أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غادة السمان - بومة عاشقة في ليل الحبر














المزيد.....

بومة عاشقة في ليل الحبر


غادة السمان

الحوار المتمدن-العدد: 2748 - 2009 / 8 / 24 - 08:44
المحور: الادب والفن
    




هل يتلوني الليل على مسامع الصبايا في دمشق،

قائلاً إنني كنت مثلهن، عاشقة ترادف الجنون..

ونحلة، لدغها كل من صنعَتِ العسل لأجله؟

تتدلى أيامي هناك من سقوف الذاكرة كمناديل ملونة..

متوحشة كنت، مهرة برية تصهل في سفوح قاسيون..

تغسل جموحها في نهر بردى وتحلم بنهر السين..

وها أنا اليوم أصهل على ضفاف السين،

وأحلم ببردى ودجلة والفرات والنيل.. والليطاني..

امرأة تزهو بآلاف الطعنات

ترصع صدرها بوسام الذبحة القلبية

وفي قاعها حجرات بملايين المرايا..

لكنها لا تزال تميز وجهها الحقيقي...

***

... كأية بومة لا تصلح لأقفاص طيور الزينة،

همت في ليل الأٍسرار، لأتعلّم

كيف يصير اسمي سواراً في معصم العشاق

ولمسة حنان في ذاكرة أهل الحزن والتشرد والتمرد..

ما هو اسمي، إذا لم أسمع قارئاً

يتلوه في مكتبة سائلاً عن حرفي؟

كيف أتحول إلى رياح لا تصدأ

إذا لم يهب اسمي من صدور مجانين الحرية؟..

مرة هدّدتني جدتي بـ "لقمة الزقوم" إذا كذبت..

ومن يومها وأنا أقول الصدق في حضرة الورقة المقدسة...

وحين حاولتْ عجائز الأسرة قص لساني

وإطعامه للقطة كي أصير "شامية" نموذجية،

لففت صدقي حولي كالكفن، وركضت في كتاب دمشق..

كغلطة مطبعية فات أوان تصحيحها، أو إعدامها!..

***

ما أعذب الفراق الطويل...

يظل الذي أحببناهم شباناً في ذاكرتنا..

والمدينة تظل كما عرفناها محفوظة في صناديق الماضي...

بيوتها العتيقة، أزقتها، أبوابها القديمة اللامنسية

لم تداهمها لعنة الإسمنت المسلح بالقسوة واللامبالاة

وعربدة الأبنية العصرية على رفات الأجداد..

وتظل أنت كما عرفتك، جميلاً وخائناً ومعشوقاً ووغداً...

وبردى ما زال يركض بين بيتي العتيق و "بحرة" ديارك،

ومياهه ما تزال تغرورق في أحلامي .. وعيني.. كصورتك..

***

تزوج الحنان من الحجر

فولدت بيوت تنحني على أهلها كرحم

في أزقة متلاصقة الشفاه كهمس العشّاق

قرب "باب توما" و "الشاغور" و "القصّاع" و "سوق ساروجة"..

والذهب الضوئي،

يسيل من قباب الجامع الأموي وستي زينب

ومن جرس كنيسة القديس بولص وآثار أقدامه حتى روما..

دمشق زهو الورد الجوري، في خدود صبايا

يقاتلن طواحين الهواء، ويربحن الخسارة المضيئة..

لا تشهري عليّ سيف الذكريات يا دمشق..

أمطار أوروبا على مدى عصور

لن تمحو بصماتك عن أسوار قلبي

وعبثاً يركض الثلج بممحاته المتوحشة فوق سطور أيامنا...

***

قبل أن أرحل بعيداً كأية بومة أدمنت الليل،

قرأت دفتر الياسمين في دمشق..

قرأت أحجارها العتيقة.. كنائسها وجوامعها..

قرأت وجوه عشّاقها ومجانينها، ليلها وفجرها..

قرأت فصولها الخمسة وأوراقها الخريفية "الدهبيات"،

قرأت شواهد مقابرها ووجوه بسطائها وبسطات فقرائها...

قرأت طلاسمها. أحجياتها. تعاويذها. رياحها...

قرأت دم ثوارها وسجونها. حبال مشانق شهدائها..

قرأت ميسلون.

وحين تخرّجت من مدرستها، وصرت وتراً يعزفها

بدأت طيراني الليلي بومة متوحدة في دمها ذلك كله..

وليلة انكسر جناحي على طرف القمر..

وسال دمي الأزرق حبراً حتى البحر..

سألني الليل: ما اسمك أيتها البومة الدمشقية؟

قلت له: اسمي الحرية..

________

16 - 9 - 1988



#غادة_السمان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة الانهيار
- ذاكرة بصّارة في أمستردام
- غفوة في أحضان البحر
- نوارس الورق الأبيض
- عاشقة تحت المطر
- العلامة الفارقة: عاشقة!
- إمرأة البحر
- أشهد أن زمنك سيأتي ...
- ثلج النسيان الأسود
- مقاطع من كتاب اعتقال لحظات هاربة ..
- عصفور على الشجرة خير من عشرة في اليد !
- عاشقة تهمس: تَكْ تك تك تك
- أشهد بأعمدة النسيان السبعة
- أشهد بأصابع الأشجار
- حينما يكون قلبك فراشة ...


المزيد.....




- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...
- طهران تحت النار: كيف تحولت المساحات الرقمية إلى ملاجئ لشباب ...
- يونس عتبان.. الاستعانة بالتخيل المستقبلي علاج وتمرين صحي للف ...
- في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في ...
- -فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غادة السمان - بومة عاشقة في ليل الحبر