أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - تزويج نونجة (مآذن خرساء 24/48)















المزيد.....


تزويج نونجة (مآذن خرساء 24/48)


حمادي بلخشين

الحوار المتمدن-العدد: 2741 - 2009 / 8 / 17 - 07:12
المحور: الادب والفن
    




ذات مساء سألتـني زوجتي :
ــ هل أنت جاد في بحثك عن زوجة لعماد؟
ــ هل وجدت واحدة ؟
ـــ نعم ... صديقتي خديجة المغربية ...

على غرار الإنتخابات العربية التي يكون فيها الرئيس هو المرشح الأوحد، كانت وحيدة شقيقة زوجتي، و لمدة تزيد عن خمسة عشر عاما، هي المرشحة الوحيدة لكل الزيجات التي لم تتم. كلما حدثت زوجتي عن صديق يبحث عن زوجة كان سؤالها التقليدي:
ــ هل حدثته عن وحيدة ؟

وحيدة، شقيقة زوجتي، فتاة سيئة الحظ الى حد لا يصدق، كل خطيب يتقدم لخطبتها تحل به كارثة ، أوبأحد افراد عائلته، أصبح من التقليدي جدا أن يكون اليوم المحدد لخطبة وحيدة تاريخا مأساويا، إما لتعرض شقيق العريس أو أبيه الى حادث مرور، أو حمل والدته الى الإستعجالي لإستئصال زائدة دودية صاحبتها لأكثر من نصف قرن، ولم يخطر لها مفارقتها الا في تلك الأمسية اللعينة!
في كل مرة، كانت زوجتي تؤكد لي:
ــ مسحورة، قلت لك انها مسحورة .

رغم ايماني بالسحر، لم اكن اتفق مع زوجتي فيما ذهبت اليه، لأن وحيدة رغم جمالها، نحيلة و بارزة العظام حتى كأنها عارضة ازياء شهيرة أو ملكة جمال الكون، وهذا لا يروق لخاطب عربي ... من تقاليدنا العربية تسمين العروس قبيل شهر من دخول زوجها عليها .. كأن يحدّ من تحركاتها او يقدم لها طعاما ذا سعرات حرارية مرتفعة .
العرب يقولون عن المراة النموذج : حازت الأبيضان الشحم و الشباب .

العجيب في أمر وحيدة،هو كثرة من يطلب يدها! لا يكاد يمر شهران على الأكثر، دون ان نسمع بخطيب يتقدم لوحيدة، يتلوه مباشرة وقوع كارثة تدرج تلك الخطبة في طي النسيان. في إحدى المرات تعرف على وحيدة شابان في نفس الوقت، و اصر كل واحد منهما على خطبتها، بلغ التنافس بينهما الى حد تبادل العنف، وحين فضّ الإشتباك، انصرف كل منها في حال سبيله زاهدا في وحيدة! مرّة اخرى، القت الشرطة العسكرية القبض على أحدى المتقدمين لطلب يد وحيدة وهو في طريقه الى بيتها لطلب يدها، كان المسكين قد راوغ دوريات الشرطة العسكرية لمدة تسع سنين واحدى عشر شهرا و اربعة اسابيع محاولا الإفلات من واجبه العسكري. حين قبض عليه كان بقي على اعفائه النهائي ثلاثة ايام فقط !! في احدى المرات سقط نيزك من السماء في شكل حجارة بحجم بطيخة صغيرة على بيت خطيب وحيدة ليلة الخطبة فتسبب في وفاة شقيقته، اكد العلماء غرابة الحادثة الذي لا يقع مثيلها سوى مرة واحدة كل 260 سنة!

