أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد جمول - التسامح...القيمة المنسية في قراءة - عزازيل-














المزيد.....

التسامح...القيمة المنسية في قراءة - عزازيل-


محمد جمول

الحوار المتمدن-العدد: 2851 - 2009 / 12 / 7 - 21:21
المحور: الادب والفن
    



وسط الضجة التي أثارتها رواية" عزازيل" والنقاش الذي يجعلها تبدو وكأنها موجهة للنيل من الديانة المسيحية، والتساؤل عما كان يمكن أن يواجهه الدكتور الروائي يوسف زيدان لو أنه تناول التاريخ الإسلامي بالطريقة ذاتها وبالعمق ذاته من النقد، تغيب أهمية الجانب الإنساني فيها ليشغلناـ كما هو الحال دائماـ الجانب الذي يحرك غرائزنا ويصلح وقودا لمعاركنا، فننسى كل ما فيها من الجماليات والإيجابيات التي ليس أقلها ضرورة قبول الآخر والحض على زارعة بذور التسامح.
ما يناقشه الروائي يوسف زيدان في رواية" عزازيل" هو قصة تطور الأديان والعقائد المقدسة، من دون استثناء تقريبا، من ناحيتين: الأولى هي أن كل دين، من وجهة نظر المتشددين المؤمنين به، يقوم على فكرة أنه الصح الوحيد وأنه دين الحقيقة المطلقة، وغيره باطل مطلق. والثانية أن العنف والإقصاء كانا دائما الوسيلة الأكثر استعمالا لإزاحة الخصوم داخل العقيدة ذاتها بحجة المحافظة على نقائها، وقتل المخالفين من العقائد الأخرى لأن الرب الذي آمن به صاحب هذه العقيدة الجديدة لم يعد يتقبل هؤلاء المخالفين له، وكأن الرب ولد مع ولادة إيمانه الجديد المتعصب.
لعل أهمية الراهب هيبا القادم من أعماق الصعيد المصري تكمن في تساؤله عن هذه النقطة من دون أن يسلم بها وهو في رحلته الطويلة على مسرح الجغرافية المسيحية الممتد على أكثر من قارة في القرن الخامس الميلادي متجها إلى كهوف البحر الميت لمواجهة خريطون أكبر الرهبان المعروفين آنذاك، بعد الإقامة في الإسكندرية لبعض الوقت، ليسأله عن حقيقة الإيمان. يقول هيبا" وأفضيت إليه بفزعي من أنهار العنف التي تتدفق في أرض الله ورعبي من القتل المروع الذي يجري باسم المسيح وصرحت له باحتياجي إلى اليقين وافتقاري إليه".
ربما كانت طفولة هيبا وراء عدم تسليمه النهائي وأنه منذ اللحظات الأولى لإيمانه لم يشعر أنه بلغ النهاية وامتلك الحقيقة المطلقة. فقد رأى مقتل والده الوثني على أيدي إخوانه، المسيحيين لاحقا، بطريقة ساهمت في تشكيل اللاوعي المتسائل دوما عن الحقيقة الإيمانية. رآه يُقتل بأبشع طريقة باسم الإله الذي لم تتوقف أنهار الدماء عن التدفق باسمه. وما أن أدار ظهره على موت أبيه حتى فُجع بالتشدد يقتل أكثر من أمومة وأبوة ممثلتين ب"هيباتيا" الوثنية و"أستاذة الزمان" وعالمة الرياضيات والفلسفة ثم حبيبته أوكتافيا، ولتنتهي حياته بشكل ما بمقتل أبيه الروحي الأسقف نسطور، ولكن ليس موتا جسديا، وإنما روحيا هذه المرة.
عبر التاريخ كان المتشددون والمتعصبون يرفضون دائما أن يدركوا أن حقهم هو باطل غيرهم، وباطلهم حق غيرهم، وأن ما هو صحيح يقتلون الناس من أجله الآن قد يتبين أنه خطأ بعد زمن ما. لقد أدرك الراهب والطبيب هيبا وهو يسلك طريق الضعفاء المساكين، ويقدم رواية الذين لم يكن لهم نصيب في اعتلاء عروش السلطة الدينية أو الزمانية، بعد القضاء على خصومهم، أن" كل المهرطقين هنا كانوا مبجلين هناك وكل الآباء مطعون عليهم عند غير أتباعهم"، كما يقول هيبا. والواقع أن تلك هي سيرة كل العقائد التي تعتقد أنها الوحيدة التي تمتلك الحقيقة والتي لا يتسع الصراط المستقيم إلا لها وحدها. هذه واحدة من الحقائق الإيمانية