أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - رشا ممتاز - مأساة عبور















المزيد.....

مأساة عبور


رشا ممتاز

الحوار المتمدن-العدد: 2879 - 2010 / 1 / 5 - 01:46
المحور: كتابات ساخرة
    




رفعت عائد بوليصة التأمين على حياتي وانتهيت من كتابة وصيتي وقمت بتوديع عائلتي فردا فرد واتصلت بكل الأقارب والأصدقاء لأودعهم إلى أن نفذ رصيدي فاستخدمت خاصية الشباك قبل الرقم التي توفرها شركة الاتصالات التي اتبعها لتكون المكالمة على حساب المتلقي حرصا منى على أن لا اترك شخصا اعرفه قبل أن أودعه حتى القطط المصريه المشاكسة العنيده ودعتها أثناء نزولي على درجات السلم وانتهيت بوداع بواب العمارة وصوت العندليب يتردد داخلي بجملة ( يا اصحابي يا اهلي يا جيراني انا عايز اخودكو فاحضاني)

ودعت الطريق والشارع والجيران و المحال والقهاوى المتراصة حتى المجارى الطافحة وأكياس القمامة المألوفة ودعتها بنظراتي.



اه نسيت جوزي... اشتريت كارت شحن بميه يدوبك 5 دقايق مكالمة دوليه !

أعربت له فيها عن حبي وعرفاني وأكدت له ان عمري معاه كان احلي من الشهد المدوب حاول الاستفسار قائلا هو فى ايه ؟ قلت له مفيش مجرد

Déclaration d’amour

لم يمهلني الرصيد الوقت الكافي لأختم مكالمتي بقبلة وداع !

تذكرت كلمات اسبارتاكوس الأخيرة لأمل دنقل :


قبّلوا زوجاتكم .. هنا .. على قارعة الطريق

فسوف تنتهون ها هناغدا

قلت فى سرى ربنا يبشرك بالخير .... النهارده يا عم أمل مش غدا ولسان حالى يردد استر يا رب.


انطلقت متجهة إلى مهمتي الانتحارية فقد أوشكت ساعة الصفر على الاقتراب وما هى سوى لحظات واجد نفسي في مواجهة الهدف لعبور الضفة الأخرى ...

أرجو أن لا يذهب فكركم بعيدا فلم اعني عبور قناة السويس التي تم عبورها بحمد الله منذ أكثر من 35 عاما ولا اقصد طبعا تحقيق رقم قياسي في عبور المانش



ولكني قصدت العبور للوصول إلى الضفة الأخرى لشارع الهرم الذي هو أكثر خطرا من عبور القنال حيث حاله مثل حال بقية شوارع القاهرة والتي تخلو تماما من شرطي مرور وتنعدم فيها الإشارات والعلامات المخصصة لعبور المشاة ! وكأنهم غير موجودين !

ما العمل كيف يمكن عبور شارع تمر فيه السيارات بسرعة واستهتار غير عابئة بالعابرين بل ومخرجة لهم ألسنتها في تحد سافر

كيف يمكنني الوصول إلى الضفة الأخرى في تلك الظروف السيئة حيه وبدون إصابات ؟

تذكرت الوصية الأخيره لأختى الصغيره والتي تفتخر بكونها مقاتله متمرسة في عبور الشوارع ولها خطه تفوق خطط رومل عبقرية كونتها بعد خبره طويلة وتجربة مريرة و صراعات ومشاكل ....

