أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - مواقف عنصرية (مآذن خرساء 10/48)















المزيد.....


مواقف عنصرية (مآذن خرساء 10/48)


حمادي بلخشين

الحوار المتمدن-العدد: 2701 - 2009 / 7 / 8 - 10:23
المحور: الادب والفن
    



رجعت من المسجد و انا مدمر النفس شديد الإكتئاب .
ليس من المخجل، ما دمت في النرويج، أن اعترف باكتآبي .. في البلاد العربية يعد المرض النفسي وصمة و ترفا... وصمة لأنه القرين أو على الأقل، المبشر بجنون قريب. و ترفا لأن التفكير بمعالجة الأمراض الجسدية يحتل الأولوية القصوى التي تجعل الإهتمام بالإكتئاب، كاهتمام صومالي ينتظر الموت جوعا بعطرما بعد الحلاقة! فالأكتئاب في بلادي قاسم مشترك بين الجميع، على كل مواطن ترويض نفسه على التعايش معه، كما على كل أعور تعويد نفسه على التعايش مع العور. كل شخص في بلادي يعاني اكتئابا بدرجة ما، فالناس هناك كحفاة يعبرون حقلا شائكا، شكوى احدهم الم الوخز، لن يجلب له أي تعاطف، فكل شخص مشغول بتنقية قدميه من الأشواك.
.. شخصيا لدي اسباب كثيرة تجعلني مكتئبا على الدوام .
أن أكون منتميا الى امة اسلامية ينظر فيها الى المتدين كارهابي و الى غير المتدين كسارق .
أن أكون على مشارف الخمسين دون ان أحصل على شغل قار .
أن أ كون مهددا بالترحيل الى بلدي حيث التعذيب و الإهانة و حتى الإغتصاب .
،أن يكون انتمائي الى أمة عربية مهزومة يستخدمها الغرب كمجال حيوي و مخزن وقود و مدفن لنفاياته النووية و مبغي للشواذ الجنسيين .
أن أسكن في عمارة لعينة لا يحسدني عليها نزلاء السجون الذين ينامون دون ازعاج ثم لا يقطع نومهم أزيز مثقاب كهربائي يمزق سكون بعد منتصف الليل ،أو زعيق صبية ملاعين ينهقون كاحمرة وحشية .
أن اذبح يوميا بسماع اخبار بن لادن وقاعدته البغيضة، وايران و سلاحها النووي المضحك و حزب الله و انتصاراته الزائفة على اليهود .و حماس وأطفال حجارتها المسلين.
أن اصفع بفتاوي محبطة كفتوى كهنة الأزهرشعب مصر بجواز لكل الجرذان و الذباب و الفراش
أخيرااصدر مفتي مصر بفتوى جواز شرب بول الرسول! حين سئل المفتي البوال عن الاحتلال الأمريكي للعراق اجاب بانه السياسة لا تعنيه !

ـــ سامي... حكّر أي حجة تعللت بها باكستان لتبرير عدم ردها على التحرش العسكري الهندي بها ؟ .
أجبت رشيد :
ـــ قلة العدد!! فالمساكين لا يتجاوزون200 مليون نسمة !
ــــ صدق او لا تصدّق، المبرر الذي اعلنته حكومة باكستان هو حماية سلاحها النووي من التدمير!

في الحقيقة كنت قرات منذ يومين اعلان باكستان أن خشيتها من تدمير سلاحها النووي من قبل الهند هو الذي حملها على ضبط النفس! في ظل وضع امتنا العجيب اصبح السلاح الذي جعل للحماية يحتاج بدوره الي حماية !

كل شيء يحمل على الإكتئاب ... لو كان في امكاني هجرة المساجد لذهبت الى شمال النرويج و اختفيت في جزيرة منسية حتى اموت... حدثني محمود الصومالي أن بإمكان كل أحد السكني في كوخ كبير بثمن رمزي .. عليه فقط ان يستأذن. ليتني اضع التلفزيون في الحاوية و احرق كل كتبي الفرق بيني و بين السجين أن الأخير يعلم متى تنتهي فترة سجنه، في حين انني اجهل هل اموت غدا أم اظل معذبا في بلاد الفيكينج لثلاثين سنة اخرى ،عمري الآن خمسون. لو كنت أفغانيا لأنتهى عمري الأفتراضي منذ 11 سنة .