لما سمعت زوجتي بمأساة يوسف أحمد الصومالي،عرضت عـليه وحيدة، رحب يوسف بالفكرة
خصوصا و قد أعجب كثيرا بالطبخ التونسي .
سألت زوجتى :
ـــ هل طلقت خديجة هي الأخرى ؟
قالت ضاحكة :
ــ بالعكس زوجها يحبها جدا، كل شهر يحملها لمطعم فخم، و في كل عيد ميلاد يشترى لها قطعة مصوغ ...
قلت مقاطعا:
ــ وفي كل ساعة يجدد لها اعترافه بحبه .
تنهدت زوجتي وهي تـقول :
ـــ كل واحد وحظه، المهم أخبرتني خديجة ان لها خادمة في المغرب تريد تزويجها .
ـــ احتفاظ الزوجين برباط الزوجية لا يعني انهما يعيشان في سعادة.
هكذا قال لي رشيد ذات مرة، تنهد بعد ذلك قبل ان يضيف:
ـــ أسوأ من الطلاق، أن يعيش الزوجان تحت سقف واحد دون روابط عاطفية تجمع بينهما.
ـــ ذات مرة سئل ارنسيت هيمنجواى كم تزوجت من مرة فاجاب : مرتين ونصف .
قال لي رشيد:
ـــ لكنني تزوجت عشر مرة.

كل العائلات المسلمة التي جاورتنا منذ عشرين سنة قد حلت بها لعنة الطلاق.الجالية الصومالية حققت الرقم القياسي في التطليق. إغراءات ما تعطى الأم الوحيدة من منح و ضمانات إجتماعية، لم يصمد امامها إلاّ القليل، هناك عائلات تبدأ الطلاق كأجراء احتيالي للحصول على معاشين و بيتين ( يقع كراء احدهما بالأسود) ثم سرعان ما يقع الطلاق الحقيقي !

في الشهر الماضي قابلت يوسف أحمد الصومالي، شاب لطيف لم أره منذ سنتين... تعاطفت معه حين عثرت عليه في مقر اللجوء في جزيرة ساند نوشون. ككل الصوماليين كان يوسف أحمد بسيطا و طيب القلب. الصوماليون بسطاء جدا، أكثر من نصف الشعب الصومالي رحّل امتنهوا رعي المواشي، الصوماليون لم يتعودوا على الفضاءات المغلقة التي تقتضي خفض الأصوات اثناء الحديث، فقد اعتادوا العيش في الهواء الطلق، تستطيع تبين ذلك بسهولة من علو اصواتهم اثناء تخاطبهم، يحدث مرات عديدة ان يقف صومالي في اول عربة القطار ليتبادل الحديث و بكل عفوية مع صومالي آخر يسند ظهره في آخر العربة، دون مبالاة بما بينهما من خليط نرويجي و أجنبيي مندهش! اذا نهاهم احد البيض ، ــ حتى من المسلمين ــ عن تصرفهم ذاك، شكوا أمرهم الى الله و أعتبروا ذلك النهي شكلا سافرا من اشكال التمييز العنصري! في إحدى المرات رأيت شابة صومالية تتحدث مع زوجها، كان كل طرف منهما يقف في رصيف من أرصفتي قطارالأنفاق، كانت تفصلهما السكة الحديدية التي تقع أسفل الرصيفين بحوالي متر أو يزيد، و كان لا يعكر "حوارهما العائلي" سوى مرور قطار ركاب أو قافلة من عربات البضائع! و للصوماليين تصرفات اخرى مسلية جدا، بعد سنوات قليلة ستنقرض هاتة المشاهدات الممتعة بانقراض اصحابا و تخليف اجيال اكثر تهذيبا. كم سيغضب الزعيم العنصري كارل ايهاقن حين يعلم ان رئيس وزراء النرويج لسنة 2200 سيكون صوماليا، كما سيكون وزير دفاعه باكستانيا . بعد ان يتحول الصوماليون و الباكستانيون الى اكثرية في النرويج .أكثرية خالية من أي اثر للإسلام... لست اذكر من اعلمني أن آخر دراسة تؤكد ان الإيطاليين سينقرضون بعد مئتين وخمسين سنة اذا استمرت نسبة مواليدهم على هذه الوتيرة المنخفضة، لأجل ذلك منحت ايطاليا هبة قدرها الف يورو لكل اسرة ايطالية تنجب الطفل الثاني التي اطلقت عليه الحكومة تسمية الطفل القومي .

في السنة الماضية طالب بعض الصوماليين الحكومة النرويجية بتوفير حشيش القات المخدر باعتباره جزءا من مكوناتهم الثقافية!، يبدو ان الحكومة النرويجية استجابت لطلبهم، حيث اصبح شباب الصومال يتجمعون في الساحة المقابلة ل بلاتوس قاتا أما منتظرين قدوم حشيش القات أو وهم يتنازعونه بينهم .

