|
العرب مذلون مهانون فى قمة الثمانية الكبار
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 863 - 2004 / 6 / 13 - 08:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لان بلداً أوروبياً صغيراً واقعاً على شمال السماء ، مثل فنلنده الذى لا يزيد عدد سكانه عن خمسة ملايين نسمة ، تزيد قيمة إنتاجه عن مجموع ما تنتجه كل البلاد العربية من المحيط الى الخليج من منتجات زراعية وصناعية ، .. ، فان جميع الناطقين بلغة الضاد يندرجون تحت فئة فقراء العالم ، رغم النفخة الكذابة وأنماط الأنفاق السفيهة لعدد من أثرياء الصدفة العرب . ونتيجة لهذا السبب الواقعى المشار إليه آنفا ، وليس بسبب اى مؤامرة مزعومة ، فانا لسنا أعضاء فى نادى الدول الغنية ، المعروف باسم مجموعة البلدان الثمانية الصناعية الأكثر تقدما ، او باختصار الـ G8 . ومع أننا لا نملك كارنيهات العضوية فقد كنا حاضرين فى القمة الأخيرة لهذا النادى التى اختتمت أعمالها فى جزيرة " سى ايلاند " بولاية جورجيا الأمريكية يوم الخميس الماضى. واخذ هذا الحضور العربى شكلان : الشكل الأول : الحضور الجسدى لعدد من " الزعماء " العرب الذين لم يقفزوا فوق الأسوار بل تلقوا دعوات رسمية . أما الشكل الثانى فهو احتلالنا شطراً مهماً من جدول أعمال الدول الغنية واهتمام زعمائها . وبمراجعة الشكلين .. نتأكد ان " منظرنا " كان بالغ السوء . فيقول لنا الزميل نظام المهداوى ، الذى كان يتابع القمة من سافانا بولاية جورجيا وينقل وقائعها الى فضائية تليفزيونية عربية وصحيفة لندنية ، ان الصحفيين العرب والأجانب الذين حضروا مراسم استقبال الزعماء الذين توافدوا لحضور هذه القمة قد تندروا على " الطريقة المهينة " التى استقبل بها الزعماء العرب . حيث لاحظ هؤلاء الصحفيين كيف اختفى المسئولون الأمريكيون الكبار الذين كانوا يستقبلون الزعماء الآخرين بمجرد ان بدأت طائرات الزعماء العرب بالوصول . واختفت معهم الفرقة العسكرية الموسيقية التى تعزف السلام الوطنى ، واختفى البساط الأحمر ، كما اختفى تلامذة المدارس الذين يلوحون باعلام بلادهم وعلم كل ضيف تحط طائرته . وكان الزعماء العرب كالأيتام على مائدة الكبار ، يهبطون من طائراتهم ، ويتوجهون فرادى الى قاعات الاستقبال الخالية ، انتظاراً لطائرة أخرى تقلهم الى " سى ايلاند" حيث مقر اجتماعات القمة ، ولم يجد بعضهم حتى من يصطحبه الى قاعات الاستقبال سوى رجال الأمن الامريكى . ولم يكن منظراً اعتيادياً على الأقل للصحفيين العرب الذين اعتادوا ان يروا " فخامة الرئيس " محاطاً بجيش من المرافقين والمستقبلين والعسكريين ، ومما زاد من تندرهم منظر بعض السفراء العرب ، الذين كانوا يهرولون وراء طائرات زعمائهم ، والتى كان بعضها يهبط على مسافة مئات الأمتار من قاعة الاستقبال . أما اكثر المشاهد إثارة ، فقد كانت أثناء هبوط الطائرتين اللتين تقلان الرئيس العراقى الجديد والرئيس الأفغاني، فقد هبطت الطائرة الأولى – وهى بالمناسبة طائرة صغيرة تستخدمها الولايات المتحدة لشحن البضائع وكانت مطلية باللون الأبيض ولا تحمل علماً او اسماً .. اطل منها الرئيس العراقى مع عدد من مرافقيه . وبفارق دقائق قليلة هبطت طائرة اخرى بنفس حجم الاولى ، ولكنها تحمل العلم الامريكى ومكتوب عليها بالخط العريض "الولايات المتحدة الأمريكية" !! وبالطبع لم يكن لهؤلاء " الزعماء" العرب دور حقيقي فى مناقشات القمة ، بل لم يكن مسموحاً لهم بالحديث ، مجرد الحديث ، سوى دقائق لا تزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة ، بكلمات مجاملة وعلاقات عامة فى الأغلب الأعم! اما فى المناقشات الجدية بين " أصحاب الشأن " الحقيقيين – اى الثمانية الكبار – فقد كان نصيبنا إعلاناً يحمل عنوان " شراكة من اجل التقدم ومستقبل مشترك فى منطقة الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا " . وتتضمن هذه " المبادرة " وثيقتين هما " إعلان سياسى " عام و " خطة لدعم الإصلاحات". وحددت المبادرة عدداً من الخطوات التى ستقوم بها مجموعة الثماني من اجل تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية فى المنطقة من بينها تعليم القراءة والكتابة لعشرين مليون شخص حتى عام 2015 ، وتأهيل وإعداد مائة ألف مدرس بحلول عام 2009 ، وتخويل البنك الدولى المساهمة بمائة مليون دولار لتمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة لدعم الاقتصاد ومنظمات الأعمال الخاصة . وقد "فرح" العرب بالصيغة الجديدة لخطة الإصلاح والتى أدخلت عدداً من التعديلات على الصيغة القديمة لخطة " الشرق الأوسط الكبير " الأمريكية . أول هذه التعديلات تغيير اسم الخطة الى العنوان الطويل الذى ذكرناه سالفا " شراكة من اجل .. الخ " . ثانى التعديلات إشارة الإعلان العام الى ان الإصلاحات فى المنطقة " ستتأسس على تعاون حقيقي مع حكومات المنطقة " و " يداً بيد " وان " نجاح الإصلاحات رهن ببلدان المنطقة والتغيير يجب الا يفرض ولا يمكن ان يفرض من الخارج " . والتعديل الثالث يتمثل فى اعتراف الإعلان العام بأهمية حل النزاعات الإقليمية "وبخاصة النزاع الإسرائيلي الفلسطينى" لكن مع التأكيد على ان الصراع بذاته "يجب ان لا يستخدم كذريعة لعدم الإصلاح" . واعتبر الكثيرون من العرب ، مسئولين ومراقبين ، ان هذه التعديلات تمثل استجابة لاهم الانتقادات العربية للصيغة القديمة التى طرحها الأمريكيون فى فبراير الماضى. بينما تمسك محللون عرب واجانب برأى مخالف ، خلاصته ان خطة "الإصلاح" ، سواء فى صيغتها الأمريكية الأصلية او صيغتها الجديدة المطعمة بتعديلات أوروبية ، ليست سوى رؤية ركيكة وسطحية ومفككة لا ترقى الى مستوى الإصلاح السياسى والاقتصاد والثقافى المطلوب بإلحاح فى المنطقة ، ولا تحقق الحد الأدنى من متطلباته ، بل ولا تزيد – ان لم تنقص كثيراً – عن برامج هيئات دولية مشتبكة بالفعل مع العالم العربى ومشاكله. فماذا يعنى محوا أمية عشرين مليون شخص فقط حتى عام 2015 ، او تدريب مائة ألف مدرس فحسب حتى عام 2009 او تخصيص مائة مليون دولار – اى اقل من ثمن طائرة حربية أمريكية فقط من أسراب الطائرات التى تقصف الشعب العراقى – للمشروعات الصغيرة والمتوسطة فى عدد غفير من البلدان ؟ وهل تحل مشكلة الديمقراطية بتدريب عدد من الأفراد على مسائل بيروقراطية وادارية وتنظيمية ، او بدعوة مجموعات من الأشخاص " المحظوظين " لحضور ندوات فى هذه الدولة الغربية او تلك او تشجيع تبادل الزيارات بين جماعات المجتمع المدنى ؟ غنى عن البيان ان الإدارة الأمريكية ليست بالسذاجة التى تجعلها تعتقد ان مثل هذه الإجراءات البيروقراطية والتدابير السطحية يمكن ان تحقق بالفعل إصلاحاً سياسياً او اقتصادياً . وهناك اكثر من تفسير لإصرار إدارة بوش على طرح هذه الخطة الركيكة على جدول الأعمال. أحد هذه التفسيرات – الذى جاء عل لسان دبلوماسى غربى شارك فى قمة "سى ايلاند" – ان مشروع الشرق الأوسط الكبير " ليس سوى وهم فرضه بوش . وهو ليس سوى غطاء للتواجد العسكري فى المنطقة من اجل ضمان إمدادات النفط " وان هذا هو السبب الحقيقي لغزو العراق واحتلاله وتأكيد الرئيس الامريكى ان يكون العراق "الجديد" نموذجاً "للإصلاحات " التى يفترض ان تطبق فى المنطقة . التفسير الثانى ان " تعديل " مشروع الشرق الأوسط الكبير ، وتلبية بعض المطالب العربية جاء نتيجة " صمود " أوروبي ، وبالذات فرنسى ، فى مواجهة إدارة بوش . حيث أصر الرئيس جاك شيراك – الذى بدا اكثر عروبة من العرب ! - على ان " الديمقراطية ليست نظاماً وانما ثقافة .. وان فرضها بالتصور الأمريكي يمكن ان يبدو إهانة لمجتمعات المنطقة " . وإزاء هذا الإصرار لم تجد إدارة بوش مناصاً من التراجع خطوة او خطوتين للخلف وقبول عبارات مثل "تعاون حقيقى مع حكومات المنطقة" و "يداً بيد" و "التغيير لا يمكن ان يفرض من الخارج" . بيد ان هناك تفسيراً ثالثاً لا يرى فى الأمر تراجعاً امريكياً ، وانما يرى ان الإدارة الأمريكية قد حققت ما تريده فعلا حتى قبل انعقاد قمة جزيرة " سى ايلاند" ، بمجرد تلويحها للحكومات العربية بـ " عصا الديمقراطية " . أصحاب هذا التفسير يعتقدون ان الحملة الأمريكية المبالغ فيها ، مبالغة مقصودة ومدروسة ، لتهديد النخب الحاكمة العربية بشبح الديمقراطية المحمول جواً ، وربما على غرار " الديمقراطية العراقية" ، قد حققت أهدافها . وانها قد أسفرت بالفعل عن "صفقة" تتخلى بموجبها واشنطن عن فرض " الديمقراطية " من الخارج مقابل استسلام النظام العربى الرسمى تماماً وذوبانه فى المحيط الشرق اوسطى الكبير او الموسع ، حتى ولو تم وضع هذا " الاستسلام " وذلك " الذوبان " تحت لافتة " الشراكة " . ويرصد أصحاب هذا التفسير تطورات وتفاصيل متعددة ترجح ذلك وبخاصة على صعيد الصراع العربى – الإسرائيلي مؤخراً . وأياً كان نصيب هذا التفسير او ذاك من الصواب فانها مجتمعة تلقى بظلال من الشك العميق على مصداقية مشروع الشرق الأوسط الكبير فى صيغته الأمريكية القديمة او صيغته الجديدة المعدلة تحت الضغوط الأوروبية على حد سواء . تضاف الى ذاك حقيقة اعم تضاعف الشكوك فى هذه النوايا " الإصلاحية " للولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً ولدول مجموعة الثمانية عموماً . هذه الحقيقة هى ان ميزانية منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعية " الفاو " اقل مما تنفقه تسعة من البلدان الغنية على غذاء القطط والكلاب لمدة ستة أيام فقط ، واقل من خمسة فى المائة مما تنفقه دولة واحدة من الدول الغنية على منتجات " التخسيس" وإنقاص الوزن . وقد تجلى هذا المنهج الأناني فى القمة الأخيرة لمجموعة الثمانية ، حيث شعر القادة الأفارقة الذين شاركوا فيها – كمراقبين بالطبع – بخيبة أمل لعدم الاستجابة لدعوتهم بإلغاء الديون على دول العالم الأكثر فقراً لصندوق النقد الدولى بشكل كامل . وهذا يعيدنا الى المربع رقم واحد ، حيث يحق لنا ان نقول فى مشروعات "الإصلاح" الأمريكية – القديمة والمعدلة – اكثر مما قاله مالك فى الخمر ، وان نشكك فى جدواها ومدى فاعليتها وكفاءتها ، وان نطعن حتى فى مصداقيتها من الأصل . لكن هذا كله لا ينفى ان أوضاعنا متدهورة على كل الأصعدة ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعرفية . وان هذا التدهور وصل – على الصعيد الوطنى والقومى – الى مستويات مخيفة وغير مسبوقة. ومعنى هذا ان رفض فرض الإصلاح من الخارج لا يجب ان يكون ذريعة للتنصل من مهمة التغيير الشامل والعاجل قبل ان يزيد الطين بلة .
