أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - صبر درويش - التضخم في سوريا















المزيد.....


التضخم في سوريا


صبر درويش

الحوار المتمدن-العدد: 2129 - 2007 / 12 / 14 - 10:49
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


إن لم تستحي فافعل ما تشاء. هذه هي القاعدة التي باتت تعمل عليها الحكومة السورية منذ أكثر من ثلاثة عقود.
في التقارير الرسمية, سنجد الحديث يجري دوماً عن تضخم عند مستويات مقبولة عالمياً. أما في خصوص الخروقات التي يمكن أن تخرق هذا الخطاب, فإن المسؤلين لا يلبثوا مسرعين إلى طمأنة المواطن بأن ذلك لا يعدو كونه طفرة ستزول حتى وإن دام ذلك لعدة سنوات؟!!.
في الحقيقة منذ سنوات والمواطن السوري يتوجس خيفة من كل زيادة قد تطرأ على الأجور. فقد أصبح من البداهات لدينا أن تسارع السلع في القفز فوق الحد السائد عند كل رفع ولو طفيف للأجور.
وإن إنساننا البسيط راح يدرك بحسه الطبقي - وذلك أكثر من كل الطنطنة التي يثيرها بروفسورات الاقتصاد لدينا- الآثار المرعبة لآليات عمل الاقتصاد السوري المشوهة. فالبطاطا وهي وجبة الفقراء كما نعلم أدرجت في إطار أحلام أطفالنا المقبلين بنهم على الحياة.
والحال أن ما يجري في سوريا هو تطبيق ممنهج للسياسة المالتوسية ولكن بصيغة قد تكون أكثر تطرف من مالتوس نفسه؛ وليس أدل على ذلك سوى انخفاض مستوى الخصوبة عند المرأة السورية, حتى وصل هذا الانخفاض إلى حوالي نصف ما كان عليه سابقاً.
**************
لمحة عامة:
وأياً يكن الأمر.. فإن ظاهرة التضخم, قديمة قدم النظام الرأسمالي نفسه. فهي تلك الظاهرة المرافقة أبداً للدورات الاقتصادية التي يعمل وفقها النظام.
والملاحظة تشير إلى ذلك التلازم بين التضخم من جهة وحالة الرواج التي يمر بها الاقتصاد من جهة ثانية. فالتضخم في هذا المعنى هو نتيجة زيادة في الطلب قياساً بالعرض, هنا سنجد بطالة عند نسب منخفضة, كثافة في العملية الإنتاجية, أجور مرتفعة نسبياً .., وبالمختصر توظيف شبه كامل. بيد أن الدورة لا تلبث تصل إلى ذروتها فتبدأ عجلة الاقتصاد بالتراجع, فتزداد نسبة البطالة, وتنخفض إنتاجية رأس المال ومن ثم تبدأ السلع في التراكم في المحال, وعندها يكون مستوى العرض أعلى من مستوى الطلب... إلى آخره.
وحتى وقت قريب, كان منظرو النظام يعتقدون في صحة مؤشر ساي للأسواق, حيث يفترض هذا المؤشر بأن الأسواق تخلق دائماً الطلب المساوي لها, ومن هنا فإن الإختلالات التي من الممكن أن تحدث فهي أولاً آنية لا يلبث السوق بتصحيحها وذلك عبر قوانينه الذاتية, وثانياً هذه الإختلالات هي نتيجة تدخل غير مرغوب فيه من قبل الدولة, وهو ما يفترض عدم تدخل الدولة وترك السوق يعمل وفق آلياته وقوانينه المقدسة.
ودون الدخول في تفاصيل هذه القضية, فإننا سنلاحظ بأن أحداث الكساد العظيم عام 1929 ستضع هذه التحليلات جانباً. ففي هذا العام سيعم جملة اقتصاديات العالم حالة من الكساد والانهيار الاقتصادي طويل الأجل, هذا بينما الأسواق, سوف تفشل قوانينها في حل هذه الأزمة, وهو ما فسح بطبيعة الحال, الطريق أمام النظرية الكنزية.
وفي هذا السياق سنلاحظ أن كينز سوف يرفض مقولة ساي في الأسواق, وبالتالي سيكون له موقفاً نقيضاً لمقولة السوق التي تخلق دائماً عرضاً مساوياً للطلب.
وبناء على رفض هذا الموقف, رأى كنز بأنه لابد للدولة من التدخل من أجل تصويب تلك الإختلالات التي من الممكن أن تصيب الأسواق. ومن هنا كان للدولة مكاناً حاسماً في أهميته بالنسبة للنظرية الكنزية.

