أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد علي ثابت - حكايات النظريات: الشك المنهجي ونظرية الأفكار















المزيد.....

حكايات النظريات: الشك المنهجي ونظرية الأفكار


محمد علي ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 2760 - 2009 / 9 / 5 - 08:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"أعنف معارضة تواجه الأفكار العظيمة هي تلك التي تصدر عن أصحاب العقول الضحلة والمتوسطة".

- ألبرت أينشتين، عالم الفيزياء الألماني الأشهر المولود في العام 1879 والمتوفى في العام 1955


الشك منهجاً
-------
في واحدة من ليالي شتاء العام 1619 شديدة البرودة، وفي إحدى الثكنات العسكرية بمقاطعة بافاريا الألمانية التي كان يستخدمها قادة جيش الأمير ماكسيميليان البافاري، جلس شاب هادئ الطباع رقيق الملامح في الثالثة والعشرين من عمره بجوار مدفأة خشبية عجوز مستدفئاً بها، ولمَّا سرى الدفء في أوصاله بدأ يفكر في بعض الأمور تفكيراً عميقاً استغرق منه بضع ساعات، ولما أشرقت شمس اليوم التالي كان ذلك الشاب قد رسم في مخيلته الخطوط العريضة الأساسية لفلسفته ومنهجه العلمي شديدي التماسك والتنظيم وعظيمي الأثر في تاريخ الفكر والفلسفة اللاحق في حياته ومِن بعده.. لقد كان ذلك الشاب هو رينيه ديكارت، أحد أبرز الفلاسفة وعلماء الرياضيات عبر كل العصور، والمعروف بـ "الأب الروحي للفلسفة الحديثة" وبـ "محيي الفلسفة الأرسطية"، وهو رائد من الرواد الثلاثة الكبار (مع اسبينوزا ولايبنيز) للمذهب العقلي في التفكير الفلسفي، وصاحب مدرسة الشك المنهجي وواحد من الفلاسفة المحدثين القلائل الذين حاولوا صياغة مذاهب فلسفية وفكرية شاملة على طريقة الفلاسفة الإغريق القدماء.

وُلد ديكارت في العام 1596 لأب وأم ينتميان إلى الشريحة الدنيا من طبقة النبلاء الفرنسيين، ودرس ديكارت القانون في جامعة بواتييه إرضاءً لوالده رغم أن دراسة الحقوق لم تكن تستهويه أبداً، ولمَّا فرغ من دراسته القانونية اتجه في العام 1618 إلى هولندا التي كانت في العصور الوسطى الأوروبية بمثابة الملجأ والملاذ لكل المضطهدين فكرياً وعقائدياً والباحثين عن فضاء أرحب لحرية الفكر والتعبير، وهناك التحق بجيش الأمير موريس الهولندي وعاصر فيه حرب الثلاثين عاماً وشهد بدايتها الحقيقية. وقد أتاح له وقت الفراغ الطويل الذي كان ينعم به في الجيش، والذي منحه قادته إياه بعد أن لاحظوا شغفه بالمعرفة وهدوء طباعه وميله إلى الانعزال،، أتاح ذلك له التعمق في دراسة الرياضيات والفلك والفلسفة والتاريخ، وبعد عام واحد من انضمامه إلى الجيش الهولندي تم ترحيله مع كتيبته إلى بافاريا الألمانية بعد اشتداد حرب الثلاثين عاماً على الجبهة الألمانية، وهناك في بافاريا حدثت واقعة السهر والتفكير العميق أمام المدفأة في تلك الليلة القارسة البرودة التي تشكَّلت فيها في رأس ديكارت الملامح الرئيسية لفلسفته، على نحو ما أوردنا أعلاه، بعد أن ظلت أفكار تلك الفلسفة تساوره بشكل متقطع متناثر وفي صور بدائية غير مترابطة قبل ذلك بسنوات، بحسب ما أورد هو نفسه في كتابه الشهير "المقال في المنهج".

وقد ظل ديكارت ملتحقاً بالجيش الهولندي حتى العام 1622، ولمَّا أنهى خدمته بالجيش عاد إلى باريس ولكنه سرعان ما انتابته قناعة بأن الحياة في باريس لن تروق له من جديد لأن مدينته كانت أكثر صخباً وضجيجاً مما تميل نفسه إليه، ووجد ديكارت نفسه مدفوعاً إلى العودة إلى هولندا من جديد، فعاد وأمضى هناك إحدى وعشرين سنة تالية كاملة لم تتخللها سوى بعض الزيارات القصيرة المتقطعة لفرنسا لمباشرة أعماله أو للتصرف في ممتلكاته الغير واسعة هناك. وفي تلك السنوات التي قضاها في هولندا، أو في "جنة الأفكار والتسامح" كما كانت تُعرف في أوروبا آنذاك، أنجز ديكارت أعظم أعماله الفلسفية والرياضية التي خلَّدت اسمه في سماء الفكر الإنساني الراقي.

