|
هل المهرجانات تستنهض الثقافة العامة للمجتمع ؟
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2866 - 2009 / 12 / 23 - 12:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الثقافة العامة لشعوب المنطقة على اختلاف مواقعها و باختلاف بسيط بينها معلومة للجميع، و ما يمكن التوقف عنده و التركيز عليه بجدية فائقة من اجل ايجاد الحل المناسب له، و لفتح الطريق امام بداية سليمة للثقافة الحقيقية هو خلط السياسة بالثقافة و سيطرتها شبه الكاملة عليها لاسباب عديدة منها ايديولوجية او تنظيمية بحتة او جهل عام بما تتطلبه الثقافة و جوهرها و استقلاليتها ، ومن اجل استنهاض الشعب و استقامته و صحوته و قيامه من الكبوة و دفع المجتمع للعمل و الحيوية و التغيير الدائم المطلوب و احداث التقدم في جميع المجالات دون استثناء ، و هذا مربوط بشكل واضح بالخروج من الازمة الثقافية التي نحن فيه منذ مدة ليست بقليلة. من يتمعن قليلا في الوضع القائم يتبادر الى ذهنه مجموعة من التساؤلات الهامة، و المخلص كل همه هو تجاوز هذا الواقع المرير و العبور بسلام نحو انبثاق بداية الخطوة الثقافية الصحيحة، و منها؛ لماذا كل هذا الفراغ الذي تعيش فيه الثقافة بشكل عام و الادب و الفكر و المعرفة بشكل خاص و يدورون جميعا في الحلقة المفرغة، هل الحزب و الايديولوجيا المسيطرة و السياسة المتبعة منذ عقود يمكن ان يحلوا محل المؤسسات الثقافية و يكوٌنوا مراكزا سياسية و ثقافية في ان واحد، و هل تبنى المؤسسة الثقافية و من ضمنها المثقف المنتج بمنح الجوائز الحزبية او الثقافية المدعومة من الجهات السياسية لاغراض اخرى، هل دعم الهيئات الثقافية و الطبع و النشر التابع للاحزاب و اغداقهم بالاموال و الامكانيات و المكرمات و الهدايا يدفع الى تاسيس و توفير و بناء فضاء ثقافي صحي منتج و مهيج و مثير للعقول من اجل الخلق و الابداع، و هل من الممكن ان تحل السياسة و ما تحملها من الافكار و العقائد و الشعارات و الاهداف و الايديولوجيا محل المؤسسات الثقافية و تنجح في اداء واجباتها المغايرة لها . كل هذه الاسئلة و غيرها تحتاج الى التمحص و التركيز في قراءة الواقع الثقافي من اجل تكثيف الجهود و العمل على بناء الركائز الثقافية الصحية للخروج من الازمة الخانقة التي وصلنا اليه من طمس الهوية الثقافية التي تعرضت له و استمرعقود الى ما وصلنا اليه و نحن الان وسط الوحل، و هذه ليست وليدة اليوم كما يعتقد البعض بل امتداد لما دابت السلطات السابقة عليه، و اعتقد بعدما اشتدت الحال فنحن قريبون من الفرج، و لكن يجب ان تستهل البداية الصحيحة و هذه ما تحتاج الى تكاثف الجهود و التعاون لنجعل المرحلة بداية عصر ثقافي ناهض كما هو عصر سياسي جديد. اذن البداية تكمن في العمل الجدي على بناء وسط صحي لخلق الحوار المنتج و المثمر و انتاج الوسط الواسع المنفتح لجميع الاختصاصات الثقافية من اجل تكوين و بناء نظرات ثقافية معرفية للحياة و احداث التغيير و الالتزام باي شيء يضمن في جوهره ما يهم الحياة و المعرفة و المستوى الحضاري و الانسانية و الفكر و الثقافة العامة غير المحدودة للمجتمع، و هذا عمل و واجب انساني و حضاري كبير