أن أكون في بلد غريب أتعرض فيه بين الحين و الحين الى مواقف عنصرية مميتة ، ان أحسد ديدان الأرض على توفيقها في تبليغ ابناء فصيلتها عما تريده بصورة أوضح، أن افقد لغة التواصل فابقي ابحث بيأس وعجز عن العبارة المناسبة من قاموس لغة نرويجية مرهقة. في الحقيقة ليست اللغة النرويجية بالغة التعقيد الى هذا الحد، لكن الرغبة في تعليمها خنقت عندي في المهد. اتقان لغة ما يقتضي التواصل و الحوار مع اهلها ، أنا ارفض التواصل و اتجنب الحوار، و لا اريد أن اتعرف على أحد خارج نطاق العمل، كثيرا ما احفظ افعالا وجمل كاملة سرعان ما انساها، ليست لي الرغبة في تعلم لغة اشتم بها، الأفضل ان اعلم منها الحد الأدنى. صحيح هناك في النرويج رجال رائعون ونساء طيبات، لكن مجرد تصريح فرد واحد من اسرة ما ،عن عدم رغبته في استقبالك سيجبرك على التواري هذا لو لو كنت تمتلك حدا ادنى من الكرامة، حتى لو اجمع الباقون على الترحيب بك. وجود قطرة سم في مليون قطرة من شراب شهي سينغص عليك الشرب. منذ الأسبوع الأول نفرت من النرويج والنرويجيين. في يومي الخامس..حين سالت عجوزا عن موعد قدوم الحافلة نظرت الي و غمغمت بكلمات ثم صرفت عنى وجهها، لم تكتفي بذلك، بل ابتعدت عني ثلاث خطوات وأخذت ترمقني باحتقار ظاهر، في اسبوعي الثالث في تين هوتيل، طلب مني لاجىء جزائري التقاط صورة عائلية له رفقة زوجته المتحجبة و ابنته الصغيرة، ارادها فوق قارب صغير كان يرسو على ضفة البحيرة النصف متجمدة، ترددت في تـناول آلة التصويرمن يديه .
توجست شرا .. قلت له محذرا:
ــ لا انصحك بذلك ، قد يفاجئنا صاحب القارب .
ــ يا راجل لا تهول الأمر.
ـــ تذكر انك لست في الجزائر .أخلاق النرويجيين ليست كأخلاقنا .
كأغلب الجزائرين لم يكن مستعدا لأي معارضة، كان عنيدا كبغل، وقاطعا كنصل سكين .
ــ لا اعتقد ان مجرد التقاط صورة، سيثير حفيظة احد، خصوصا وأن القارب مقفر.
كان القارب صدأ و خاليا من كل تزويق، و ليس فيه برغي واحد يخشي عليه من الضياع
كما كان منزوع المحرك و بلا مجدافين .
التفت حولي لأتأكد من خلو المكان ، كان احتياطي كافيا لإغضاب جزائري متهّور.
ــ يا دين الربّ ... التوانسة قــتلكم الخوف.
آلمني نعته لي بالخوف، خصوصا بحضورامرأة، آثرت السكوت، واكتفيت بشطب اسمه من قائمة الأصدقاء المحتملين .
كان السكون يهيمن على المكان، الا صوت نوارس البحر و نعيق بعض الغربان.
فور التقاطي تلك الصورة اللعينة، قفز الجزائري من القارب، في حين شرعت زوجتة الشابة في رش وجه صغيرتها بما علق بيدها من ماء البحيرة ، فجأة سمعنا صراخا ياتي من بعيد ، حين التفتنا راينا نرويجيا بدينا في نحو الإربعين، يندفع نحونا كبرميل يتدجرج من هضبة، كان يلوح بقبضته في الهواء مشيرا الى قاربه تارة، والى الشاطىء تارة اخرى، حين اقترب منا خفف من سرعته لكنه لم يكف عن الصياح و التلويح بذراعيه، لما وصل الينا زاد صراخه ارتفاعا لكنه لزم مكانا واحدا ثم اخذ يرتفع في الفضاء و ينخفض ضاربا الأرض بكلتا قديمه ، كما يفعل طفل صغير سلب منه أعز ما يملك !
