أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبر درويش - أسطورة الدولة..انعتاق أم وهم سياسي















المزيد.....


أسطورة الدولة..انعتاق أم وهم سياسي


صبر درويش

الحوار المتمدن-العدد: 2726 - 2009 / 8 / 2 - 10:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في الحقيقة سجل السيد جاد الكريم الجباعي خطوات إلى الوراء, في مقالته المعنونة "في الانعتاق السياسي1 ", مقارنةً مع ما كتبه سابقاً حول الموضوع ذاته.
فالجباعي بعد أن كان ركز على ماركس في استشفافه مفهوم الدولة, انقلب وعاد إلى هيغل, ولكن في صيغته المبتذلة.
وأما النتيجة التي كان قد توصل إليها بعد سنوات من الدرس, فقد كانت تحديد الدولة " باعتبارها الحياة الأخلاقية للشعب".
وعلى الرغم من المثالية التي وسمت رؤية هيغل للدولة, وتأسيسه لرؤية ستجعل من الدولة ظاهرة فوق تاريخية, إلا أنه على الرغم من ذلك, لم يقدم على تلك الاختزالات التي سنلاحظها في نص الجباعي.
*********************
إن نقاش إشكالية الدولة والمسائل المرتبطة بها –وهو الشيء الذي بدأناه في مكان آخر- يكتسب أهميته, من الشروط التاريخية المحددة, التي تخضع لها تشكيلاتنا الاجتماعية (ومن هنا كانت هذه النقاشات نتاج هم سياسي ومعرفي وليس نتاج ترف ثقافي مثلاً).
فهذه التشكيلات مازالت حتى اللحظة الراهنة تخضع لعلاقة تبعية كولونيالية, تربطها ببلدان المركز؛ وهو الشيء الذي حال دون تقدمها, وتخطيها عتبة التطور الرأسمالي, بالمعنى الكلاسيكي.
ستنعكس هذه المعطيات عبر ما بات يعرف بمفهوم التخلف. أما مضمون هذا التخلف, فسيتبلور من خلال مؤشرات باتت واضحة بدرجة كافية؛ فهذا الوضع الذي أخضعت له هذه التشكيلات, سيؤدي إلى تخلف الاقتصاد ونموه في إطار تبعي؛ سيترافق مع هذا الشكل المحدد من عمل الاقتصاد, تبلور بنية سياسية محددة, هي في نهاية التحليل انعكاس لهذا الاقتصاد. فظهرت في هذا السياق دولة ذات بنية محددة, تمفصلت مع هذا الشكل من الاقتصاد, ليتمخض عن هذا كله ما بات يعرف بالنظم السياسية الحاكمة, والتي يطيب للبعض تسميتها بالنظم التاريخية.
لن تؤدي عقود التنمية المعتمدة هنا, والشعارات المرافقة لها, إلى حل الإشكالية, أي تجاوز التخلف. ما سيحدث, مزيداً من التبعية ومزيداً من التهميش, فبلداننا بالمختصر ما تزال خارج عصر الحداثة.
إن اللوحة التي نحاول رصد عناصرها أعلاه, تشكل القاعدة التي تمنح نقاش إشكالية الدولة, كما باقي الظواهر المرتبطة بها, أهميتها الخاصة. وإن تجذير الحوار حول هذه المسائل, يعني أننا ما زلنا نحلم بتجاوز التخلف الذي فرض علينا عبر عقود.
واقعية الدولة: لم تحظ ظاهرة اجتماعية بالغموض والالتباس, كما حدث لظاهرة الدولة. وهو شيء له دلالاته الحاسمة في أهميتها. وإننا في العصر الرأسمالي, سنجد أن هذا الغموض الذي يلف المستوى السياسي بشكل عام, يجد جذره في ذلك الغموض الذي يلف المستوى الاقتصادي, وتحديدا أصل مفهوم الربح المنتمي إلى هذا الحقل.
فمعرفة مصدر الربح, كان القاعدة التي سيتفرع عنها أغلب التيارات الفكرية للاقتصاد السياسي, منذ تبلور نمط الإنتاج الرأسمالي وحتى اللحظة الراهنة.
وإذا كان ماركس, قد أسهم في تحطيم تلك الأساطير المحيطة بمنطق الربح الرأسمالي, واستطاع بذلك كسر صنمية هذه الأساطير, فإن أساطير الدولة, ما زالت تحتفظ بأهميتها,وهو الشيء الذي له ما يبرره. فكما هو الربح صنم الاقتصاد السياسي الرأسمالي, كذلك الدولة ستكون صنم الفكر السياسي الرأسمالي.
خلف السلعة,يقوم عالم كامل من العلاقات الاجتماعية, وفي خضم تشابك هذه العلاقات, يولد ليس الربح, وإنما الفائض الاقتصادي؛ وخلف الدولة- الأسطورة, تقبع السلطة, السلطة السياسية للطبقات الاجتماعية السائدة.
لماركس يعود الفضل في تحطيم صنمية السلعة, والكشف عن مصدر ما يسميه الاقتصاد المبتذل بالربح2 . هذا بينما صنمية الدولة ما تزال بانتظار من يحطمها.
حتى يحين ذلك الوقت, الذي تسقط فيه أسطورة الدولة الحيادية, لا يسعنا سوى مجابهة المزيد من الخطابات الركيكة التي تجعل من الدولة "كائن سياسي أخلاقي".
************************
لا يمكن اختزال الدولة إلى مجرد أداة, فذلك لا يعدو كونه الوجه الآخر للاختزال الذي يجعل من الدولة راعية سلام. إذا لم تكن الدولة عبارة عن أداة, وإن لم تكن هيئة ميتافيزيقية فوق تاريخية, ما هي إذن؟ وما الحقل البنيوي الذي تنتمي إليه؟.
في ظل التشكيلات الما قبل رأسمالية, نلاحظ الدولة تلعب دوراً محورياً في السيطرة على عملية الإنتاج, ويظهر هذا الدور من خلال سيطرتها على آليات اشتغال نمط الإنتاج من جهة, وشكل استخلاص الفائض الاقتصادي من جهة أخرى. وأنا هنا أركز بشكل أساسي على شكل استخلاص الفائض الاقتصادي3 , محاولاً بذلك تجاوز إشكالية ملكية الأرض أو عدم ملكيتها, وهو نقاش استغرق وقتاً طويلاً مع صديقي سلامة كيلة.
الملاحظة التي أحاول تدقيقها هنا, تدور حول ذاك التمفصل القائم –في المرحلة المعنية- بين المستويات البنيوية المكونة للتشكيل الاجتماعي. هنا لا يمكننا الحديث عن استقلالية المستويات البنيوية هذه, بل إن الأمر على العكس من ذلك, فهي منصهرة إذا جاز التعبير في محور واحد أساسي هو السياسي متجسداً في الدولة. فمركزية الدولة يفترض سيطرتها على مجمل الحياة الاقتصادية –السياسية للمجتمع.
تحتاج هذه الملاحظة إلى محاجة قوية تثبتها, وهو الشيء الذي سنؤجله على مكان آخر.

في ظل نمط الانتاج الرأسمالي, سنلاحظ اختلاف تفاصيل هذه اللوحة. هنا سنلاحظ الاستقلالية النسبية للمستويات البنيوية التي تميز هذا النمط من الانتاج.
تتبلور علاقات الإنتاج الرأسمالي, وفق شروط تاريخية محددة, تفترض هذه الشروط, وجود رأسمالي حر يمتلك المال, كما تفترض وجود عامل حر بدوره, ويمتاز بأنه, أولاً منتج مفصول بشكل مطلق عن وسائل إنتاجه, وهو ثانياً مالك لسلعة استثنائية, ألا وهي قوة العمل.
تتبلور علاقات الانتاج الرأسمالية على قاعدة هذا العقد بالتحديد. فهذه الشروط (تواجد الرأسمالي والعامل في السوق, بدأ عملية الانتاج.. إلخ) هي التي ستشكل فيما بعد القاعدة التي سينهض عليها نمط الانتاج الرأسمالي.
تفترض المعادلة السابقة هيمنة مطلقة من قبل الرأسمالي على عملية الانتاج. وفي المقابل لا يعدو العامل كونه جزء مدمج بعملية الإنتاج هذه، وبالتالي لا يملك سلطة القرار على عملية الإنتاج؛ بالمختصر الفرد الحر هنا ستذوبه علاقات الانتاج الرأسمالية, وتحوله إلى جزءً ملحقاً بالآلة.
تحفز الشروط السابقة ، انطلاق عملية تراكم رأس المال، وبدأ عملية الإنتاج وإعادة الإنتاج الموسع، وهو ما يشكل بمجمله صيرورة تبلور المستوى الاقتصادي في ظل نمط الانتاج الرأسمالي.
بالتوازي مع تكون المستوى الاقتصادي، يبدأ المستوى السياسي بالتبلور.
لا يمكن اختزال المستوى السياسي إلى الدولة، فالدولة هي جزء مكون من هذا المستوى؛ فالمستوى السياسي، يفترض الصراع الطبقي أي الصراعات الاجتماعية بالمعنى الواسع للكلمة, وهو يفترض الدولة أيضاً، كما يفترض شكل هذه الدولة ، وشكل التنظيم السياسي لها.......إلخ.
تشير الملاحظة السابقة إلى أن تبلور المستويات البنيوية4t في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي يجري بشكل مستقل,وبالتالي لا يمكن إحالة شكل تبلور هذه المستويات إلى انعكاسات ميكانيكية, كتعريف السياسي بأنه انعكاس الاقتصادي, أو وهو نفس الشيء, البنية الفوقية انعكاس للبنية التحتية, فهذه المعادلة على الرغم من أهميتها إلا أنها لا تدفع بالحوار خطوة إلى الأمام.
إن العلاقة المحدِّدة للمستويات البنيوية في ظل نمط الانتاج الرأسمالي, هي علاقة تمفصل لهذه المستويات؛ وإن الحديث عن هذا التمفصل, يقودنا إلى طرح السؤال التالي: ما هي العلاقة, أو قل ما هي طبيعة العلاقة التي تحدد موقع الدولة من هذا التمفصل؟
يفترض اشتغال نمط الانتاج الرأسمالي, تقسيم اجتماعي محدد للعمل, يتبدى هذا التقسيم بشكله الواضح داخل المنشأة, وبعيداً عن الجانب التقني لهذا التقسيم, سنلاحظ أن اللوحة ستنقسم إلى عمل / رأسمال, وأما الانعكاس الاجتماعي لهذه المعادلة فسيكون عامل/ برجوازي.
خارج المنشأة وفي إطار المجتمع, سيكون لدينا طبقة العمال, وطبقة البرجوازية, وبين هاتين الطبقتين سيكون لدينا مروحة واسعة من القوى والفئات الاجتماعية المختلفة.
في ظل هذه اللوحة متعددة الألوان, يطرح السؤال حول طبيعة العلاقة التي تحكم هذه القوى والطبقات الاجتماعية, المكونة للتشكيل الاجتماعي, ويطرح السؤال حول موقع الدولة من هذه العلاقة أو العلاقات بالجمع.

الخطاب الركيك للفكر اليومي –أقصد الليبرالي- يبتذل اللوحة السابقة للمجتمع, باستبداله للقوى والطبقات المكونة له, بأفراد مجردين أخلاقيين حقوقيين طبيعيين .. إلخ يشكل مجموعهم كأفراد ما يدعى عادة بالمجتمع المدني. وكي تكتمل هذه السخرية, يلجأ هذا النمط من الفكر, إلى اختيار مفردات مغرقة في عموميتها, كمفهوم الحرية والأخلاق والحقوق أو المساواة إلى آخر هذه السيمفونية الليبرالية التي باتت معروفة لدى الجميع.
تشكل الرؤية السابقة القاعدة النظرية التي يقوم عليها مفهوم الدولة. فهذه الأخيرة وعلى قاعدة ما سبق, تتحول إلى كائن أسطوري أخلاقي, لا يرتبط بأي قاعدة اجتماعية أو تاريخية موضوعية. بل تعبر عن نفسها من خلال الدور الأخلاقي الذي تلعبه في سياق توفيقها للمصالح المتضاربة بين أفراد المجتمع.وأما النتيجة الأساسية لهذه الركاكة فهي " أن الدولة السياسية الكاملة, الدولة الليبرالية, دولة الحق والقانون, أو الدولة الدستورية هي حسب جوهرها "حياة الإنسان النوعية", هي تعين الروح الإنساني وانبساطه, تعين العقل أو الفكر والضمير في العالم وفي التاريخ" وإن هذا المقطع الذي أوردناه آنفاً هو للسيد جاد الكريم جباعي وليس لهيغل.