كان اسقاط الصوماليين في النرويج صدمة ثقافية كبرى بالنسبة لأكثريتهم الساحقة. شهدت بنفسي تفسخ عينة صومالية كانت تضم ثلاثين عنصرا... حينما انزلتهم الحافلة امام مركز اللجوء في ساند نوشون كان هم هؤلاء الشباب البحث عن اتجاه القبلة لأداء ما فوتت عليهم الرحلة الطويلة من صلاة، كلهم كانوا ملتحيين و القليل منهم كان يدخن، خلال تسعة اشهر تركوا الصلاة واصبح لنصفهم صديقة نرويجية، كما تجرأ بعضهم على تناول الجعة و أصبح أكثرهم يتخاطب بلغة هنريك أبسن محاولا تقليد النرويجين بشكل مثير للضحك، كان يصرّ مثلا على قطع الخبز بالسكين ثم تناوله بالشوكة!... وعند حلول شهر رمضان، أجمعوا على تجاهل صومه و كأن كارل ماركس ربّاهم بنفسه! لم يثبت على موقفه غير يوسف أحمد... حين صارغريبا بين الصوماليين ضممته الى أسرتي ...كنا نتناول طعامنا معا، كما صرنا مدمنين على لعبة البليارد، كنا نأخذ المفتاح من الإستقبال و نتولى فتح القاعة الصغيرة التي تشرف على البحر و تتوسطها الطاولة الخضراء، كانت اللعبة تروق لي كنت أعبر عن إحباطي وغضبي بقوة الضربات التي أوجهها للكرة البيضاء.
ـــ الحياة كلعبة البليارد لا ينفع معها في كل الحالات استخدام القوة . بل تحتاج احيانا الى اللين اي الى الهدوء و ضبط النفس.
هكذا كنت اقول لولدي ياسين.

منذ بلوغه التاسعة كنت أصحب ياسين الى قاعة البليار في مقهي الأتراك بغرينلاند، كنت اقول له و أنا ادفع برفق مقدمة عصا لتصطدم بالكرة السوداء التي تقع على بعد ثلاثة انشات من الفتحة .

ــ العنف لا ينفع دائما، خذ عبرة من لعبة البليارد.

في مقهي الأتراك تلقيت اول شتيمة رسمية من ياسين، يمكنني الآن بسهولة ذكر تاريخها، لو رجعت الى الصفحات الأخيرة من مذكرة سنة 97 حيث سجلت الحادثة بالتفصيل، كما احطتها ايضا بسطر أحمر غليظ . حين نصحته بضرب الكرة الأقرب من الثقب المخصص .. قال لي وهو يصوب نحو الهدف الذي اختاره و بلغة نرويجية لن اتقنها و لو عشت الف سنة أخرى .
ـــ أغلق فمك!
شعرت كأن سطل ماء بارد قد سكب علي، انهرت جالسا على اقرب كرسي، تذكرت على الفور حديثا كذّبه العلماء، وآمنت أنا بصحته، الحديث يقول: " بعد مئة عام من زمني هذا تكون تربية كلب انفع من تربية ولد !". تمنيت ساعتها لو تركت ياسين و أمه في تونس ليتربى هناك، و تحملت وحدي ألم الغربة.

أول الأمر كنت اترك يوسف أحمد يهزمني، وبعد مدة قصيرة اصبح يتفوق علي بسهولة!
منذ أول وهلة، فتح لي يوسف أحمد قلبه... أخبرني ان قصف جيش سياد برّي قريته قد تسبب في قتل ابيه وأمه و شقيقتيه و اربعة من اطفاله فيما فقدت زوجته مع طفليها الصغيرين، اجبر يوسف أحمد على الهجرة لأثيوبيا و منها الى النرويج، مرت عليه تسع سنوات دون ان يسمع جديد عن زوجته المفقودة، فاعتبرها في عداد الأموات، رافعا خسائره العائلية الى سبعة افراد .

ذات ليلة، طرق علينا يوسف أحمد باب شقتنا... بانفاس متقطعة اخبرنا ان احد ابناء قريته الذي حلّ امس بمركز اللجوء، قد بشره في التوّ بوجود زوجته الفقيدة في أثيوبيا. رفقة طفل وحيد، و انهما ينتظران الترحيل الي النرويج أو الي السويد . كنت فرحا لفرح يوسف احمد، لم استوعب الحدث بعد، كي أدرج يوسف أحمد في قائمة خيبات وحيدة الا حينما سمعت زوجتي تسأله :
ـــ أخ يوسف، هل تعرف صوماليا آخر في مثل وضعيك؟ يعني ...
لم يفهم يوسف أحمد ما تعنية زوجتي، بقي يوزع نظراته بيننا .
ـــ أعني هل تعرف صوماليا يئس من وجود زوجة مفقودة أو خطيبة ضائعة حتى يسترد زوجته أو يلتقي بخطيبته بمجرد خطبته شقيقتي وحيدة ؟!

بعد ثلاثة اشهر غادرت ساند نوشون تاركا ورائي يوسف احمد، و هو ينتظر بلهفة قدوم زوجته وولده من اثيوبيا، كان قد اتصل بها و اخبرها بموقعه في الكرة الأرضية. بعد أقل من سنتين، و حين التقيت يوسف احمد في اوسلو سالته عن زوجته، شكرني على اهتمامي بحياته الزوجية، قبل ان يعلمني بأنه قد طلق زوجته قبل مرور سنة واحدة من قدومها للنرويج! كما اعلمني أنه قد اضاع رقمنا الهاتفي لطلب يد وحيدة من جديد!، وفي نهاية الأمر تزوج باخرى !
ـــ تصور يا سامي كان كل هم زوجتي حال حلولها بالنرويج، جمع المال و الحصول على رخصة سياقة!

حين سمعت زوجتي بمشعوذ أردني يعالج المسحورين، طارت الي الدانمرك، و جاءت معها بوصفة تتمثل في ثلاث أوراق صفراء مكتوبة بالحبر الصيني عليها آيات قرآنية .. أوصاها المشعوذ بوضع ورقة في سطل ماء فاتر ثم إستحمام المتضررة، أي وحيدة، بذلك الماء بعد كل صلاة فجر، لمدة ثلاثة ايام... بواسطة البريد السريع، أرسلت زوجتي الأوراق الى تونس واجتهدت في الدعاء اثناء الصلاة... بعد استعمال وحيدة لتلك الوصفة العجيبة باقل من نصف شهر تقدم لها خاطب. فور دخول الخاطب الي البيت استقبل بلكمتين على فكه و ركلة على خصيتيه من طرف شقيقها الذي كان في حالة سكر مطبق، ظنه لصا فأراد تأديبه. إستقبل الخاطب تلك الضربات الموجعة بروح رياضية و قبل اعتذار معنفه، مصرا على خطبة وحيدة حتى لو تعرض الي النسف. في الأسبوع الموالي قدم العريس مع اهله .
حين دخلت الى البيت استقبلتـني زوجتي ضاحكة:
ـــ حدثت المعجزة و تمت الخطبة .
ـــ حقّا ؟!
ـــ تمت خطبة وحيدة و رجع الخاطب الي قواعده دون خسائر مادية أو بشرية !

و بقى سؤال :" كيف حدث ذلك؟" معلقا .

في احيان كثيرة تحدث اشياء تستعصى عن التفسير، من ذلك ما حدث لي في طفولتي، منذ بلوغي التاسعة حتى اتمامي الرابعة عشر كنت اصاب بمعدل مرتين في السنة بتورم تحت جفن عيني اليمني أو اليسري، سرعان ما يتضخم متحولا الي جيب يحتوي على صديد، كنا نسمي ذلك الورم شعيرة،ربما لأنه يتخذ شكل حبة شعير، و كنا نرجع سببه الى ان المصاب قد التقط مليما (1) كان قد ألقاه احد المصابين بالشعيرة للتخلص من مرضه. لأجل ذلك كلما مررنا بمليم ملقي على الأرض تجنبناه .

ذات يوم، اثار مرضي أشفاق إحدى جارتنا، فاشارت على والدتي بحملي الى قبر سيدي خريصان...( وليّ بجرزونة)، البلدة التي تقع على ضفة القنال المواجهة لمدينة بنزرت، ثم تضرعي امام ضريحه وطلب مساعدته في شفائي، متعهدا بعدم تناول اكلة معينة ما دمت حيا، والا رجع لي ذلك المرض.. الأكلة المختارة تكون هامشية، لنقل مثلا أذن خروف، أو لسان بقرة... فعلت كل ذلك ..الغريب، انني لم أصب بشعيرة أخرى على مدى أربعين عاما !

