أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمعة الحلفي - عند حافة الشاهدة














المزيد.....

عند حافة الشاهدة


جمعة الحلفي

الحوار المتمدن-العدد: 871 - 2004 / 6 / 21 - 08:23
المحور: الادب والفن
    


يذهب الأحياء الى الموتى، في قبورهم، فلا يقولون لهم شيئاً. يقفون واجمين برهة، أو يجلسون مقرفصين جنب رخام الشاهدة. ينظرون بأسى ويتذكرون ملامحهم وضحكاتهم القديمة. يداعبون بملل، تلك الزهيرات البرية الرخوة الطالعة من تربة القبر، وكأنها العلامة الوحيدة على ذلك الذبول العظيم الذي اسمه الموت. هنا عند حافة الشاهدة، أو على رخامها الصقيل، تسقط دمعتان أو ثلاث ثم.. ثم يمضي الأحياء واجمين تاركين ورائهم الموتى وحيدين في وحشة القبر.
تُرى هل يدرك الموتى أنّا نزورهم بين حين وآخر؟ نجلب لهم الزهور الصفراء، مطوية بعيدان الياس البري؟ نشعل لهم الشموع ونقرأ على أرواحهم الفاتحة؟
هل يستمعون لتمتماتنا وهسيس زفراتنا الحزينة؟ هل تنير شموعنا الصغيرة ظلمة قبورهم الموحشة؟ بالأمس جاء العيد. وفي الأعياد يشتاق الأحياء الى موتاهم، مثلما يشتاق الموتى الى احبتهم الأحياء. هكذا كان يقول لنا الأجداد فروح الميت الحائرة تشعر بالطمأنينة عندما يزورها من تحب. لكن من يزور تلك الأرواح الحائرة لأولئك الغرباء العراقيون، الذين يقطنون مقابر الضياع والتشرد الابدي؟
من يحمل الزهور لأولئك الذين عزت عليهم تربة الوطن حتى وهم أموات؟ فضلّت أجسادهم الطريق الى مقابر النجف والشيخ معروف والاعظمية والشيخ عمر؟ من ينادم أولئك الذين تاهت أرواحهم الحائرة وغارت أجسادهم، المعطرة بالكافور، في غياهب تراب غريب؟
بالأمس جاء العيد فاشتقنا إليهم، حملنا زهورنا الصفراء وشموعنا الصغيرة، وكانوا بانتظارنا هناك، عند مقابر السيدة زينب ومخيم اليرموك، ومقبرة الشهداء في نجها. كانوا هناك، القينا عليهم التحية ونثرنا زهورنا الصفراء على أضرحتهم وقرأنا سورة الفاتحة، أشعلنا شموعنا الصغيرة وتفقدناهم واحداً واحداً ثم.. ثم مضينا تاركين أمواتنا في وحشة القبر.
بالأمس جاء العيد وفي الأعياد يشتاق الموتى الى أحبتهم والى أوطانهم، لكن من يحمل رفات أولئك الغرباء العراقيون يوماً، ليتوجه بها صوب ارض تحب وتشتهي.. حيث الوطن الذي آمنت وبكت وغنت وسجدت وصلت؟ حيث أعطت وضحّت وغارت في لجة الموت قربانا له؟ بالأمس جاء العيد فاشتقنا إليهم، ذهبنا فأودعنا كلماتنا الصغيرة عند قبورهم، أبلغناهم تحايا الأهل والأحبة وعطر العراق ووعد العودة، فـ (المسلمون على اختلاف ديارهم، لا يملكون مع المصاب عزاء.. والجاهلية من وراء قبورهم.. يبكون زيد الخيل والفلحاء) أما نحن فنبكيك يا زيد الخيل بكل الأسماء، فهذا كله قبر مالك. زيد الخيل هو عند شوقي، كما هو عندنا، عمر المختار ونجم البقال. هو الشيخ البدري والشيخ البصري ومحمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر ومهدي الحكيم. زيد الخيل هو، هنا في الشآم، محمد مهدي الجواهري ومصطفى جمال الدين وعبد الوهاب البياتي وغضبان السعد وهاشم علي محسن. هو حسن الذهب وأبو يوسف وحسين الكمر، وكاظم الركابي، وعبد الهادي الجلبي، وصادق العطية. هو ناصر الفحام وسعيد جواد وأبو عليوي. هو هادي العلوي وفاضل الأنصاري وعلي كريم سعيد. هو، في مقابر بيروت، شمران الياسري، وغازي فيصل، وفهد العراقي. هو من سيذهب منا إليهم! وزيد الخيل هو، في العراق، دم الضحايا ونخيل البصرة وزهو بغداد.
بالأمس جاء العيد ولا يزال العراق قصياً على أولئك الأموات، الأحياء، على حنينهم وشغفهم، على ما حلموا وغنوا وضحوا، لكنه العراق قادم وهم قادمون، هو أول الحياة وآخر الأماني، هو طائر الفينيق وهم رماده، هو سينهض وسينهض موتانا معه، وسيعود وسيعودون معاً لا محالة، سيعودون كما ستعود الأعياد في كل مرة، وسنحمل زهورنا وبيارقنا الزاهية وأغنياتنا الشجية، فـ : بعد الغياب وبعد طول تشتتي، يصفوا فؤادي والرؤى والمورد!