بصى
أهم حاجه انك تجمدي قلبك

وبعد كده تندفعى على الطريق حتى لو العربيات جايه بسرعه ميهمكيش اندفعى واطلعى اجرى بأقصى سرعه لحد ما توصلى للجزيره

اوعى ترتبكى او تترددى وانتى فى نص الطريق دى غلطه ممكن تكلفك حياتك حتى لو العربيات مبطلتش كلاكس حتى لو اتهريتى شتيمه ولا يهمك

واهم حاجه انك متخافيش لا من حجم العربيه ولا من سرعتها

وأوعى يغرك حركات الميكروبصات حيحودو عليكى ويقربو منك وحتفكرى انهم خلاص حيخبطوكى

لكن ما تخافيش ده تهويش

ولا حركات العربيات الملاكى حيفرملو عند رجلك امريكانى وحتفكرى خلاص ان عزرائيل جاى

لكن برضو ولا يهمك دى معاكسات

واوعى تخافى من الاتوبيسات فى الغالب بيبقو السواقين بتوعها مش شايفين الناس لكن لازم تعرفى ان ربنا شايفك وشايفهم

عليكى بالثبات وخلى قلبك ميت

ده عبور مش اى كلام

ربنا معاكى ولا اله الا الله


كل كلمه من كلماتها اتحفرت فى عقلى وقلبى حفظت خطتها عن ظهر قلب ولم يعد أمامى سوى التنفيذ

مددت قدمى اليمنى كجس نبض متهيئة للاندفاعه الاولى التى هى من أهم خطوات الخطه واذا بى فى مواجهة ميكروباص لولبى السير يمر بملاصقة قدمى مطلقا صفارات انذار متصلة فتراجعت سريعا وتذكرت حينها مقولة ان الحرب خدعه ويجب الانتظار واختيار الوقت المناسب..

انتظرت طويلا لأجد فرصه مناسبة يكون فيها الطريق هادئا نسبيا ومهيئا للاندفاع .... ولكن طال انتظارى دون جدوى وفجاه ظهر امامى شرطى مرور وكأن الارض انشقت عنه فحمدت الله وشكرته حتى كادت ان تسيل دموعي وسألته برفق ها حتوقف العربيات عشان نعدى امتى ؟

قالى انا مش مرور

انا تبع أمن الستنر التجارى

جاء رده على كالصاعقه وقلتلو ليه كده بس طيب مفيش اشارات مرور تقف فيها العربيات عشان اعرف اعدي

قالى حتى لو فيه مفيش عربيات بتقف هنا فى الاشاره انتى مش من هنا ولا ايه يا مودام !

واستطرد قائلا بصى حضرتك

الاشاره الوحيده اللى اعرفها و العربيات بتقف فيها فى شارع البطل احمد فى المهندسين عشان فيها كاميرا بتلقط المخالف

قلتلو طب والعمل اوصلها ازاى دى عشان اعدى شارع الهرم ..

قالى خدى تاكسى للبطل احمد وانزلى فى الاشاره

عدى الشارع وارجعى بتاكسى

بتهرج حضرتك واحنا فى موقف لا يحتمل التهريج

شكرا يا سيدى

فكرت فى كلامه

ليه لا

اذا كانت دى الاشاره الوحيده المضمونه

وطردت الفكره سريعا من رأسى حيث ستكلفنى الكثير من الوقت والمال وبعدين قد لا يكون هناك اشاره من اساسه..



حاولت التركيز وتذكر خطة العبور من جديد ولكن كيف اندفع وسط تلك العاصفة من السيارات الرعناءكيف اتجرأ على الاندفاع وهو بمثابة انتحار قرأت الشهادتين وما تيسر من القران وأدرت راسى حيث يوجد شارعنا والقيت عليه نظرة اخيرة اغمضت عينى حتى لا ترهبنى سرعة السيارات واندفعت لا ادري كيف ولكنى اندفعت ..

وبغير توقف تصحبنى عاصفة من الكلاكسات والشتائم المختلطة بأصوات فرامل واغانى كنت اشعر برهبه حاولت السيطره عليها بترديد قوله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون
.
وفجأه افقت على صوت صراخ صوت غير طبيعى اقرب الى العويل اعادنى الى وعى وجعلني أتساءل
هل انا حيه ام ميته ؟

دفعنى الصراخ للوقوف رغم ان الخطه تؤكد على ان الوقوف فى منتصف الشارع يفضى الى الموت

وفتحت عيناى لاجد الشارع كله متوقف

لاول مره الشارع متوقف وانا اعبر الطريق !