للجميع قبل النخبة و قبل ان يكون واجبا ثقافيا بحتا. و القسط الاكبر منه يقع على عاتق المثقف بذاته و ما يدركه من ايمانه بثقافته و فكره و يجب الا يكون بعيدا عن النقد و النقاش و الحوار و التحليل و الراي و المواقف الضرورية للمواضيع المختلفة لما هو فيه المجتمع و السلطة و الظواهر و الحوادث و الحالات و المعرفة بشكل عام و التغييرات و المستوى الثقافي العام الذي نحن فيه، لكي لا يصنف ضمن الكسالى الموظفين في الدولة فقط و يكون تابعا لا خالقا . اذن كل ما في الامر هو اعادة النظر من قبل المثقف في عمله و تصرفاته و مواقفه قبل بناء المؤسسات الثقافية المامولة من اجل خلع الثوب الذي خطه له السلطات المتتالية ، و هذا احساس و شعور ذاتي نابع من الدوافع الثقافية التي يحملها المثقف قبل غيره، و ليس بمسالة الجلسات و الدواوين الثقافية و اجراء المهرجانات المغرضة و تقديم الجوائز، لان جميع المثقفين يحتاجون الى ذلك سنويا لدفعهم نحو الابداع دون استثناء او ما تقام اليوم لمجموعة معينة دون اخرى و لاهداف مختلفة بعضه بعيدة جدا عن الثقافة و المثقف، و الشواذ التي تحصل دائما من ما وراء هذه المهرجانات من الاحزاب و الجهات السياسية و الافكار و الايديولوجيات المعينة و اعمالهم، و منهم من لا يحمل خلفية معرفية ثقافية عامة و واسعة و لم يتميزوا بابداعاتهم و بوجود بنى تحتية او فوقية لادارة تلك العملية المعقدة و التي يجب ان تكون مستقلة بحد ذاتها دون اي تدخل فكري او عقيدي او ايديولوجي من الاخر كما نشاهد في كافة المهرجانات لحد اليوم سوى كانت لاسباب ذاتي او موضوعية و ان لم يعترف من يقدم عليها، و ما نشاهد من المهرجانات القليلة نسبيا لم تكن ورائها الا اغراض مخفية و تستوضح تلك من تقييم النتاجات المقدمة و صنع الكتاب و الادباء و الاسماء المعينين من اجل الاسم و الشهرة فقط ليستفيدوا منه عقيديا و حزبيا و فكريا و سياسيا، و من اجل اهداف ضيقة بعيدة عن الاهداف السامية التي يجب ان تحملها الثقافة، و هذا جهل بالثقافة او تزوير للثقافة الحقيقية المنشودة و بقصد. ان هذه الاوساط التي تهتم بهذه المواضيع في الوقت الحاضر يشبه ما يعمله هو بفتح الدواوين الاجتماعية و الحزبية و لا تمت بمضمون و اهداف المراكز الثقافية بصلة، لا بل يحتلون مساحات شاسعة من التخلف و يعيشون على هامش الحياة الحرة و العالم و التغييرات المعرفية و الثقافية الحديثة و الفكر الحداثوي و العمل المعرفي و الثقافي الاصيل العام ايضا. الثقافة العامة المثمرة المامولة لم تنبثق بعيدا عن الاعلام الحر و في وسط و ارضية مناسبة متجسدة للتعبير عن الراي و المواقف وعدم الدوران في حلقات مفرغة كما تحصل البيوم، و هذا لا يتم بتوحيد النظرة و الشمولية في العمل او نفي الاخر و تسقيطه كما حصل من قبل و لا بالانعزال و نفي ما موجود كما يحصل اليوم، بل الجميل في وجود الثقافات المختلفة و الاهداف المتقاربة او البعيدة و الافاق الواضحة، و هو كل ما يهم الانسان و سعادته قبل اي شيء اخر. اي الحرية بمعنى الكلمة لكافة المجالات و في فضاء ثقافي واسع مفتوح وبعيدا عن الدواوين و المهرجانات المهرجة، او الاهمال و جعل كل ما يخص الثقافة في