أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبر درويش - أسطورة التدخل الأمريكي















المزيد.....


أسطورة التدخل الأمريكي


صبر درويش

الحوار المتمدن-العدد: 1539 - 2006 / 5 / 3 - 11:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سنناقش هنا مسألة, طالما شغلت الوسط السياسي السوري؛ وساهمت بشكل أو بآخر بتشكيل الاصطفافات السياسية الراهنة.
وأقصد بهذه المسألة, إشكالية التدخل الأمريكي في المنطقة عموماً وفي سوريا خصوصاً.

ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر في إسقاط النظام العراقي, واستبداله بنظام آخر. كما عملت جاهدة على فرض جملة من التغييرات على النظم الخليجية وجارها النظام الليبي, وذلك بشكل قد يبدو للوهلة الأولى غير مباشر.
وهاهي تحضر الآن لسيناريو شبيه بذلك, يصيب بأبعاده النظام السوري. وهو ما يعيد إلى الأذهان طرح السؤال من جديد حول كيفيات هذا التدخل وطريقة ترجمته الواقعية.
والسؤال المهم هنا والذي يلتف حوله الجدل السياسي في سوريا كما غيرها من مناطق العالم, هو التساؤل حول مغزى هذا التدخل وأبعاده المتسترة خلف أردئة الممارسات المباشرة للسياسة الأمريكية.
إن الإجابة عن هذا السؤال ستشكل عاملاً مهماً في صياغة جملة الاصطفافات السياسية في سوريا. وهو ما سنستعرضه بشكل سريع فيما يلي.

تقودني القراءة السياسية نحو تمييز تيارين أساسيين في قراءة مغزى هذا التدخل؛ وأما الأرضية التي يقف عليها هذا التمييز فهي كما أزعم أرضية أيديولوجية تحكم كلّاً من القراءتين السابقتين.
في هذا المعنى لدينا وجهتي نظر حول هذا التدخل؛ ترى الأولى في هذا التدخل الأمريكي ترجمة مباشرة لسياسة الهيمنة التي اعتمدتها الولايات المتحدة الأمريكية على العالم وذلك عقب الحرب العالمية الثانية. في هذا المعنى نستطيع- حسب وجهة النظر هذه – أن نستنتج بسهولة كبيرة مغزى هذا التدخل كونه يعكس رغبة الولايات المتحدة في الهيمنة على خيرات بلداننا وثرواتها, ومن ثم تكييفها بما ينسج وحركية تدويل رأس المال الاحتكاري الأمريكي. إذن لا يوجد مشروع أمريكي كما يدعي الإعلام الأمريكي ذاته سوى مشروع يهدف إلى تحقيق مصالح هذه الأخيرة.
وعلى أي حال لدى هذا التفسير ما يبرره وذلك خصوصاً إذا انطلقنا من قراءة تاريخ أمريكا الأسود. حيث سنكتشف من دون عناء أن جملة الممارسات الأمريكية السابقة تذهب في هذا الاتجاه.
أما وجهة النظر الثانية, فلها طابعاً أخلاقي؛ بمعنى أنها ترى في هذا التدخل انعكاس لرغبة أمريكية حقيقية في استقرار منطقة الشرق الأوسط. وهذه الرؤية لا تنفي وجود المصالح الأمريكية, بيد أنها ترى أن تحقيق هذه المصالح يفترض توفر مناخاً من الاستقرار السياسي من جهة, وسيادة نظم أكثر مرونة ودينامية من جهة أخرى.
يفترض الاستقرار السياسي ضرب أو قل سد الطريق أمام جميع الحركات ذات الطابع الأصولي والتي تعتمد العنف في إطار ممارستها السياسية, هذا من جهة, ومن جهة أخرى فإن سيادة نظم أكثر مرونة يفترض الديمقراطية كشكل محدد تسير من خلاله العملية السياسية.
بالمختصر. تفترض المصالح الأمريكية في المنطقة سيادة نظم ديمقراطية من جهة وسد الطريق أمام الحركات الأصولية من جهة أخرى.
وأياً يكن الأمر, فإن المشروع الأمريكي السابق الذكر يذهب- حسب وجهة النظر هذه- في اتجاه مصلحة شعوب المنطقة وهو ما يفترض دعم هذا المشروع لما فيه دعم لمصلحة المنطقة بالمجمل.