فبحلول العام 1633 كان ديكارت قد قطع شوطاً طويلاً في كتابه "المقال في المنهج"، وفي تلك الأثناء بلغته أنباء محاكمة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية لجاليليو جاليلي عالم الفلك الإيطالي الذي أغضب رجال الدين حين قال إن مطالعاته المستمرة للسماء باستخدام التلسكوب الذي اخترعه جعلته على يقين من أن الأرض هي التي تدور حول الشمس وليس العكس. وحين علم ديكارت بأنباء تلك المحاكمة آثر السلامة لنفسه لأنه كان يكره الجدل والخلاف الحاد والصدام المباشر مع السلطة، فقرر تأجيل نشر كتابه الفلسفي الصادم ذلك (كتاب "المقال في المنهج") وقرر البدء أولاً بنشر مقالاته وبحوثه في الرياضيات، تلك البحوث التي كان نشرها فتحاً علمياً حقيقياً لأنه قدَّم فيها لأول مرة مبادئ الهندسة التحليلية وعرض فيها نموذج الإحداثيات الكارتيزية الذي مازال مستخدماً إلى يومنا هذا في كل المدارس والجامعات والذي كان بمثابة حلقة الوصل الأولى بين الجبر والهندسة ومفتاح اكتشاف علم التفاضل فيما بعد. وعندما بدأت أخبار محاكمة جاليليو وغيره من العلماء على يد الكنيسة تهدأ قليلاً، تشجَّع ديكارت وبدأ ينشر أعماله الفلسفية الكبرى تباعاً؛ ففي العام 1637 نشر كتابه "المقال في المنهج"، وفي العام 1641 نشر كتابه "تأملات في مبادئ الفلسفة" (وهو الكتاب الذي مازال أغلب طلبة الفلسفة في جامعات العالم يدرسونه إلى اليوم في سنوات دراستهم الأولى)، ثم نشر كتابه "مبادئ الفلسفة" في العام 1644.

وفي الجزء الرابع من كتابه "المقال في المنهج" ذكر ديكارت عبارته الشهيرة "أنا أفكر إذن فأنا موجود"، تلك العبارة التي يرى كثيرون من المهتمين بتاريخ الفلسفة أنها كانت تلخِّص مبادئ فلسفة ديكارت الإجمالية تلخيصاً بليغاً. فقد كان منهج ديكارت الفلسفي يقوم على مبدأ الشك والتحرُّر الكامل من كل المسلَّمات والموروثات التي يأخذها أغلب الناس ويتقبَّلونها بلا تفكير أو تمحيص لمجرد أن أسلافهم قد اقتنعوا بها ونقلوها إليهم. كان ديكارت يكره التسليم بأي نتائج أو آراء قبل أن يُخضِعها أولاً لمعايير منهجه المتشكك، ذلك المنهج الذي اختصره في أربع قواعد أساسية هي: (1) ألا نقبل أي شيء منذ البداية سوى الأفكار الواضحة والمتميزة؛ (2) أن نقسم كل مشكلة إلى عدد من الجزيئات الأصغر التي يمكن حلها؛ (3) أن نسير في تفكيرنا من البسيط إلى المعقد أو المركب، مفترضين وجود ترتيب ومنطق حتى حين لا يوجد الأخيران فعلاً؛ و(4) أن نقوم دائماً بالمراجعات لما سبق لنا أن توصلنا إليه كيّ نتأكد من أننا لم نغفل شيئاً.

ويؤدي العمل بتلك القواعد الفكرية العالية التنظيم، أو بذلك "المنهج الديكارتي" القويم، إلى اعتناق مبدأ الشك، وخصوصاً في النظر إلى المسائل غير الحسيَّة والمسائل الميتافيزيقية، ولكن لابد أن نلاحظ أن الشك عند ديكارت يتسم بكونه شكاً منهجياً متوازناً وليس شكاً شاملاً تحكمياً كالشك عند دافيد هيوم مثلاً (الذي كان من رواد المدرسة التجريبية التي جاءت بعد ديكارت وأقرانه)، ولعل السبب الرئيسي وراء تلك السمة التي ميزت الشك عند ديكارت هو أنه كان يصر منذ البداية على عدم الأخذ إلا بالأفكار والتشككات القوية المميزة الغير اعتباطية. وكان ديكارت، بوصفه من الفلاسفة العقليين، يرى أن العقل والتفكير وحدهما هما القادران على تمكيننا من استنباط النتائج المنطقية السليمة، في حين كان يرى أن الاعتماد على الحواس والإدراك الحسي فحسب لا يؤدي بنا إلا إلى ترسيخ التوهمات والتحيزات والأفكار المغلوطة والنتائج الغير مبنية على أسس سليمة. وكذلك فقد كانت لديكارت تأملات فلسفية شديدة العمق في مسألة العلاقة بين العقل والروح من ناحية، والجسد والمادة من ناحية أخرى، وقد صاغ أفكاره الفلسفية في هذا الصدد في إطار نظريته الشهيرة عن الـ "ثنائية".