الهوامش، او فسح المجال الضيق و كما يحصل اليوم و يمنون به على المواطن على انه الحرية و الديموقراطية و كأنه المكرمة. فحرية التعبير ليست بسماح للكلام و النقاش فقط او عدمه او الفوضى و القمع او المنح السخية من الاموال و الهدايا، لا بل الحرية و الديموقراطية الحقيقية هي في حرية التعبير من النظرات المختلفة للحياة و ما فيها و الاهتمام بما يطرح و الاستجابة له و المتابعة لما ينتج و الاعتراف باستقلالية المؤسسات و المراكز الثقافية كما هو الاهتمام و التثمين للمعرفة العامة للمجتع و النخبة، و توجه نحو الانفتاح و الحوار و الاهتمام بالانسان و الغد و النقد و الشفافية والمسؤولية و العدالة الاجتماعية و المساواة و الثقافة القانونية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية. و لا يتم كل ذلك الا بوجود فضاء ثقافي حر مستقل تجري فيه كافة العمليات لكافة الاختصاصات الثقافية المعرفية و العلمية وبوجود المؤسسات الثقافية الحرة بعيدا عن هيمنة السلطة او اية جهة او ايديولوجية معينة مهما كانت نوعها.
#عماد_علي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل التصويت في الانتخابات القادمة يكون عقلانيا ؟
-
المحطة الحاسمة لتخطي الصعاب في العراق الجديد
-
لم يخسر الكورد في كوردستان تركيا شيئا
-
ما يحمله المتطرفون يزيحه العراق الجديد
-
الديموقراطية التركية امام مفترق الطرق
-
الحوار منبر لليسار الواقعي ايضا
-
استئصال البعث بمحو فلسفته ومضمونه و اثاره و ليس باشخاصه
-
الجهات السياسية بين الواقع و التغيير المطلوب
-
المعارضة البديلة للحكومة الاصيلة
-
من يستهدف الصحفيين في العراق ؟
-
النظر الى قضية الحوثيين بعيون انسانية بحتة
-
اعيد السؤال، لماذا أُرجيء التعداد العام لسكان العراق ؟!
-
ماطبقت في اليابان و المانيا لا يمكن تكرارها في العراق
-
لماذا الانتقائية في مقارنة فدرالية العراق مع دول العالم
-
كيفية التعامل مع عقلية الاخر لتطبيق مادة 140 الدستورية
-
ضرورة تجسيد التعددية الحزبية في العراق ولكن!
-
هل تثبت تركيا مصداقية سياستها الجديدة للجميع
-
المركزية لا تحل المشاكل الكبرى بل تعيد التاريخ الماساوي للعر
...
-
من يمنع اقرار قانون الانتخابات العراقية
-
لازالت عقلية الواسطي منغمصة في عهد ذي القرنين
المزيد.....
-
ما ارتداه رئيس أوكرانيا بقمة الناتو يشعل تكهنات بأن ترامب هو
...
-
سجال حاد بين المدعية العامة للولايات المتحدة وسيناتور ديمقرا
...
-
زهران ممداني.. الشاب المجهول الذي قلب نيويورك راسا على عقب ب
...
-
جسر زجاجي شفاف ومسارات.. لندن تكشف عن نصب الملكة إليزابيث ال
...
-
هانا تيتيه: ليبيا تمر بمنعطف حاسم وتريد حكومة مسؤولة
-
مؤسسة النفط الليبية توقع مذكرة تفاهم مع تركيا بشأن 4 مناطق ب
...
-
الحرب على إيران تعيد الليكود إلى الصدارة.. نتنياهو: العالم ش
...
-
-احتفالات النصر-.. تظاهرات في طهران عقب وقف إطلاق النار بين
...
-
زيلينسكي يطالب الناتو بدعم الصناعة الدفاعية الأوكرانية قبيل
...
-
في تحول عسكري لافت.. اليابان تجري أول تجربة صاروخية على أرا
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|