لم يحدّ من غضبه مغادرة المراة القارب، بل واصل صياحه .
كان الجزائري أميّا، لكنه اخذ يردد كلمة واحدة ... كنت اسمعها لأول مرة .علمت فيما بعد انها اقذر شتيمة نرويجية، كانت تلك الكلمة النرويجية تتخلل جملا عربية و اخرى فرنسية مكسرة .
ـ أخبر هذا الرجل بانني سأحطم وجهه اذا لم ينصرف حالا، فقد تركنا له قاربه الحقير.
لم يقنع النرويجي الغاضب أي تبرير، استمر في اللعن و التلويح بيديه لكنه توقف عند ذلك الحد .
بذلت جهدا كبيرا حتى أمنع الجزائري الغاضب من الوصول اليه، سحبته بعنف فأزداد عنادا، حاولت اقناعه بان تصرفه الأحمق لا يخدمه كطالب لجوء، لم يلتفت الي قولي. اتهمني بالجبن مرة اخر، كان لا بد له من اشباع حاجة جزائرية في التحطيم، راي في تصرف النرويجي مساسا بالشرف، لا يمحوه الا الدم ، لا بد له من تهشيم فك أو شيء ما ... حين تمكنت من السيطرة عليه ، انتزع مني آلة التصوير أمسكها من سيرها الجلدي، طوح بها في الهواء ثم ضرب بها الأرض، تناثرت قطعا صغيرة القى ببقيتها بين قدمين نرويجيتين لا يزال صاحبهما يرتعد من الغضب ..
بعد ساعتين وجدت من يطلبني في الإستقبال، حين وصلت الى هناك وجدت شيخا نرويجيا قدمته لي موظفة ألإستقبال على انه والد الكهل النرويجي الغاضب. كان الشيخ يرتجف من الكبر رحب بي ثم استفسر عن موطني، اخبرني انه زار بلاد عربية كثيرة، وله اصدقاء عرب كثيرون ، بعد ذلك عبر لي عن خجله الشديد من تصرف ولده
ــ لو فعل ذلك مع أي شخص من جنسية اخرى لم يكن ذلك يؤلمني بقدر ما آلمني تصرفه معكم بتلك الطريقة لا شك ان ذلك قد حدث بسبب السكر.
قبلت عذره وشكرت سعيه، لم ار من الضروري ايصاله الى غرفة الجزائري، اكتفيت بطمأنته باني ساعتذ للمتضرر نيابة عنه، لم يكتف الشيخ بوعدي، بل اشترى من الإستقبال بطاقة بريدية عليها مشاهد طبيعية، كتب عليها عبارة اعتذار و ترحيب ثم رجاني تبليغها الي المتضرر.

في جزيرة ساند نووشون لقيت من التمييز العنصري ما ازددت به احتقارا لنفسي و لمن حولي... أكثر من عشر مناسبات كان سائقو السيارات يؤذونني بإشارات البذيئة و زعيقهم العنصري المزعج. في كل مرة كان المعتدون اثنان على الأقل ... العملية تكون مفاجئة و اكثرتدميرا للأعصاب، عندما تتم اثناء عودتي الى مركز اللجوء، كان انحدار الطريق يخول للمعتدين إسكات محركات سياراتهم، و تركها تنساب دون ضجة، و حين يقتربون مني ، يفاجؤنني بارسال زعيق مصمّ للآذان. قبل أن استفيق من المفاجأة ، كانوا يشغلون محركاتهم و ينطلقون بسرعة، لم يتجرأ احدهم على فعل ذلك حال ترجله .

ذات ليلة شتوية،استيقظنا على صوت انذار بالحريق، كانت الساعة الثالثة صباحا . كانت عائلتي الصغيرة تشارك عائلة صديقي فراس فرحاني أحد بناييتن خشبيتين خصصتا لسكن العائلات، في حين كانت الأخري فارغة . أما عزاب الصوماليين و السيريلانكيين فقد كانوا يسكنون غرفا صغيرة تضمها بناية طويلة وضيقة تشبه قطارا رابضا . فيما أخذنا نتساءل عن سبب الإنذار فتح باب البناية ودخل الشرطي المكلف بالحراسة ، و على أثره الرائع" هوكون سيند" مدير مركز اللجوء، فور دخوله طلب منا مغادرة البناية في الحال، كان شاحب اللون و يبدو خائفا، رغم تصنعه الإبتسام .
ـــ لطفا لا تنزعجوا ... منذ اقل من خمس دقائق تلقينا مكالمة هاتفية من اشخاص مجهولين ينذروننا بوجود قنبلة موقوتة قد تنفجر بين الحين و الحين، قد تكون مزحة عنصرية ثقيلة لكن لابد من الإحتياط ". طلب منا الخروج مباشرة دون اخذ أي شيء .. اغمي على زوجة رفيق السلاح فراس فرحاني فأخذت مباشرة الى المستشفى برفقة زوجها ، لم يكن لهما اطفال في ذلك الحين، حين غادرنا البناية الخشبية وجدنا ارتالا من السيريلانكيين و الصوماليين يطلقون سحابات كثيفة من دخان سجائرهم وهم يتجهون نحو بناية اسمنية كبيرة تقع على بعد 500 متر من مقر اللجوء . كانت البناية عبارة عن مصنع كبير مهجور، اتخذت ادارة اللجوء من بعض غرفه قاعات لتدريس النرويجية، لحقنا بهم و بقينا هناك الي الساعة الخامسة صباحا ...في غيابنا جاء البوليس و خبراء المتفجرات و فتشوا المكان لم يجدوا شيئا. رجعنا الى بيوتنا .بعد شهر تكرر نفس الشيء، ايقظونا ليلا بنفس الحجة، ثم حملونا الى جناح كبير في مستشفى المدينة بقينا هناك ساعة أو ساعتين ثم ارجعونا، في المرة الثالثة والأخيرةــ بالنسبة لنا على الأقل ــ اخذونا الى نزل قضينا فيه بقية ليلتنا .
ازدادت قناعتي باني شخص غير مرغوب فيه، حين دعاني هرالد الي بيته ،كان هرالد نجارا نرويجيا في الأربعين من العمر استقدم الى مركز اللجوء في مهمة تتمثل في تركيب ابواب جديدة و صنع أرجوحة للإطفال مع سلم خشبي يربط مسكننا ببقية مركز اللجوء... استغرق عمله أكثر من شهر. كنت اراه يوميا لأنه كان يعمل أمام بيتـنا الخشبي، كان ودودا و مرحا ، لنقل كان رجلا جيدا بالمقاييس الإنسانية، ربط صداقة مع ولدي ياسين الذي كان عمره سنة واحدة .كان يحلو لياسين اللعب ببعض ادوات عمل هرالد و كان الأخير يسمح له باللعب ببعضها . اعجب هرالد كثيرا بالأكل التونسي. في كل مرة نقدم له فيها طعاما كان يبدي دهشته:
ـــ هل هذا الطعام مجانا؟ هل أنتم متأكدون ؟ كنا نقول له" انت ضيف و لا يمكن ابدا اخذ أي مقابل لقاء ما نقدمه لك من طعام " كنرويجي لم يكن يتصور ابدا تقديم طعام الى ضيف طارىء لم يقع استدعاءه مسبقا، كنا نعجب من قوله كما كان يعجب من تصرفنا. ذات مرة قدمنا له صحنا كبيرا من الطعام حتي يحمله الي بيته بعدما عبر لنا عن رغبة زوجته في تذوق الطعام التونسي، حين اقترب عيد ميلاد المسيح دعانا الي زيارة بيته ،اعتذر فراس فرحاني ووافقت انا . اشترطت على هرالد عدم تناول الخمراثناء حضورنا، وافق الرجل دون تردد كنت اعلم انه لا يجوز حضور هاته الحفلات الدينية .