#جمعة_الحلفي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإساءة لسمعة الكلاب !
- عندما تكذب كن صادقاً !
- الديك الأصولي!
- عندما رحل الخميني ... دوّي العودة، دوّي الرحيل !
- نظرية الفائض البشري !
- زيارة متأخرة للأندلس !
- الى سعدي يوسف ... تصبحون على وطن !
- من دفاتر المنفى ... عربانة النواب 5 من 5
- من دفاتر المنفى ... عربانة النواب 4 من 5
- من دفاتر المنفى ... عربانة النواب 3 من 5
- من دفاتر المنفى.. عربانة النواب 2من 5
- من دفاتر المنفى ... عربانة النواب 2 من 5
- من دفاتر المنفى عربانة النواب 1من 5
- في تفاصيل التكوّن
- المثقفون العراقيون... ماذا يطبخون؟
- البحث عن الوطن في أزقة المنافي !
- سيرة الرسالة: من الحمام الزاجل الى البريد الإلكتروني ومن فان ...
- سيرة الرسالة:من الحمام الزاجل الى البريد الإلكتروني ومن فان ...
- سيرة الرسالة: من الحمام الزاجل الى البريد الإلكتروني ومن فان ...
- سيرة الرسالة: من الحمام الزاجل الى البريد الإلكتروني ومن فان ...


المزيد.....




- قصة احتكارات وتسويق.. كيف ابتُكر خاتم الخطوبة الماسي وبِيع ح ...
- باريس تودّع كلوديا كاردينال... تكريم مهيب لنجمة السينما الإي ...
- آخر -ضارب للكتّان- يحافظ في أيرلندا على تقليد نسيجي يعود إلى ...
- آلة السانتور الموسيقية الكشميرية تتحدى خطر الاندثار
- ترامب يعلن تفاصيل خطة -حكم غزة- ونتنياهو يوافق..ما مصير المق ...
- دُمُوعٌ لَمْ يُجَفِّفْهَا اَلزَّمَنْ
- جون طلب من جاره خفض صوت الموسيقى – فتعرّض لتهديد بالقتل بسكي ...
- أخطاء ترجمة غيّرت العالم: من النووي إلى -أعضاء بولندا الحساس ...
- -جيهان-.. رواية جديدة للكاتب عزام توفيق أبو السعود
- ترامب ونتنياهو.. مسرحية السلام أم هندسة الانتصار في غزة؟


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمعة الحلفي - عند حافة الشاهدة