|
الاعتدال ليس استسلام للامر الواقع
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2747 - 2009 / 8 / 23 - 01:47
المحور:
المجتمع المدني
بعدما مرينا بالمراحل المختلفة للحياة السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية منذ الحرب الباردة التي دامت عقود الى ان وصنا الى نهاية التطبيق الخاطيء للافكار و الايديولوجيات و الفلسفات المثبتة علميا ، و بعد انهيار المعسكر الشرقي كما معلوم لاسبابه الموضوعية و تدخلات و دهاء المتلاعبين على ذقون من كان في المواقع الخطيرة ، و نسمع تحليلات و تقييمات متعددة وفق خلفيات متعددة و مختلفة و كل حسب افكاره و ايمانه و معتقداته و ثقافته و مدى ايغاله في تفاصيل و عمق الافكار و الفلسفات المطروحة ، و بالاخص ما يتعلق بالنظام الراسمالي و اليساري كطرفين متضادين بشكل او اخر، و يمكن النظر اليهما ربما في اكثر من مكان يرفضان بعضهما للاخر جملة و تفصيلا . و المعلوم ان الفلسفة اليسارية يمكن النظر اليها على انها علمي المضمون و واقعي و طبيعي التوجه و هي بعيد عن الصراع الحضاري التي تتبناه الراسمالية ، و الايديولوجية كانت تلعب دورها في الاخطاء التي ارتكبت و محت دور الفلسفة و الفكر في العديد من المراحل . و من كان يبحث في هذا الامر يجب ان يُثق بحياديته و علميته و قوة معلوماته و ثقافته و يجب ان يعمل من اجل بيان الحقائق و ليس لهدف مخفي او غرض سياسي او فلسفي اخر . هكذا برزت افكار و توجهات فلسفية في هذه المرحلة و لا يمكن اعتبارها فلسفة متكاملة لها مقوماتها و اعمدتها ، وتعتبر بعض منها خواطر ليس الا ، ولدت في غفوة او لحظة من الزمن ، بعد ان مررنا بالفوضى العارمة التي طغت على الوضع منذ عقدين تقريبا و لم تستقر الواحة اوتهديء من هيجانها التي افتعلتها التغييرات ، لا بل استكبرت العديد من الاطراف و وصل الى حد التعدي على الحقائق المثبتة علميا و منطقيا بحيث اعترت عملية الانتقال الطويلة الامد للمرحلة حالات لم تدع الحياة الطبيعية من التحول و العبور استنادا على النظريات العلمية الدقيقة التي تفرض التطور الطبيعي و التقدم نحو الامام شكلها الكامل. عندما يقال ان الظروف و الاوضاع الاجتماعية مقفلة على نفسها ، اي انها غير مثمرة او منتجة بل مغطوسة في وحل عدم وجود النظام الملائم و دواعمه المختلفة في ظل غياب الخطط و البرامج التي تتطلبها المعيشة العصرية ايضا ، اي ، لم يُلاحظ التغيير في مسيرتها ، و ليس لديها القدرة على انتاج التوجه الصحيح و الطرق الجديدة لمسايرة و موائمة التطور الواجب حصوله في كافة المجالات . و قد مرت مراحل التاريخ و معيشة الانسان بفترات مشابهة حسبما يوردها المؤرخون ، و كما كانت الحال في عصور ما قبل الفتوحات و الانفتاحات و الاستكشافات التي حصلت على مر التاريخ . اما في التاريخ الحديث فان توقف كل من الطرفين الراسمالي و الشيوعي على نمطهما في الصراع و الحياة فيعتبر من المراحل المغلقة و التي منعت فيها الاحتكاكات و التداخلات و التباحث و النقاش و تبادل الاراء و المنفعة. اليوم ونحن نعيش في عصر العولمة و تداعياتها و التي افرزت العديد من المخاطبات ان صح التعبير و انتجت خطط و برامج و انبثقت فلسفات و افكار و اعتمدت مناهج و فرضت نفسها في حالات كثيرة لترشيد الجهات استراتيجيا و في مجالات اخرى تكتيكيا . يراهن العديد على ان الراسمالية و العولمة التي هي من ابداعاتها اصبحت هي المسيطرة و المعلم و الفكر و الفلسفة الواعدة لاجيالنا و هي اللامتناهية ، ان كانت اصلا فكرا او فلسفة ، و ان لم تكن منهجا تطبيقيا مستندا على التطور التكنولوجي و علوم الاتصالات و ما يدفع الى تداخل الامم و تقاربهم