أما عندما نغادر هذه النسخة من الفكر السحري, فإن الوقائع تقودنا إلى النظر في واقعية الدولة, أي كما هي على أرض الصراعات الاجتماعية وليس في مكان آخر.
إن واقعية الدولة, هو الذي يحتم علينا رؤية هذه الدولة بما هي ظاهرة اجتماعية أي تاريخية, وبالتالي ليست الدولة قوة فوق طبيعية يتجلى عبرها الروح الإنساني وينبسط, بل هي بالضبط ظاهرة مشروطة بعلاقات محددة من الإنتاج. لذا لا يجوز البحث عن تعريف شامل للدولة يعمل على نمذجتها أكثر مما يعمل على تحليلها, فذلك لا يعدو كونه تمريناً فكرياً بسيطاً؛ فلا وجود لدولة واحدة مكتفية باكتمالها, بل يوجد دولة نمط الإنتاج, إي دولة نمط محدد من الإنتاج, ومن هنا يصبح مفهوماً لدينا الابتذال الذي يتحدث عن دولة خارج وبخلاف محدداتها التاريخية؛ فذلك لا يعدو كونه هروباً من الإشكالية, لا محاولة التصدي لها.

*****************
وهنا علينا أن نلاحظ, أن استبدال الواقع الفعلي بآخر مفترض ليس هو في نهاية التحليل سوى نتيجة لتلك اللحظات التي ينغلق فيها الأفق، ويصبح الإحباط سمة من سمات الحياة اليومية للمجتمع، في تلك اللحظات ينتعش الفكر اليومي ويتجلى عبر أشكاله المتعددة، محاولا في هذا السياق، فهم الواقع، من خلال استبداله بآخر مفترض.
بيد أن مشكلة هذا الفكر، أنه عوضاً من أن ينطلق من الواقع نفسه في عملية التحليل والتفكيك، فأنه ينطلق من الفكر ذاته، وهو ما يدعى عادةً بالتأملية؛ وعوضاً من أن يعتمد على أدوات معرفية محددة, للكشف عن هذا الواقع، فإنه عوضاً عن ذلك يعتمد السحر. وعندما تتزاوج التأملية مع السحر، يولد الفكر اليومي، ( فالفكر اليومي هو جدل السحر/ التأملية).
وإننا في المنطقة العربية عموماً، ابتلينا بنظم سياسية، في الحقيقة لا يشبهها شيء على مستوى القدرة على نشر الخراب المعمم، والتفكيك المنهجي للبنى الاجتماعية المكونة لهذه المنطقة , بيد أن المخزي في الأمر، أن يتكلم المرء بلغة خصمه، ويصبح تدريجياً جزءً من منهاجيته التخريبية, فتضيع حين إذ الحدود الفاصلة, وتصبح الضحية وجهاً آخر لجلادها.
*********************
تداعيات مثالية:
في رده على سلامة كيلة5 , يقرر الجباعي:[أعتقد أنّ الفكر مثاليّ (ميتافيزيقي) بوجه عامّ، سواء في ذلك فكر ماركس أو هيغل أو فكر النجّار أو الحذّاء أو أيّ إنسان.]
ليس كل فكر مثالي, وليس كل فكر مثالي هو فكر ميتافيزيقي؛ فهذا لا يعدو كونه "تخبيص" نظري.
صح, إن النقطة الأساسية, أو قل الحد الفاصل بين المادية والمثالية, هو الموقف الأساسي من موضوعة أسبقية الواقع/الفكر.
إن الموقف من هذه الموضوعة هو الذي يجعل من الفكر المثالي خارج التاريخ, ومن الفكر المادي في قلب التاريخ.
بالاستناد إلى الفكر المثالي, فإن الظاهرة, أياً كانت,سيسولوجية, سياسية.. إلخ, تكون معزولة عن شرطها التاريخي, فهي ظاهرة فوق تاريخية, أو قل عابرة للتاريخ,ومن هنا بالضبط يتجوهر التاريخ ذاته, أي يصبح مثالياً.
على قاعدة الفكر المادي, أقصد التاريخي, الظاهرة هي ظاهرة تاريخية, أي أنها مشروطة بشروطها التاريخية, لذا فالتاريخ هنا تاريخ مشروط ومحدد بهذه الشروط.
وبالتالي وعلى قاعدة الفكر المادي ذاته, يصبح للتاريخ معنى, ويصبح التاريخ علماً.