لأكثر من ثلاثة عقود بعد الحرب العالمية الثانية ستتبنى أغلب الدول الرأسمالية النظرية الكنزية وسيعم الرفاه, والتوازن الاقتصادي, حيث ستسجل نسب من النمو العالية, ونشاط اقتصادي ملحوظ, يخفف على طول الخط من حجم البطالة والكساد, وكان للدولة دور حاسم في هذا النمو.

بيد أن اللوحة الوردية هذه ما لبثت أن بدأت بالتآكل مطلع السبعينات. في هذه المرحلة ستبدأ بوادر أزمة اقتصادية تلوح في الأفق, حيث ستبدأ نسب النمو بالتراجع, وتزداد البطالة, وتبدأ السلع بالتراكم.. . إلى آخره.
في هذه المرحلة ستطفو على السطح ظاهرة جديدة من نوعها لم تكن الكنزية حتى تلك اللحظة ولا حتى الليبرالية قادرة على فهمها, وأقصد بتلك الظاهرة ظاهرة الركود التضخمي. حيث هنا سيتزاوج الكساد والبطالة مع التضخم وذلك لأول مرة في التاريخ.
ستؤدي هذه الظاهرة إلى وقوع الكنزية في أزمة معرفية حيث ستعجز أدواتها الفكرية في فهم هذه الظاهرة, وهو بطبيعة الحال ما سيعلن نهاية عصر الكنزية الوردي, وعودة الليبرالية بحلتها الجديدة.
رمى الفكر الليبرالي الجديد بمسؤولية هذه الأزمة على عاتق السياسة الكنزية وما افترضته من تدخل حثيث للدولة في ضبط العمليات الاقتصادية. وأعادت طرح فكرة قوانين السوق الحديدية والتي تعمل على خير ما يرام وذلك بشرط عدم تدخل الدولة.. . إلى آخره.
وبالفعل تم تدشين هذه السياسة الليبرالية الجديدة بدأً من وصول التاتشرية والريغنية إلى الحكم.بيد أن الأزمة وعلى الرغم من كل هذه الجهود الليبرالية المتطرفة أبت أن تتراجع, وعبرت عن نفسها كونها أزمة هيكلية طويلة المدى.

وفي هذا السياق سنلاحظ أن هذه الأزمة لن تلبث تتسرب إلى أطراف النظام؛ إذ على قاعدة التبعية الاقتصادية والسياسية لبلدان الأطراف, ستقوم هذه الأخيرة باستيراد التضخم, وهو الشيء الذي أسماه رمزي زكي "بالتضخم المستورد". ولن تنجو من هذه الموجة التضخمية سوى تلك البلدان التي استطاعت عبر سنوات, من بناء اقتصاديات متمركزة على الذات, وهو الشيء الذي أدى إلى الحد من تأثير التضخم على اقتصادياتها.

في الحقيقة اختلفت آثار هذا التضخم بين بلد وآخر. ففي البلدان المتقدمة أدت هذه الظاهرة إلى زيادة في حجم البطالة, وتباطؤ في النمو الاقتصادي .. إلى آخره, والأكثر سوء من ذلك فقد كان انعكاس تلك السياسات التي تم اعتمادها لمكافحة هذه الأزمة على القوى العاملة. أما في بلدان الأطراف فقد أدت الأزمة إلى انهيارات اقتصادية في كثير من البلدان, وما ترافق مع ذلك من نسب بطالة لا سابق لها, بالمختصر سنجد في هذه البلدان كل أشكال الفقر والجوع والتشرد. وأما في البلدان الأكثر طرفية, فستتحول مجتمعاتها إلى مجتمعات فائضة عن الحاجة, وهو الشيء الذي سيفتح الباب واسعاً حول الحديث عن عودة جديد للمالتوسية.

