قبل فوات الأوان

رشا ممتاز

الحوار المتمدن-العدد: 2565 - 2009 / 2 / 22 - 08:37
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    

تخيل معي أنك تعيش في منزل تحيطه حديقة غناء ونهر صاف تمتلك كل ما يحسدك عليه الآخرون الشمس ,الهواء الجاف ,الأرض الخضراء والمياه العذبة لكنك لم تقدر النعم التي بين يديك ولم تحافظ عليها اعتقدت أنك تعيش بين جدران المنزل فقط هذا هو عالمك وما هو خارج الجدران فهو لا يخصك لأنك لم تمضى عقد بملكيته فكنت حريص على تنظيف منزلك الذي تملكه وإلقاء القاذورات في ماء النهر الذي لا تملكه حتى تغير لونه وطعمه أردت أن تتخلص من الحشرات المزعجة التي تأتيك من الحديقة فاستخدمت المواد الكيميائية والمبيدات الحشرية للقضاء عليها حتى تلوثت تربتك ,كنت تشعل النار في أكوام القاذورات والأكياس البلاستيكية حتى باتت سماؤك متشحة بالسواد ,تخيل معي المنظر,هربت الطيور المغردة من الحديقة ماتت الأزهار لم يعد في النهر سمك وتغير لونه وطعمه حجبت السحب والأدخنة ضوء الشمس,لم يعد من عالمك الصغير سوى نهر قذر تربة ملوثه وهواء مسمم.
أنظر إلى نفسك في المرآة شعرك يتساقط و وجهك شاحب, أنفاسك تخرج من صدرك بالكاد هل يمكن أن تعيش طويلا على هذا الحال؟؟
لقد دمرت بنفسك مقومات الحياة انعدمت البيئة الصالحة للمعيشة لن تستمر طويلا سرعان ما ستشعر بالوهن و تهاجمك الأمراض وتفتك بك
أنت من قتلت نفسك ودمرت عالمك أنت القاتل ولا أحد سواك!!

ظننت بحماقة أنك تمتلك المنزل فقط لأنك تحفظ عقد ملكيته ونسيت أن نصيبك من النهر ولهواء والتربة المحيطة بك أهم ألف مره من ملكيتك للمنزل!!
قد يمكنك الاستغناء عن منزلك لكنك لا تستطيع الاستغناء عن الماء والهواء والطعام ,كنت أحمق فجنيت أشواك حماقتك !!


الطبيعة أو ما نطلق عليه البيئة ونحن يرتبط كلانا بالآخر ارتباط لصيق و أبدىأنت بحاجة للهواء لتتنفس ,بحاجة للماء لتشرب وتعيش,بحاجة للتربة لتأكل
اعتناؤك بمقومات الحياة يعنى اعتناءك بنفسك.

حفاظك عليها يعنى حفاظك على صحتك,البيئة المحيطة بك هي مرآة لك ,أنظر إلى بيئتك تعرف نفسك,أنظر إلى وجهك في المرآة ستقدر مدى اهتمامك بمحيطك من عدمة.

ليس الحديث عن البيئة ترفا القضية أكبر بكثير هي باختصار أن نحيا أو نموت,معنى أن نقضى على العوامل اللازمة لحياتنا هو أن نقضى على حياتنا نفسها وعلى مستقبل أبناءنا,معناه أن نورثهم المرض معناه أن تستمر دولنا على خريطة العالم أو تنمحي من الوجود كليا.

لا أبالغ فيما أقول فما هو تعريف الدولة هي رقعة من الأرض لها مساحة محدده وموارد لو دمرت تلك الأرض ودمرت مواردها وقضيت على سبل الحياة فيها
فأنك تدق بيديك مسامير نعشها,,,الفقر , البطالة, الظلم, الاستبداد كل تلك المشكلات على الرغم من أهميتها إلا أنه من الممكن ايجاد حلول لها , لن تؤثر بعمق على الأجيال القادمة لن تمس وجودهم ضررها قصير المدى إذا ما عولج انتهت المشكلة,أما الحفاظ على البيئة فهو شئ آخر,قضية حياة أو موت نكون أو لا نكون
تستمر دولنا على خريطة العالم أو تنمحي كلية من الوجود.

تخيل معي لو أن مياه النيل تلوثت بالقدر الذي لم تعد صالحة فيه للاستخدام الآدمى أو الري لن نتكلم ساعتها عن مشاكل البطالة والاستبداد.... لأنه ببساطة لن يصبح لمصر وجود .

ربما ننسى قضية البيئة والحفاظ عليها لأنها قضية بعيدة المدى بمعنى أننا نحصد نتائج إهمالنا لها على المدى البعيد ونحن تعلمنا أن لا ننظر إلا تحت أقدامنا

تعلمنا أن يكون الحصاد سريعا تعلمنا أن نبحث عن دواء لما يؤلمنا حاليا حتى لو كان مرض عارض ونتغاضى عن داء عضال لان ألمه مستقبلي
تعلمنا أن نحيا اللحظة بلحظتها وأن لا نخطط للمستقبل أو نفكر في الأجيال القادمة.

كل منا يسعى أن يعلم أولاده في أرقى المدارس يعلمهم سبل التعامل مع التكنولوجيا الحديثة الحاسوب واللغات فن الاتيكيت والرياضة ..الخ
لكنه لم ينتبه انه رغم كل ما يبذله من أجلهم فأنه يقتلهم ببطء يقتلهم بيديه عندما يشترى بضاعته في أكياس بلاستيكيةأو بالعادم المنبعث من سيارته القديمة
أو عندمايلقى بمخلفات مصنعه في ماء النهر!
ماذا سيشرب أولادك مستقبلا ؟؟
ماذا سيتنفسون ؟
ماذا سيأكلون ؟
هل فكرت لحظة فيما أقول
هل أمنت المقومات الأساسية لحياة أبناءك قبل أن تؤمن لهم التعليم والوظيفة أو الشقة والمال
للأسف الهواء النظيف و الماء العذب لا يقدرون بثمن.

#رشا_ممتاز (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل