أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة الشيدي - عن الكتابة والحلم والفراغات التي لا تنتظر من يملؤها إلا بوردة أو برقصة شغف














المزيد.....

عن الكتابة والحلم والفراغات التي لا تنتظر من يملؤها إلا بوردة أو برقصة شغف


فاطمة الشيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2810 - 2009 / 10 / 25 - 01:14
المحور: الادب والفن
    


كثيرا ما يسألك أحدهم لماذا تكتب؟ وكثيرا ما نتردد في الإجابة! في الغالب نكتب لأننا نريد أن نكتب، وبهذا فالكتابة هي خيار الكائن الهش الإرادي، فنحن نكتب (ربما) لأن الكتابة هي الأكثر خفة وإرادة، ولأن الأشياء الأخرى أكثر قدرية مما نحتمل، وأكثر رعونة مما نطيق.
ولكن أيضا! الكتابة ليست خيارا سهلا، فليست ممكنة كلما رغبنا بها، فقد تأتي بسرعة، وقد تتمنع عمرا كاملا كما يحلو لها. وقد تمنحك كل العشق والفرح والحلم، كأن تهبك أصابعها الطويلة لتعبر النهر بمحاذاة حلم جميل، أو تحك مساحاتك الهشة بأظافرها الناعمة، وتلاطف قلبك المبلل بالوجع بدلال اللغة ومطر الكلمات، فتترك فيه آثار حضورها العذب المستحيل على الغياب. ولكنها أيضا! كثيرا ما تأتي وجعا فتقبض أصابعها على روحك الغارقة في الوجع فتشهق بها حتى الرعاف أو الموت، أو تغرس أظافرها الحادة في جرحك فتوسعه خدشا، وتأكل من خبزك القليل المعّد للفرح والنشوة، وتطالبك بطقوس الدمع ما حلا لحزنها البهيج. وقد تقرضك طبولها وصلواتها ما شاء لها الغنج حتى إذا اشتهيت التوغل في مجاهلها القصية، أفلتت قبضتها العصية وحزمت صرتها نحو ضفة أخرى وعوالم لا قبل لضعفك بالسير نحوها.
فتأتي مراوغة في تشكلها بين غجرية تغرقك في محيط ذؤابات شعرها الكستنائي، وطفلة تقضم أصابعك بعد كل قطعة حلوى، وعجوز تشفّعك في بكاء موتاها ونبش قبورها التي لا تعد، ومفجوعة بحبيب في صباها العذب، وأي قلب يحتمل كل هذا التناقض والوجع!
وهي أيضا ليست الأشهى والأجمل، فأن تعيش الحياة والحب والحلم، وربما حتى الحزن والفقد، والوجد والحنين أجمل وأشهى وأسهل من أن تحوّل كل هذا إلى حالة من الشعور المتصاعد، والمخطط له سلفا ليصبح مادة كتابية، وتحوّل مشاعرك إلى رموز وحروف مكتوبة. الكتابة هي المستحيل المتحقق في صورة جسد، الجسد الحي واللامرئي معا، والكلمة هي الشيء الأكثر تجريدا، والشعر هو اللغة الأكثر ذهنية ولا محسوسية.
فلماذا نكتب إذن؟! يعيد السؤال ذاته!
نكتب لنوازن الخطوات التي على وشك الانزلاق، والمتهادية بحذر على الأسطح المائلة، و(كل الأسطح مائلة).
نكتب لنرتقى بالحياة من الهش للصعب، ومن الممكن للمستحيل، ومن المحسوس للمجرد، ومن الواضح للغامض، ومن الفرح للحزن، ومن الحضور للفقد، ومن الحقيقي للذهني. نكتب لننظر للأشياء من الأعلى للأسفل، ولنتعاطى معها من الأعقد للأبسط، ومن الأشمل للجزئي، إنها القراءة المقلوبة للأشياء، والحالة المغايرة للواقع.
نكتب لنعرف! وما أصعب تفنيد الأشياء الموزعة بين فوضى العدم واللاشيء، ووجوه الحقيقة المتعددة والقاسية والغائبة، ما أصعب البحث عن حقيقة الحقيقة، وخلاصة الخلاص، والفكرة الناصعة للهرب بها من واقع مريض وحالات ميتة كي لا تبيعنا الصروف في مزاداتها الرخيصة، وتهدهدنا المراجيح في تأرجحها الصامت و الميت، حين ترتفع درجات الحرارة في ذاكرة الجمال فنمرض بالقبح، وتعترينا دهشة البدايات، ويرتفع عواء الأسئلة، وتنخفض ساعات الجزع حتى الموت بلا دهشة تليق به، وبعبورنا المضمّخ بالحيرة المهلكة. نكتب لنحتمي بدهشة الكتابة، تلك الطاقة الحرارية التي تحرر الحقيقي منا من هيمنة اللزوجة التي تسربل الكائنات الجامدة، وتمد عفونتها عميقا نحو بؤرة اللب، فيغدو كل شيء متصلبا، أو بسيطا وذو وجهة واحدة غير صالحة للقراءات الأكثر تأويلا من قراءة مباشرة.
نكتب لندرب أرواحنا على الحلم، كي لا يضمر داخلنا كأي حاسة إضافية، أو غير مستخدمة، لنمارس حالة التمرد الصامتة واللذيذة على السائد والثابت، لينبت فينا ما يشبه أقداما إضافية، تتناسل في الوعي لتهب المبدع قدرة على المشي الأسرع في الفراغات التي لا تنتظر من يملؤها إلا بوردة أو برقصة شغف، المشي المؤسس لبراءة اختراع في عالم يشرع غرابيله بسطوع فج، وضمور وقح لتأسيس معاييره العامة وأحكامه الكليّة، فتكون الكتابة هي الأجنحة التي تمنحنا الثبات في مايشبه الهزة الكونية والصدمة العدمية التي أصابت كل شيء بالصدع.




#فاطمة_الشيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شرفات بحر الشمال لواسيني الأعرج : اقتراحات الشعرية، وأرشفة ا ...
- صورةٌ بشعةٌ جدا
- نزار قباني : دهشة الاكتشافات الأولى ل جسدية النص، ونصية الجس ...
- رقاع تاريخي
- النص الشعري عند ظبية خميس
- الغربال الأعمى
- رسالة إلى ابن عربي
- القفار سردا: لطالب المعمري : سينمائية الواقع حين تكتب بالحبر ...
- ذاكرة الإسفنج
- سيدةُ الحيادِ
- الصورة الشعرية بين الذاكرة والمخيال في نصوص الشاعر الإماراتي ...
- العزلة:رقية الحيوات السرية
- أرواحنا بين قيد ومقص، وتحت جلودنا رقيب
- حساسية الرؤية الشعرية المغايرة في مجموعة -نون الرعاة- للشاعر ...
- ثقافة الطفل العربي : حاجة أم ترف ؟!
- كفاءة التناص في توظيف الموروث اللغوي في النص الشعري المعاصر ...
- رسالة إلى الله
- قرابين الوجع
- بين أدب الطفل .. وثقافة الآخر .. حول مجموعة -أنا ويوكي- للكا ...
- تأملات في سيرورة الكائن في المطلق والعبث


المزيد.....




- غزة.. عزف الموسيقى لمواجهة البتر والألم
- لعبة التوقعات.. هل يفوز عمل غير غربي بجائزة نوبل للآداب 2024 ...
- اندمج في تصوير مشهد حب ونسي المخرج.. لحظة محرجة لأندرو غارفي ...
- تردد قناة روتانا سينما 2024 الجديد على نايل سات وعرب سات.. ن ...
- الممثل الخاص لوزير الخارجية الايراني يبحث مع نبيه بري قضايا ...
- سيدني سويني وأماندا سيفريد تلعبان دور البطولة في فيلم مقتبس ...
- فشلت في العثور على والدتها وأختها تزوجت من طليقها.. الممثلة ...
- -دبلوماسية الأفلام-.. روسيا تطور صناعة الأفلام بالتعاون مع ب ...
- كريستوفر نولان يستعد للعودة بفيلم جديد ومات ديمون مرشح للبطو ...
- بيسكوف: الإهانات الموجهة لبوتين -جزء من الثقافة الأمريكية-


المزيد.....

- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة الشيدي - عن الكتابة والحلم والفراغات التي لا تنتظر من يملؤها إلا بوردة أو برقصة شغف