***********************
إذاً تحددت ظاهرة الركود التضخمي, كونها تلك الظاهرة التي يتزاوج فيها الكساد والبطالة مع التضخم. وأما أسباب هذه الظاهرة فتعود حسب وجهة نظر الفكر البرجوازي, إلى السياسة التي اتبعتها النقابات تاريخياً في رفع الأجور أولاً, و إلى الاختلال الذي تولد عن تدخل الدولة في التأثير على مستوى الطلب ثانياً, ورفع أسعار النفط عالمياً ثالثاً. بيد أن هذه الحجج وغيرها من الحجج لم تفلح في الكشف عن الأسباب الحقيقية القابعة خلف هذه الظاهرة, ومن هنا لم تصمد هذه الحجج
البتة أمام النقد.
وأياً يكن الأمر فإننا مع مزيد من التدقيق, سنلاحظ أن بروز هذه الظاهرة ارتبط بشكل حثيث بجملة من العوامل.
فمنذ النصف الثاني للقرن الماضي سنلاحظ سيطرة الاحتكارات على مجمل اقتصاد العالم. فشدة تركز الرساميل والاندماج الذي رافقها للشركات عالمية الطابع, سيدفع بالرأسمال الاحتكاري إلى مقدمة السلطة الاقتصادية والسياسية أيضاً على صعيد عالمي.
وعلى الرغم من كل الطنطنة الليبرالية حول حرية النشاط الاقتصادي ورفع آليات السوق إلى مستوى مقدس, على الرغم من كل ذلك أقول أن أسعار المنتجات لم تعد خاضعة لمحددات السوق. بل راحت في المرحلة المعنية تتحدد وفق السياسة التي يصممها رأس المال الاحتكاري, فأصحاب رأس المال حتى وإن التقوا على حفلة شاي فإن هذا اللقاء لابد أن ينتهي بالحديث عن رفع للأسعار وتخفيض للأجور.
في هذا المعنى, ستشكل السياسة الاحتكارية المعتمدة من قبل الشركات العالمية القاعدة التي ستنبني عليها ظاهرة الركود التضخمي.
هذا ويضيف شارل ليفنسون إلى هذا التحديد مجموعة من العوامل الأخرى المساهمة في نشوء هذه الظاهرة. ومنها ارتفاع حجم المصروفات على التطوير والاختراع, الذي اعتمدته هذه الشركات, وما أدى إليه من تسارع في عملية التجديد التكنولوجي لرأس المال الثابت, من جهة, وزيادة التكاليف التكنولوجية الخاصة بحماية البيئة, والمرافقة للقطاعات الإنتاجية من جهة أخرى. حيث إن المستهلك النهائي هو من سيدفع زيادة هذه التكاليف في المحصلة.

.. وأياً يكن الأمر, فإن ما يعنينا من هذا الجدل الواسع, بالضبط الإشارة إلى المناخ العالمي الذي راحت تنمو فيه ظاهرة الركود, وتأثير هذا المناخ في تسرب هذه الظاهرة إلى اقتصادنا.
فعوامل انتعاش التضخم تنقسم إلى عوامل خارجية, وأخرى داخلية. ويبقى لهذه الأخيرة دوراً حاسماً في المسألة.
فكيف تم تسرب هذه الظاهرة إلى الاقتصاد السوري, وما هو المناخ الداخلي الذي ساهم في إنعاشها؟ في الحقيقة هذا ما سنحاول نقاشه في هذه الورقة.