أزعم في هذا السياق أن أغلب التحليلات السياسية التي تناولت إشكالية التدخل الأمريكي في المنطقة تتراوح فيما بين هاتين الرؤيتين. فهي إذن تتراوح بين مسوغ لهذا التدخل, وشاجباً له... إلى آخره.

* * * * * * * * * * *
للكشف عن مغزى التدخل الأمريكي في المنطقة, ومن ثم تصميم موقف سياسي واضح حيال هذا التدخل, أزعم أنه علينا الابتعاد عن الأحكام القيمية التي يمكن أن توجه التحليل؛ كما يتوجب علينا التخلص- على الرغم من معرفتي بصعوبة هذه المهمة بالنسبة للبعض- من ذهنية تفسير الحدث بمنطق المؤامرة؛ والأهم من هذا وذاك علينا الابتعاد عن الدوغمائية في التحليل, بمعنى, أن التحليل الذي يصح على مرحلة وظروف سابقة ليس من الضرورة أن يكون صالحاً في كل المراحل وفي كل الأزمان.. إلى آخره.
وانطلاقاً من كل هذا وعلى هذه الأرضية بالتحديد سننطلق في محاولتنا الإجابة عن سؤال مغزى التدخل الأمريكي في بلداننا بشكل عام وفي سوريا بشكل خاص.

* للولايات المتحدة الأمريكية مصالح ذات طابع جيواستراتيجي, وهو ما يشكل القاعدة الموضوعية التي تنبني عليها السياسة الأمريكية بالمجمل.
ومع مزيد من التدقيق يمكن لنا أن نلاحظ, أن للولايات المتحدة الأمريكية سياسة استراتيجيه واحدة, تحكم جملة ممارساتها على صعيد عالمي, بيد أن لهذه السياسة تجليات متعددة بتعدد الظروف والشروط العالمية.
تنبني السياسة الأمريكية على صعيد عالمي, على أساس مفهوم الهيمنة. وكان قد تبلور هذا المفهوم عقب الحرب العالمية الثانية.
وعت النخب السياسية الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية, مدى القوى الهائلة التي تمتلكها بلادهم, تحديداً عقب انتهاء الحرب, وهو بطبيعة الحال ما أنعش فكرة الهيمنة هذه, وأعطاها زخمها فيما بعد.
إن جملة السياسات التي سيتم تصميمها على يد النخب الحاكمة في واشنطن فيما بعد, ستنبني على أساس هذه الفرضية بالتحديد, أي فرضية الهيمنة.
2 – منذ أن حلت المعجزة في شمال غرب أوربا, وانتشارها فيما بعد لتشمل كافة القارة الأوربية والولايات الأمريكية المتحدة واليابان؛ والعالم, كل العالم, مقسوم إلى بلدان تشكل بمجملها مركز النظام العالمي وبلدان أخرى تشكل أطراف هذا النظام.
إن الشكل الذي سيحكم العلاقة فيما بين هذين الطرفين سيحدد الأفق اللاحق لتطور النظام العالمي الجديد.
أما طبيعة هذه العلاقة, فستتحدد في إطار علاقة تبعية تشد الأطراف إلى المركز, وهو ما سيشكل المحفز الأساسي لاشتعال المنافسة بين أمم المركز في محاولتها اقتسام الهيمنة على هذه البلدان.
إذن القاعدة التي ستنبني عليها العلاقات بين أمم المركز, هي قاعدة المنافسة بين أقطاب تسعى دائماً إلى تحسين موقعها في الهيمنة على هذه التشكيلات الطرفية.

مع انتهاء الحرب العالمية الثانية, ستبدأ اللوحة العالمية بالتغير في اتجاه كسر هذه القاعدة. حيث سيتمخض عن جملة ممارسات الولايات الأمريكية المتحدة على مدار العقود الأخيرة من القرن المنصرم, هيمنة هذه الأخيرة على العالم, وتحجيم دور أغلب المنافسين القائمين أو المحتملين.وهو ما سيعبر عن الصيغة الاستثنائية التي راح يسير عبرها العالم. فالمنافسة هي القاعدة, التي تحكم جملة النظام العالمي, هذا بينما الهيمنة فهي الاستثناء.
ليس لمفهوم الهيمنة أبعاد أخلاقية أو تبشيرية أو... إلى آخره, كما يسَوق إلى ذلك أيدلوجياً.
بل للمفهوم قاعدة اقتصادية- سياسية ينبني عليها. فالاقتصادي هو الذي يحكم السياسي, في نهاية المطاف وليس العكس. بمعنى, أن حركة تدويل رأس المال وإعادة إنتاجه الموسع تفترض توسعاً دائماً في الأسواق, وهو بطبيعة الحال ما يعكس ميل رأس المال الكامن للتوسع اللامحدود.
في ظل التطورات الراهنة للنظام العالمي, وعلى قاعدة شدة التشابكات الاقتصادية على صعيد عالمي, والسرعة الغير مسبوقة لحركة تدويل رأس المال.. إلى آخره, على قاعدة كل هذا أقول أن العالم كل العالم أصبح يشكل مجالاً حيوياً لحركة تنشيط رأس المال الأميركي؛ و الولايات الأمريكية المتحدة لا تسعى في المرحلة الراهنة من أجل الهيمنة على العالم وإنما تسعى من أجل الحفاظ على موقعها في الهيمنة العالمية.
3 – هل تشكل البلدان التي ينال منها التغيير- العراق, أفغانستان, سوريا..- مجال حيوي بالنسبة للولايات الأمريكية المتحدة؟
يسارع أصحاب النظرة الأولى التي تحدثنا عنها أعلاه, إلى القول أن هذه البلدان تشكل حقاً بعداً استراتيجي اقتصادي للولايات الأمريكية المتحدة؛ أما هذه المصالح الاقتصادية التي يجري الحديث عنها فتتبلور من خلال مطامع الولايات الأمريكية المتحدة في الاستحواذ على نفط المنطقة وباقي مصادر الطاقة أولاً, والسيطرة على أسواق المال والسلع ثانياً.
يحكم هذا التحليل نظرة لا تاريخية, بمعنى, أن هذا التحليل يضيع على نفسه القدرة على التقاط المتغير في النظام العالمي, والأشكال الجديدة التي راح يتجلى عبرها هذا المتغير. فما هي هذه المتغيرات الجديدة التي جعلت من التحليل السابق نافلاً؟

حكمت ثنائية مركز- أطراف, خارطة العالم على مدى عقود من الزمن؛ بيد أن سلسة المتغيرات التي أثرت في المنحى العام لسير النظام, ستفرض خارطة جديدة على العالم.
ففي المرحلة الراهنة, لا يسعنا الحديث عن مركز - أطراف إلا بحدود ضيقة جداً, فهذه المعادلة لم تعد تفي بصياغة صورة متكاملة عن العالم. فإضافتاً إلى أمم المركز, لدينا تلك البلدان التي يمكن أن نطلق عليها اسم التشكيلات الطرفية المندمجة, كما لدينا أيضاً وفي ظل المرحلة الراهنة بلدان لم تنجح في مواكبة تطور العصر فحكم عليها بالتهميش.وهو ما يمكن أن نسميه بالتشكيلات الاجتماعية المهمشة.
تنتمي البلدان الممتدة من بنجلادش مروراً بأفغانستان وباكستان والبلدان العربية حتى إفريقيا جنوب الصحراء, إلى هذه التشكيلات المهمشة, أي الواقعة خارج الفاعلية العالمية.
إذ أن هذه البلدان لم تستطع السير في عملية التصنيع ومن ثم عجزت عن تحديث بناها الاقتصادية- الاجتماعية؛ وهو بدوره ما انعكس على موقعها في التراتبية العالمية. وإذا لم تندرج هذه البلدان في إطار البلدان الطرفية المصنعة, فهذا لا يعني أنها تخصصت في الإنتاج الزراعي, فهذه البلدان إجمالاً عاجزة عن تحقيق أمنها الغذائي فما بالك أن تساهم في الدخول في السوق العالمية للمنتجات الزراعية؟! فهذه البلدان في المجمل لا تعدو كونها مصدرة للمواد الخام فقط لا غير.
إن هذا التأكيد النظري يجعلنا نستبعد من إطار التحليل القول برغبة الولايات الأمريكية المتحدة بنهب ثروات المنطقة, فالمنطقة بالمجمل لا تحتوي على ثروات أصلاً وإن وجدت فالطغم الحاكمة هنا ستتولى أمرها, وأما كثرة الطنطنة برغبة الولايات الأمريكية المتحدة في السيطرة على منابع النفط فالوقائع تقول أن مجمل إنتاج المنطقة من النفط عائد للشركات الأمريكية ذاتها, فما جدوى كل هذه الطنطنة إذن؟!!. وأما مطامع أمريكا في أسواق هذه المنطقة, فكلنا بات يدرك مدى هشاشة أسواقنا التي لا تدفع بلد مثل ماليزيا للطمع بها فما بالكم الولايات الأمريكية المتحدة؟؟
وفي هذا السياق يبقى السؤال قائماً حول مغزى التدخل الأمريكي في المنطقة وأبعاد هذا التدخل.فكيف يمكن أن نصيغ إجابتنا في ظل المعطيات السابقة؟

لقد قلنا أعلاه أن الخارطة السياسية للعالم تتوزع بين بلدان المركز وبلدان طرفية مندمجة وأخرى مهمشة.
تشكل الأطراف المندمجة المجال الحيوي للولايات الأمريكية المتحدة.وتضم هذه المنطقة كلاً من أمريكا اللاتينية وأوربا الشرقية وجنوب شرقي أسيا إضافتاً إلى الصين والهند وإيران.
عملت الولايات الأمريكية المتحدة مبكراً, على فرض هيمنتها على هذه البلدان. فنجحت بإخضاع أمريكا اللاتينية إذ أدرجتها ضمن الخطوط الحمراء الأمريكية. كما استطاعت أن تحسن من شروط هيمنتها على مناطق أخرى من العالم كجنوب شرقي آسيا؛ هذا بينما عجزت عن فرض هيمنتها على مناطق أخرى كالصين وإيران مثلاً. وأياً يكن الأمر, فإن للولايات الأمريكية المتحدة تصوراً واضحاً لكيفية حماية نهجها في السيطرة على العالم, وما يقتضيه ذلك من تعطيل لأي إمكانية للمنافسة.
على هذه الأرضية يرى سياسيي واشنطن أن هناك بلداناً" أكبر من اللازم" وهو ما أو يمكن أن يشكل خطراً على المدى الاستراتيجي يهدد استمرار سياسة الهيمنة. يفترض مواجهة هذا الخطر, تصميم سياسة محددة لمواجهة هذه البلدان المعتبرة أكبر من اللازم. والسؤال الآن: هل يشكل زرع قواعد عسكرية في المناطق المحيطة بهذه البلدان عنصراً مهماً من عناصر السياسة الخارجية الأمريكية في قسمها المصمم لحماية مجالها الحيوي؟
أزعم في هذا الصدد أن بلداناً مثل الصين وروسيا وإيران... تشكل بلداناً أكبر مما تشتهي الولايات الأمريكية المتحدة, وهو إضافتاً إلى جملة من الاعتبارات الأخرى ما يجعلها منافساً محتملاً, وهذا بطبيعة الحال يشكل خطراً على السياسة الأمريكية في الهيمنة على العالم, فهذه السياسة كما أسلفنا, لا تسمح بوجود منافسين أكبر من اللازم.
تقع كلاً من باكستان وأفغانستان والعراق والمحميات الخليجية إضافتاً لسوريا وتركيا على الخط الحدودي لهذه البلدان. وهذه الملاحظة واستناداً إلى التصورات التي سقناها سابقاً, تجعلنا نفهم مدى أهمية هذا البلدان من الوجهة الأمريكية, ليس في ذاتها وإنما في الموقع الجغرافي الذي تشغله. في هذا المعنى يصبح لهذه البلدان أهمية كونها تشغل مكاناً حدودياً لبلدان طرفية تسعى جاهدتاً لأن تدخل الأسواق لا كبلدان تابعة وإنما كبلدان منافسة, وهو ما يسير بعكس ما تشتهيه السياسة الأمريكية.
وهكذا نلاحظ أن أهمية هذه البلدان تأتي من كونها تشكل قواعد حيوية تستطيع من خلالها الولايات الأمريكية الضغط على خصومها- منافسيها المحتملين, وهو ما يذهب في اتجاه تعزيز سياستها في الهيمنة.