ما الذى حدث ....فى ايه ؟

هل قررت السيارات ان تقف للمشاه كما هو الحال فى كل بلاد العالم ؟

هل وضعوا إشارة مرور لعبور المشاة تقف فيها السيارات تاركة الدور للآدميين كما فى بقية بقاع الأرض ؟ولكن كيف بهذه السرعه؟

هل ارسل الله ملائكة من السماء لنصرى كما كان يحدث فى معارك المسلمين قديما ؟لا اعتقد فزمن المعجزات قد مضى وولى!

أدرت رأسى حيث مصدر الصراخ وتجمدت الدماء فى عروقى من هول المنظر وجدت رجل ضخم الجثه يرتدى جلباب ابيض ساقطا على الارض فاقدا الوعى ومضرجا فى دمائه ومرأة ترتدى السواد تصرخ فى هستريا فى وجه سياره ملاكى ...جوزى قتلتو جوزى يا مجرمين يا كفره قتلتو ابو العيال ده فى رفبته 5 ده عيالو لسه صغار اروحلهم ازاى من غير ابوهم من يربيهم جوزى حبيبيى واخذت تبكى وتصرخ وصوتها يتسرب داخلى كنصل حاد ممزقا قلبى واعصابى .

دار راسى وشعرت برغبه فى القئ وشعرت بخدر فى اطرافى وحاولت أن أسيطر على قدامى حتى لا تتهاوى وفجاه مرت سيارة مسرعه من امامى بعد ان ركنوا جثة الرجل على جنب حتى لا تعطل سير المرور!

وانطلقت بعدها سيارة أخرى حانقة على لحظات التأخير التي توقفت فيها بسبب رجل مستهتر حاول عبور الطريق دون انتباه !

ليعود بعدها سيل حافلات الموت من جديد ..عندها استجمعت شجاعتي وانطلقت بسرعة جنونيه فى تحدى وتمرد عجيب الى ان وصلت الى االشريط الفاصل او ما يسمى بالجزيره التى تفصل بين الضفتين وعندها لم اشعر بنفسى إلا و أنا افترش الأرض أصبحت فى منتصف الطرق لم يعد للتراجع مكانا ! اصبحت فى موقف لا احسد عليه حيث لا استطيع العوده من حيث اتيت ولا اقدر على تكملة العبور!

القيت نظره بائسة يائسة إلى الضفتين على يمينى ويسارى والى السيارات المجنونة والرجل الذي لازال ملقى على يمين الطريق مغطى بحشود من المتفرجين ...صوت بكاء المرأه خفت بعد ان بحه الصراخ ..

نظرت الى العيون المترددة الخائفه لمختلف الأعمار اطفال وشباب وكهول وشيوخ واقفين على جانبي الطريق فى انتظار الموت أو العبور رددت كلمات اسبارتاكوس الاخيره وكأني أوصيهم :
قبّلوا زوجاتكم .. هنا .. على قارعة الطريق

فسوف تنتهون ها هنا غدا

وتساءلت فى صمت يا ترى الدور على مين .......وانهمرت دموعى حتى انهرت من البكاء .



#رشا_ممتاز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقوق الإنسان والعلمانية المستوردة
- الاسلام صديق العلمانية
- إيقاف المهازل على صفحات الحوار المتمدن
- صياغة الخطاب العلمانى فى مواجهة التحديات
- خواطر علمانية
- محنة العلمانية ومأزق المتعلمنين
- المتعلمنون وتشويه العلمانية
- العلمانية وحدها لا تكفى ..
- المراهقة الفكرية
- انتشر التدين فختفى الوازع !
- لماذا تغلقون الباب؟ حول - الهجوم - على الاسلام في الحوار الم ...
- مصريه (شريره)
- السادية والخنزير
- شجيع السيما
- سلامات يا تدين
- قبل فوات الأوان
- سياسات الترويض
- ساركوزى يدعم دكتاتوريات الشرق .
- أوراق الخريف
- آخر مستعمرات الرجل


المزيد.....




- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - رشا ممتاز - مأساة عبور