يتسم الاقتصاد السوري كونه اقتصاداً مكشوفاً على الخارج. فكل العقود الماضية من التنمية وما رافقها من صمود وتصدي للسياسات العالمية لم تؤدي سوى إلى تعميق التبعية الاقتصادية للخارج. وهذه الملاحظة في المحصلة تكشف لنا فشل مشروع أو ما دعي بمشروع التنمية.
ولا يحتاج إثبات هذا الفشل للكثير من العناء, حيث يكفي نظرة متفحصة للآلية التي يعمل عبرها الاقتصاد السوري حتى ندرك مدى اعتماده على الخارج.
وما يهمنا من المسألة هنا هو تحديد الشكل الذي يتأثر فيه الاقتصاد, وذلك على قاعدة اعتماده على الخارج. فدرجة الانكشاف على الخارج تتحدد من خلال رصد الطبيعة الهيكلية للواردات من جهة, وارتفاع الميل المتوسط للاستيراد من جهة أخرى. والمهم في رصد درجة تبعية الاقتصاد السوري للخارج أنها تكشف لنا في المحصلة حساسية هذا الاقتصاد و تأثره بما يجري خارجاً.
فحين نلقي نظرة إلى شكل تطور وارداتنا سنلاحظ أنه في عام 2000 كان حجم وارداتنا 187535 مليون ليرة, هذا بينما عام 2004 سيقفز هذا الرقم إلى 327019.2مليون ليرة. كما هو موضح في الجدول أدناه.

جدول 1 تطور التجارة الخارجية لأعوام 2000 – 2004 (مليون ليرة)
السنوات صادرات واردات عجز/ فائض
2000 216190.4 187535 28655.4
2001 243148.9 220744.2 22404.7
2002 315919.3 235754.3 80165
2003 265138.9 236768.3 28270.6
2004 249014.2 327019.2 - 78005

وفي هذا السياق سنلاحظ أن الفجوة بين الصادرات والواردات راحت تتحول تدريجياً من موجبة إلى أن أصبحت سالبة في نفس العام حيث وصل العجز إلى 78005 مليون ليرة عام 2004.
وهذه الصورة ستصبح غاية في القتامة ما إن نجرد صادراتنا من البترول والثروات الباطنية إذ ذاك سيقفز العجز إلى أرقام فلكية, فما بالكم إن حولنا هذه الأرقام إلى الدولار بسعر السوق؟!
والمهم في المسألة هنا هو الشكل وحجم درجة اعتمادنا على الخارج, حيث ستتضح هذه التبعية ما إن نلقي نظرة على هيكل الواردات التي راحت تجر معها ذاك التضخم القادم من الخارج.
فقد كان حجم مستورداتنا من المواد المصنعة حوالي 17.536 مليار ليرة عام 1999, بينما في عام 2005 سيتطور هذا الرقم حتى يصل إلى 268.265 مليار ليرة. وفي نفس السنوات أيضاً ستتطور وارداتنا من المواد النصف مصنعة من 20.554 مليار, إلى 192.253 مليار.

جدول 2 الاستيراد حسب طبيعة الاستخدام
السنوات طبيعة المواد
خام مصنوعة نصف مصنوعة
استيراد تصدير استيراد تصدير استيراد تصدير
1999 4920 32515 17536 4667 20554 1698
2000 23233 176564 70928 28210 93374 11416
2001 22660 199211 92409 32482 105675 11456
2002 21621 234874 101401 52014 112732 14665
2003 26579 204843 96031 43571 114158 16625
2004 41141 207358 184658 87700 163207 51108
2005 41851 257503 268265 102476 192253 171289

وبالتدقيق بالجدول أعلاه سنلاحظ حجم اعتمادنا على الخارج, فالواردات من المواد المصنعة تعادل حوالي ثلثي حجم مستورداتنا. ومستورداتنا من المواد النصف مصنعة حوالي ربع الواردات. ومن خلال تحليل هذه المستوردات سنلاحظ أن غالبيتها مواد تعد كونها وسائل إنتاج, ووسائط نقل.. , أي بالمجمل مواد يغلب على قسم منها كونها تدخل مباشرة في عملية الإنتاج وقسم آخر معد للاستهلاك المباشر.
وعندما نعود للتذكير بالارتفاع الذي طرأ على الأسعار في البلدان المصدرة لنا فإننا سندرك أن ارتفاع الأسعار تلك قد تم تسربه عبر عملية الاستيراد المشوهة لدينا, يضاف إلى هذا السبب سبب آخر وهو تراجع سعر الصرف الذي يعكس تدهور سعر الليرة مقابل العملات الأخرى وهو الشيء الذي ضاعف من أسعار السلع المستوردة مقومة بالليرة السورية.
وأياً يكن الأمر, فإن التراجع الذي طرأ على حجم الإنتاج لدينا إن كان الزراعي منه أو الصناعي, أدى إلى زيادة انكشاف اقتصادنا على الخارج, وهو الشيء الذي جعله شديد الحساسية تجاه المتغيرات الخارجية. ومن هنا سنلاحظ كثرة القنوات التي تسرب منها التضخم, وأدى إلى نتائج كارثية كان المستهلك الأخير هو من يدفع ضريبتها على طول الخط, وليس التاجر أو الصناعي أو المرابي.. .