مع البعض ، متكئة على الايدولوجية . هذا بشكل عام لو ابعدنا النظر عن بعض المواقع التي لم تتاثر بعد بشكل قوي برياح التغيير العاتي الاتي من الغرب و هيجانه . في ظل هذه الفوضى و المرحلة المتنقلة و عدم ثبوت دقة و اصحية الافكار و المناهج و الفلسفات التي تدعيها الاطراف المتشدقة بالعولمة و الراسمالية و ادعائاتهم الطويلة العريضة ، و في جو من الصراعات و التناطحات الحضارية في سبيل البقاء لاطول فترة ممكنة ، فان طريقة عمل و طرح الفكر و النظرية و الفلسفة مهمة جدا ليتقبلها الواقع و يستفاد منها ، و به يثبت صحتها و حقيقة جوهرها المنبثق لخدمة الانسان . و هنا الاعتدال يفرض نفسه في القول و الفعل و الفكر و الفلسفة و النظرية و الصراع ، اي الثوابت ستبقى على ما هي عليه و ان اختفت بريقها في وقت ما ، و يجب ان تتعامل اصحاب العقلية التقدمية العلمية مع المستجدات لامرار الصحيح من الفكر و الفلسفة و بالطرق الملائمة ، و الواقع يفرض العديد من الشروط لابد من التفاعل معها و اخذها بنظر الاعتبار . فان كانت الافكار الغربية التي تفرض نفسها الان و بشكل قوي و تكسح الساحة بما فيها مضرة لاهل البشر لابد من احتوائها و تاطيرها بشكل يجب عدم فسح المجال لافراز السلبيات القاضية على الاطروحات الاخرى . و بهذا نصل الى اتباع القاعدة الاساسية لعمل اليسار و هي الاهتمام بجوهر الافكار و اتباع الاعتدال في النظرية و العمل، و هذا ليس استسلام للامر الواقع بل طريقة علمية واضحة لتجاوز مراحل طارئة على حياة الانسان .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يفضل السياسي السلطة التنفيذية على التشريعية في منطقتنا
-
هل المبالغة في التعددية مفيدة دوما
-
هل تتاثر اخلاقية المجتمع باستقلالية الفرد المادية
-
من اجل انصاف الجميع و منهم الفيليين
-
عدم الاستفادة من الاطروحات العلمية في هذه المنطقة
-
حان الوقت لكشف الحقائق كي نعتبر منها
-
الانتهازية صفة يكتسبها الفرد في المجتمعات المضطربة
-
التنافس السلمي عامل لتقدم المجتمع
-
اسباب ضعف دور المثقف في الحياة العامة لاقليم كوردستان
-
الاوضاع السياسية في ايران الى اين؟
-
ما مصير مجاهدي خلق في العراق
-
هل نعترف بولادة الديموقراطية في كوردستان
-
لماذا وصلت الحال لحد احراق الكتب
-
مَن وراء استمداد العنف و الارهاب في العراق
-
كان الخلل في التطبيق و التفسير و التاويل و ليس النظرية بكامل
...
-
افاق زيارة المالكي و ذوبان ثلج حاجز العلاقات بين الاقليم و ا
...
-
كيف كان دور المثقفين في الانتخابات البرلمانية الكوردستانية
-
احتمال اشعال امريكا للضوء الاخضر لحل المواضيع العالقة عند زي
...
-
الديموقراطية و الطبقة الكادحة
-
الخطوات المطلوبة لما بعد الانتخابات البرلمانية في اقليم كورد
...
المزيد.....
-
التقرير السنوي للخارجية الأمريكية يسجل -انتهاكات جدية- لحقوق
...
-
شاهد: لاجئون سودانيون يتدافعون للحصول على حصص غذائية في تشاد
...
-
إسرائيل: -الأونروا- شجرة مسمومة وفاسدة جذورها -حماس-
-
لجنة مراجعة أداء الأونروا ترصد -مشكلات-.. وإسرائيل تصدر بيان
...
-
مراجعة: لا أدلة بعد على صلة موظفين في أونروا بالإرهاب
-
البرلمان البريطاني يقرّ قانون ترحيل المهاجرين إلى رواندا
-
ماذا نعرف عن القانون -المثير للجدل- الذي أقره برلمان بريطاني
...
-
أهالي المحتجزين الإسرائيليين يتظاهرون أمام منزل نتنياهو ويلت
...
-
بريطانيا: ريشي سوناك يتعهد بترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا في
...
-
إخفاقات وإنجازات.. الخارجية الأميركية تصدر تقرير حقوق الإنسا
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|