ومن هنا كان المنطلق الأساسي في السؤال الفلسفي من أين نبدأ؟ "بالأشياء, أم بالوعي المتكون لدينا عن هذه الأشياء؟ هل الروح أولية بالنسبة للطبيعة أم أن الطبيعة هي العنصر ذو المقام الأول الذي سيكون الفكر ازدهاره الأسمى في نهاية تطور طويل؟ ستتاح لنا الفرصة لنبين فيما بعد أنه لا توجد طريق ثالثة للإفلات من هذا الخيار, خيار المثالية والمادية6 "
يقول الجباعي في النص الذي ننقد [ إذا كان التجريد يعني المثالية, لغة واصطلاحاً, فأهلاً بالمثالية.]
لا يا سيدي, التجريد لا يعني المثالية لغةً, وإنما كل حركة الفكر- أي فكر- هي تجريد, بينما التجريد الفارغ, هو ما يدعى عادة بالمثالية.
********************
يعتمد الجباعي في مقاربته موضوعة الدولة, على مثال الشركة المنبثقة من تعاقد بين أصحابها, [فإذا اتّفق عدد معيّن من الأشخاص على إنشاء شركة ما، ينشأ عن اتفاقهم عقد، يتضمّن جميع البنود التي اتّفقوا عليها، وينشأ عن هذا العقد شخص اعتباريّ، هو الشركة .. إلخ ] وسنلاحظ أن هذا المثال التبسيطي, صحيح تماماً, بيد أنه ناقص.
فالشركة هي نتاج تعاقد بين أصحابها, أي الشركاء, وهي شخص اعتباري, أي تعكس هذا التعاقد وتمثله, بيد أنها, وهذا المهم في الأمر, لا تعكس سوى مصالح هؤلاء الشركاء. ويبقى السؤال قائماً: ما موقع العمالة الموظفة في هذه الشركة من هذا التعاقد الممثل بالشركة ذاتها؟؟
في الحقيقة تعبر الشركة كما الدولة, عن مصالح أصحابها, لا عن كل الأفراد الذين تضمهم؛ فالقانون الموضوع والذي تخضع له الشركة هو قانون يذهب في اتجاه تحقيق مصالح الشركاء, وإن السلطة الممنوحة لهذه الشركة هي امتداد لسلطة أربابها.
وبما أن الاقتصادي هو المحفز لأغلب الشركات, أي هو القاعدة التي تستدعي عمل الشركة, فإن تحقيق أعلى عائد اقتصادي ممكن –وهو غاية الاقتصادي كما نعلم- هو ما يشكل هدف الشركة, والذي هو في المحصلة هدف أربابها.
والآن لنلاحظ بأن القانون والسلطة المنبثقان عن هذا العقد المؤسس للشركة, هما قانون وسلطة يعملان على ضمان سير عمل هذه الشركة, وتحقيق أكبر قدر من العائد- ولا أقول ربح مراعاة للشعور الليبرالي السائد- وهو الشيء الذي يضمن استمرار الشركة.
أين موقع عمالة الشركة –عدا كادر الإدارة- من هذه المعادلة؟؟
بما أن مثالنا السابق يقوم على أرض النظام الرأسمالي, فإننا نعلم بأن آلية عمل الاقتصاد الرأسمالي نفسها تفترض الاستغلال ولو بدرجات متفاوتة, وأن هذا الاستغلال الذي يخضع له العمال, يولد ردود فعل متباينة, وإننا في البلدان الديمقراطية سنلاحظ أن العمال من خلال تعبيراتهم السياسية سيعملون على النضال في سبيل تحسين ظروف عملهم ( تخفيض ساعات العمل, رفع الأجور ... إلخ), ويمكن أن تفضي نضالاتهم إلى تحيق تلك المطالب أو لا وذلك حسب الشرط التاريخي الذي يحكم تلك النضالات.
هذا بينما في البلدان " الأكثر ديمقراطية" – كبلدنا مثلاً- فإن العمال لا يملكون من أمرهم حيلة, فنجدهم يخضعون بالكامل لمزاجية أرباب العمل,أي الشركة,الكائن الأخلاقي المعبر ليس عن جميع الأفراد وإنما عن أفراد محددين, هم في النهاية أصحابها.
بعد هذه التكملة للمثال المعتمد من قبل الكاتب, يصبح من الممكن مقارنة الشركة مع الدولة" من بعض الوجوه".