العوامل الداخلية للتضخم:

لقد حاولنا أعلاه إلقاء الضوء على بعض القنوات التي تسرب من خلالها التضخم, والتي كان لها كبير الأثر في زيادة أسعار السلع لدينا. بيد أننا وبعد أن نلقي الضوء على العوامل الداخلية المولدة للتضخم, سنجد أن هذه الأسباب كانت وما زالت حاسمة في أهميتها, كما سنلاحظ مباشرةً.

يستطيع القارئ أن يقوم بجولة تصفحيه على مجمل الدراسات السورية التي اهتمت بالاقتصاد السوري بشكل عام وبظاهرة التضخم بشكل خاص؛ والنتيجة التي سيحصل عليها هي دائماً وحدة الموقف والآراء!!. فالجميع ممن اطلعت على تصريحاتهم إن كانوا مسئولين, أو كتاب مقالة, جميعهم كان مجمع على أن التضخم لدينا, عند مستويات مقبولة عالمياً,( فقد كانت نسبة التضخم في الأشهر الخمسة الأولى لعام 2007 3.8%, مقارنة ب/8ر12/ بالمائة و/8ر6/ بالمائة لنفس الفترة من عامي /2006//2005/ على التوالي.).
وأياً يكن من أمر هذه التصريحات وتلك المقالات إلا أن الواقع والأرقام المعبرة عنه دائماً أصدق, فماذا تقول لنا هذه الوقائع؟

لحساب حجم ومستوى التضخم, هناك مجموعة من المعايير التي يمكن اعتمادها في القياس, ومنها احتساب معدل تطور أسعار السلع مقاساً بمعدل تطور الأجور. ومنها أيضاً, رصد آثار التضخم على واقع الحياة اليومية بالنسبة للقوى الاجتماعية السورية, أو مقارنة حجم الناتج الإجمالي مقوما بالدولار بسعر السوق الجاري بالنسبة لسلة من السنوات.. إلى آخره.
*********************
منذ مطلع الثمانينات, والأجور تمشي مشي السلحفاة, بينما الأسعار تحلق كالسنونو. وعلى الرغم من الزيادات التي طرأت على مستوى الأجور في العقود الماضية إلا أن القيمة الفعلية لهذه الأجور, ستكون عكس ما هي عليه قيمتها الاسمية. ويكفي في هذا الصدد مراجعة الجدول أدناه حتى تتكشف لنا الأمور.
فالقوة الشرائية ستنخفض بشكل دراماتيكي, بين منتصف الثمانين وعام 2001. فنظرة سريعة على الجدول رقم 3
جدول رقم (3) انخفاض القوة الشرائية الحقيقية للأجر 1987 ـ 2001
السلعة الوحدة الكمية الممكن
شراؤها عام 1985 الكمية الممكن شراؤها بعد زيادة عام 1987 نسبة الكمية الممكن شراؤها في عام 1987 مقارنة مع عام 1985 نسبة الخسارة في القوة الشرائية للأجر بين 85 ـ 87 الكمية الممكن شراؤها بعد زيادة الرواتب 2001 بأسعار عام 1999 نسبة الكمية الممكن شراؤها عام 2001 مقارنة مع عام 1987 نسبة الخسارة أو الزيادة في القوة الشرائية للأجر من عام 87 ـ 2001
لحم غنم هبرة كغ 19 12 63% 37% 10.15 84.5% - 15.5%
لحم هبرة عجل كغ 27 15 55% 45% 15 100% ـ
فروج كغ 52 38 73% 27% 40 105% + 5%
بيض كرتونة 30بيضة 44 38 86% 14% 40.6 108% + 7%
حليب معقم/ زجاجة 1/2 كغ 483 318 66% 34% 305 96% - 4%
فول يابس كغ 181 149 82% 18% 122 82% -18%
عدس كغ 181 140 77% 23% 87 62% -38%
طحينة عبوة كغ 66 37 56% 44% 35.8 97% -3%
معكرونة وشعيرية ربطة 66 79 119% +19% 87 110% +10%
حمص كغ 161 133 83% 17% 87 66% -34%
حلاوة كغ 48 43 89% 11% 40.6 94% -6%
سكر حر كغ 242 149 62% 38% 108.7 73% -27%
رز حر كغ 290 159 55% 45% 98.2 62% -38%
زيت نباتي كغ 104 61 59% 41% 38 62% -38%
قهوة حب كغ 33 12 36% 64% 13.2 110% +10%
شاي حر كغ 76 47 63% 27% 16.9 36% -64%
براد 8 قدم 0.60 0.34 57% 43% 0.36 105% +5%
منظف سار 1.2كغ 81 66 82% 18% 55 83% -17%
غاز اسطوانة 56 40 71% 29% 24.3 61% -39%
أحذية رجالية
نوع أول حذاء 10 7 70% 30% 4.7 67% -33%
صابون كغ 91 66 82% 18% 41.7 63% -37%
فرن غاز فرن 0.66 0.50 76% 24% 0.47 94% -6%
سجاد صوفي م2 4 2 50% 50% 3 150% +50%