وقبل وفاته بعام واحد دعته الملكة كريستينا، ملكة السويد، إلى الإقامة في قصرها في ستوكهولم. فقد كانت الملكة مولعة بأفكار ديكارت وآرائه وكانت تريده أن يعلمها مبادئ الفلسفة والتفكير المنطقي مقابل أجر كبير وإقامة مترفة – طالما افتقر إليها – في قصرها. وقد لبَّى ديكارت دعوتها، ولكنه حين ذهب إلى قصرها وأقام به لم يتحمل نشاطها الزائد وإصرارها على أن يستقيظ معها في الخامسة صباحاً كل يوم ليعطيها دروس الفلسفة قبل أي شيء آخر تقوم الملكة به في يومها، فقد كان ديكارت في أيام حياته الأخيرة يحب أن يبقى في الفراش حتى الساعة الثالثة ظهراً وأن يباشر بعض أعماله الروتينية وكتاباته وتأملاته من على الفراش. وبسبب قسوة مطالب الملكة السويدية تلك، وربما أيضاً بسبب عدم وجود مدفأة قوية في غرفته بقصرها كتلك التي تبلوَّر على وقع دفئها الخط المنهجي الرابط بين أفكاره العظيمة شتى، أُصيب ديكارت بالإعياء والهُزال وضعف المناعة وتًوفى بعد عام واحد من إقامته بقصرها. وثَمَّة رواية أخرى تذكر أنه مات جَرَّاء إصابته بالتهاب رئوي حاد.

وبعد ثلاثة عشر عاماً من وفاته قام بابا الكنيسة الرومانية الكاثوليكية بإدراج كُتبه المختلفة ضمن قائمة الكتب المُفسِدة المحظورة قراءتها بأمر الكنيسة.


دُمية للخصوبة والجمال
--------------
مقابل أربعة وستين دولاراً أمريكياً، زائد سبعة دولارات لمصاريف الشحن، يمكن لمستخدمي الإنترنت في الولايات المتحدة الحصول على دُمية الخصوبة الأشانتية النادرة. فقد أعلن مؤخراً موقع "جو أنتيكس" الإلكتروني الأمريكي المتخصص في بيع التحف والتذكارات والهدايا الأثرية والطريفة من شتى أنحاء العالم للمستهلكين الأمريكيين،، أعلن الموقع مؤخراً عن بدء بيعه دُمية الخصوبة التي يشيع استخدامها في قبيلة الأشانتي الغانية، وهي دُمية خشبية صغيرة يعتقد أبناء الأشانتي أنها تزيد من خصوبة البنات اللائي ينظرن إليها باستمرار، فضلاً عن أنها تضاعف فرص إنجابهن لمواليد حَسَنِي المظهر في المستقبل، على شاكلة الدمية. وتُعتبر قبيلة الأشانتي، التي تستوطن غابات إقليم وسط غانا، واحدة من القبائل الإفريقية البدائية التي تؤمن إلى يومنا هذا بوجود الأشباح ووحوش الغابات والتي مازال أبناؤها يعبدون أجدادهم وزعماء قبيلتهم المعاصرين والسابقين. ويُعتبر صامويل أوسي كوفور، لاعب كرة القدم الغاني الدولي المعتزل ومدافع نادي بايرن ميونيخ البافاري الألماني، أحد أشهر أبناء كوماسي – عاصمة الأشانتي – عبر تاريخ القبيلة. ورغم إقامته في أوروبا لنحو عشر سنوات، بسبب احترافه كرة القدم في القارة العجوز، إلا ان صامويل ظل دائماً يمارس قبل مباريات فِرَقِه الهامة أنواعاً مختلفة من السِّحر التقليدي الذي يؤمن به أبناء الأشانتي، بما في ذلك شراء دُمية الخصوبة لزوجته على سبيل الهدية في إحدى زياراته إلى مسقط رأسه.





#محمد_علي_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متوالية، بين نقل وعقل
- حكايات النظريات: الماجنا كارتا وحقوق المحكومين
- حكايات النظريات: البقاء للأصلح
- سيميترية التطرف - الجزء الأول
- سيميترية التطرف - الجزء الثاني
- وداعاً مروة
- ديالوج - قصة قصيرة
- لو زارني فرح ساعات
- حالاتي
- هي (قصة قصيرة)
- رهانات متفاوتة
- دفقات
- عم أونطة
- بعضٌ مما نعرفه لاحقاً
- على مُنحنى السواء
- لكُلٍّ يَمٌّ يُلهيه
- مَحْض صُدَف - قصة قصيرة
- تصرفات شتى إزاء الريح
- أقصُوصة من سِفر الإياب
- فعل الأمر في رؤيا


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد علي ثابت - حكايات النظريات: الشك المنهجي ونظرية الأفكار