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مكسيم رودنسون .. مفكر وضع أصبعه فى عين - حكيم أوروبا -
-
شاهد عيان فى عنبر المعتقل وبلاط صاحبة الجلالة - شهادة مقدمة
...
-
لماذا أصبحت الطبقة السياسية سميكة الجلد؟!
-
خصخصة حق تقرير المصير.. هى الحل
-
مهرجان »كان« السينمائي أهم من قمة تونس العربية
-
يحيا العدل.. الأمريكي !
-
اكبــر ديمقـراطيـة .. فى بـــلاد تركب الأفيــال
-
الغضب .. أفيون العرب!
-
جــريمـــــة الـقــــرن الحــــادي والعشـــــــرين
-
الــــــورطــــــــــة !
-
- وعد بوش - .. لاقامة إسرائيل الكبرى
-
حكاية سيدة محترمة اسمها - ميريام - اطلبوا الإصلاح .. ولو من
...
-
بعد أن تحول العراق من »وطن« إلي »كعكة« سباق دولي وعربي محموم
...
-
رسالة مفتوحة الى أصحاب الجلالة والفخامة والسموالبقية فى حيات
...
-
بين -الدير- و-الشيخ- .. -ياسين- يدفع فاتورة الاستشهاد جرائم
...
-
رئيس الحكومة صاحب المزاج العكر .. أول ضحايا لعنة العراق
-
من لا يقـــدر على - بــوش- وزعــانفــــه فليقــــذف نــادر ف
...
-
من لا يقـــدر على - بــوش- وزعــانفــــه فليقــــذف نــادر ف
...
-
العربى مريض .. فمن يكون - بوش - : الطبيب أم الحانوتى ؟
-
صاحبـــة الجــلالة تنهـض من تحـت الأنقــاض
المزيد.....
-
لحظة القبض على صبي عمره 12 عاما يتسابق مع مراهق بالسيارة.. ش
...
-
صحفيو غزة يدفعون ثمن الحقيقة
-
العراق.. السوداني يشرف على الخطط الأمنية لعقد القمتين العربي
...
-
الحوثيون يعلنون قصف هدف جنوب يافا
-
رئيسة البرلمان الألماني: لا ينبغي للكنيسة أن تتحول إلى حزب س
...
-
بسبب -تهديدات روسية- و-عودة ترامب-، مدنيون بولنديون يتوجهون
...
-
زيلينسكي يرفض وقف إطلاق النار ل3 أيام ويوجه رسالة لمن سيحضر
...
-
ترامب يُعلن كلا من 8 مايو و11 نوفمبر -يوم النصر- لأن -أميركا
...
-
بنغلادش.. مظاهرة حاشدة ضد إصلاحات قانونية تضمن المساواة بين
...
-
المغرب يطلق تحذيرا من خطر -سيبراني- كبير قد يطال المؤسسات ال
...
المزيد.....
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
المزيد.....
|