ستجعلنا ندرك بأن الخسارة التي طرأت على القوة الشرائية أصابت إجمالي السلع الاستهلاكية ولكن بشكل خاص, تلك السلع ذات الاستهلاك المباشر والمتعلقة باستهلاك الغالبية العظمة من القوى الكادحة في سوريا. فالسكر سيسجل خسارة تقدر ب27%, والرز 38%, والزيت 38%... إلى آخره. وبالمختصر سنلاحظ أن النتيجة الهامة التي سنحصل عليها:
أولاً سنلاحظ حجم تدهور القوة الشرائية بين منتصف الثمانينات وعام 2001. وحتى بعد زيادة الرواتب ستكون هذه القوة الشرائية أقل مما كانت عليه عام 1987.
ثانياً: إن (زيادات الأسعار المتوالية الفعلية في السوق الداخلية وانخفاض القوة الشرائية الحقيقية من عام 1987 ولغاية 2001 في السوق الداخلية التي حاولت التصدي لمجموعة من الإختلالات والتشوهات في التوازنات والتناسبات الاجتماعية أدت فعلياً إلى تآكل القيمة الحقيقية للرواتب والأجور). الأمر الذي يدل بوضوح تام على المعاناة غير المحدودة لذوي الدخل المحدود بصورة خاصة.
ثالثاً: يتضح لنا جلياً الحجم الحقيقي للتضخم, من جهة, والقيمة الحقيقية للأجور من جهة أخرى. فتكاليف المواد الغذائية للفرد ستكون 16 ليرة عام 1987, بينما في عام 2001 وبأسعار عام 1999الثابتة ستصبح 48 ليرة. أي أن سعر المواد الغذائية ستتضاعف ثلاث مرات, في الوقت الذي ستزداد فيه الأجور لنفس الفترة 1.5 مرة, وهذا ما سنلاحظه مباشرة في الجدول 4.
رابعاً: وبالاستناد إلى ما سبق, سنلاحظ أن أكثر من نصف المجتمع السوري يعيش تحت خط الفقر. ومن أجل توضيح هذه النتيجة الأخيرة سنقوم ببعض الحسابات, التي قد تكون مفيدة لنا في التحليل.