لقد دعمت الولايات الأمريكية المتحدة فيما مضى الكثير من النظم ذات الطبيعة الدكتاتورية, عداك عن دعمها للفصائل الإسلاموية, وكانت في هذا السياق تحاول إيجاد الوسائل المناسبة والتي تمكنها من مواجهة منافسيها؛ ومع انكسار هؤلاء المنافسين وبروز منافسين جدد كان لابد من ابتكار الوسائل والأدوات الجديدة والتي عليها أن تمكنها من دخول حلقة جديدة من المنافسة.
لقد اقتضت المرحلة السابقة وجود نظم ديكتاتورية, بينما المرحلة الراهنة فهي تقتضي على ما يبدو وجود نظم هلامية تستطيع أن تأسس دول رخوة يمكن توظيفها بكل سهولة في حروب الولايات الأمريكية المتحدة الاقتصادية وهو ما يجري العمل عليه الآن.

4 – ما الذي يمكن أن نستخلصه مما سبق؟
بالاستناد إلى الملاحظات السابقة نستطيع القول أولاً: أن للولايات المتحدة تصور استراتيجي للعالم, يقع مفهوم الهيمنة في مركز هذا التصور.ثانياً: أن النظام العالمي راح يتكون في المرحلة الراهنة من بلدان تشكل مركز النظام وأخرى تشكل أطرافه المندمجة, وأما التشكيلات التي دعوناها بالمهمشة فهي خارج الفاعلية العالمية للنظام. وثالثاً: تكمن أهمية هذه البلدان الأخيرة كون بعضها يندرج في إطار البلدان التي تستحوذ على منابع الطاقة, والأغلبية الأخرى منها فأهميتها تكمن في كونها تقع على تخوم البلدان الطرفية المندمجة والفاعلة في النظام العالمي, والولايات المتحدة معنية بضبط هذه الأخيرة بكيفيات كبيرة, وهو ما يعطي البلدان التي تقع على تخومها تلك الأهمية.رابعاً: كي تلعب هذه البلدان "التخومية" دورها بكيفية مقبولة, كوسيلة- أداة ضغط بيد الولايات المتحدة, عليها أن تتصف بصفات محددة أهمها أن تسودها نظم حليفة غير مشروطة للسياسة الأمريكية وهو ما يحدد مسبقاً طبيعة هذه النظم وطبيعة حاملها السياسي.

لقد دعمت أمريكا بشكل مباشر أو غير مباشر النظم الديكتاتورية والفصائل الإسلاموية في مناطق كثيرة من العالم, وكانت في هذا السياق تحاول التصدي لما اعتبرته الخطر الأكبر, وأقصد هنا المد التقدمي بأيدلوجيته الاشتراكية.وكان هذا في ظروف الزمان, بيد أن هذه الظروف لا تلبث تتغير حتى تقرر الولايات المتحدة انتهاء مهمة هذه النظم وتلك الفصائل. وأما البديل المقترح في المرحلة الراهنة فيتحدد من خلال تحديد طبيعة ما تعتبره أمريكا عدوها الراهن. وهذا العدو الراهن كما أزعم عدو اقتصادي بالدرجة الأولى, وهو بطبيعة الحال ما يفرض شكلاً محدداً للمواجهة, وأشكالاً محددة من الوسائل الكفيلة بخدمة هذا التوجه.

لقد قمنا أعلاه بتثبيت وجهة نظرنا حول مغزى التدخل الأمريكي, وذلك بشكل حاولنا أن يكون متسقاً مع الإطار العام للتحليل الذي يتناول آلية عمل النظام بأبعاده العالمية.
فجاء تحليلنا اشتقاق جزئي لعمل النظام الكلي. ويبقى التحليل في هذا السياق ناقصاً ما لم يستكمل بتحديد الموقف السياسي من هذا التدخل, وشكل التعاطي معه.
فكيف يمكن صياغة هذا الموقف في ظل المعطيات السابقة؟؟

تمتلك الولايات الأمريكية المتحدة, كغيرها من بلدان العالم, الحق في العمل على تحقيق مصالحها وفق الرؤية التي تراها مناسبة, وللشعوب الواقعة على مروحة هذه المصالح أن تبتكر الأشكال المناسبة للتعاطي مع هذا التوجه الأمريكي أو ذاك.
تتقاطع مصالح شعوب المنطقة ومنها الشعب السوري بطبيعة الحال, مع السياسة الأمريكية بنقطة واحدة وحيدة, ألا وهي تفكيك النظم الحاكمة هنا, وبالتالي فتح صيرورة الصراع بعد أن عملت هذه النظم على إغلاقه ردحاً من الزمن.