ما الذي منع السيد جاد من تكملة مقارنته؟؟ السبب في رأينا هو الحب, نعم الحب الذي تحدث عنه فيورباخ باستفاضة, ونقده ماركس بسخرية.
فالحب الذي يغمر عقل وقلب الجباعي, يدفعه إلى ابتكار مصالحة بين أصحاب الشركة وعمالها, وإذا كان الواقع أعند من أن يخضع لإرادة المصالحة هذه, فبالوهم وعلى قاعدة الحب يتم الأمر!. هنا على قاعدة الوهم يتم استبدال القوى الاجتماعية(أرباب العمل, العمال..) ليحل محلهم أفراد طبيعيين متساويين في الحقوق والواجبات, فتنحل قضية التناقضات الاجتماعية في صيغة توفيقية لا تسعى إلا إلى تأبيد ما هو قائم, وما هو قائم ليس سوى الاستغلال بأشكاله المتعددة.
*********************************
عودة إلى الألف باء
يعرف الجباعي رأس المال, بأنه فائض القيمة أو القيمة الزائدة. وبأنه عمل بشري متراكم. بينما ماركس –ويا للمصيبة- فإنه يعرف الرأسمال بأنه علاقة إنتاج محددة. فهل ذلك خلاف لغوي اصطلاحي, أم هو خلاف من طبيعة أخرى؟؟!.