القائمة على التسليم المطلق والتي قلما يخضعها المؤمن بها إلى تساؤل العقل الذي ربما كان سيقول له: لو كان هذا صحيحا لما بقي على وجه الأرض سوى ديانة واحدة. ولو لا أن كل شخص يؤمن أن عقيدته صحيحة لما استمر وجود الأديان والمذاهب بهذه الأعداد الكبيرة عبر التاريخ. كان يكفي وجود ديانة واحدة فقط. على ضوء هذه الفكرة يمكن فهم ما يقوله الراهب هيبا" طافت بذهني الآيات التوراتية المشهورة التي لا يمكن أن يصدقها غيرنا؟" أليس في كل العقائد والديانات ما يشبه ذلك، لو تركنا العقل يطرح أسئلته بحرية، بعيدا عن التسليم المطلق؟
من حق كل مؤمن أن يرى أن عقيدته صحيحة، وأن يتمتع بحرية الاعتقاد بها من دون أن يسفه أو يسيء لعقائد غيره. ولعل هيبا يجسد روح الراهب المطلوب في كل الديانات وكل الأزمان، وتحديدا في هذا العصر الذي تزداد فيه قيمة التسامح وأهميته مع تزايد أنهار الدم في كل مكان، وأن نعيشه سلوكا يجعل الأرض تتسع لنا جميعا. ولذلك كان مستعدا للبحث الدائم عن الحقيقة أكثر من بحثه عن الكفار الذين يجب أن يقضي عليهم وعلى عقائدهم. وكان جاهزا باستمرار لمعالجة من يأتيه من المرضى من دون أن يسأله عن عقيدته أو يتقاضى منه أجرا. وبهذه الروح استطاع أن يصغي إلى أوكتافيا الوثنية وهي تتحدث عن إلهها الوثني فتقول" إلهنا سيرابيس هو إله كل العالم. ولا بد أن نظهر احترامنا له رغم أنف كل المسيحيين بمن فيهم الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني نفسه".
رواية "عزازيل"، التي تنبش صراعات الكنيسة المسيحية في مراحل تكونها الأولى كمؤسسة كونية ترعى كل شؤون المؤمنين، هي قصة الصراعات التي تكونت نتيجتها كل الأديان، وحدث خلالها معارك دامية وعمليات تصفية لكل مخالف إما بالقتل الجسدي أو الفكري. ومن هنا يمكن قراءة الرواية على أنها عرض حي لمسيرة التعصب والتشدد لتظهر أهمية التسامح كقيمة سامية أخطأ الإنسان في كل لحظة تجاهلها، وأهمية المحبة كدرب يضيء الدرب ويجدد الأمل الذي يعطي الحياة معناها الأكثر جمالا.
وأخيرا ربما يحق للقارئ أن يتساءل عن بذور الأعشاب الطبية التي زرعها الراهب الطبيب على حافة التل الذي يحمل الدير قبل اللحظات الأخيرة من انهيار حلمه بعزل الأسقف نسطور ونفيه، ثم غياب مارتا المفاجئ. هل نمت تلك البذور وأعطت ثمارها؟ من المنطقي أن نستنتج أنها ماتت بدليل استمرار العنف والتعصب وتدفق أنهار الدماء باسم المقدس، بغض النظر عن اسمه منذ القدم وحتى الآن.
منشورة في صحيفة "أوان" الكويتية



#محمد_جمول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عباس نموذج لعقم النظام العربي
- يكاد عباس يقول خدوني
- نأمل أن ترتفع منارة التسامح السعودية
- يكذبون وعلينا أن نصدقهم
- البناء مقابل البناء وأحلام الأطفال
- وشهد شاهد أيها -المعتدلون- العرب
- مايكل جاكسون الوجه الاخر للعالم
- ليت أوباما يصدق
- من الأرض مقابل السلام إلى الوقت مقابل السلام
- هل نبكي على العلمانية والديمقراطية
- مساكين أطفال غزة مساكين حكامنا
- القيم الأميركية من التسوق إلى التسول
- اقتلوا حزب الله فقد كشف خزينا
- ليت لنا نبل البهائم
- الأصولية المتحضرة والديمقراطية المتخلفة
- التعادل السلبي يعني ضياع الحقوق الفلسطينية
- تحسين صورة أميركا ومؤتمر أنابوليس
- من يرض باللاشيء لن يبقى له شيء
- البحث عما هو أقل سوءا
- بنت جبيل وذاكرة الأطفال


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد جمول - التسامح...القيمة المنسية في قراءة - عزازيل-