يقدر حجم احتياجات الإنسان السوري من الغذاء بحوالي 2400 حريرة وهي موزعة على الشكل التالي:

جدول 4 الوجبة الأساسية للفرد
البيان الوزن عدد الحريرات ل.س بأسعار 1987 ل.س بأسعار 1999
خبز 500 غ 1275 1.5 3.75
بيض عدد 1 50 غ 75 1 2.5
جبن 25 غ 108 1.25 2.25
لحم 75 غ 200 6 15
خضار 250 غ 65 1.75 7.5
فواكه 200 غ 60 2 4
أرز 70 غ 280 0.12 0.70
شاي + زيتون 65 غ 237 1.50 7.30
مواد مختلفة 100 غ 100 0.88 4.70
المجموع 2400 16.00 48

ومن الجدول أعلاه سنلاحظ أن إنساننا السوري يحتاج كي يجدد طاقته ونشاطه, إلى 2400 حريرة, وهو عملياً الحد الأدنى للكفاف.
والنتيجة الأولى التي سنحصل عليها, أنه إذا ما أخذنا معدل إعالة وسطي أي 1/ 4 للأسرة الواحدة فالنتيجة ستكون:
48 ليرة مواد غذائية للفرد في اليوم الواحد مضروبة ب5 عدد أفراد الأسرة = 240 ليرة سورية في اليوم أي في الشهر 7200 ليرة سوريا.
وإذا كنا نعلم بالاستناد إلى مكتب الإحصاء, أن 59.8% من الإنفاق, موجه للمواد الغذائية, فإن المواد الغير غذائية تشكل 40.2%من احتياجات الأسرة, أي 4800 ليرة. وبذلك يكون متوسط احتياجات الأسرة المكونة من 5 أفراد 7200+ 4800 = 12000 ليرة سورية. فأي دخل في سوريا وتحديداً في القطاع العام يغطي هذا الاستحقاق, مع العلم أن حساباتنا هي حسابات الحد الأدنى؟؟!.

والآن لمعرفة حجم السوريين الواقعين تحت خط الفقر دعونا نتأمل الجدول رقم5.

جدول رقم 5 توزيع العاملين بأجر (+ 15 عام) حسب فئات الرواتب
ف1/ 5000ليرة ف2/6000 ف3/ 7000 ف4/ 8000 ف5/ 9000 ف6/ + 9000
609761 398506 344327 360142 233713 710981

من الجدول أعلاه سنلاحظ أن أكثر من ثلاثة أرباع العاملين بأجر, لا يغطي دخلهم تكاليف الحد الأدنى للمعيشة. وأن أكثر من نصف العاملين, لا يغطي دخلهم الاحتياجات الأساسية من المواد الغذائية. وهذه الحقائق المغرقة في بساطتها, تؤكد في مجال لا يدعو إلى الشك, أن الفقر المدقع أصبح هو الظاهرة السائدة في سوريا وذلك بعد عقود من التنمية. وإن الثرثرات الإقتصادوية والتي تتحدث عن تضخم عند مستويات مقبولة, هي في نهاية التحليل لا تعدو كونها ثرثات.
فالسياسة الاقتصادية التي أدت إلى تآكل القيمة الشرائية للأجور, مضافاً إليها سياسة تحطيم الأجور التي اعتمدت عبر سنوات, أدت إلى نتائج كارثية, كان شعبنا من أبناء الدخل المحدود هو من دفع ضريبتها.
وإن المعطيات السابقة هي معطيات محسنة عن واقع أكثر مرارة وأكثر قسوة, تفرزه سياسات لا اقتصادية, عملت عبر سنوات على تحطيم كل شيء جميل في حياة إنساننا الطيب.
فلا عجب والحال كما رأينا, في أن تسيطر على مجتمعنا حالة من الانحطاط. تكثر فيها عمالة الأطفال, والتسرب من التعليم, والبطالة, وانتشار العهر بأرقام لا سابق لها, هذا عداك عن تراجع الإنتاج المعرفي وتجديد الثقافة, وانحطاط الفنون بأنواعها.. .إلى آخره.