كانت صلتنا باولياء الله وطيدة، كان لكل اسرة في تونس وليها الخاص، كما يوجد في النرويج لكل اسرة طبيبها الخاص. كل اسرة كانت تتعهد بزيارة سنوية تؤديها لذلك الولي، تقدم له فيها ديكا أو خروفا، كبرهان على ايمانها بكرامته، و عرفانا منها بخدماته الجليلة في التسريع بميلاد ذكر، أوانجاح طفل، أو شفاء مريض أو تزويج عانس. كنا نذهب سنويا الي سيدي عامرالموجود على بعد ثلاثة اميال من بلدة منزل جميل لنذبح ديكا بجوار قبره، ثم نقوم بطبخه واكل لحمه دون ان ننسى التصدق بجزء منه على بعض الغرباء،( غالبا ما يكون المشرف على رعاية القبر) .

بالإضافة الي سيدي عامر" طبيب عائتنا الخاص"، كان لنا سيدي عبد الرحمن ، الأخير

كان يعدّ بمثابة الطبيب الإستعجالي لكامل الحي!. كان قبر سيدي عبد الرحمن يقع على مرمي حجر من بيتنا، حين امرض كنت اسمع امي تصدر أوامرها الي شقيقاتي بجرّي الي سيدي عبد الرحمن، و دقّ مسمار فوق راسي، ثم اشعال شمعه على قبر الولي بعد طلبهم شفائي العاجل، اول مرة اصبت برعب شديد، كنت اظن أن المسمار سيغرز في راسي، لأجل ذلك اضطروا الى جرّي الى الولي بعدما استعصى عليهم حملي. كل ما في الأمر أنه تم الصاق ظهري بجدارالبناية المنخفضة التي تضم قبر الولي، في حين وضعت احدى شقيقاتي اصبعها فوق راسي لتحديد موضع المسمار بعد ذلك وقع ابعادي عن الحائط ثم دق المسمار اللعين علي المكان المؤشر .

بعد اربعين سنة، و حين احتاج اهل بلدتي الى تحويل قبرسيدي عبد الرحمن من اجل استغلا ل ارضية مدفنه لبناء مسجد . اثبت أكثر من شاهد عيان أن الهيكل العظمي أن الذي عثر عليه داخل القبر كان بقايا حمار. اختلف الآراء في القضية، من الناس من زعم ان الله كرم سيدي عبد الرحمن سيدي عبد الرحمان فرفعه كما رفع المسيح من قبله... و منهم من اكد حمارية سيدي عبد الرحمن، و منهم من سكت. ومنهم من ارجع علم ذلك الى الله وحده .

سألت زوجتي :
ـــ كم عمر خادمة خديجة؟
ـــ ثلاثون سنة ... لم يسبق لها ان تزوجت وهي جميلة.
اتجهت الى مشجب الثياب حيث توجد حقيبتها اليدوية:
ـــ انتظر عندي صورتها .
كانت جميلة فعلا . تمت اجراءات استقدامها بسرعة .

قبيل ذلك اتصلت هاتفيا بليف، اعلمتها بالأمر، و سالتها عن وجهة نظرها، وهل لديها رغبة في الرجوع الى عماد قبل ان يتم زواجه من نونجة المغربية، رحبت ليف بالفكرة، و نفت رغبتها في الرجوع الى عماد... بعد ذلك، سارت الأموربسرعة ، تمت خطبة نونجة ثم سافر عماد الى المغرب للقيام بتراتيب الزواج .

بعد رجوعه من المغرب، اكتشفت ان عمادا ما زال مدمنا على المخدرات، إتصلت فورا بنونجة و نصحتها بفسخ الخطبة، بعدما اخبرتها باني قد سحبت ثقتي في عماد،لم تفاجأ نونجة بالأمر اكتفت بالقول بانه سيتوب عل يديها. بعد اقل من نصف سنة حلت نونجة باوسلو. بعد اسبوع تم الزواج التعيس..