إن النظرية الكلاسيكية7 ترى في الرأسمال عملاً متراكماً, لمتابعة الإنتاج وتنميته ( مواد أولية, أدوات عمل..) ويبين ماركس على العكس, أن وسيلة الإنتاج لا تصبح رأسمالاً إلا عندما تحتكر برسم الملكية الخاصة من قبل فرد أو جماعة أو طبقة. " فالرأسمال –كما يقول ماركس في رأس المال- ليس شيئاً بل علاقة اجتماعية وله طابع تاريخي. إن الرأسمال علاقة إنتاج اجتماعية إنه علاقة إنتاج برجوازية, علاقة إنتاج المجتمع البرجوازي".
بينما بالضد من ماركس, أو قل من منهج ماركس, يقرر الجباعي تعريفه للرأسمال, ويقرر أيضاً رؤيته للاقتصاد السياسي باعتباره مرادفاً لمقولة المجتمع المدني, الذي –أي الاقتصاد السياسي- لا ينحل في الاقتصاد, أو في علم الاقتصاد.هذا بينما كل ما كتبه ماركس عن الاقتصاد السياسي كما يخبرنا الجباعي, فإنه ينطلق من الإنسان المعرف بالعمل.. إلخ.
بيد أن ما يفوت الجباعي, أن ماركس لم يكتب عن الاقتصاد السياسي, وإنما كتب نقداً لهذا الاقتصاد. وأن كتاب الرأسمال ليس كتاباً في الاقتصاد السياسي, وإنما كتاباً في فلسفة هذا الاقتصاد السياسي, كما يعبر عن ذلك آلتوسير في قراءته الرأسمال8 .وإن الاختزال الذي يحذر منه الجباعي لا يلبث أن يقع هو فيه عندما يجعل من المجتمع المدني رديفاً للاقتصاد السياسي. وهنا أجد نفسي متفقاً مع الكاتب في إشارته إلى قلة من قرأ رأس المال, وأنا أضيف في قلة من قبض على مفاهيم الرأسمال.

وأخيراً سنلاحظ أن مشكلة الجباعي إذا ما تابعنا شكل تطور فكره, أنه يريد أن يكون مثل عينيه, يسارياً ويمينياً, ماركسياً وهيغلياً, مادياً ومثالياً, في ذات الوقت. وهو شيء محال في الواقع الفعلي, فكيف السبيل إلى ذلك إذن؟
السبيل إلى ذلك لا يكون سوى بالتوفيقية سيئة السمعة, قليل من هيغل وقليل من ماركس, وقليل من الاثنين بعد التأويل, يصبح لدينا بذلك ما يطمح الجباعي أن يكونه, أي مثالياً ومتصوفاً مفرطاً.
-----------------------------------------------------------------------------------------------------
- في الانعتاق السياسي, جاد الكريم جباعي, موقع الأوان.تاريخ النشر 24/12/2008
2 - لا يجوز الخلط بين الربح وفائض القيمة, فالثاني يتضمن الأول وليس مرادفاً له.
3 - حول مفهوم الفائض الاقتصادي, راجع بول باران, الاقتصاد السياسي للتنمية.
4 - حول مفهوم المستويات البنيوية, راجع مهدي عامل, تحديداً " في التناقض", وأيضاً نيكوس بولنتزاس.
5- وهو رد بعنوان نعم مثالية مفرطة .. منشور على موقع الأوان.
6 - روجيه غارودي, النظرية المادية في المعرفة, ترجمة إبراهيم قريط, ص 5.
7 - نعتمد هنا قراءة روجيه غارودي لفكر ماركس في كتابه, كارل ماركس, ترجمة جورج طرابيشي.
8 - آلتوسير, قراءة في رأس المال,الجزء الأول, ترجمة تيسير شيخ الأرض.





#صبر_درويش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول الدولة
- السوق الاقتصادي..الاجتماعي
- في سياق نقد الفكر اليومي 2 حول المسألة الطائفية
- التضخم في سوريا
- الطبيعة الهيكلية لليد العاملة السورية
- أزمة.. أم انهيار اقتصادي
- الحادي عشر من أيلول
- سيناريوهات المرحلة الراهنة
- نقد الفكر اليومي
- علاقة الداخل والخارج في الفكر اليومي السوري
- في مواجهة الأزمة.. المعارضة والنظام السوري الحاكم
- الفقرفي سوريا
- أسطورة التدخل الأمريكي
- الأبعاد الاجتاعية للمشروع الديموقراطي
- نقد مصطلح العولمة


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبر درويش - أسطورة الدولة..انعتاق أم وهم سياسي