ـــ لو كان سيحتفل بالمسيح كنبي لسارعت دون تفكير، لكنهم يعتقدون ان الرجل اله و ابن اله في نفس الوقت ". هكذا برر فراس فرحاني عدم قبوله الدعوة، لم اجادله لأنه كان على حق ، لكن طيبة هرالد أخجلتني وشلت تفكيري.. كان فراس فرحاني خجولا مثلي. لو كان على معرفة أكثر بهرالد لغلب خجله تدينه ... كان فرس فرحاني يدرس وقتها في معهد المدينة، و كان يغادر مقر اللجوء مبكرا ،لأجل ذلك لم يكن يلتقي بهرالد .إلا بما يسمح لهما بتبادل تحية مقتضبة .
في الثامنة ليلا، كان هرالد ينتظرنا بسيارته، كانت بصحبته فتاة سيريلنكية استدعاها ايضا بالمناسبة .. لأول مرة سأدخل بيتا نرويجيا،أثناء الطريق كنت وجلا ومشتت الذهن، لأجل ذلك لم اعرما يقوله هرالد كبيراهتمام،كان البحر على يسارنا وكنا نمر بجبال عالية تحتل كامل الضفة المقابلة كما كانت ملتصقة بالبحر .
ـــ .... هاته السلسلة الجبلية تسمى " الإخوات السبع "
فعلا كان هناك نتوءات سبع تفصل بينها انحدارات حادة .
فاتتني متابعة هرالد وهو يشرح سبب تلك التسمية، لابد أن تكون التسمية ذات خلفية اسطورية ، كنت متوترا بعض الشيء ولدي شبه يقين باني وقعت في ورطة .
ــــ الخجل سيؤدي بك الى قطع رقبتك في يوم ما .
ـــ فـنلحمد الله الذي لو خلقك امراة لجللت رؤوسنا بالعار.
هكذا كانت والدتي تؤنبني دائما كلما ارتكبت حماقة تحت ضغط الخجل .
كنت مطمئنا الى هرالد، فتقييمي للرجال الجيدين قلما يخطىء ، كما كنت مطمئنا الى ابنته الشابة التي كانت كثيرة التردد على مركز اللجوء مع بنات في مثل سنها، رايتها مرارا كثيرة تحادث شبانا سيريلانكيين بشكل يكشف عن انسجام و رضى . ولكن ذلك لم يمنعني من التوجس من زوجته و بقية أولاده . قد يكون ترحيبهم بنا بقدر غيركاف،وهذا سيؤلمني. منذ قدمت الى النرويج اصبح أي موقف عنصري يسبب لي اياما طويلة من الإكتئاب ، لأجل ذلك كنت اتحاشى مثل تلك المواقف بقدر المستطاع.

لحظة دخلنا بيت هرالد تلاشى جزء كبير من مخاوفي، حين تم استقبالنا من قبل زوجته، كان وجهها البشوش وابتسامتها الصادقة تمنحان الكثير من الطمأنينية ...
وهو يلج المطبخ قال هرالد
ـــ هذه بيريت ... زوجتي .
قالها بفخر كبير . سلمنا على بيريت ، كانت امراة جميلة في حوالي الأربعين ، أشارت الى فتاة شابة في نحو العشرين كانت تقف علي يمينها .
ــ تونا... وسطى أبنائي .. تعرفونها دون شك ؟!
ـــ اهلا تونا... سبق لنا ان شاهدناها في مقر اللجوء . لم نكن نعرف اسمها قبل الآن .
ــ وهذا ولدي بيارن، هو في التاسعة ، ابنتي الكبرى اسمها توفا متزوجة و تسكن قريبا، ستحل بيننا بعد قليل، قد يأتي معها زوجها هي ليست متأكدة على كل حال، قالت أنه متردد بين المجيء الي هنا و بين قضاء ليلة عيد الميلاد رفقة والدته .
خرج هرالد من المطبخ و هو يقول :
ــ تقولين توفا وزوجها؟ هل رجعا من السويد ؟
ــ نعم اضطرا الى الرجوع بعد استدعاء زوجها بصفة استعجالية انتظرتك ليلة امس طويلا حتى اخبرك بذلك ولكني يبدو انك رجعت متأخرا.
التفتت الينا بيريت موضحة :
ــ كارل زوج ابنتي يشتغل مبنجا في مستشفى المدينة ...كان يعتزم قضاء عيد الميلاد في السويد، لكن لسوء حظه ان زميلا له تعرض الى حادث شغل فاضطرت الإدارة الى استدعائه فورا كي يعوضه ..
لاحظت ان وجه هرالد فقد بريقه تماما، اتجه الي مكتب خشبي ثم رفع سماعة الهاتف وهويتمتم :
ــ لا بد لي أن أتأكد من عدم حضوره
. شكل الرقم ثم انتظر قليلا .
ــ الو توفا... هل انت بخبر...؟ نعم انا كذلك اخبريني... هل سيأتي كارل معك...هل انت متأكدة ؟.جيد نحن في انتظارك .
حين وضع السماعة كان الإرتياح باديا على وجهه :
ـــ لن يـحضر كارل ... قررعدم المجىء .
جلست مع مضيفي نتبادل اطراف الحديث في حين صعدت زوجتي والفتاة السيريلانكية الى الطابق الثاني رفقة مضيفتنا..
اندفع هرالد يقول بكل تلقائية :
ـــ صدقني لم ارتح يوما الى كارل زوج ابنتي ... اللعنة . شخص سيء بكل المقاييس، لست ادري كيف راق لتوفا حتى تختاره زوجا ؟!
لم اعلق بشيء، هذا الأمر لا يعنيني. اكتفيت بهز كتفي .
واصل هرالد :
ـ لو اعطيت لي حرية الإختيارلما قبلته زوجا لها .
ـــ على كل حال لست باكستانيا حتى تلام على سوء اختيارصهرك !
أخبرت هرالد أن السلفية تجعل للأب حق غصب ابنته على زوج لا ترغب فيه ، المخجل انهم ينسبون ذلك العمل المتخلف الى الإسلام ... في دين محمد يختلف الأمر.. فتاة في عهد الرسول رفضت زوجا اختير لها من قبل والديها . محمد احترم اختيار الفتاة .
السلفية ترفض رؤية الخاطب أي جزء من جسد خطيبته . في دين محمد يجوز للخاطب ان يرى المخطوبة دون حجاب بعض الفقهاء اجاز له ان يراها عارية تماما لو امكنه ذلك .
بعد نصف ساعة كان العشاء جاهزا...حين شرعت الأم في توزع الطعام دق جرس الهاتف، رفع هرالد السماعة أستأذننا قبل ان يلج غرفة مجاورة ، موصدا االباب خلفه, بعد ثوان قليلة من دخوله، رن جرس الباب الرئيسي ، اسرعت تونا لفتحه، رايتها تقبل فتاة تشبهها ولكنها تبدو اكبر منها سنا و اقصر قامة..بدا لنا ايضا شاب نحيف نظر الينا مباشرة، ثم أشاح بوجهه عنا، كان كمن التقى بشبح، بعد تبادل التحية دار بينهم حديث خافت استغرق أكثر من المعتاد .لم يكن لوقوفهم غير معنى واحد . كان الباب لا يزال مفتوحا،و كنت اتابعهم بقلق ماذا ينتظرون لو كانوا يعتزمون الدخول حتى يشرعوا في نزع أحذيتهم المبللة و معاطفهم الثقيلة ؟!
حين اطل هرالد من الغرفة كان يبتسم :
ـــ بيريت تصوري أن ...

حين التفت الي الباب الخارجي ورأى كارل و زوجته ، انطفأت ابتسامته، نظر الينا بوجه قلق .
ـ عن اذنكم .
في طريقه نحو القادمين الجدد سحب زوجته من يدها، لم يعد في امكاننا رؤية احد غير ظهر هرالد وزوجته و أبنتيه ، كانوا يتهامسون فيما بينهم .. بعد قليل سمعنا الباب يغلق..ثم راينا توفا تتقدم نحونا يتبعها والدها . كان يحمل رضيعا بين يديه . سلمت علينا كانت مرحة كبقية أفراد أسرتها، رغم اضطراب واضح كان يبدو على وجهها .
جلس هرالد في مكانه لم نركارل، ربما انصرف . لم يرق له رؤية أربعة اجانب دفعة واحدة ، لم تجلس توفا معنا بل حملت طفلها وقالت انها تفضل الألتحاق بزوجها في الطابق العلوي لمشاهدة برنامج تلفزي سيبدأ بعد قليل، أذا هو لم يغادر البيت، فعلا كان معطفه معلقا.
بعد الفراغ من الطعام تحولنا الى الجلوس على الأرائك، كنت قلقا، حتى الطعام لم استسغه، كنت انتظر الكارثة و استجعل الرحيل. استعرض هرالد البوم العائلة و صور المناسبات الكبرى الزفاف الولادة والنجاحات الدراسية .عرض علي صورة كبيرة يبدو فيها وهو يتسلم ميدالية بمناسبة فوزه في سباق ماراتون، كان ذلك قبل عشرين سنة ..
بعد فترة قصيرة سمعنا ضجة على السلم الخشبي المؤدي الي الطابق الثاني كان كارل ينزل .
قال لهرالد وهو يجلس دون اسئذان .
ــ مساء الخير ايها العجوز السمين .
أشار الي هرالد
ــ هذا سامي.. من تونس
حين جلس كارل قبالتي لم يكلف نفسه مجرد النظر الى، فور جلوسه تحسس جيب سترته ثم اخرج علبة مالبورو
اخرج سيجارة. ثم رمى العلبة علي الطاولة. شرع يفتش في جيبه كان يبحث عن الكبريت، تجاهل تماما ما قاله هرالد بشأني كما تجاهل النظر الي من قبل ..
ــ اللعنة يبدو انني نسيت ولاعتي .. هل يمكن استعارة ولاعتك .
ــــ آسف سامي وزوجته يزعجهم التدخين ...والفتاة السيريلانكية ايضا .
همهم كارل بكلمات غاضبة لم افهما لحسن الحظ، قبل ان يرجع سيجارته الى العلبة، دون أن يخفي تبرمه و ضيقه .
ساعدني على التماسك تلقي تلك اللطمة العنصرية على مراحل.. لأجل ذلك لم افقد السيطرة على اعصابي، كان تصريح هرالد السابق برأيه السيء في صهره كافيا لتعزيتي... حسن، على ألأقل أنا أتمتع بتضامن هرالد، هذا يعني انني لا اقف على ارض معادية .. رغم ذلك كنت ارغب في مغادرة المكان، لكن حرصي على عدم تمكين كارل من فرصة الشعور بالنصر و باني تأثرت من سلوكه العنصري جعلني اعرض عن ذلك، نظرت الي الساعة الحائطية كانت تشير الى التاسعة و النصف .
فيما كنت اتأمل سقف البيت سمعت كارل يقول بغضب:
ـــ اخبرني بحق السماء .هل احتاج مركز اللجوء الي استعمال بيتك ايضا لإيواء أمثال هؤلاء ؟
هذه المرة انتفض هرالد واقفا :
ـــ كارل كفّ عن هرائك .. ثم أني لا اسمح لك باهانة ضيوفي،
ـــ ...
ـــ أما أن تغلق فمك و إما أن تغادرالمكان .
لم يعلق كارل بشيء بقي فاغرالفم .عم صمت طويل قطعه صوت توفا وهي تنزل من السلم الخشبي .
ــ ابي... ماذا حدث ؟
حين وصلت الى كارل صرخت فيه :
ـــ ماذا تفعل هذا ؟! الم تعدني بمغادرة البيت مباشرة؟ .
