جهات من جغرافيا المنزل القصي .. هذه المدينة ، كولبيك ، التي اورثها القرن الثاني عشر اول حجارة البناء ، وشهدت جسورها حروب الفايكنغ والملوك والمغامرين حتى صارت تستفيق على وقع خطى صغيرين غريبين جاءا يوقظان صباحات المدينه مثل زائرين دونما موعد ..
*
اعتراني البرد وتسلل الثلج الى قلبي ؛ الكاميرا وهي توثّق نهارا ، توميء الى برد الروح
برد الصباح على مائدة بعيدة من خشب شجرة البتولا ..
برد القلب المرتجف تحت ركام الغربات .. العاطفة وهي تخسردفء السنوات ، ضريبة الرحيل والتغيير .. والخسران : ايها الرب في علاك .. اتشعر بالبرد مثلنا وانت هناك !!
*
في انحناءه سريعه ابصرتُ نقش بساط اهلي على ارضية الغرفه .. النقش الدافيء الحميم بكل الوان الفطرة القديمه ولمسة اليد الحانيه ..
وكأن تلك اليد انتشلتني .. لحظة انتشاء ، ياألهي كم هو مفاجيءٌ الدفء من جديد ، البساط وهو يحمل كل نقش سومري قديم ..
وكنت يومها لم اعلق حين آثرت زوجتي ان يرسم ارضية منزل الهجرات القصي ، وكانت لأسابيع تناقش شقيقتها على الهاتف مااذا كان ممكنا للبريد ان يصل آمنا من بغداد وهو يحمل هذا البساط ، انه لم يكن بساطا فقط ، كان مدار حوارات طويله عن مدينة القاسم وتاريخها واهلها ورموزها ومرقدها المقدس وحكايات الناس الرافدينيين في صنعة اليد وتدخّل الآله .. في تلك المدينة التي تجلس على مرمى حجر من مدينة بابل القديمه ... كانت ، ذكرى شقيقة زوجتي تذهب كل اسبوع لتعود محملة بالكلام والحكايا عن صنعة البُسُط ..ورموز بابل وسومر وآشور ، مثل رليفات جانبيه منحوته ، اهرقت لقاء زوجتي الكثير من الوقت للحديث عن السومريات ..ورغبتها في مزيد من الدراسة الجامعيه العليا رغم ردود الجامعات السلبي عن امكانية الدراسات السومريه هنا .. كان البساط في كل مرة يصغي الينا ويحكي ذكريات مدينة القاسم التي يمتد تاريخها في الزمان وهي تحتضن مرقدا مقدسا ..وآلافا من اؤلئك الذين يتقنون اطلاق روح الدفء .. بسطا ، وقصائد ، وموسيقى ..كانت مدينة المبدعين طوال عقود من الكدح والمطاوله ..
*
كان صدر الدين امين يتحسس دفئي الذي انعم به .. صامتا يوميء الى اشكال البراءه على صفحة البساط وكأنه يشرح لي رموز الفطرة الأولى ،ولم اسأله ساعتها مااذا كان في امريكا ام انه يبتكر لي حضورا سحريا وسط برد السويد ، صامت صدر الدين لايقول كيف مَنَح تلك الأستلهامات حضورها ، بل كان كلما انحنى على شكل من اشكال البساط انهال هو ولحيته الكثه ..وشعره البرّي على صفحة البساط ليوحي بفرادة التشكيلي حين يُبصر ..وفرادة اليد التي ترمي الدفء ..وتوحي بالحركة ..
لم يقل صدر الدين كلمة واحده .. كانت عيناه تلوبان خلف النظاره وعلى شفتيه جملة بدائيه للغة البراءة والطين الرافدينيين .. وهي لغة صوتيه لم تكتمل .. منذ غابة انكيدو الأولى ..
ذهب صدر الدين الى بيئة الخشوع التي ابتكرها لونا .. وسكوتا ، مكرسا صداقتنا الصامته تاركا اياي اعوض هذا البرد الذي يحاصر الجهات بدفء البساط الذي يختصر الرموز .. والألوان والعاطفة التي افتقدناها لزمن بعيد ..
*
تربعت على البساط الرافديني القديم استعيد الأسماء والأماكن والنهارات والمواعيد والأغاني
استعيد مدينة القاسم .. والبيوت .. والأصدقاء والكتب والتاريخ والجدل الرافديني المر
وكانت روائح المكان البعيد تختلط برائحة القهوة ..
فيما نداء لقاء يأتي كثيفا وهامسا من جهة المطبخ .. فطووور...



#فاروق_سلوم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نافذة على عتمة المنزل
- ابقار
- كريم رسن : الكرافيتيّه من اثر حرائق المدينه .. الى شيفرات ال ...
- دائما ..ثمة امرأة تكرر اخطاءها
- يداك تشيران الى جهتي
- طارق ابراهيم : الحروفية ليست تزيينا لكتلة الخزف
- نساء قيس السندي .. الفكرة حين تكتسح الرسم
- بلاسم محمد : يوميات الخروج من الرسم
- عامر العبيدي : الهجرة .. تأويل لفكرة البقاء
- هيثم فتح الله : عدسة واحدة لاتكفي لأكتشاف اللامرئي
- شنيار عبدالله ..غواية النحت ام غواية الخزف
- كلاسيك لحلم بعيد..
- اسئلة لسكونك العجيب
- الذي اختصر ملحمة الحفاة
- ذهاب المتسكع اسئلة العزلات
- ريم البنا : الشجن الذي يمنع من السفر
- مايك جاغر : الجمال الخطر مرثية .. لصورة امرأة- الفن شاهدا عل ...
- الأمريكية هولي وونغ : الرسم يكتب تاريخ حروبنا
- عرس اوباما ليلة واحدة فقط
- ادونيس 68


المزيد.....




- قناديل: أرِحْ ركابك من وعثاء الترجمة
- مصر.. إحالة فنانة شهيرة للمحاكمة بسبب طليقها
- محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية
- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاروق سلوم - بساط المنزل .. يوميات زهرة الثلج