مما سبق سنلاحظ أن أهم أسباب التضخم لدينا, اولاً انكشاف اقتصادنا على الخارج, وهو الشيء الذي عبر عن نفسه من خلال ارتفاع الحجم النسبي للواردات, وتركز هذه الواردات على المواد المصنعة تحديداً.
وثانياً تدني مستوى الأجور وما رافقه من سياسة سعرية سفيهة أدت إلى حدوث فجوة عظيمة بين الأسعار والأجور. ومع العلم أن الارتفاع المفتعل لأسعار المحروقات الذي حدث في السنوات الماضية أدى إلى جر سلسلة من الزيادات على أسعار السلع الاستهلاكية.
وثالثاً انتشار الفساد بأشكال لا سابق لها, مما أدى إلى تحول السوق الرسمية السورية إلى سوق سوداء, وما رافقه ذلك من انكشاف المستهلك النهائي, وخضوعه بالكامل لمزاجية التجار وبائعي المفرق.
رابعاً,الغياب الكامل للعمل التنظيمي النقابي منه أو الحزبي أو حتى الأهلي, وهو الشيء الذي يسمح للقوى الكادحة بأن تدافع عن حقوقها, وتحسن من شروط الأجور والعمل الخاضعة له بالكامل.


************************************
24-11-2007
- ملاحظة: أعتذر عن سوء النشر الإلكتروني للجداول, للمهتم يمكن الحصول على هذه الجداول عن طريق البريد.
- حول مفهوم الدورة الاقتصادية راجع رمزي زكي, الاقتصاد السياسي للبطالة.
- راجع حول ذلك, رمزي زكي, التضخم المستورد.
- راجع حول ذلك, بول باران وبول سويزي, رأس المال الاحتكاري.
- شارل ليفنسون, التضخم العالمي والشركات المتعددة الجنسيات. ترجمة سهام شريف, وزارة الثقافة.
- والمثير للسخرية أن هذه العبارات متطابقة في أكثر من مقال, فالسيد تميم أبو أحمد- سيريانيوز يقول(..كان ارتفاع معدل التضخم من 6% عام 2005 إلى 10 % عام 2006 هذا ما أعلنته الحكومة إلا أن الأرقام غير الرسمية تقول أن التضخم في سورية جاوز 15% في العام 2006 وذلك لأسباب كثيرة أهمها الطلب الخارجي المتزايد على المنتجات السورية) ويأتي بعده السيد صافي شجاع- وهو من خريجي كلية (المحاسبة) لدينا- ويردد العبارة السابقة طبق الأصل. ولكن قد يكون ذلك توارداً للأفكار, أو ربما اقتباس مع نسيان ذكر المرجع.
- الأسعار والأجور, الدكتور فهد الخطيب, جمعية الثلاثاء الاقتصادي.

- المرجع السابق.
- نشرة الوسطي السنوي لأسعار التجزئة المنشورة في المجموعة الإحصائية لعام 2000. راجع المرجع السابق.
- ملفات مكتب الإحصاء 2006.



#صبر_درويش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطبيعة الهيكلية لليد العاملة السورية
- أزمة.. أم انهيار اقتصادي
- الحادي عشر من أيلول
- سيناريوهات المرحلة الراهنة
- نقد الفكر اليومي
- علاقة الداخل والخارج في الفكر اليومي السوري
- في مواجهة الأزمة.. المعارضة والنظام السوري الحاكم
- الفقرفي سوريا
- أسطورة التدخل الأمريكي
- الأبعاد الاجتاعية للمشروع الديموقراطي
- نقد مصطلح العولمة


المزيد.....




- مئات الشاحنات تتكدس على الحدود الروسية الليتوانية
- المغرب وفرنسا يسعيان إلى التعاون بمجال الطاقة النظيفة والنقل ...
- -وول ستريت- تقفز بقوة وقيمة -ألفابت- تتجاوز التريليوني دولار ...
- الذهب يصعد بعد صدور بيانات التضخم في أميركا
- وزير سعودي: مؤشرات الاستثمار في السعودية حققت أرقاما قياسية ...
- كيف يسهم مشروع سد باتوكا جورج في بناء مستقبل أفضل لزامبيا وز ...
- الشيكل مستمر في التقهقر وسط التوترات الجيوسياسية
- أسعار النفط تتجه لإنهاء سلسلة خسائر استمرت أسبوعين
- -تيك توك- تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية ...
- المركزي الياباني يثبت الفائدة.. والين يواصل الهبوط


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - صبر درويش - التضخم في سوريا