لم تنتظر جوابه بل أمسكته بحزم، ثم سحبته كخرقة من تلابيب ثوبه... حتى اوصلته الى الباب رمت اليه بمعطفه، قبل خروجه التفت كارل نحونا اراد أن يقول شيئا، لكنها دفعته بقوة الى الخارج، ثم خرجت على عقبه. المرأة النرويجية قوية و صلبة و شديدة الثقة في نفسها..خلال عشرين سنة من اقامتي في النرويج شاهدت اربعة رجال اقوياء يتلقون صفعات نسائية في الطريق العام وعلى مشهد من الجميع. كان الواحد من هؤلاء الأربعة يستقبل الصفعة دون تعجب أو ردّ.. شيء جميل .. نوع من الفروسية .. لنقل صفعة غير رسمية . الحمد لله ليس لي بنت .. كم ساكون شقيا لو تزوجت سلفيا يضربها باسم الله ... 99 في المئة من المسلمين الذين يضربون زوجاتهم يستحقون أن يضربوا لأنهم معتدون .. و جاهلون .... صحيح ان الضرب قد ورد في القرآن لوسيلة علاج و لكنه علاج استثنائي .. كمشرط الجراح ... ما ذنب الإسلام اذا استعمل المسلمون المشرط لعلاج الصداع بدل الباراسات (1) Paracet . في الإسلام ضرب الزوج لزوجته يكون مبرمجا حسنا اليوم ساضرب زوجتي بعد أن فشلت جميع الوسائل الموعظة الهجرة في الفراش تحكيم الأقارب... زوجتي من صنف نساء " يعتز برجل مر ينفع و يضر"عند اضرب لا اكون متوتر. و إلا فان سيكون مجرد انتقام و تنفيس عن حقد ذاتي ، الضرب ايضا لا يكون على الوجه و الماكن القاتلة ...الغاية من الضرب ايصال رسالة ترغب فيها شريحة من النساء رسالة تشعرها في كونها تعيش تحت حماية قوة اكبر منها و ترضي شعورها الماسوشي لطلب الضرب... هناك نساء لا يستجبن لنداء الجنس الا بعد اشباعهن ضربابالسياط، ربما كان ضرب الزوجة يلبي ايضا تلك الحاجة .
بعد قليل رجعت توفا لوحدها. اعتذرت لنا جميعا ، ثم عادت مسرعة الى الطابق الثاني كان رضيعها يصيح .
بقيت مع هرالد حتى العاشرة و النصف في نهاية السهرة اوصلنا لى مقر اللجوء .في الطريق أعلمني انه قد قصر في حقنا حين اعطى كارل فرصة الصعود الى الطابق الثاني و لم يطرده فور قدومه.
بعد ثلاثة اشهر، و حين غادرت جزيرة ساند نوشين خلفت ورائي أشخاصا جديرين بالإحترام و آخرين جديرين باللعنة . و كان هرالد في مقدمة الفصيلة الأولى بعد الرائع هوكون سيند .
ــــــــــــــ
(1) دواء نرويجي لعلاج الصداع .



#حمادي_بلخشين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مع الفرنسي بلال ( مآذن خرساء 9/48)
- العمارة اللعينة (مآذن خرساء 8/48)
- مع مبشرة حسناء(مآذن خرساء 7/48)
- دناءة ( مآذن خرساء 6/48)
- لقاء ( رواية مآذن خرساء5/48)
- جولة ليلية (فصل من رواية)
- هروب (فصل من رواية)
- مأساة حارث بتروفيتش فصل من رواية
- مائدة من السّماء !( فصل من رواية)
- إصرار (قصة قصيرة)
- حداد ( قصة قصيرة )
- إستياء ! ( قصة قصيرة جدا)
- مقدمات ( قصة قصيرة جدا)
- لماذا استحق قاضي قضاة فلسطين اللعن (خبر و تعليقان)
- إستهانة القرضاوي بعقول المسلمين
- ضرورة محاكمة القرضاوي وعصابته الإخوانية كمجرمي حرب
- أقبح فتوى في تاريخ الإسلام أصدرها الكاهن الإخواني جوزيف القر ...
- الإقتصاد الإسلامي- قمّة و عن يمينها و يسارها منحدران-
- المقامة البورقيبيّة 2/2
- المقامة البورقيبيّة1/2


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - مواقف عنصرية (مآذن خرساء 10/48)