كنت قد دربت عماد على استعمال الطريقة الصينية لمنع الحمل، حين سالني عن كيفيتها اخرجت مفكرتي و فتحتها امامي و طفقت اشرح :
ـــ في الأسبوع الذي يسبق الأحد عشر يوما من بدء الحيض الموالي استخدم الكندوم .
ابدى تذمره من استعمال الكندوم،تعلل بانه لم يتعود عليه .
ـــ صحيح ان الجماع بالكندوم كما يقال كأكل قطعة حلوى بغلافها الورقي، و لكنك لست مؤهلا للإهتمام بمولود جديد، خصوصا و انت تصر على ادمانك... فلو تبين عدم صلوحية نونجة كزوجة فاصرفها دون ندم .


بعد اقل من شهرين من زواجهما، أخبرني عماد ان نونجة حامل، حين لمته ضحك و قال :
ـــ لم يرق لي تناول قطعة الحلوى بغلافها !

كانت نونجة امية وجاهلة، منذ الأسبوع الأول لزواجهما اندلعت بينهما الحرب. حين قدمت ليف تحمل باقة ورد لتهنئة العروسين اتجهت مباشرة الى عماد و قبلته من خده .. لم تحتمل نونجة تلك الجرأة النرويجية، فامسكت بباقة الورد ولطمت بها وجه ليف . لم يحتمل عماد تلك الإهانه الصريحة لليف فصفع نونجة في الحال.أسرعت نونجة الى صورة آمنة و يوسف فمزقتهما ثم صاحت في عماد :
ــ إما أنا و إما أولادك !
أخذ عماد بيد ليف و غادر البيت. لم يعد الا في اليوم الموالي.

كانت نونجة تغار بصفة مرضية، كانت لا تحتمل مجرد تلقي زوجها مكالمة هاتفية من مطلقته، قلنا لها اكثر من مرة، ان تلك المكالمات ضرورية، خصوصا بعد هرب الطفلين الى أمهما نتيجة سوء معاملتها لهما... حاولنا مرات عديدة ارجاعها الى الصواب :
€ــ ثقـي يا نونجة ان عماد لم يعد يفكر في ليف كزوجة .
كانت حمقاء مثل سلفي، و عنيدة مثل بغل .
ـــ لكنه لا يكف عن ذكرها في كل مناسبة.
ــ لو كانت لعماد رغبة فيها لما جاء بك من المغرب .

رغم ذلك اصرت نونجة على حماقتها و تـنغيص حياة عماد، الي حد انغماسه الكليّ في المخدرات. و انغماسي في اكتئاب عميق تضاعف حين ولدت زينب... بعد مائتي سنة ستقدر ذرية عماد بعشرة الاف شخص. سيكون بينها المئات من المنحرفين و المومسات م و مدمني الكحول و المخدرات كل ذلك بسببي .اي جرم اقدمت عليه .
منذ ذلك الحين اصبح اسم نونجة يثير غضبي واكتئابي .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــ(1) عملة تونسية



#حمادي_بلخشين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمل المرأة ( مآذن خرساء 23/48)
- عماد مبلّغا (مآذن خرساء 22/48)
- صديقي المضحك جدّا توفيق الجبالي. (مآذن خرساء 21/48)
- شيبوب قصّة حياة شابّ مهاجر (مآذن خرساء.20/48)
- السلفية ( مآذن خرساء 19/48)
- نونجة المغربية - جرح في الذاكرة- (مآذن خرساء 18/48)
- ذات مرّة، بورقيبة و ملك النرويج ( مآذن خرساء 17/48)
- الشرق شرق و الغرب غرب (مآذن خرساء 16/48)
- شقاء زوجي (مآذن خرساء 15/48)
- شقاء زوجي (مآذن خرساء 15/48)
- البهتان (مآذن خرساء 14/48)
- شريف، قصّة فتى ملوّث ( مآذن خرساء 13/48)
- ملامح شخصية الطفل رشيد ( مآذن خرساء 12/48)
- طفولة شقيّة ( مآذن خرساء 11/48)
- مواقف عنصرية (مآذن خرساء 10/48)
- مع الفرنسي بلال ( مآذن خرساء 9/48)
- العمارة اللعينة (مآذن خرساء 8/48)
- مع مبشرة حسناء(مآذن خرساء 7/48)
- دناءة ( مآذن خرساء 6/48)
- لقاء ( رواية مآذن خرساء5/48)


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - تزويج نونجة (مآذن خرساء 24/48)