يشير السياق العام للأحداث على أن الولايات الأمريكية مصممة على تفكيك هذه النظم؛ وأما البديل المقترح, والمؤهل أكثر من غيره لتمرير المشروع الأمريكي في المنطقة- وفقاً للرؤية التي سقناها سابقاً- فهو بناء نظم حليفة من طراز جديد, نظم قادرة على أن تبني دولاً "رخوة" أولاً, ومستعدة على أن تكون حليف غير مشروط للولايات الأمريكية ثانياً. وأما ما نقصده بالدولة الرخوة أي تلك الدولة المستعدة لتنفيذ السياسة الليبرالية الاقتصادية وهو ما ينسجم مع الرياح العامة للاقتصاد السائد أولاً, ورخوة بمعنى أنها قادرة على أن تكون أداة طيعة في خدمة الساسة الأمريكية ثانياً. هل تشكل الدولة ذات "المزاج" الطائفي نموذجاً لهذا التوجه؟؟. لنتابع التحليل.

للولايات المتحدة الأمريكية أسلوبان واضحان في إدارة شؤونها الخارجية, أحدهما سياسي غير مباشر, والثاني عنفي- عسكري مباشر. هذا ما يمكن التقاطه بسهولة من خلال طريقة التعاطي الأمريكية مع الشأن السوري.

يتجلى التدخل السياسي هنا من خلال دعم الولايات المتحدة لتلك القوى السياسية المنسجمة مع هذا التوجه, أي تلك القوى التي لا تجد مانعاً في تبني السياسة الليبرالية الاقتصادية من جهة, وتمتلك مرونة لا بأس بها في السير في عملية التطبيع مع إسرائيل من جهة ثانية. أزعم في هذا السياق أن الولايات الأمريكية المتحدة ستدعم القوى السياسية السورية المنسجمة مع هذا التوجه أي الاتجاهات الليبرالية الاقتصادية بما فيها التيارات الدينية المعتدلة, والتي ينحصر تناقض هذه الأخيرة مع الولايات المتحدة في المستوى الأيديولوجي دون المستوى السياسي- الاقتصادي.
في أي اتجاه يصب هذا المشروع؟ من الواضح أن المشروع السابق يعبر عن مصالح طرفين أساسيين ألا وهما أصحاب رؤوس الأموال في الداخل السوري؛ وفي مصلحة الولايات الأمريكية المتحدة.
تطرح المعادلة السابقة التساؤل حول مصلحة القوى الشعبية الكادحة- وهي الأغلبية كما نعلم- من هذا المشروع السياسي المقترح؟
أزعم أن للقوى الشعبية السورية مصلحة واحدة من كل هذا السيناريو السياسي ألا وهي تحرير طاقاتها الطبقية وتمكينها من صياغة مطالبها وتصميم آلية الدفاع عن حقوقها المشروعة.
وهذا التحرير هو نتاج طبيعي لتفكيك النظام الشمولي الحاكم ومن ثم كسر لعملية لجم تطور الصراعات الاجتماعية التي طال انبنائها.
إن مصلحة القوى الشعبية هو فتح صيرورة تطور البنية الاجتماعية السورية, بعد أن أغلق هذا التطور عقود من الزمن, وأما خارج هذه النقطة فلا مصلحة تجمع بين الطرفين, وهو بطبيعة الحال ما يرتب على القوى الشعبية الكادحة أن تنتج مشروعها السياسي من خلال إنتاجها لقواها السياسية, أي يترتب على هذه القوى أن تنتج الحامل السياسي لمشروعها المستقبلي, وتخوض عبره اللعبة السياسية التي نأمل أن تسود في المرحلة المقبلة, ومن هنا يصبح على هذه القوى الكادحة أن تعمل جاهدة من أجل تكريس الديمقراطية, ومن ثم تقديم مشروعها النقيض على قاعدة هذه الديمقراطية بالتحديد, وهو أيضاً ما يشكل الصيغة الأمثل لمواجهة كل المشاريع التي تذهب بعكس اتجاه مصالحها الطبقية.


* * * * * * * * * * * * *
- راجع حول هذه المسألة, سمير أمين, عولمة تحت السلاح, مجلة النهج. *



#صبر_درويش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأبعاد الاجتاعية للمشروع الديموقراطي
- نقد مصطلح العولمة


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبر درويش - أسطورة التدخل الأمريكي